هل تغادر تشاد دوامة «الانقلابات» وتدخل المسار الديمقراطي؟

أنهت الماراثون الرئاسي بـ«خروقات» وتنتظر النتائج

مسؤول في مركز اقتراع يقوم بعدِّ الأصوات في مركز الاقتراع بمدرسة أبينا في نجامينا في 6 مايو 2024 خلال الانتخابات الرئاسية في تشاد (أ.ف.ب)
مسؤول في مركز اقتراع يقوم بعدِّ الأصوات في مركز الاقتراع بمدرسة أبينا في نجامينا في 6 مايو 2024 خلال الانتخابات الرئاسية في تشاد (أ.ف.ب)
TT

هل تغادر تشاد دوامة «الانقلابات» وتدخل المسار الديمقراطي؟

مسؤول في مركز اقتراع يقوم بعدِّ الأصوات في مركز الاقتراع بمدرسة أبينا في نجامينا في 6 مايو 2024 خلال الانتخابات الرئاسية في تشاد (أ.ف.ب)
مسؤول في مركز اقتراع يقوم بعدِّ الأصوات في مركز الاقتراع بمدرسة أبينا في نجامينا في 6 مايو 2024 خلال الانتخابات الرئاسية في تشاد (أ.ف.ب)

على وقع أزيز طائرات حربية تطوف سماء حي «شغوا»، على مستويات منخفضة، كانت تشاد تطوي يومها الثاني والأخير من انتخابات رئاسية وُصفت بـ«الاستثنائية» جرت بين 10 مرشحين أبرزهم، رئيس المرحلة الانتقالية محمد إدريس ديبي، ورئيس وزرائه الدكتور سيكسيه مسارا.

وجرت عملية الاقتراع التي اكتنفتها بعض «الخروقات» (الأحد والاثنين) الماضيين، في أجواء «توتر شديدة»، وانتشار أمني في العاصمة نجامينا، ليكون أول ماراثون رئاسي بمنطقة الساحل الأفريقي منذ موجة انقلابات، طارحاً كثيراً من التساؤلات.

وقُبيل إعلان النتائج المبدئية، الخميس، ينقسم جُل التشاديين إلى فريقين رئيسيين كل منهما يأمل لمرشحه حسمها. فهناك من يأمل في فوز الشاب ماسرا، بينما ينتظر آخرون نجاح ديبي «ليستكمل ما بدأه من تنمية»، وكلاهما يتمنى خروج تشاد من «دائرة التوتر»، وفق عمر المهدي بشارة، رئيس «حزب حركة الخلاص الوطني» التشّادية (MSNT).

وعكست الحملات الانتخابية التي شهدتها البلاد طوال الشهر الماضي، حالة من الاحتقان تمثلت في رفع شعارات مبطنة لم تخلُ من التهديد والوعيد، إذا جرى التلاعب بنتائج الاستحقاق، وهو الشعور الذي يراود تشاديين كثيرين.

كما لم يخلُ المشهد الانتخابي من إسالة دماء؛ إذ أفادت تقارير إعلامية تشادية بمقتل ناخب على الأقل في موندو، ثاني أكبر مدينة في الدولة الواقعة في وسط أفريقيا، إلى الجنوب من العاصمة نجامينا، بعد أن فتح مسلحون مجهولون النار على مركز اقتراع.

عمر المهدي بشارة رئيس «حزب حركة الخلاص الوطني» التشّادية «MSNT» (الشرق الأوسط)

وفي ظل أجواء ساخنة، استبق ماسرا وقوع أي تزوير محتمل، موجهاً حديثه إلى مالك منصة «إكس» إيلون ماسك، بمدّ التشاديين بخدمة الإنترنت، بداعي أن «النظام الحاكم سيقطع الإنترنت في حال هزيمته»، كما دعا أنصاره عبر حسابه على «فيسبوك» برصد ومتابعة حالات المخالفة وتوثيقها.

غير أن بشارة، الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» لم يخفِ شكوكه من أن السلطة الانتقالية قد ترفض تسليم الحكم حال إخفاقها في الاستحقاق الذي عدّه «تحصيل حاصل»، متحدثاً لنا على كثير من «الخروقات» التي اكتنفت الانتخابات.

