«الإنقاذ الدولية»: السودان في طريقه ليصبح أكبر أزمة «جوع» بالعالم

منظمة الصحة حذرت من تمدد المشكلة إلى المنطقة برمتها إذا لم تتوقف الحرب

أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة تؤوي نازحين بالقرب من مدينة القضارف الشرقية في 10 مارس 2024 (أ.ف.ب)
أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة تؤوي نازحين بالقرب من مدينة القضارف الشرقية في 10 مارس 2024 (أ.ف.ب)
TT

«الإنقاذ الدولية»: السودان في طريقه ليصبح أكبر أزمة «جوع» بالعالم

أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة تؤوي نازحين بالقرب من مدينة القضارف الشرقية في 10 مارس 2024 (أ.ف.ب)
أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة تؤوي نازحين بالقرب من مدينة القضارف الشرقية في 10 مارس 2024 (أ.ف.ب)

قالت لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) في تقرير، يوم الجمعة، إن ‏السودان في طريقه ليصبح أكبر أزمة جوع في العالم، وإن الوضع الإنساني سيستمر في التدهور حتى توافق أطراف النزاع على وقف القتال وحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة. كما حذرت منظمة الصحة العالمية من تداعيات الأزمة وتأثيرها على المنطقة برمتها.

وقالت لجنة الإنقاذ إنه بعد مرور عام على اندلاع القتال بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، كان للصراع آثار كارثية على كل جانب من جوانب الحياة اليومية في البلاد تقريباً.

ويأتي تقرير اللجنة، وهي منظمة غير حكومية تهدف لتقديم المساعدات الإنسانية والتنمية الدولية، قبيل أيام من انعقاد مؤتمر تستضيفه باريس لبحث الأوضاع الإنسانية في السودان، وحث المانحين الدوليين على الالتزام بتمويل الحاجات الإنسانية الضرورية في البلاد.

وقالت المدير القطري للجنة في السودان، إعتزاز يوسف: «نحن نقف عند منعطف حرج في تاريخ السودان»، وستشكل الخيارات التي نتخذها اليوم مستقبل الأجيال المقبلة؛ إذ اتسم العام الماضي بتحديات ومصاعب هائلة لشعب السودان.

وأضافت: «أسفر النزاع عن خسائر كبيرة في الأرواح ونزوح وضغوط اقتصادية، ويهدف تقريرنا الجديد إلى إظهار التأثير الإنساني الحقيقي والمتعدد الأوجه للأزمة على الأشخاص الذين نزحوا بسبب عام كامل من هذا الصراع».

امرأة نازحة وأطفالها يجلسون في ظل كوخ من القش في مخيم جنوب ولاية القضارف للفارين من ولايتَي الخرطوم والجزيرة (أ.ف.ب)

أكبر أزمة نزوح في العالم

ووفق التقرير، قُتل أكثر من 14 ألفاً و700 شخص، وجُرح ما يقرب من 30 ألفاً آخرين، في حين فر أكثر من 8.2 مليون شخص من منازلهم منذ بدء النزاع في 15 أبريل (نيسان) العام الماضي، مما يجعل الصراع في السودان أكبر أزمة نزوح في العالم.

وأشارت اللجنة الدولية إلى أن هناك ما يقرب من 25 مليون شخص (أكثر من نصف السكان) في حاجة ماسة إلى المساعدة، بما في ذلك 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وذكر التقرير أن ما يقرب من مليوني شخص نزحوا إلى البلدان المجاورة (مصر وتشاد وأوغندا وكينيا وجنوب السودان)، وأنه من الأهمية أن تحصل البلدان الهشة ذات الدخل المنخفض التي فتحت أبوابها للاجئين، على دعم أفضل من المجتمع الدولي من خلال التمويل الكامل لخططها الإنسانية وخطط الاستجابة للاجئين.

وقالت اللجنة إنه في الوقت الذي يستعد فيه الاتحاد الأوروبي لحزمة مساعدات بقيمة 9 مليارات دولار لمصر وسط مخاوف من أن الصراعات في غزة والسودان ستزيد من ضغوط الهجرة على أوروبا، فإن نداء الأمم المتحدة الإنساني للسودان بقيمة 2.7 مليار دولار لم يتم تمويله سوى بنسبة 6 في المائة فقط. ‏

‏وأضافت: «مع استمرار القتال تواجه الوكالات الإنسانية مثل لجنة الإنقاذ الدولية عوائق تمنعنا من الوصول إلى المحتاجين وتقديم المساعدات لهم»، وأن جهود اللجنة لتوفير المياه والرعاية الصحية وخدمات الحماية للفارين من النزاع أمر حيوي ويجب أن يستمر.

