«200 يوم على حرب غزة»... ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟

أقارب الأسرى الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب في وقت سابق لمطالبة الحكومة بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق المحتجزين (أ.ف.ب)
أقارب الأسرى الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب في وقت سابق لمطالبة الحكومة بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق المحتجزين (أ.ف.ب)
TT

«200 يوم على حرب غزة»... ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟

أقارب الأسرى الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب في وقت سابق لمطالبة الحكومة بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق المحتجزين (أ.ف.ب)
أقارب الأسرى الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب في وقت سابق لمطالبة الحكومة بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق المحتجزين (أ.ف.ب)

بعد مرور 200 يوم على اندلاع الحرب في قطاع غزة، لا تزال الجهود الرامية لوقف إطلاق النار مستمرة، حتى لو بصورة مؤقتة، وإن لم يكن هناك «أفق واضح» بشأن قدرة جهود الوسطاء في مصر وقطر والولايات المتحدة على «حلحلة الأزمة»، في ظل «عقبات وعثرات» عدة عرقلت التوصل إلى اتفاق «هدنة»، بين إسرائيل وحركة «حماس»، حيث يتمسك كل طرف منهما بشروطه، دون «أي رغبة في إبداء تنازلات».

ولم تتوقف الحرب منذ انطلاقها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سوى أسبوع واحد، عقب اتفاق بين الجانبين (إسرائيل حركة «حماس»)، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بوساطة مصرية - قطرية، أطلقت خلاله «حماس» سراح ما يزيد على 100 من المحتجزين لديها في حين أفرجت إسرائيل عن سراح نحو ثلاثة أمثال هذا العدد من الأسرى الفلسطينيين.

جانب من عملية نقل الرهائن الذين أفرجت عنهم حركة «حماس» في نوفمبر الماضي (رويترز)

ومنذ تلك «الهدنة الوحيدة» دأب الوسطاء على الدفع في اتجاه اتفاق آخر «أوسع وأكثر شمولاً»، لكن جهودهم لم تؤتِ ثمارها حتى الآن؛ ما أرجعه خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، إلى «حسابات خاطئة من جانب طرفي الصراع (إسرائيل وحركة «حماس»)».

ويوضح عكاشة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «تل أبيب قبٍلت بالهدنة الأولى اعتقاداً منها أنها ستسهم في تخفيف الضغط، من ثم حسم المعركة بسرعة لصالحها، في حين كانت (حماس) تأمل أن تستطيع خلق ضغط دولي يدفع نحو إنهاء الحرب؛ اعتقاداً منها أن قبول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقد اتفاق معها يضعف موقفه، ويكسر من صورته داخل المجتمع الدولي؛ كونه يصنف الحركة (إرهابية)».

لكن يبدو أن أياً من تلك الآمال لم يتحقق، فلا تزال أتون الحرب مشتعلة، دون أفق واضح لإمكانية وضع حد لها في المستقبل القريب.

وخلال الأشهر الماضية، كان الأمل في تحقيق «هدنة» يتصاعد حيناً، ويخبو حيناً آخر، في ظل اصطدام جهود الوسطاء بـ«تعنت إسرائيلي» مستمر، وبـ«شروط» لا تقبل حركة «حماس» التنازل عنها.

وفي نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، عوّل كثيرون على «إطار اتفاق هدنة من ثلاث مراحل، مدة كل مرحلة 40 يوماً» تم التوافق عليه في اجتماع عقد في باريس، بحضور رؤساء استخبارات مصر والولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى رئيس الوزراء القطري. وكان ينتظر أن يؤدي، إذا ما وصل إلى مرحلته الأخيرة، إلى مناقشة وقف كامل للحرب.

