إعفاء وزير الخارجية السوداني... خطوة لإبعاد «الإخوان» أم صراع قوى؟

تفسيرات متضاربة لقرار البرهان

وزير الخارجية السوداني المقال علي الصادق في فبراير 2023 (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوداني المقال علي الصادق في فبراير 2023 (أ.ف.ب)
TT

إعفاء وزير الخارجية السوداني... خطوة لإبعاد «الإخوان» أم صراع قوى؟

وزير الخارجية السوداني المقال علي الصادق في فبراير 2023 (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوداني المقال علي الصادق في فبراير 2023 (أ.ف.ب)

تضاربت تفسيرات إقالة وزير الخارجية المكلف، علي الصادق، وحاكمَي ولايتَي القضارف وكسلا. فبينما رجّحت مصادر أن يكون وراء تلك القرارات توجه جديد تحاول من خلاله حكومة بورتسودان التخلص من عبء جماعة «الإخوان المسلمين» واسترضاء المجتمع الدولي وشريحة «الثوار» المحليين، أرجعت تحليلات أخرى الأمر إلى قرارات «إدارية» بحتة، ناتجة عن ضعف أداء الرجال المُقالين؛ لفشلهم السياسي والدبلوماسي والإداري.

ويستند التفسير الأول إلى الانتقادات الغاضبة الصادرة عن رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه شمس الدين الكباشي، التي استنكر فيها الرجلان الظهور اللافت لكتائب الإسلاميين في العمليات العسكرية، بينما يستند التفسير الثاني إلى قطاع واسع من أنصار النظام السابق، الذين طالب عدد منهم في وسائط التواصل الاجتماعي بإقالة الرجلين.

انتقادات لكتيبة إخوانية

وكان البرهان قد وجّه انتقادات حادة لـ«كتيبة البراء بن مالك» الإخوانية، في لقاء بالكلية الحربية الأسبوع الماضي، مخصص للضباط من رتبة لواء فما فوق، عادَّاً أن ظهورهم الإعلامي في العمليات العسكرية والمعارك دفع كثيراً من الدول لإدارة ظهرها للسودان.

الفريق عبد الفتاح البرهان أجرى تغييرات حكومية وولائية أثارت جدلاً (أ.ف.ب)

ودأبت «كتيبة البراء بن مالك»، التابعة لتنظيم «الحركة الإسلامية»، على بث فيديوهات وصور تحاول من خلالها تعزيز وجودها في الحرب بين الجيش و«الدعم السريع»، وبثت مقاطع فيديو لمسيّرات تنفذ عمليات ضد «الدعم السريع» عليها شعار الكتيبة، للإيحاء باستقلالها عن الجيش.

وسبق البرهان في الإشارة للأثر السلبي لظهور الميليشيات التي تقاتل إلى جانب الجيش، نائبه شمس الدين الكباشي، الذي حذّر في خطاب جماهيري غاضب في ولاية القضارف، نهاية مارس (آذار) الماضي، مما سمّاها «محاولات استغلال معسكرات الجيش من أي حزب سياسي، ومن رفع شعارات لا تعبر عن قوميته»، وهي إشارة فسرها كثيرون بأنها موجهة للإسلاميين.

وكانت الخارجية الفرنسية قد عقدت اجتماعات في باريس منتصف الشهر؛ لبحث تداعيات الأزمة السودانية، لم تدع إليها قيادات الجيش أو الحكومة السودانية أو قيادات «الدعم السريع»، وهو ما أغضب الخرطوم، التي استنكرت ذلك بوصفه تجاهلاً لسيادتها. ويرى البعض أن غياب الخرطوم عن مؤتمر باريس، وراء اتهامات الفشل للدبلوماسية السودانية، ورئيسها علي الصادق.

لقاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مع الوزير السوداني المقال علي الصادق في طهران فبراير الماضي (الرئاسة الإيرانية)

ولم تكن خطوة إقالة وزير الخارجية المكلف علي الصادق مفاجئة لكثيرين، لا سيما أن موالين للجيش وبعض أنصار النظام السابق كانوا قد شنّوا حملات عنيفة على الرجل، وأن «مراكز القوى» لا ترغب في بقائه. لكن مفاجأة القرار تمثلت في تعيين خلفه حسين عوض، الوكيل السابق للخارجية، محله.

وتحدثت وسائل إعلام محلية عن أن الصادق واجه انتقادات عديدة منذ وقت مبكر، لكنه كان يتمتع بحماية «مجلس السيادة»، وأن قرار إقالته جاء تلبيةً لأصوات عديدة تطالب بتنحيته.