عناصر مسلحة تابعة للجيش السوداني (أ.ف.ب)

حل طويل الأجل

ووفق التقرير، فلن تهدأ هذه الأزمة حتى يتوقف القتال، الأمر الذي يتطلب تنشيط الجهود الدبلوماسية لحمل الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للاتفاق على وقف الأعمال القتالية والتوصل إلى حل طويل الأجل للصراع.

وقالت اللجنة إنه من الأهمية أن يحترم الطرفان التزاماتهما بحماية المدنيين، وإزالة جميع العقبات التي تعترض إيصال المساعدة الإنسانية، ويتحتم أخلاقياً على المانحين أن يزيدوا على وجه السرعة التمويل اللازم لدعم توسيع العمليات.

وبحسب التقرير، وسعت اللجنة من نطاق برامجها لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في السودان، بدعم النازحين داخلياً من خلال خدمات التمكين الاقتصادي والصحة والتغذية وبرامج المياه والصرف الصحي والنظافة.

وتوفر لجنة الإنقاذ الدولية، التي تأسست عام 1933، وتتخذ من نيويورك مقراً لها، خدمات الحماية والتمكين للنساء والأطفال، بما في ذلك الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي في ولايات النيل الأزرق، والقضارف، والنيل الأبيض، والخرطوم. وتعمل حالياً على تأسيس وجود في مواقع جديدة في إقليم دارفور، لمعالجة الثغرات في التغطية الإنسانية وتوسيع نطاق برامجها استجابة للأزمة الإنسانية المستمرة في السودان.

مئات الآلاف من أطفال السودان باتوا من النازحين (اليونيسيف)

«الوقت ينفد»

من جهته، قال الناطق باسم منظمة الصحة العالمية، كريستيان ليندماير: «الوقت ينفد». وأضاف لصحافيين في جنيف: «إذا لم يتوقف القتال وإذا لم تدخل المساعدات الإنسانية من دون عوائق، فإن أزمة السودان ستتفاقم بشكل كبير في الأشهر المقبلة، وقد تؤثر على المنطقة برمّتها»، من حيث تدفق عدد متزايد من اللاجئين وانتشار الأمراض وانعدام الأمن الغذائي. وتابع: «نحن لا نرى سوى جزء صغير من المشكلة، وقد يكون الوضع أكثر خطورة في الواقع».

وحذّرت منظمة الصحة العالمية من انهيار النظام الصحي مع نقص كبير في الطواقم الطبية والأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات. وأشار ليندماير إلى أن ما بين 70 و80 في المائة من المرافق الصحية السودانية أصبحت خارجة عن الخدمة بسبب القتال.

وقالت منظمة الصحة إن الإمدادات الطبية لا تلبي إلا 25 في المائة من الحاجات. وأوضح ليندماير: «بعض الولايات، مثل دارفور، لم تتلقَّ إمدادات طبية العام الماضي».

الدخان يتصاعد فوق مباني الخرطوم مع استمرار القتال بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (أ.ب)

أزمة غذائية متسارعة

ونشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية تقريراً بعد مسح شمل 4504 أسر ريفية في السودان خلال الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى يناير (كانون الثاني). وقال ثائر الشريدة، ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان، إن البلاد التي يعيش ثلثا سكانها في مناطق ريفية، تغرق في «أزمة أمن غذائي متسارعة».

وأضاف عبر تقنية الفيديو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من بروكسل: «تحذّر الدراسة من مجاعة في السودان عام 2024، خصوصاً في ولايتَي الخرطوم والجزيرة، وفي إقليمَي دارفور وكردفان»، متحدثاً عن تعطل سلاسل الإنتاج والتوريد، وتضاؤل المداخيل وارتفاع التضخم. وحذّر الشريدة من أنه حتى المساعدات الإنسانية والغذائية الفورية «قد لا تكون كافية لدرء المجاعة التي تلوح في الأفق».


مقالات ذات صلة

الخلافات داخل معسكر الجيش السوداني تخرج إلى «العلن»

شمال افريقيا رئيس الوزراء السوداني كامل إبراهيم في أثناء مخاطبة جماهيرية (وكالة السودان للأنباء)

الخلافات داخل معسكر الجيش السوداني تخرج إلى «العلن»

اندلعت أزمة سياسية حادة داخل التحالف المؤيد للجيش السوداني، بعد رفض القوات المشتركة الحليفة معه التخلي عن مناصبها الوزارية حتى ولو أدى للعودة إلى التمرد

أحمد يونس (كمبالا)
العالم العربي السيسي يستقبل البرهان في القاهرة أبريل الماضي (الرئاسة المصرية)

رسائل حميدتي الودية «لا تلقى اهتماماً» في مصر

يبدو أن الرسائل الودية الأخيرة لقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (الشهير بـ«حميدتي»)، تجاه مصر، لم تجد لها صدى في القاهرة.

