برلماني جزائري: حل «ملف الذاكرة» بين الجزائر وفرنسا سياسي أولاً

نفيسي دعا لإجراءات عملية لطي صفحة الماضي التاريخي الذي أسسه الاستعمار

النائب بالمجلس الشعبي الوطني سعيد نفيسي (الشرق الأوسط)
النائب بالمجلس الشعبي الوطني سعيد نفيسي (الشرق الأوسط)
TT

برلماني جزائري: حل «ملف الذاكرة» بين الجزائر وفرنسا سياسي أولاً

النائب بالمجلس الشعبي الوطني سعيد نفيسي (الشرق الأوسط)
النائب بالمجلس الشعبي الوطني سعيد نفيسي (الشرق الأوسط)

قال برلماني جزائري إن مشكلة «الذاكرة» لا تزال تهيمن على العلاقات المتداخلة بين الجزائر وفرنسا، وعدّ أن حلها سياسي، رغم محاولة حصرها في طابع تاريخي علمي، داعيا إلى إجراءات عملية لطي صفحة الماضي التاريخي الذي أسسه الاستعمار.

وأضاف النائب بالمجلس الشعبي الوطني، سعيد نفيسي، لـ«وكالة أنباء العالم العربي» أن «العلاقات الجزائرية الفرنسية لها هذه الخصوصية المرتبطة بالتاريخ، وتشابك العلاقات بشريا واقتصاديا سياسيا وأمنيا»، ولا تزال في «حالة مد وجزر»، لا يتوقع أن تنتهي قريبا. مؤكدا أنه بالرغم من وجود إرادة معلنة بين قيادة البلدين لتذليل الصعاب، ومحاولة تجاوز بعض العقبات، تبقى مشكلة الذاكرة بالنسبة للجزائر «قضية مبدئية غير قابلة للتفاوض».

الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي بمناسبة زيارته للجزائر في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أعلن تاريخ ذكرى مجازر 8 مايو (أيار) 1945 «يوما وطنيا للذاكرة» في عام 2020. وهي المجازر التي خلفت وراءها نحو 45 ألف قتيل جزائري في يوم واحد في صفوف متظاهرين بكل من سطيف وقالمة وخراطة شرقي العاصمة، حسب المصادر التاريخية الجزائرية، بينما تشير المصادر الفرنسية إلى أعداد أقل.

وفي ذلك التاريخ خرجت مظاهرات عارمة في ربوع الجزائر احتفالا بانتهاء الحرب العالمية الثانية، ورفع فيها الشعب الجزائري مطلب الاستقلال. علما أن السلطات الاستعمارية خلال الحرب العالمية الثانية وعدت بمنح الجزائر استقلالها إذا ساعد الجزائريون على تحرير فرنسا من النازية، عبر مشاركتهم في التجنيد في صفوف الجيش الفرنسي، والمشاركة في جبهة القتال. لكن السلطات الفرنسية نقضت عهدها بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وقابلت المظاهرات الجزائرية بالقمع، حيث ارتكبت وحداتها جرائم مروعة في حق المتظاهرين.

صورة أرشيفية للكولونيل مارسيل بيجار (واقفا على اليمين) في معاقل الثورة الجزائرية (مواقع مهتمة بحرب الجزائر)

لذلك يعد تاريخ 8 مايو 1945 محطة مفصلية في تاريخ الجزائر، حيث ينسب كثير من المؤرخين لهذا التاريخ ترسخ فكرة ضرورة تفجير ثورة مسلحة ضد الاستعمار الفرنسي لنيل الاستقلال، بعدما تبين للسياسيين والناشطين الجزائريين آنذاك أن فرنسا لن تعطي للجزائريين استقلالهم دون كفاح مسلح، لتندلع بذلك ثورة التحرير بعد نحو 10 سنوات في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1954.

الاعتراف بالتاريخ

أشار الرئيس الجزائري أكثر من مرة إلى مسألة «الذاكرة»، وتحدث عنها مجددا بمناسبة إحياء الذكرى التاسعة والسبعين لمجازر 8 مايو 1945، حين قال في خطاب للشعب: «إن ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي بفعل مرور السنوات، ولا يقبل التنازل والمساومة، وسيبقى في صميم انشغالاتنا حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية، جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية».

وأضاف تبون قائلا: «وإنني في الوقت الذي أؤكد فيه الاستعداد للتوجه نحو المستقبل في أجواء الثقة، أعد أن المصداقية والجدية مطلب أساسي لاستكمال الإجراءات والمساعي المتعلقة بهذا الملف الدقيق والحساس، وما يمثله لدى الشعب الجزائري الفخور بنضاله الوطني الطويل، وكفاحه المسلح المرير».