استمارة مسربة لعميلة فرز الأصوات في الانتخابات التشادية (الشرق الأوسط)

ويضع هذا الاستحقاق ديبي في مواجهة ماسرا الذي كان في السابق معارضاً سياسياً، وفرّ إلى خارج البلاد في عام 2022، ولكن سُمِح له بالعودة بعد عام. ويخوض السباق أيضاً رئيس الوزراء السابق ألبرت باهيمي باداكي و7 مرشحين آخرين.

وثمّن ديبي، رئيس الفترة الانتقالية موقف الشعب التشادي، وقال: «بينما تعيش العملية الانتقالية أيامها الأخيرة مع بدء فرز أصوات الناخبين، أشيد بالشعب الذي ذهب إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة وبهدوء لترشيح زعيمه، هذا الصفاء يبلور بشكل رائع النضج الديمقراطي للشعب صاحب السيادة».

وعدّد نشطاء تشاديون أشكال التجاوزات والخروقات التي شابت عميلة الاقتراع، من بينها «عدم عثور مواطنين من الأقاليم الجنوبية لم يجدوا بطاقاتهم في مراكز التصويت، مع اكتشاف صناديق معبأة ببطاقات ناخبين جرى حرقها».

صناديق اقتراع محترقة خلال عملية الاقتراع في تشاد (الشرق الأوسط)

ويبلغ عدد الناخبين المسجلين نحو 8.5 مليون شخص. وإذا لم يحصل أي مرشح على أكثر من 50 في المائة من الأصوات سيجري اللجوء إلى جولة ثانية في 22 يونيو (حزيران). وتزامن التصويت مع انسحاب مؤقت للقوات الأميركية من تشاد، الحليف المهم في منطقة غرب ووسط أفريقيا.

ومن بين الأسئلة التي يطرحها الاستحقاق «الاستثنائي» الذي يحلّ على تشاد: ما مدى إمكانيتها مغادرة «دائرة التوتر» والانتقال إلى المسار الديمقراطي؟ وهناك يقول رئيس «حزب حركة الخلاص الوطني»: «لا نعتقد أننا سنغادر هذه الدائرة سريعاً».

وأرجع بشارة ذلك لأسباب من بينها «الصراعات المسلحة في دول الجوار، والنفوذ الدولي في دول الساحل والصحراء... هذه الأسباب بالتأكيد ستكون عقبة أمام المسار الديمقراطي في تشاد الذي ستعلن نتائجه بشكل نهائي في 21 مايو (أيار) الحالي».

ويرجع كثير من التشاديين أسباب تحليق الطائرات العسكرية، صاحبة (الأزيز) إلى أنها كانت تستهدف مراقبة منزل رئيس الوزراء ماسرا في حي «شغوا»، بموازاة دوريات أمنية ومشاهدة مركبات مدرعة وعربات تقل جنوداً، بالإضافة إلى قوات مكافحة الشغب، خصوصاً في الأحياء الجنوبية المؤيدة للمعارضة بالعاصمة نجامينا.

ويرى الصحافي التشادي أبو بكر محمد عبد السلام، أن بلده كغيره من بلدان المنطقة الأفريقية في شريط الساحل والصحراء، مر بصراعات سياسية واجتماعية واقتصادية عدة على مرّ نصف قرن، «ومنذ استقلاله وحتى الآن يعيش في حالات مزرية واضطرابات مختلفة عقّدت عليه الانتقال الديمقراطي».

استمارة مسربة لعملية فرز الأصوات في الانتخابات التشادية (الشرق الأوسط)

ويعتقد عبد السلام في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه رغم امتلاك تشاد موارد تجعلها في مصاف الدول الناهضة، «فإن الإدارات المتعاقبة القائمة على الحكم القبلي سعت طويلاً لتغذية أطماع القبائل، واللعب على إثنيات بعينها؛ بينما بقية الشعب تشهد عذابات وويلات الحروب المتقطعة من فترة إلى أخرى».

وهنا يستدرك عبد السلام: «تظل هذه الانتخابات كمثيلاتها من الاستحقاقات الأخرى التي مرت، وبنفس الأدوات والأساليب، والتوقعات بفوز مرشح (التحالف من أجل تشاد موحد)»، في إشارة إلى محمد ديبي ووالده الراحل إدريس.

