مرضى «الإيدز» في ليبيا يشكون الإهمال الحكومي

مطالبات بتوفير المشافي المخصصة للعلاج

جانب من ورشة عمل سابقة للتوعية بالأمراض السارية في ليبيا (المركز الوطني لمكافحة الأمراض)
جانب من ورشة عمل سابقة للتوعية بالأمراض السارية في ليبيا (المركز الوطني لمكافحة الأمراض)
TT

مرضى «الإيدز» في ليبيا يشكون الإهمال الحكومي

جانب من ورشة عمل سابقة للتوعية بالأمراض السارية في ليبيا (المركز الوطني لمكافحة الأمراض)
جانب من ورشة عمل سابقة للتوعية بالأمراض السارية في ليبيا (المركز الوطني لمكافحة الأمراض)

«لا تسلط علينا الأضواء إلا خلال يوم واحد في العام، وهو اليوم العالمي للمرضى المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، ثم ينسى الجميع معاناتنا»... هكذا استهل وائل محمد أبو سنينة، عضو اللجنة العليا لمتابعة أوضاع الأطفال المحقونين بالإيدز، حديثه، منتقداً ما وصفه بـ«إهمال وتباطؤ» الحكومتين الليبيتين في متابعة أوضاع هؤلاء المرضى.

وقال أبو سنينة: «مرضى الإيدز يواجهون تحديات مصيرية جراء إهمال أغلب الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد بعد ثورة 17 فبراير لملف علاجهم».

وتعرف قضية الأطفال المحقونين بالإيدز في ليبيا بقضية «الممرضات البلغاريات» التي تم الكشف عنها بمدينة بنغازي بالشرق الليبي عام 1998، حيث اتهمت ست ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني بحقن 450 طفلاً بفيروس نقص المناعة.

وتداولت المحاكم الليبية القضية منذ ذلك التاريخ وحتى 2007، لتنتهي بتسوية قضت بإلغاء أحكام الإعدام التي صدرت بحق المتهمين، وإطلاق سراحهم، وعودتهم لوطنهم مقابل دفع تعويضات للضحايا.

بموازاة ذلك، تفيد شهادات العديد من المسؤولين بالمراكز الطبية الحكومية بأن مرضى «الإيدز» في ليبيا الذين أصيبوا بالفيروس بطرق العدوى المتعارف عليها عالمياً، والمقدر عددهم بأكثر من 7 آلاف مريض يتلقون علاجهم بالمجان.

غير أن أبو سنينة يلفت إلى أن هذا الدواء الذي تدعمه الدولة «يسبب مضاعفات جمة لمن تم حقنهم عمداً بالفيروس، كون الأخير معدلاً جينياً».

ويتذكر أبو سنينة - وهو أحد من تم حقنهم بالفيروس - «أنهم ظلوا تقريباً دون دواء ملائم لفترات غير هينة، ودون صرف أي مخصصات مالية تساعدهم على شرائه، أو علاجهم بالخارج، ما أدى إلى ارتفاع الوفيات بصفوفهم».

وأكد أنهم نظموا طيلة الفترة التي حرموا فيها الدواء مظاهرات، واعتصامات، وبعضها كان أمام مقرات الحكومتين المتنازعتين على السلطة بالبلاد، «للاعتراض على إهمالهم»، لكن من دون استجابة حينذاك.

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان، الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية شكلها مجلس النواب الليبي بداية عام 2022، وتدير المنطقة الشرقية، ويرأسها حاليا أسامة حماد.

ومع استمرار المظاهرات، وفقاً لأبو سنينة، تمكنت اللجنة العليا لرعاية الأطفال المحقونين في النهاية من مقابلة الدبيبة، إلا أن بداية انفراج أزمة تلك الشريحة «كانت مع تغيير أعضاء اللجنة العليا في التوقيت ذاته».

وقال: «أصدر الدبيبة تعليماته حينذاك بصرف مخصصات مالية للجنة، وتم استيراد كمية من الأدوية تكفي لأشهر قليلة عبر مركز الأمراض السارية ببنغازي، بعد ذلك تم إيفاد بعض الحالات للعلاج بالخارج».

وحدد أبو سنينة مطالبهم حالياً «بضرورة تسهيل استيراد دفعة جديدة من الأدوية الملائمة لقرب نفاد الكمية الموجودة».

كما طالب «بتفعيل الاتفاقية التي كان الاتحاد الأوروبي أبرمها مع نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في إطار التسوية النهائية للقضية، والتي تضمنت حقوقاً كثيرة للأطفال المحقونين، بمقدمتها العلاج بمشافي دول الاتحاد».

ورأى «أن نقص المشافي والأطباء المختصين، بالإضافة إلى الوصم الاجتماعي، معاناة أخرى تتحملها شريحة المحقونين». وأشار إلى أن منطقة غرب ليبيا تضم مركزاً طبياً به إمكانيات بشرية وفنية للتعامل مع مرضى الإيدز، «في حين لا يوجد في المنطقة الشرقية -التي يقطن بها أكثر من 80 في المائة من شريحة المحقونين- إلا مركز واحد للأمراض السارية كان متهالكاً، وحاليا قيد الصيانة».

