جدل مصري حول كليات «الآداب والتجارة والحقوق»

بعد انتقاد السيسي استمرار الإقبال عليها رغم أزمة توظيف خريجيها

جامعة القاهرة أعرق الجامعات المصرية
جامعة القاهرة أعرق الجامعات المصرية
TT

جدل مصري حول كليات «الآداب والتجارة والحقوق»

جامعة القاهرة أعرق الجامعات المصرية
جامعة القاهرة أعرق الجامعات المصرية

جدل واسع شهدته مصر، خاصة في الأوساط التعليمية، حول زيادة كليات «الآداب والحقوق والتجارة»، وذلك عقب انتقاد الرئيس عبد الفتاح السيسي، استمرار الإقبال عليها، رغم أزمة توظيف خريجيها، الذين يقدرون بمئات الآلاف سنوياً.

ووسط مطالبات برلمانية بإعادة النظر في وضع تلك الكليات النظرية بشكل عام، سواء عن طريق إلغاء بعضها أو إعادة هيكلتها، يرى خبراء تربويون أن قصور الحل على إلغاء بعض هذه الكليات أو دمجها يحمل «فهماً خاطئاً» لمفهوم التعليم، الذي يهدف بالأساس إلى بناء مجتمع وثقافة، وليس فقط إعداد موظفين لسوق العمل.

وفي مصر، يتخرج كل عام أكثر من 700 ألف خريج من الجامعات والكليات والمعاهد الحكومية والخاصة، وبحسب بيانات النشرة السنوية لخريجي التعليم العالي الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن أعداد الخريجين خلال عام 2022، ارتفعت بنسبة 10.6 في المائة، حيث شهد هذا العام تخرج 738.1 ألف شاب.

ويمثل طلاب الكليات النظرية 68 في المائة من نسبة طلاب الجامعات، وفق الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي.

وخلال افتتاحه مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية، الأحد، انتقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استمرار الإقبال على كليات «الآداب والحقوق والتجارة»، ناصحاً الأهالي بإلحاق أبنائهم بالكليات التكنولوجية التي يحتاجها سوق العمل، وقال السيسي مخاطباً أولياء الأمور: «قاعدين كلكم تدخلوا ولادكم (كليات) آداب وتجارة وحقوق، مع كل التقدير... هيشتغل إيه؟». وأضاف: «الابن يبقى زعلان مني وزعلان من الحكومة يقول ما بتشغلوناش ليه؟».

وطلب السيسي من أولياء أمور الطلبة في المراحل التعليمية المختلفة ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية، أن يشجعوا أبناءهم على الالتحاق بالمجالات التكنولوجية الحديثة التي تدر على ذويها وعلى الدولة مليارات الدولارات سنوياً.

السيسي يفتتح مراكز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية (الرئاسة المصرية)

وقال الرئيس المصري: «هناك دول سكانها قليل، لكن عدد من يعملون فيها من أبنائها في مجالات الحوسبة والتكنولوجيا يفوق الـ750 ألف شخص... كل واحد بيعمل (يربح) 100 ألف دولار في السنة يعني 70 مليار دولار». وتابع: «مصر جامعات وكليات وبرامج بعدد ضخم نستهدف أرقاماً طموحة جداً لنخرج مما نحن فيه ونلحق بركب العالم المتقدم».

وأثارت تصريحات السيسي جدلاً جديداً حول الكليات النظرية، انتقل إلى ساحة البرلمان، حيث شهدت الجلسة العامة لمجلس الشيوخ، الاثنين، نقاشاً حول التعليم النظري، وقال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن بمجلس الشيوخ حسام الخولي، إن «كليات الآداب بها تخصصات لا نحتاج إليها، وتخصصات نحتاجها، والباقي غير مطلوب»، متسائلاً: «ما هذا الكم في الكليات النظرية؟ (أعداد طلابها)، وماذا نفعل به؟».