كان ديبي، الذي أدلى بصوته في ساعة مبكرة من صباح (الاثنين)، قد تعهد بتعزيز الأمن، وسيادة القانون، وزيادة إنتاج الكهرباء. وقال في منشور على «فيسبوك» بعد التصويت: «اليوم أتعهد بتنفيذ التزام رابع، وهو إكمال عملية الانتقال (السياسي) التي بدأت في البلاد منذ 3 سنوات. والأمر الآن في يد الشعب الذي يجب أن يُقبل على التصويت بكثافة لاختيار رئيسه».

وزاد عبد السلام من الحديث عن الخروقات التي شهدتها العملية الانتخابية، وقال إنه في ظل غياب إشراف الجهات الدولية على مراقبة الانتخابات، «شوهد كثير من التجاوزات، ووُثّق بعضها» من بينها نقل صناديق الاقتراع، وملؤها لصالح بعض المرشحين، كما سرق البعض بيانات لناخبين وأوصلوها إلى منازل أحد المرشحين.

مسؤول مركز اقتراع يقوم بإحصاء الأصوات في مركز الاقتراع في مدرسة أبينا بنجامينا في 6 مايو 2024 خلال الانتخابات الرئاسية في تشاد (أ.ف.ب)

ويرى الصحافي التشادي أن هذه التصرفات «لا يمكن أن تجلب ديمقراطية، وأي تحول في الحاضنات الديمقراطية يجب أن يتسم بالنزاهة عبر صناديق الاقتراع»؛ «لذا أستبعد أن ينعم بالديمقراطية بلد مر بكل هذا الخراب في التنظيم والأنظمة».

جلّ التخوفات التشادية تتجسد في تشابه المواقف، حيث يعتقد البعض أن هذه الأجواء تتشابه إلى حد ما مع نفس أجواء ما قبل انتخابات الرئيس الراحل إدريس ديبي. وكانت بعض أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، قد استبقت الماراثون، ودعت إلى مقاطعة الانتخابات، وأرجعوا هذا إلى مخاوف بشأن احتمال تزويرها.

واعتلى محمد ديبي السلطة، وأصبح زعيماً لتشاد، في أبريل (نيسان) 2021، خلال عملية وُصفت بـ«الانقلاب العسكري» بعد مقتل والده إدريس ديبي، الذي سبق أن تولى السلطة عبر «انقلاب عسكري» عام 1990. ويرأس محمد، الآن، المجلس العسكري الانتقالي المكون من 15 عضواً.


مقالات ذات صلة

نتنياهو يحصد أرباحاً سياسية في حربه ضد إيران

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث أمام مجمع سوروكا الطبي في بئر السبع الذي تعرض لقصف إيراني يوم الخميس (إ.ب.أ)

نتنياهو يحصد أرباحاً سياسية في حربه ضد إيران

كشفت نتائج استطلاع رأي، اليوم الجمعة، أنه على عكس الحرب على غزة، فإن الحرب على إيران زادت الرصيد السياسي لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تلتقي فعاليات تمثل ريف دمشق (سانا)

اللجنة العليا للانتخابات السورية: مجلس الشعب الجديد خلال شهرين وثلاثة

أعلنت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا بدء أعمالها، الأربعاء، ورجحت تشكيل المجلس الجديد خلال ما بين 60 و90 يوماً.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي المبعوث الأممي يرحب بتأسيس «اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب» في سوريا

المبعوث الأممي يرحب بتأسيس «اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب» في سوريا

رحب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، بتأسيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب بسوريا، قائلا إنها خطوة مهمة تتماشى مع الإعلان الدستوري.

المشرق العربي لبنانية تدلي بصوتها في المرحلة الأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية جنوب لبنان (إ.ب.أ)

مسيحيو لبنان للاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة وفق القانون الحالي

عكست النقاشات حول قانون الانتخابات النيابية داخل مجلس النواب اللبناني تبايناً حاداً في مقاربة القوانين والاقتراحات المقدمة من عدد من الكتل النيابية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أميركا اللاتينية المرشح الرئاسي الكولومبي ميغيل أوريبي يتحدث إلى أنصاره قبل لحظات من إطلاق النار عليه وإصابته (يوتيوب) play-circle 00:28

شاهد لحظة إطلاق النار على مرشح رئاسي كولومبي خلال تجمع انتخابي

أصيب عضو معارض في مجلس الشيوخ الكولومبي ومرشح للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل بالرصاص بعد إطلاق النار عليه خلال تجمع انتخابي في بوغوتا، السبت.