وانتقد أبو سنينة «عدم حرص الحكومات على تعبئة الإعلام للتوعية بالمرض».

بدوره شكك رئيس حزب «تجمع تكنوقراط ليبيا»، أشرف بلها، في عدد الإصابات بالفيروس المسجلة بالبيانات الرسمية. وفقاً لرؤيته، فإن الوصم الاجتماعي الذي يعاني منه بعض المرضى، حتى من قبل بعض العاملين بالمشافي، «يدفع الطبقة الميسورة منهم للعلاج بالخارج رغم ارتفاع ثمنه بدرجة كبيرة، فيما يلجأ الفقراء للعلاج بالأعشاب».

وانتهى بلها إلى «أن البوابة الأكبر لاستمرار انتقال العدوى ستظل موجودة مع تهريب البشر عبر الحدود، واستقرار أي مهاجر غير نظامي قد يكون حاملاً للفيروس، ولو لعدة أشهر، بالبلاد... هذا يفتح مجالاً لنقل المرض عبر طرق العدوى المعروفة».


مقالات ذات صلة

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

شمال افريقيا عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

حذّر تقرير للأمم المتحدة من أن غياب المساءلة، والسنوات الطويلة من إفلات المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات المرتكبة في مدينة ترهونة الليبية

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

دخلت أزمة المصرف المركزي الليبي، مرحلة جديدة، السبت، وسط محاولة من حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، لاحتواء لانتقادات أميركية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح والمشري وستيفان ويليامز المبعوثة الأممية بالإنابة (المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي)

ليبيون يعلّقون آمالهم على تقارُب صالح والمشري لإحياء المسار الانتخابي

تدفع أزمة المصرف المركزي الليبي بإمكانية العودة إلى بحث العملية السياسية، في ظل عقد البعض آمالاً على عودة التقارب بين مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح وسفير الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا (حساب السفير على «إكس»)

«الأوروبي» يدعو قادة ليبيا إلى «خفض التوترات»... وتشغيل النفط

أطلقت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا عدداً من التحذيرات لقادة البلاد ودعتهم للتحاور والاستجابة لمبادرة الأمم المتحدة، كما شددت على ضرورة إعادة إنتاج وضخ النفط.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا طالبت لجنة الأزمات والطوارئ ببلدية زليتن المواطنين بالابتعاد عن مجرى الوادي (مديرية أمن طرابلس)

سيول جارفة تضرب مناطق متفرقة في ليبيا... وتنشر المخاوف

ضربت أمطار غزيرة وصلت إلى حد السيول مناطق عدة في شمال غربي ليبيا، وأعلن جهاز الإسعاف والطوارئ رفع درجة الاستعدادات وسط إنقاذ عائلات عالقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الحكومة المصرية تواجه «سرقة الكهرباء» بإلغاء الدعم التمويني

أحد أحياء وسط العاصمة المصرية القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
أحد أحياء وسط العاصمة المصرية القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

الحكومة المصرية تواجه «سرقة الكهرباء» بإلغاء الدعم التمويني

أحد أحياء وسط العاصمة المصرية القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
أحد أحياء وسط العاصمة المصرية القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

شدّدت الحكومة المصرية إجراءات مواجهة «سرقة الكهرباء» باتخاذ قرارات بـ«إلغاء الدعم التمويني عن المخالفين»، ضمن حزمة من الإجراءات الأخرى.

وعدّ خبراء الإجراءات الحكومية «مطلوبة ضمن تدابير انتظام خدمة الكهرباء»؛ لكن قالوا «إن الإشكالية ليست في تشديد العقوبات، لكن في كشف وقائع السرقة وضبطها لمعاقبة المخالفين».

وكثّفت وزارة الكهرباء المصرية من حملات التوعية الإعلامية أخيراً لترشيد استهلاك الكهرباء، والتصدي لوقائع سرقة التيار. ودعت المواطنين «بالإبلاغ عن وقائع سرقة التيار الكهربائي حفاظاً على المال العام». وأعدت شركات الكهرباء المصرية، قوائم بأسماء مواطنين جرى تحرير محاضر سرقة التيار الكهربائي بحقهم، لتقديمها لوزارة التموين المصرية، لتنفيذ قرار مجلس الوزراء المصري بـ«رفع الدعم التمويني عنهم». ووفقاً لوسائل إعلام محلية، السبت، نقلاً عن مصادر مسؤولة بوزارة الكهرباء، فإن قائمة المخالفين «ضمت نحو 500 ألف مواطن، بوصفها مرحلة أولى، وتتبعها كشوف أخرى بمن يتم ضبطهم».

وأعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال اجتماع بمجلس المحافظين، الأسبوع الماضي «اتخاذ إجراءات حاسمة ضد كل من يُحرر له محضر سرقة كهرباء، ومن أهمها إيقاف صور الدعم التي يحصل عليها من الدولة المصرية». وقال مدبولي« إن هذا بخلاف الإجراءات القانونية المتبعة للتعامل مع السرقات، بما يسهم في القضاء على هذا السلوك السلبي».

وتواصل الحكومة المصرية حملات التفتيش والضبطية القضائية لمواجهة سرقات الكهرباء. وأعلنت وزارة الداخلية المصرية، السبت، عن حملات قامت بها شرطة الكهرباء، أسفرت عن ضبط 13159 قضية سرقة تيار كهربائي، ومخالفات شروط التعاقد، وفق إفادة لـ«الداخلية المصرية».

من جانبه، طالب رئيس «جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك السابق» في مصر، حافظ سلماوي، بضرورة «تطبيق إجراءات رفع الدعم عن المتهمين بسرقة التيار الكهربائي وفقاً للقانون، حتى لا يتم الطعن عليها»، مشيراً إلى أن «قانون الكهرباء الحالي وضع إجراءات رادعة مع المخالفين، ما بين فرض غرامات وإلغاء تعاقد».

وأوضح سلماوي لـ«الشرق الأوسط» أن «مواجهة سرقات الكهرباء، ليست بحاجة لعقوبات جديدة رادعة». وأرجع ذلك إلى أن العقوبات المنصوص عليها في قانون الكهرباء الحالي «كافية لمواجهة حالات هدر التيار الكهربائي». وقال «إن الأهم من تغليظ عقوبات السرقات، هو اكتشافها وضبط المخالفين وفقاً لإجراءات قانونية سليمة تثبت واقعة السرقة»، مطالباً بتطوير آليات الرقابة على المستهلكين من خلال «التوسع في تركيب العدادات الذكية والكودية، وتكثيف حملات (كشافي) الكهرباء، وحملات الرقابة والضبطية القضائية، خصوصاً في المناطق الشعبية».

ونص قانون الكهرباء لعام 2015، على «معاقبة من استولى بغير حق على التيار الكهربائي، بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين». وفي حال تكرار السرقة تكون العقوبة «الحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين». (الدولار يساوي 48.56 جنيه في البنوك المصرية).

وزير الكهرباء المصري يبحث مع مسؤولي شركة «سيمنس» الألمانية التعاون في مواجهة سرقة الكهرباء (الكهرباء المصرية)

وتعتمد وزارة الكهرباء المصرية على إجراءات جديدة لكشف سرقات الكهرباء باستخدام تكنولوجيا حديثة في الرقابة. وناقش وزير الكهرباء المصري، محمود عصمت، مع مسؤولين بشركة «سيمنس» الألمانية، أخيراً، التعاون في «برامج إدارة الطاقة بالشبكة الكهربية (EMS) باستخدام أحدث أساليب التكنولوجيا، والمقترحات الخاصة بكيفية الحد من الفاقد وسرقات التيار الكهربائي في كل الاستخدامات، خصوصاً المنزلي والصناعي».

ومع ارتفاع شكاوى المواطنين من انقطاع الكهرباء في بداية شهور الصيف هذا العام، بدأت الحكومة المصرية من الأسبوع الثالث من يوليو (تموز) الماضي وقف خطة قطع الكهرباء. وتعهدت بوقف تخفيف الأحمال باقي شهور الصيف، كما تعهدت بوقف خطة «انقطاع الكهرباء» نهائياً مع نهاية العام الحالي.

وعدّ رئيس«جهاز تنظيم مرفق الكهرباء السابق بمصر، تلك الإجراءات «مطلوبة لتقليل الهدر في استهلاك الكهرباء»، مشيراً إلى أن «الحكومة تتخذ مجموعة من المسارات لضمان استدامة وانتظام خدمة الكهرباء، وحتى لا تتكرر خطط تخفيف الأحمال (قطع الكهرباء)».

في المقابل، رفض عضو «اللجنة الاقتصادية» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب محمد بدراوي، اتخاذ الحكومة المصرية إجراءات برفع الدعم عن المخالفين في سرقة الكهرباء. وأرجع ذلك إلى أن «غالبية وقائع سرقة الكهرباء تأتي من المناطق الشعبية، ومعظم سكانها مستحقون للدعم»، مشيراً إلى أنه «على المستوى الاقتصادي لن يحقق فائدة، خصوصاً أن تكلفة سرقة الكهرباء قد تفوق قيمة الدعم الذي يحصل عليه المخالفون».

في حين أكد بدراوي لـ«الشرق الأوسط»، «أهمية الإجراءات المشددة لمواجهة الهدر في الكهرباء». وقال إنه مع «تطبيق عقوبات حاسمة تتعلق برفع قيمة الغرامات على المخالفين»، مطالباً بضرورة «إصلاح منظومة الكهرباء بشكل شامل، بحيث تشمل أيضاً تخطيط أماكن البناء في المحافظات، وتسهيل إجراءات حصول المواطنين على التراخيص اللازمة للبناء ولخدمة الكهرباء».