لكن هذا الإطار، الذي وُصف في حينه من قِبل مسؤولين في إسرائيل والولايات المتحدة بـ«البنّاء»، لم يتحول واقعاً، بعد ست جولات من المفاوضات الماراثونية غير المباشرة، انتقلت من باريس إلى القاهرة والدوحة، ثم باريس مرة ثانية.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يناقش مع رئيس المخابرات الأميركية ويليام بيرنز جهود الوساطة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

ووسط تفاؤل حذر، توقع مراقبون أن تسفر المفاوضات عن اتفاق خلال شهر رمضان الماضي، حيث كان الوسطاء يسعون بجدية لتقريب وجهات النظر بين إسرائيل وحركة «حماس»، لكن على ما يبدو كان للطرفين حسابات أخرى، حيث «رفضت تل أبيب تقديم تنازلات» بشأن الانسحاب من قطاع غزة أو السماح بعودة النازحين إلى شمال القطاع، آملة في تحقيق انتصار في المعركة. بينما كانت «حماس» تعول على «إمكانية اشتعال الشارع العربي في رمضان؛ ما قد يشكل ضغطاً على حكومة نتنياهو».

ومرة أخرى، يبدو أن «الحسابات الخاطئة تحكم مواقف الطرفين»، فلا الشارع العربي اشتعل كما أملت «حماس»، ولا إسرائيل حققت أهدافها بالقضاء على الحركة. وهنا يقول عكاشة إن «الطرفين دخلا المفاوضات مجبرين، دون إرادة حقيقية في الاتفاق».

لكن هذا لم يثنِ الوسطاء عن تكرار المحاولة، لتستضيف القاهرة في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، جولة جديدة من المفاوضات، عرض خلالها مدير المخابرات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز مقترحاً للتهدئة تم تسليمه إلى حركة «حماس».

ونص المقترح، وفق ما تم تداوله إعلامياً، على هدنة من ستة أسابيع يتم خلالها إطلاق سراح 40 رهينة إسرائيلية في مقابل إطلاق سراح 800 إلى 900 فلسطيني تعتقلهم إسرائيل، ودخول 400 إلى 500 شاحنة من المساعدات الغذائية يومياً وعودة النازحين من شمال غزة إلى بلداتهم.

ورغم تأكيدات مصرية بأن الجولة الأخيرة «شهدت تقدماً ملحوظاً»، وحديث مراقبين عن إمكانية الوصول إلى اتفاق خلال عيد الفطر، لم يتمكن الوسطاء من إقناع الطرفين بقبول الصفقة، لتصل المفاوضات إلى «طريق مسدودة». وهنا يقول خبير الشؤون الإسرائيلية إن «أياً من الطرفين لا يرغب في تقديم تنازلات؛ لأن ذلك معناه خسارته المعركة»، مشيراً إلى أن «تل أبيب تسعى لتحقيق نصر عسكري عبر اجتياح مدينة رفح، وتتجه حركة (حماس) إلى الانتحار السياسي».

وأصبح مصير المفاوضات مجهولاً، لا سيما مع إعلان رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن «بلاده تقوم بعملية تقييم شامل لدور الوساطة الذي تقوم به»، إثر اتهامات إسرائيلية وأميركية للدوحة بـ«عدم ممارسة ضغط كافٍ على (حماس)».

لكن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أكد في مقابلة له مع شبكة «سي إن إن» الأميركية الأسبوع الماضي، أن «المحادثات مستمرة ولم يتم قطعها أبداً»، وإن أشار إلى أنه «لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد».

ومنذ جولة المفاوضات غير المباشرة، التي استضافتها القاهرة في السابع من أبريل (نيسان) الحالي، لم يتم الإعلان عن موعد جديد لاستئناف المباحثات، بينما تتبادل إسرائيل وحركة «حماس» المسؤولية عن «عرقلة» جهود الوساطة.


