هل يقلب انحياز «مؤسس الجنجويد» للجيش السوداني موازين القتال في دارفور؟

عائلة سودانية هربت من منطقة دارفور (رويترز)
عائلة سودانية هربت من منطقة دارفور (رويترز)
TT

هل يقلب انحياز «مؤسس الجنجويد» للجيش السوداني موازين القتال في دارفور؟

عائلة سودانية هربت من منطقة دارفور (رويترز)
عائلة سودانية هربت من منطقة دارفور (رويترز)

أثار إعلان الزعيم القبلي موسى هلال الوقوف مع الجيش السوداني ضد «قوات الدعم السريع» التي يقودها قريبه محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي»، حزمة من التساؤلات تتعلق بتأثير «رجل دارفور» السابق القوي على مجريات الحرب ومستقبلها.

ويقول أنصار الجيش إن عماد الحرب هم «عرب دارفور» وقبيلة «الرزيقات»، لكنّ عدداً من القادة التابعين لـ«قوات هلال» أعلنوا انسلاخهم عنه وانضمامهم لـ«الدعم السريع»، وعدّوا تصريحات الرجل «معبّرة عن موقفه الشخصي، وليس عن موقف القبيلة أو مجلس الصحوة الثوري».

وأعلن موسى هلال، بحسب مقطع فيديو متداول بكثافة في وسائط التواصل الاجتماعي، بشكل مفاجئ، وقوفه مع القوات المسلحة ضد «قوات الدعم السريع»، ودعا مؤيديه لما سمّاه «الوقوف مع السودان ضد من يطعنونه من الخلف»، وتوعد بعدم «ترك السودان للعبثيين والأجانب، الذين غزوا السودان، ومن يأتون بهم».

وهلل أنصار الجيش السوداني ودعاة استمرار الحرب حتى القضاء على «قوات الدعم» لموقف الرجل، وعدّه القيادي الإسلامي المؤيد لاستمرار الحرب هشام الشواني على صفحته على منصة «إكس»، «مهماً وذا دلالة كبيرة، ويمثل مصالح مجموعة كبيرة من العرب الرحل في دارفور، وقاعدتهم الأصلية»، بينما قلل منه أنصار «الدعم»، وقال أحد مؤيديه من المتحدرين من «فخذ» المحاميد الرزيقات في مقطع فيديو، إن تصريحات هلال «مجرد رأي سياسي لا يعتد به ميدانياً، وإن المقاتلين المتحدرين عنهم أساسيون في قوات الدعم السريع».

وأدى إعلان هلال وقوفه مع الجيش لتصدعات في التنظيم الذي يقوده هلال «مجلس الصحوة الثوري»، وقالت «قوات الدعم»، في بيان الأربعاء، إن قوات تابعة لمجلس الصحوة الثوري، انضمت إلى صفوفها. ووزعت مقطع فيديو أعلن فيه من أطلقوا على أنفسهم «قادة في قوات هلال، انشقاقهم عنه وانضمامهم للدعم السريع».

وتبرّأ عدد من القادة الأهليين المنتمين لفخذ «المحاميد» الذي يتحدر منه هلال في مؤتمر صحافي، مساء الثلاثاء، بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، من تصريحات موسى هلال. وقال الأمير يونس الطاهر كرشوم إنهم «تضرروا من حرب الجيش التي لا يميز فيها بين المواطنين العزل والدعم السريع»، ووصف منسوبي الجيش بأنهم أصبحوا «دواعش يقتلون المواطنين على أسس قبلية»، وتعهد «بمواصلة القتال مع (الدعم السريع) إلى نهاية الحرب بوصفها حرباً مفروضة» .

وكان يخشى حدوث صراعات بينية دامية في إثنية «الرزيقات» التي ينتمي إليها الرجلان حميدتي وهلال، لأنها تمثل المجموعة الصلبة لـ«الدعم السريع»، ما قد يقلب طبيعة الصراع رأساً على عقب، بينما يرى آخرون في إعلان هلال الانحياز للجيش السوداني، «تبرئة لقوات الدعم السريع من وصفها بأنها حركة قبلية تتصدرها الرزيقات».