وفي مجلس النواب، طالب العضو عبد المنعم إمام، بـ«إغلاق بعض الكليات النظرية، ومنها كليتا الآداب والحقوق»، ودعا في تصريحات صحافية، الاثنين، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى «وضع استراتيجية كاملة، بشأن إعادة هيكلة بعض الكليات لتواكب سوق العمل والوظائف المطلوبة، في ظل التطور التكنولوجي وعصر الذكاء الاصطناعي».

https://twitter.com/mayasweetrose/status/1784609698223706141

في المقابل، ترى الخبيرة التربوية الدكتورة بثينة عبد الرؤوف أن «الحديث عن جدوى الكليات النظرية يعكس فهماً خاطئاً لمفهوم التعليم»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «يوجد قصر نظر لدى الذين يطالبون بإغلاق الكليات النظرية عبر ربطها بحاجة سوق العمل، وفهم خاطئ لفلسفة التعليم التي تهدف بالأساس إلى بناء مجتمع وتطوير الثقافة، وليس فقط إعداد موظفين لسوق العمل، فلا يوجد مجتمع من دون علم اجتماع أو تاريخ أو جغرافيا».

وبحسب عبد الرؤوف فإنه «يمكن حل مشكلة عدم وجود فرص عمل لخريجي الكليات النظرية عبر دمج التعليم النظري مع الوسائل والمهارات التكنولوجية التي يحتاجها سوق العمل».

وشهدت منصات التواصل الاجتماعي جدلاً واسعاً حول الانتقادات لزيادة أعداد خريجي الكليات النظرية، ما بين مؤيدين ومعارضين. وعلق عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، الحقوقي نجاد البرعي عبر منصة «إكس» بقوله: «بشكل عام موجز ما قاله الرئيس ينصب بالكامل على تحديث التعليم، سواء في الكليات النظرية أو العملية، وسواء في الدراسات التقليدية أو الجديدة...».

ودعم مؤيدون لدعوة السيسي، بضرورة تراجع الإقبال على الكليات النظرية، بالنظر إلى تجارب دول شرق آسيا في التعليم.

فيما انتقد عدد من المتابعين الهجوم على الكليات النظرية وخريجيها، وتعامل البعض معهم بأنهم تخصصات غير مطلوبة للمجتمع.

ولا تعد هذه هي المرة الأولى التي ينتقد فيها السيسي زيادة الإقبال على الكليات النظرية، ففي أبريل (نيسان) 2019، قال السيسي، خلال احتفالية عيد العمال: «يجب أن نجهز أبناءنا وبناتنا بشكل صحيح لسوق العمل، خلال السنوات المقبلة... لا يجوز أن يكون لدينا كل عام 100 ألف خريج من كلية الحقوق ومثلهم من كلية التجارة».

وفي مايو (أيار) 2018، انتقد زيادة أعداد خريجي الآداب، قائلاً إن «كلية الآداب بها 100 ألف طالب، ومئات الآلاف من مختلف التخصصات».

ويوجد الكثير من الأساليب العلمية للتعامل مع عدم وجود فرص عمل لخريجي الكليات النظرية، وفق الخبير التربوي الدكتور حسن شحاتة، «منها ما يسمى (التدريب التحويلي)، وهو يعني أن يدرس الطالب بجانب تخصصه النظري مهارات تكنولوجية وتقنية، تؤهله لسوق العمل».

وقال شحاتة لـ«الشرق الأوسط»: «من الخطأ الترويج لفكرة أن خريجي الكليات النظرية غير مهمين أو لا يحتاجهم سوق العمل، هذا غير صحيح، إذ يوجد خريجو كليات عملية كبيرة مثل الطب والهندسة لا يجدون عملاً».


مقالات ذات صلة

شراكة سعودية – أميركية لدعم تعليم اللغتين العربية والإنجليزية بين البلدين

يوميات الشرق حظي المنتدى بجلسات علمية بين الجانبين (وزارة التعليم)

شراكة سعودية – أميركية لدعم تعليم اللغتين العربية والإنجليزية بين البلدين

السفير الأميركي مايكل راتني: المنتدى هو نتيجة عامٍ من التعاون بين سفارتنا ووزارة التّعليم السعودية.