مقالات ذات صلة

عشرات القتلى بغارات إسرائيلية على غزة

المشرق العربي فلسطينية تبكي خارج مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح الخميس (إ.ب.أ)

عشرات القتلى بغارات إسرائيلية على غزة

أدت غارات جوية إسرائيلية إلى قتل ما لا يقل عن 37 فلسطينياً في أنحاء قطاع غزة الخميس من بينهم 11 بمخيم يؤوي عائلات نازحة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي متظاهرون أقارب رهائن يقطعون طريقاً  في تل أبيب (رويترز)

«الجهاد» تعلن إنقاذ أسير إسرائيلي حاول الانتحار

قال أبو حمزة، المتحدث باسم «سرايا القدس» في قطاع غزة، في مقطع مصور نُشر على تطبيق «تلغرام»، إن أسيراً إسرائيلياً لدى الحركة حاول الانتحار.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود إسرائيليون يجلسون في مركبة عسكرية على طريق يؤدي إلى قطاع غزة (رويترز)

إسرائيل تدرس بديل «حماس» في «اليوم التالي»

في الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل بمناقشة قضية «اليوم التالي» للحرب على قطاع غزة ومستقبل حكم «حماس»، تتواصل العمليات العسكرية في مختلف أنحاء القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بطارية من نظام «القبة الحديدية» الإسرائيلي في محيط غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

 إسرائيل تعلن اعتراض صاروخ أطلق من غزة وسقوط آخر في «منطقة مفتوحة»

أعلن الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم (الأربعاء)، عن إطلاق صاروخين من قطاع غزة باتجاه جنوب إسرائيل بعد منتصف الليل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل قائد بقوة «نخبة حماس» شارك في هجوم 7 أكتوبر

أعلنت إسرائيل، الثلاثاء، القضاء على قائد في قوة النخبة التابعة لـ«حماس»، والذي قاد الهجوم على «كيبوتس نير عوز» خلال هجوم الحركة على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

أول عميدة بلدية منتخبة في ليبيا تشيد بعهد القذافي

الزائرة المقطوف خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك)
الزائرة المقطوف خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك)
TT

أول عميدة بلدية منتخبة في ليبيا تشيد بعهد القذافي

الزائرة المقطوف خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك)
الزائرة المقطوف خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك)

قالت الزائرة الفيتوري، أول امرأة عميدة منتخبة لبلدية في تاريخ ليبيا، إن نجاحها يشكل «انتصاراً جديداً وتاريخياً للمرأة» في بلادها، مشيرة إلى أنها «تواجه تحدياً صعباً» في عودة الحياة لبلدتها المهمشة زلطن على مدار عقود عدة. كما أشادت بعهد القذافي في نصرة قضايا المرأة، وقالت إن النساء الليبيات تقلدن في عهده مناصب ومسؤوليات رفيعة.

وتحدثت الفيتوري لـ«الشرق الأوسط» عن «تقدم ملحوظ» في ملف حقوق المرأة خلال السنوات الأخيرة، كما رأت أن نظام القذافي «لم يهدر حقوق المرأة» كما يتردد.

وفازت الفيتوري بعمادة بلدية زلطن (130 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس)، في اقتراع أُجري الاثنين الماضي بمقر مكتب الإدارة الانتخابية الساحل الغربي، فيما وصفته المفوضية العليا للانتخابات «سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ الليبي، وفي مسيرة الديمقراطية والانتخابات».

ورغم أن المجتمع الليبي لا يزال «محافظاً»، وفق تعبير الفيتوري، فإنها رفضت ما يقال عن «ممارسات تمييزية» ضد المرأة، مستندة في ذلك إلى وصولها إلى منصبها المشرف، وقالت إن المرأة الليبية «أصبحت وزيرة عدل ونائبة». كما أنصفت في حديثها النظام الليبي السابق، نافية أنه كان يهدر حقوق المرأة، بقوله إن المرأة الليبية «كانت ضمن حرس القذافي، وقائدة طائرة ومحامية ومعلمة، وتتساوى مع الرجل، ولا صحة لهذا الحديث».

الزائرة الفيتوري (يسار) مع وزيرة شؤون المرأة في غرب ليبيا حورية الطرمال (صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك)

واجتازت الفيتوري عقبات عديدة في طريق فوزها بمنصبها، أبرزها «الترشح في القائمة العامة»، حسب تقدير المفوضية الوطنية للانتخابات.