ورأى القيادي بحزب «الأمة القومي» عبد الرحمن الغالي أن إعلان هلال انحيازه للجيش «نقطة مفرحة، وحراك حميد»، تدارك «الزج بالقبائل» في الصراع السياسي، وقال في مقال نشره على وسائط التواصل، إن «خطوة هلال مهمة في رتق النسيج الاجتماعي».

وظلت أجهزة الدعاية الموالية للجيش و«الإخوان» تعمل على وصف الصراع بأنه «بين القبائل العربية في دارفور وبقية أنحاء البلاد»، وعلى جعل قبيلة «الرزيقات» حجر الرحى في استمرار الحرب، على الرغم من أن «قوات الدعم» ضمت العديد من المنتمين لقبائل وسط وشمال السودان، خاصة بعد بدء الحرب، إذ انضم إليها قادة عسكريون من الوسط «الجزيرة، وسنار، والنيل الأزرق» وغيرها.

ويتحدر موسى هلال من قبيلة الرزيقات «المحاميد» العربية الشهيرة، بينما ينتمي دقلو «حميدتي» للرزيقات «الماهرية»، وبين الرجلين خصومة كبيرة، بدأت بالتنافس على قيادة القوات الموالية للرئيس السابق عمر البشير، وبلغت ذروتها بهجوم «قوات الدعم» بأوامر البشير، على «دامرة» هلال وقتْل عدد من أنصاره، وإلقاء القبض عليه وعلى عدد من مساعديه، لمعارضتهم النظام.

النيران تلتهم سوقاً للماشية في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور نتيجة معارك سابقة (أ.ف.ب)

وموسى هلال أحد أشهر قادة ميليشيا «الجنجويد» سيئة الصيت التي تطورت لاحقاً لما عرفت بـ«قوات حرس الحدود»، ووضع هلال تحت لائحة عقوبات أممية تتضمن انتهاكات لحقوق الإنسان، وارتكاب جرائم ضد المجموعات الأفريقية، في حرب دارفور 2003 التي أسفرت عن مقتل 300 ألف شخص ونزوح أكثر من مليونين ونصف المليون، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة قبض بحق الرئيس عمر البشير وثلاثة من مساعديه الكبار، اتهمتهم بـ«جرائم تطهير عرقي وجرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية»، نتيجة للممارسات البشعة التي قامت بها ميليشيا «الجنجويد»، لكن المحكمة لم تصدر لهلال مذكرة قبض مشابهة، رغم وجوده في قائمة عقوبات أميركية تتضمن تجميد أملاكه وأصوله ومنع الشركات الأميركية من التعامل معه.

ورغم قيادة هلال ما عُرفت بـ«قوات حرس الحدود»، وهي التي تحدرت في الأصل من ميليشيا «الجنجويد»، وتسميته في وقت لاحق مستشاراً بديوان الحكم الاتحادي، فإنه تمرد على الخرطوم إثر تشكيل «قوات الدعم السريع» وتفضيل غريمه «حميدتي» عليه، وإيكال أمر قيادتها له.

سوق مدمرة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية دارفور جراء المعارك (أرشيفية - أ.ف.ب)

وفي عام 2014 شنّ هلال هجوماً عنيفاً على حكومة الرئيس السابق البشير، ووجّه لها اتهامات «بتخريب العلاقات بين قبائل دارفور»، وأسس تنظيماً معارضاً أطلق عليه «مجلس الصحوة الثوري».

وبأمر من البشير هاجمت «قوات الدعم» بقيادة «حميدتي» في 2017 منطقة «مستريحة» بشمال دارفور؛ حيث «دامرة» موسى هلال، وقتلت بعض أنصاره، ثم ألقت القبض عليه وساقته بصورة مهينة إلى الخرطوم، وألقت به في السجن وظل هناك حتى بعيد سقوط نظام البشير.

وفي مارس (آذار) 2021 ووفقاً لوساطة أهلية أطلق سراح هلال، وشطبت الدعوى الموجهة ضده بعفو رئاسي، ومن هناك عاد إلى «مستريحة» وأعلن موقفه الداعم للجيش ضد القوات التي يقودها «غريمه» وابن عمومته «حميدتي».


مقالات ذات صلة

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

شمال افريقيا مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط مجلس الأمن في نقاشات حول مشروع قرار بريطاني لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال فوراً والسماح بتسليم المساعدات الإنسانية.