ويزعم المدافعون عن الصادق أن الرجل كان ينفّذ السياسات المتشددة لقادة الجيش ومجلس السيادة، وأن القرار الدبلوماسي لم يكن بيده، وأن التصريحات التي أطلقها ويطلقها قادة الجيش ضد دول وحكومات إقليمية تضع الدبلوماسية في موقف «محرج».

ضغوط دولية

ويرى مراقبون سياسيون، أن إقالة الصادق، على وجه الخصوص، هدفها تخفيف الضغوط الدولية الناتجة عن اتهامها بتنفيذ أجندات أنصار النظام السابق و«الحركة الإسلامية»، وتبني إصرارها على استمرار الحرب، بهدف العودة للحكم مجدداً، إضافة إلى إرضاء شرائح محلية واسعة من أنصار الثورة التي أسقطت حكم الإخوان، والتي ترى أنهم يتحكمون بالقرارَين العسكري والسياسي.

غاب السودان الرسمي عن اجتماع باريس الذي عُقد في ذكرى اندلاع الحرب (رويترز)

ولا يُعرف للسفير علي الصادق انتماء واضح لجماعة «الإخوان المسلمين»، لكنه على الأقل من أسرة ذات ميول «إسلاموية». بيد أن التحاق كريمته بتنظيم «داعش» في سوريا، التي عادت إلى البلاد بعد جهود حثيثة بذلها الرجل إبان فترة عمله متحدثاً رسمياً باسم وزارة الخارجية عام 2015، لفتت الأنظار إلى احتمال وجود «علاقة غير معلنة» بينه وبين الإسلاميين.

الحرب السودانية طالت مناطق واسعة... ومخاوف من عسكرة الحكومة (أ.ف.ب)

ما علاقة الوزير الجديد بكرتي؟

أما وزير الخارجية الجديد حسين عوض، فلا يُعرف له ولاء سياسي معلن لجماعة «الإخوان المسلمين»، ويتردد فقط أنه دبلوماسي مخضرم. لكن مصدراً ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن الرجل «أخٌ مسلم»، وأنه كان على علاقة وثيقة بالأمين العام الحالي لـ«الحركة الإسلامية»، علي أحمد كرتي، إبان توليه وزارة الخارجية في عهد البشير.

وحالياً، تُنسب إلى علي كرتي المواقف المتشددة ضد وقف الحرب، وتشير تقارير صحافية عديدة إلى أن الرجل، ومنذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، كان مؤثراً بقوة في القرارَين السياسي والعسكري في البلاد، عبر تنظيمه المؤيد للانقلاب، وعبر الضباط الإسلاميين في الجيش.

انتقادات لـ«عسكرة الحكومة»

ولم تقتصر الحملات المطالبة بالإقالة على وزير الخارجية وحده، بل شملت أيضاً حاكم ولاية كسلا محمد موسى، فأتى البرهان بعسكري متقاعد هو اللواء الصادق محمد الأزرق ليحل مكانه، كما شملت التغييرات حاكم ولاية القضارف محمد عبد الرحمن، الذي حلّ اللواء المتقاعد محمد أحمد حسن أحمد محله.

وأثار تكليف البرهان عسكريَّين متقاعدَين برتبة لواء حاكمَين على ولايتَي كسلا والقضارف، اللتين تشهدان توترات ثقافية وإثنية، أسئلة عدة، من بينها أن هناك توجهاً لـ«عسكرة» الحكومة بشكل كامل، وأن الرجل يريد الاتيان بـ«أبناء دفعته» إلى جانبه؛ لمواجهة توترات محتملة في الولايتين، لا سيما أن الحرب مع قوات «الدعم السريع» أصبحت قريبة من الولايتين، بل وصلت إلى مناطق في ولاية القضارف.

ورغم ذيوع أن والي القضارف اعتذر عن عدم تولي منصبه لأسباب صحية، فإن والي القضارف السابق كان قد واجه قبل يوم واحد من إقالته حملة انتقادات عنيفة من رجل الشرق القوي، ناظر قبيلة الهدندوة، محمد محمد الأمين ترك، طالب فيها بإقالته.


مقالات ذات صلة

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا جلسة مجلس الأمن الدولي بخصوص الأوضاع في السودان (د.ب.أ)

حكومة السودان ترحب بـ«الفيتو» الروسي ضد «مشروع وقف النار»

رحّبت الحكومة السودانية باستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، اليوم (الاثنين)، ضد مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن بشأن السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».