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

السودان يحتج على لقاء رئيس جنوب أفريقيا بـ«تحالف صمود»

رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا يلتقي رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك في القصر الرئاسي في بريتوريا يوم السبت (الصفحة الرسمية لتحالف صمود)
رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا يلتقي رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك في القصر الرئاسي في بريتوريا يوم السبت (الصفحة الرسمية لتحالف صمود)
TT

السودان يحتج على لقاء رئيس جنوب أفريقيا بـ«تحالف صمود»

رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا يلتقي رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك في القصر الرئاسي في بريتوريا يوم السبت (الصفحة الرسمية لتحالف صمود)
رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا يلتقي رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك في القصر الرئاسي في بريتوريا يوم السبت (الصفحة الرسمية لتحالف صمود)

احتجت وزارة الخارجية السودانية بشدة على استقبال رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، وفد التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة «صمود»، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.

وقالت الخارجية في بيان، الأحد، إن «حكومة السودان ترفض أي تعامل من الدول الأفريقية مع هذه المجموعة المعزولة وفتح منابر لها»، مضيفة أنها «ستقيّم علاقاتها بهذه الدول في ضوء دعمها للشرعية الوطنية والوقوف إلى جانب الشعب السوداني في معركة الكرامة».

كان وفد «صمود» قد التقى، السبت، برئيس جنوب أفريقيا بالقصر الرئاسي في بريتوريا، وحثه على دعم جهود السلام في السودان، وفق بيان لجنة الإعلام في التحالف.

وعبر رامافوزا عن اهتمام بلاده بتطورات الوضع في السودان، مؤكداً التزامه بالتواصل مع الأطراف الفاعلة في الإقليم للإسهام في وقف الحرب، والمشاركة في عمليات إعادة الإعمار.

كما تطرق اللقاء للكارثة الإنسانية التي يواجهها الشعب السوداني جراء الحرب.

رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا مع وفد تحالف «صمود» السوداني في القصر الرئاسي في بريتوريا يوم السبت (الصفحة الرسمية لتحالف صمود)

وذكر البيان أن وزارة الخارجية «تتابع تحركات ما يسمى بـ(تحالف صمود)، إحدى الأذرع السياسية الراعية الإقليمية لـ(ميليشيا الدعم السريع) لإيجاد مخرج سياسي بعد الهزائم العسكرية التي تلقتها».

وأشارت الخارجية السودانية إلى أن هذه المجموعة «ليس لها سند شعبي ولا تمثل إلا أفرادها».

وقالت إن «صمود» ساهمت «في خلق الأجواء السياسية التي أدت إلى اندلاع الحرب بسبب إصرارها على احتكار تمثيل المدنيين، وإدارة الفترة الانتقالية، وإقصاء القوى الأخرى، كما أنها عملت على إفشال كل مساعي إطلاق حوار وطني شامل، قبل وبعد الحرب».

وأضافت أن هذه المجموعة «تماهت مع مطالب (ميليشيا الدعم السريع) بأن تبقى جيشاً موازياً في البلاد لفترة لا تقل عن 10 سنوات، ومنحتها الشرعية لإقامة حكومة موازية، بتوقيع اتفاق سياسي معها، تضمّن إنشاء إدارة مدنية في المناطق التي تسيطر عليها (قوات الدعم السريع)».

ودعا وفد «صمود» رئيس جنوب أفريقيا إلى لعب دور فاعل في جهود إحلال السلام، باستثمار ثقل بلاده السياسي والإقليمي لدعم مسار إنهاء الحرب، واستعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي في السودان.

وضم الوفد السوداني رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان: «التيار الثوري»، ياسر عرمان، ورئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي، بابكر فيصل، والمتحدث الرسمي باسم «صمود»، بكري الجاك.

وتأسس التحالف المدني الديمقراطي من قوى سياسية ومدنية مناهضة للحرب، بعد أن أعلن فك ارتباطه السابق عن تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم»، الذي انخرط عدد من فصائله السياسية والمسلحة في «تحالف السودان التأسيسي» إلى جانب «قوات الدعم السريع» لتشكيل حكومة موازية في البلاد، في مقابل الحكومة التي يقودها الجيش السوداني في بورتسودان.