علي بردى (واشنطن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

مصدر مصري مسؤول قال لـ«الشرق الأوسط» إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة ضمن آلية رباعية لتنسيق مساعٍ لحلحلة الأزمة السودانية»

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)

السودان: معارك الفاشر مستمرة... وطرفا الحرب يزعمان التفوق

تضاربت الأنباء بشأن المعارك العسكرية المستمرة في مدينة الفاشر الاستراتيجية في شمال دارفور بالسودان، في ظل مزاعم من طرفي الحرب بالتفوق.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا امرأة وطفلها في مخيم «زمزم» للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

الحكومة السودانية تتهم بعض المنظمات الدولية بتسليم الإغاثة لـ«الدعم السريع»

قالت الحكومة السودانية إن التقارير الدولية التي تشير إلى وجود مجاعة في السودان «كاذبة»، وإن بعض المنظمات «تكتب تقارير من مكاتبها في نيروبي دون إجراء أي مسح».

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا السودان التزم بتقديم جميع التسهيلات المعنية «بانسياب تدفق المساعدات الإنسانية» (وسائل إعلام سودانية)

«السيادة السوداني» يقترح آلية تضم تشاد والأمم المتحدة لاستمرار العمل بمعبر أدري

قال مجلس السيادة السوداني، الاثنين، إن الخرطوم تقدّمت إلى الأمم المتحدة باقتراح من أجل استمرار العمل بمعبر أدري الحدودي مع تشاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

تصاعد أزمة «الدولة» الليبي بعد إعلان تكالة فوزه

صورة أرشيفية للقاء تكالة مع القائمة بالبعثة الأممية (البعثة)
صورة أرشيفية للقاء تكالة مع القائمة بالبعثة الأممية (البعثة)
TT

تصاعد أزمة «الدولة» الليبي بعد إعلان تكالة فوزه

صورة أرشيفية للقاء تكالة مع القائمة بالبعثة الأممية (البعثة)
صورة أرشيفية للقاء تكالة مع القائمة بالبعثة الأممية (البعثة)

تصاعدت أزمة النزاع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اليوم الثلاثاء، بعد إعلان رئيسه السابق محمد تكالة فوزه مجدداً برئاسته، وسط اعتراض خالد المشري، الرئيس الحالي للمجلس، وجاء هذا التصعيد تزامناً مع إغلاق متظاهرين من مدينة الزنتان (غرب) صمام حقل الرياينة للنفط والغاز، الذي يعد أكبر خط نفطي بالبلاد.

وأعلن تكالة، في بيان عقب جلسة للمجلس، بمقره في العاصمة طرابلس، إعادة فوزه وانتخابه رئيساً بحصوله على 55 صوتاً، في أول جولة للتصويت، مقابل مرشحين آخرين، فيما أعاد 48 عضواً انتخاب مسعود عبيد نائباً أول لتكالة في الجلسة، التي قاطعها المشري.

تكالة أعلن إعادة فوزه وانتخابه رئيساً بحصوله على 55 صوتاً (إ.ب.أ)

وقال تكالة عقب إعلان فوزه إن المجلس قام بما وصفه «عملية انتخابية متكاملة»، مشيراً إلى حضور 73 عضواً في هذه الجلسة، كما أعرب عن أمله في نجاحه بإحداث توافقات بين أعضاء المجلس.

وكان تكالة قد استبق هذه الجلسة بعقد اجتماع، مساء الاثنين، بحضور نائبه الأول ومقرر المجلس، مع مسؤولي المجلس لبحث التجهيز للجلسة.

في المقابل، سارع المشري إلى التأكيد على أن جلسة إعادة انتخاب تكالة «لا قيمة لها»؛ لأنها صادرة عن «غير ذي صفة»، وقال في تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء، إنها «ليست سوى فصل جديد لتعزيز انقسام المجلس»، لافتاً إلى تمسكه بشرعية رئاسة المجلس، إلى حين الفصل في الخلاف عبر القضاء.

وكان أعضاء في المجلس قد شككوا في عدم تحقيق هذه الجلسة نصابها القانوني، وأوضحوا أن الكتلة التي اجتمعت في السابق بنصاب قانوني، وبحضور مندوب من بعثة الأمم المتحدة، لن تحضر بأكملها.