الحسن زغيدي رئيس لجنة الذاكرة من الجانب الجزائري (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

وفسر نفيسي تصريحات تبون بما يراه الطرف الجزائري من ضرورة «الاعتراف بالتاريخ، ورد المظالم وإظهار الحقيقة كما هي، فهناك استعمار ظلم الجزائر، ونكل بأبنائها، وسلب ثرواتها وعطل تنميتها، وهناك شهداء ضحايا الاستعمار الوحشي». مضيفا أن «الحقوق لا تذهب بالتقادم، والاعتراف هو أقل واجب، ومشكلة الذاكرة ستبقى محل نقاش رغم محاولة إبعادها عن طابعها السياسي إلى طابعها التاريخي العلمي، لكن نهايتها ستكون سياسية، وتوجيها سياسيا».

المؤرخ بنجامان ستورا رئيس لجنة الذاكرة عن الجانب الفرنسي (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

وشكل الرئيس الفرنسي لجنة يرأسها المؤرخ الفرنسي ذو الأصول اليهودية المولود بالجزائر، بن يامين ستورا، للإشراف على تقرير تاريخي حول الاستعمار والحرب التحريرية بالجزائر، سلمه في 2021 للرئيس الفرنسي، بينما كلف الرئيس تبون المؤرخ الجزائري عبد المجيد شيخي بمتابعة ملف الذاكرة، وهو الذي كان يصر على ضرورة استرجاع الأرشيف الجزائري من فرنسا لفترة الاحتلال الفرنسي للجزائر من سنة 1830 إلى 1962.

غير أن نفيسي يرى أن الإرادة السياسية لدى الطرف الفرنسي ما زالت دون المستوى المطلوب، لكنه أكد أن الإصرار على الحقوق هو «المخرج الوحيد لاسترجاعها والحصول عليها».

سجال سياسي

لا يزال ملف الذاكرة محل سجال سياسي بين الطبقة السياسية الجزائرية ونظيرتها الفرنسية، خاصة من تيار اليمين المتطرف، الذي يرفض أن تعترف فرنسا بالجرائم المرتكبة في مستعمراتها، في حين لوح سياسيون جزائريون بمبادرة لسن قانون يجرم الاستعمار، ردا على إصدار الجمعية الوطنية الفرنسية قانونا في 23 من فبراير (شباط) 2005 يمجد الاستعمار.

عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء (الحزب)

كانت حركة «مجتمع السلم» قد طرحت منذ 19 عاما مقترح قانون يجرم الاستعمار الفرنسي لكنه بقي حبيس أدراج البرلمان الجزائري. وقالت الحركة في بيان: «نحن في حركة مجتمع السلم نحمل في رصيدنا النضالي والفكري ذاكرة الشعب الجزائري المتمسكة بتجريم الاستعمار، وعدم التنازل عن مطالب الاعتراف بالجرائم، والاعتذار للشعب الجزائري والتعويض للضحايا».

وأكدت الحركة أن ملف الذاكرة «لا يسقط بالتقادم ولا يقبل الابتزاز والتنازل، ولا يمكن الحديث عن تجاوز مرحلة دموية ووحشية إلى مرحلة نسيان وطمس للذاكرة، والحلم بعلاقات طبيعية ومزدهرة مع مستعمر قديم، لم يغير من ثقافته وسلوكه».

لكن السلطات الفرنسية قامت هذا العام بخطوة مهمة في مسار ملف الذاكرة، حين صادقت الجمعية الفرنسية في نهاية مارس (آذار) الماضي على قرار يدين مجزرة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1961 في باريس، والتي راح ضحيتها نحو 300 متظاهر جزائري، حسب تقديرات المصادر التاريخية الجزائرية، بينما تقر السلطات الفرنسية بمقتل 40 متظاهرا ألقيت جثثهم في نهر السين بباريس.

وأدرج 17 أكتوبر ضمن الأيام الوطنية الفرنسية، تخليدا لضحايا قمع الشرطة لمتظاهرين جزائريين، تحت سلطة مدير الشرطة آنذاك موريس بابون. لكن نوابا من اليمين المتطرف رفضوا ذلك القرار، بينما تزامن تصويت البرلمان الفرنسي عليه مع إعلان الرئاسة الفرنسية عن زيارة تبون إلى فرنسا.

كان الرئيس الجزائري قد تحدث منذ شهر عن زيارته المرتقبة إلى فرنسا في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل على أنها موعد مع التاريخ، مؤكدا سعيه لإعادة تأسيس العلاقات مع الرئيس الفرنسي، لكنه شدد على عدم التنازل عن أي جزء من ملف الذاكرة.