عمر البدوي (الرياض)
الاقتصاد مسؤولو الذراع الاستثمارية لشركة «إي إف جي هيرميس» ومجموعة «جي إف إتش» المالية خلال إطلاق صندوق التعليم السعودي (إكس)

«هيرميس» تطلق صندوقاً للتعليم بـ300 مليون دولار في السعودية

أطلقت شركة «إي إف جي هيرميس» صندوقاً للتعليم السعودي (SEF) بقيمة 300 مليون دولار لبناء مشغل تعليمي عالمي المستوى في السعودية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شؤون إقليمية جانب من اجتماع الوفدين المصري والتركي في مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالقاهرة (من حساب رئيس مجلس العليم العالي التركي في «إكس»)

مصر وتركيا تتفقان على إنشاء جامعة مشتركة في القاهرة

تم الاتفاق على إنشاء جامعة مصرية - تركية مشتركة بالقاهرة تنفيذاً لمذكرة تفاهم وُقِّعت بين الجانبين خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة في سبتمبر.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره.

محمد عجم (القاهرة)

تفاعل مصري مع بكاء السيسي خلال لقائه قادة القوات المسلحة

السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)
السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)
TT

تفاعل مصري مع بكاء السيسي خلال لقائه قادة القوات المسلحة

السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)
السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)

تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع لحظات بكاء وتأثر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه، الخميس، قادة القوات المسلحة المصرية في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة).

وتصدر وسم «#السيسي_القايد» الترند في مصر، مع مشاركة مقاطع فيديو من لقاء السيسي، والاحتفاء بكلماته.

اللقاء الذي حضره القائد العام للقوات المسلحة المصرية، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول عبد المجيد صقر، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الفريق أحمد خليفة، وقادة الأفرع الرئيسية، تناول، حسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، تطوّرات الأوضاع على الساحتَين الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط».

وخلال اللقاء طلب السيسي من المتحدث العسكري، العقيد غريب عبد الحافظ، أن يسدي له نصيحة، قائلاً: «تنصحني بإيه؟»، ليرد الأخير: «هون على نفسك يا فندم».

وتعليقاً على رد المتحدث العسكري، قال السيسي، الذي بدا عليه التأثر حابساً دموعه: «هما يومان في الدنيا، وبعد ذلك سنموت... يا رب يقبلني».

وأضاف الرئيس المصري مخاطباً المتحدث العسكري أنه «عندما تفهم الحكاية التي نتواجد بسببها في الأرض... لن تهون عليك أبداً»، وتابع: «عندما جاءت السيدة فاطمة أثناء وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قالت له: (واكرباه). فرد عليها الرسول وهو ينتقل إلى الرفيق الأعلى: (لا كرب بعد اليوم على أبيكِ)».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال إن سياسة بلاده الخارجية تتمتع بالاعتدال (الرئاسة المصرية)

وحرص رواد مواقع «التواصل» على مشاركة مقطع الفيديو، الذي يظهر فيه تأثر الرئيس المصري وهو يرد على المتحدث العسكري، من بينهم الإعلامي المصري أحمد موسى.

بينما دعا مغردون أن يعين الله الرئيس المصري ويؤيده بنصره.

وكتب آخرون، متمنين أن يحمي الله السيسي من «كيد الحاقدين».

كما عد حساب آخر بكاء الرئيس «دليلاً على ثقل الحمل الذي يتحمله».

في المقابل، ظهرت تعليقات و«هاشتاغات» ناقدة ومشككة في المشهد الذي تم بثه عبر القنوات التلفزيونية الرسمية.

وهو ما عده الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، «محاولة للتقليل من مكانة البلاد عبر الادعاء بأن حديث السيسي وتأثره هدفهما استعطاف المصريين»، مشيراً إلى أن «وراء هذه الادعاءات جماعات تسعى باستمرار للتشكيك في كل شيء، وفي كل تصريح، بهدف إثارة البلبلة وتحريض الرأي العام».