المشري في لقاء سابق مع السفير الأميركي ريتشارد نورلاند (البعثة)

والتزمت البعثة الأممية الصمت حيال ما نقلته وسائل إعلام محلية عن مصادر بإبلاغها تكالة «عدم اعترافها بهذه الجلسة»، وأنها «لن تتخذ أي موقف بشأن أزمة مجلس الدولة، حتى يفصل القضاء فيها، أو الوصول لحل توافقي».

في شأن مختلف، نظم محتجون وقفة أمام مقر رئاسة حكومة «الوحدة» المؤقتة في العاصمة طرابلس، اليوم الثلاثاء، تنديداً بخطف العميد مصطفى الوحيشي، القيادي بجهاز الاستخبارات الليبية.

وتأتي هذه الوقفة بعدما اقتحم محتجون بشكل مفاجئ، مساء الاثنين، خط نقل الغاز بالرياينة، وأغلقوا الصمام الرئيسي الذي يربط بين الرياينة ومليتة، ومنها إلى إيطاليا، كما أشعلوا إطارات السيارات، وأغلقوا الطريق المؤدية إلى مدينة الزنتان للمطالبة بالإفراج فوراً عن الوحيشى، تزامناً مع تجمع عدد من السيارات التي كانت مدججة بالأسـلحة المتوسطة والثقيلة للضغط على حكومة الوحدة المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وعبر عدد من شباب وأهالي الزنتان، في بيان مساء الاثنين، عن استنكارهم لاختطاف الوحيشي، وحملوا الدبيبة ومحمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، المسؤولية عن عملية خطفه في أثناء عودته من عمله. ونقلت وسائل إعلام محلية عن شهود عيان تجمع عدد كبير من السيارات المسلحة داخل الزنتان، انتظاراً لتحركات تصعيدية جديدة، حال عدم إطلاق سراح الوحيشي، بالتزامن مع إغلاق بوابة المدينة.

ويغذى صمام الغاز مجمع مليتة للنفط والغاز، الذي يقع على مسافة 540 كيلومتراً جنوب غربي طرابلس، وتديره شركة مليتة للنفط والغاز الإيطالية، بالشراكة مع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، وهو المسؤول عن إمدادات الغاز الطبيعي إلى إيطاليا. وسبق أن أغلق الصمام عدة مرات في السابق، على خلفية احتجاجات محلية، ومطالبات بدفع مستحقات جهاز حرس المنشآت النفطية.

صورة وزعتها حكومة «الوحدة» لاجتماع رئيسها مع محافظ المصرف المركزي

بدوره، أكد عبد الحميد الدبيبة خلال لقائه، اليوم الثلاثاء، مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، أهمية التنسيق بين المصرف والحكومة بهدف خدمة المواطن، ودعم الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى ضرورة توحيد الجهود الوطنية بهدف تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيزه، وخلق برامج مشتركة لدعم القطاع الخاص الليبي، وذلك وفق أسس وثوابت أساسية.

كما شدد الدبيبة على رفع مستوى التنسيق بين المصرف ووزارة الاقتصاد والتجارة، فيما يتعلق بالميزانية الاستيرادية، وضبطها وفق احتياجات السوق المحلية، واستمرار التنسيق مع وزارة المالية لضبط وتنظيم الإنفاق الحكومي في كافة أبوابه، مشيراً إلى الاتفاق على أهمية الاستمرار في الشفافية والإفصاح، وتنفيذ كافة الإجراءات الحكومية بمعايير عالية من الشفافية.

ونقل الدبيبة، عن عيسى تأكيده على ضرورة انتظام صرف المرتبات الشهرية والمنح في مواعيدها المحددة، معلناً صرف مرتبات الشهر الماضي قبل يوم الخميس المقبل.

في شأن مختلف، قال نيكولا أورندو، سفير الاتحاد الأوروبي، إنه بحث، اليوم الثلاثاء، في تونس، مع محمد الشامسي، سفير الإمارات، الوضع السياسي والأمني في ليبيا، حيث جددا التزامهما بتوحيد المؤسسات الليبية من خلال الانتخابات الوطنية. كما رحبا بحل أزمة المصرف المركزي، وطالبا باتفاق شامل بشأن التوزيع العادل والشفاف للموارد الوطنية، وعلى أن العملية التي تتم بوساطة البعثة الأممية هي السبيل الوحيد لضمان الاستقرار الدائم والوحدة.