وعلى غرار الأوضاع المتردية في بلديات ليبية، عانت بلدتها زلطن عقوداً من التهميش والإهمال؛ ولذلك ينتظر العميدة المنتخبة مشكلات كبيرة، تتعلق بـ«البنية التحتية المتهالكة»، وتغول «الفساد والإهمال الإداري المتوارث في البلدية».

تقول الفيتوري: «ازدحم مكتبي منذ اليوم الأول من العمل بتحديات تفرضها ملفات أزمات مياه الشرب، والطرق المتهالكة، وعدم وجود مستشفى طوارئ في بلد يعاني دوامة حوادث الطرق، ووجود 3 مبانٍ حكومية فقط».

ورغم أن رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، يقود مشاريع إعمار في غرب ليبيا تحت لافتة «عودة الحياة»، بإجمالي مشروعات قدرت بنحو 1345 مشروعاً في مايو (أيار) الماضي، فإن مدينة زلطن يبدو أنها خارج هذه الحسابات، وفق مراقبين.

وفي زلطن، التي تقع على الحدود الليبية - التونسية، قرب معبر إجدبر الحدودي، تبدي العميدة دهشتها من «غياب الاهتمام» بمنطقة يؤهلها موقعها كواجهة سياحية. ومع ذلك، فإن الطريق أمام أول عميدة ليبية لا تخلو من التحديات، رغم وعود من الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 بدعم المرأة، بل تخصيص وزارة لشؤون المرأة في حكومة غرب البلاد.

وفي مارس (آذار) الماضي، أبدت الأمم المتحدة تضامنها مع النساء في ليبيا؛ «تقديراً لصمودهن ومساهمتهن الثابتين في المجتمع».

وفي مقابل التحديات التي ألمحت إليها الأمم المتحدة، لا تتوقف انشغالات العميدة الليبية عند المسائل الخدمية، بل يبدو أنها تتطلع إلى دور في تحقيق «المصالحة الوطنية» في ليبيا، وهي ترى أن «أطرافاً خارجية ومخططات غربية استغلت الأوضاع الهشة لتمزيق لحمة ليبيا منذ 2011، وحاولت قطع العلاقات بين أبنائها».

ورغم ما عانته ليبيا من حوادث قتل وتعذيب، خلفت بعض الآثار السلبية في النسيج الاجتماعي، فإن الفيتوري تستند إلى تجربتها في العمل التطوعي، وما تقول إنه «رصيد من الثقة» في بلديات بشرق البلاد وجنوبها، علماً أن عملها الأساسي هو اختصاصية علاج طبيعي.

وتعوّل الفيتوري على «علاقات النسب والمصاهرة في التقارب بين الليبيين»، مشيرة إلى أن تكاتف المواطنين خلال كارثة الإعصار دانيال في درنة هو «أكبر دليل» على ذلك.

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي «الوحدة الوطنية» في طرابلس، والأخرى مكلَّفة من مجلس النواب، وتدير المنطقة الشرقية وأجزاء من الجنوب، ويقودها أسامة حمّاد.

شعبياً، كان الاهتمام بادياً من جانب وسائل إعلام محلية ليبية بفوز أول امرأة بهذا المنصب، لكن بعض الأصوات في صفحات التواصل الاجتماعي الليبية دعت الفيتوري إلى التنازل عن منصبها لرجل، إلا أن الفيتوري ترى أن «الطموح لن يتوقف لخدمة بلدها، ويقتضي منها وضع استراتيجية لعلاج مشكلات مدينتها المهمشة لمدة 30 عاماً».

بهذا الخصوص، تقول الناشطة والمحامية، هالة بوقعيقيص، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «نجاح العميدة الفيتوري مرهون بقدرتها على إثبات كفاءتها في العمل المؤسسي، وتعزيز دور المرأة في القيادة المحلية؛ مما يُمهد الطريق لمزيد من التمكين السياسي للنساء في ليبيا».