في هذا السياق، يرى البرلماني الجزائري نفيسي أن فرنسا «تعيش مرحلة تخبط في موضوع التاريخ والهوية لأن هناك جيلا جديدا لم يعد بالمرونة والسهولة، التي كانت عليها الأجيال السابقة، حيث توجد موجة ارتباط بالهوية الأم في العالم كله». مشيرا إلى أن فرنسا فيها جالية كبيرة مسلمة عربية، فيما الجالية الجزائرية الرسمية تتجاوز مليونين ونصف المليون، لذلك بدأت فرنسا تدخل في صراعات غير معلنة مع هويات الشعوب التي تقيم على أرضها، على حد قوله.

وعدّ نفيسي أن هناك مؤشرا على إرادة فرنسا تثبيت هويتها في بعدها المسيحي على حساب الهويات الأخرى. وقال موضحا: «النيات وحدها لا تكفي في مسألة الذاكرة، فلا بد من إجراءات عملية لطي صفحة الماضي التاريخي، الذي أساسه الاستعمار والتدمير والنهب، ومعالجة المستقبل برؤية يكون فيها عدم إنكار الماضي، وفيها عقلية تشاركية، بعيدا عن الاستعلاء وتراعي مصلحة البلدين».


مقالات ذات صلة

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

شمال افريقيا مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

قبول طعن بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الخليج عبد المجيد تبون خلال استقباله الأمير عبد العزيز بن سعود في القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائر (واس)

بتوجيه من ولي العهد السعودي... وزير الداخلية يلتقي الرئيس الجزائري

بتوجيه من الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، التقى الأمير عبد العزيز بن سعود، وزير الداخلية، الخميس، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

الكاتب الجزائري - الفرنسي صنصال يستأنف قرار احتجازه

وُضع الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال رهن الاعتقال في وحدة احتجاز في أحد مستشفيات الجزائر العاصمة، فيما استأنف فريق الدفاع عنه قرار احتجازه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا الكاتب الجزائري بوعلام صنصال يتحدث في مؤتمر صحافي خلال الدورة الثانية والستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي 9 فبراير 2012 (أ.ب)

الجزائر تواجه دعوات متزايدة للإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال

دعا سياسيون وكتاب وناشطون إلى الإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مخاطباً أعضاء اتحاد المزارعين الجزائري (الرئاسة)

الجزائر تعلن «الاقتراب» من التحرر من تبعيتها للمحروقات

أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن تصدير المحروقات «من أجل استيراد غذائنا سياسة خاطئة، وعلينا إنتاج ما نستهلكه».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

تونس: سجن وزير سابق 3 سنوات بـ«تهم فساد»

وزير البيئة الأسبق رياض المؤخر (الشرق الأوسط)
وزير البيئة الأسبق رياض المؤخر (الشرق الأوسط)
TT

تونس: سجن وزير سابق 3 سنوات بـ«تهم فساد»

وزير البيئة الأسبق رياض المؤخر (الشرق الأوسط)
وزير البيئة الأسبق رياض المؤخر (الشرق الأوسط)

قضت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية في تونس العاصمة، الجمعة، بالسجن لمدة ثلاثة أعوام في حق وزير البيئة الأسبق، رياض المؤخر، بحسب ما تداولته صحف محلية ووكالة أنباء تونس الرسمية.

ويتعلق ملف القضية بإحدى الصفقات العمومية، التي أبرمتها وزارة البيئة للتزود بسيارات إدارية لفائدة مصالحها.

كما قضت الدائرة المتعهدة بالسجن لمدة عامين اثنين في حق إطار من الحماية المدنية ملحق بوزارة البيئة.

في سياق ذلك، قضت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس، الخميس، بالسجن مدة أربعة أعوام في حق مسؤول أمني، وثلاثة أعوام سجناً في حق أربعة أمنيين آخرين؛ وذلك من أجل تهم «تتعلق بتكوين جماعة بغاية الاعتداء على الأملاك، واستغلال موظف عمومي لصفته، من أجل استخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره، والإضرار بالإدارة، ومخالفة التراتيب المنطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة، وإلحاق الضرر المشار إليهما، والتدليس واستخدامه فيما هو مضر بمصالح الغير، واستخدام ما حصل عليه من أختام تابعة للسلط العمومية، والارتشاء من موظف عمومي».

وتفيد أوراق الملف بأن أعمال رقابة كشفت عن تورط خمسة مسؤولين أمنيين بإحدى الإدارات المركزية في الاستيلاء على أمول خاصة، بمنح وظائف ليلية للأعوان الناشطين في تلك الإدارة، وتحويلها إلى حساباتهم الشخصية.

وكان القطب القضائي المالي قد تعهد بالملف، وقرر إيداع الأمنيين الخمسة السجن، وإحالتهم على أنظار الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي، التي قررت إبقاءهم بحالة سراح، قبل أن تصدِر في ساعة متأخرة من ليلة الخميس أحكامها بسجنهم بين ثلاثة وأربعة أعوام.