وأكد فرج لـ«الشرق الأوسط» أن «كلمات الرئيس خلال لقائه قادة القوات المسلحة حظيت بتفاعل واسع في الداخل والخارج»، مشيراً إلى أن «تأثر السيسي خلال اللقاء يعكس حجم التحديات التي تواجهها البلاد». وقال إن «السيسي سبق وقال له إنه كمن يمسك جمراً في يده، نظراً لحجم المخاطر التي تحيط بالبلاد، لا سيما خلال الفترة الأخيرة منذ اندلاع حرب غزة».

وأضاف فرج: «نعيش فترة عصيبة تحتاج حنكة وحكمة في اتخاذ القرارات». وأوضح أن «السيسي تحدث خلال اللقاء عن التهديد الذي يواجه مصر عبر جبهاتها الاستراتيجية الثلاث؛ سيناء شرقاً، وليبيا غرباً، والسودان واليمن جنوباً»، وأكد الرئيس المصري «ضرورة التأني في اتخاذ القرارات حتى لا تفقد البلاد ما بنته من تسليح وتدريب خلال السنوات الماضية».

الرئيس المصري خلال لقاء قادة القوات المسلحة المصرية (الرئاسة المصرية)

ولم يقتصر التفاعل على لحظات التأثر، بل امتد لتصريحات السيسي خلال اللقاء. وقال الإعلامي وعضو ومجلس النواب المصري (البرلمان)، مصطفى بكري، عبر حسابه على «إكس»، إن «حديث الرئيس السيسي مع قادة القوات المسلحة يعكس حرصه على التشاور معهم بشأن التحديات التي تواجه مصر في الوقت الراهن على كافة الاتجاهات الاستراتيجية».

ولفت بكري إلى أن الرئيس المصري أرسل خلال اللقاء رسائل عدة؛ من أبرزها «التأكيد على أن إدارة مصر المتزنة ساهمت في الاستقرار، وأن مصر ليست في معزل عما يدور حولها من أزمات وتحديات، مع التشديد على ضرورة الحفاظ على التدريب والجاهزية للقوات المسلحة للحفاظ على أمن مصر القومي».

من جانبه، أشار الخبير العسكري المصري إلى أن «لقاء السيسي مع الجيش هذه المرة مختلف، حيث حضره قادة الفرق واللواءات، على غير المعتاد في مثل هذه الاجتماعات التي يحضرها (المجلس الأعلى للقوات المسلحة) وقادة الجيوش، ما يعني أن الرئيس أراد أن تصل رسالته لكل جندي».

وحمل لقاء السيسي مع قادة القوات المسلحة «رسائل عدة للداخل والخارج، ملخصها أن الجيش جاهز ومتيقظ»، حسب سمير فرج.

تناول اللقاء، «جهود القوات المسلحة في تأمين جميع الاتجاهات الاستراتيجية للدولة ومدى جاهزيتها لتنفيذ المهام التي تُوكل إليها»، حيث أكد الرئيس المصري أن «القوات المسلحة هي أهم ركيزة للاستقرار في مصر والمنطقة في ظل الأزمات والصراعات التي تحيط بالبلاد على كافة حدودها»، معرباً عن «اطمئنانه تجاه الدور الحيوي الذي يلعبه الجيش في الحفاظ على استقرار البلاد».

وقال السيسي إن «المنطقة تمر بظروف صعبة، ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة والتطورات الجارية في الاتجاهات الاستراتيجية المختلفة، في كافة حدود الدولة الغربية والجنوبية والشرقية والشمال الشرقي».

وأضاف أن «سياسة مصر الخارجية تتمتع بالاعتدال»، مشيراً إلى أن «مهمة القوات المسلحة لا تقتصر على التدريب العسكري فحسب، بل تتفاعل أيضاً مع الوضع السياسي والأمني في الداخل والخارج»، وشدد على «أهمية اتخاذ القرارات السليمة مهما كانت جاهزية القوات للحفاظ على كل المكتسبات التي تحققت خلال 10 سنوات مضت».