هشام المياني (القاهرة)
شمال افريقيا قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يلقي كلمة بُثت مساء الأحد (قناته على «تلغرام»)

حميدتي: ليست لدينا مشكلة مع مصر ونسعى لحل خلافاتنا بالحوار

قال قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إن دخول قواته المثلث الحدودي عند منطقة جبل العوينات لن يضر بدول الجوار وإنه يحترم حدودها.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا يلتقي رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك في القصر الرئاسي في بريتوريا يوم السبت (الصفحة الرسمية لتحالف صمود)

السودان يحتج على لقاء رئيس جنوب أفريقيا بـ«تحالف صمود»

احتجت وزارة الخارجية السودانية بشدة على استقبال رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، وفد «تحالف صمود».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا مستشفى «المجلد» بولاية غرب كردفان قبل أنباء تعرضه للقصف

أنباء عن مقتل وإصابة عشرات في غارة بمُسيرة على مستشفى بغرب كردفان

تواترت أنباء عن سقوط عشرات القتلى والجرحى في غارة جوية استهدفت المستشفى العام بمدينة المجلد، بولاية غرب كردفان، بغرب السودان.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

تيتيه أمام مجلس الأمن: جل الليبيين فقدوا الثقة في المؤسسات والقيادة الحالية

الممثلة الخاصة للأمين العام هانا تيتيه (غيتي)
الممثلة الخاصة للأمين العام هانا تيتيه (غيتي)
TT

تيتيه أمام مجلس الأمن: جل الليبيين فقدوا الثقة في المؤسسات والقيادة الحالية

الممثلة الخاصة للأمين العام هانا تيتيه (غيتي)
الممثلة الخاصة للأمين العام هانا تيتيه (غيتي)

قدمت الممثلة الخاصة للأمين العام، هانا تيتيه، أمام مجلس الأمن، اليوم الثلاثاء، إحاطة حول الوضع في ليبيا، تطرقت في مستهلها إلى اجتماع لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا، المنبثقة عن مسار برلين في مدينة برلين، برعاية كل من ألمانيا وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وذلك في أول لقاء ينعقد بعد انقطاع دام لأربع سنوات. مشيرة إلى أن هذا الاجتماع «شكل خطوة كبيرة نحو إعادة إحياء التنسيق الدولي بشأن ليبيا، وحشد الدعم الدولي لجهود الأمم المتحدة، الرامية لإحراز تقدم في العملية السياسية»، ومع ذلك فإن جل الليبيين «فقدوا الثقة في المؤسسات والقيادة الحالية»، بحسب تعبيرها.

من جلسة مجلس الأمن حول ليبيا (المجلس)

وأشادت تيتيه بجهود جميع أعضاء لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا في التزامهم بدعم جهود البعثة لإعادة إطلاق عملية سياسية شاملة، وأيضاً في «مشاركتهم البنّاءة»، ودعوتهم لبذل الجهود من أجل تعزيز الهدنة القائمة في الوقت الحالي في طرابلس. وكذا إشادتهم بعمل اللجنة الاستشارية، الذي تناول تحديد مسارات قابلة للتطبيق لمعالجة المسائل الخلافية، التي يمكن أن تعوق الجهود الرامية إلى وضع خريطة طريق سياسية جديدة لإجراء الانتخابات. إضافة إلى دعمهم لمجموعات العمل الأربع، المعنية بالسياسة والاقتصاد والأمن وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مجمعين في ذلك على عقد لقاءات دورية من أجل تنسيق الدعم الدولي، وتوجيهه دعماً لعملية سياسية بتيسير من الأمم المتحدة.

دعوة لتجنب العنف

في سياق حديثها عن الأوضاع الأمنية في طرابلس بعد الاشتباكات الأخيرة، أوضحت تيتيه أنه بمجرد انتهاء الاشتباكات المسلحة في طرابلس، كثفت البعثة تواصلها مع حكومة الوحدة الوطنية، والأطراف السياسية والأمنية الرئيسية، وكذلك القيادات المجتمعية، وشيوخ القبائل والأعيان وممثلي المجتمع المدني والدول الأعضاء المؤثرة على الأرض بهدف درء مزيد من أعمال العنف، والحفاظ على الهدنة الهشة، التي تم التوصل إليها في 14 من مايو (أيار) الماضي، وإعداد آليات لتيسير تهدئة التوترات بهدف الحيلولة دون نشوب المزيد من أعمال العنف، وضمان حماية المدنيين.

من مخلفات اشتباكات طرابلس الدموية (أ.ف.ب)

وفي هذا السياق، ذكرت تيتيه قيام المجلس الرئاسي في 18 من مايو الماضي، بدعم من البعثة، بإنشاء لجنة الهدنة، التي تتألف من أطراف أمنية رئيسية، أنيطت بها مهمة رصد الالتزام بالهدنة، وتيسير وقف دائم لإطلاق النار وضمان حماية المدنيين. وتبع ذلك في 4 من يونيو (حزيران) الحالي تشكيل لجنة الترتيبات الأمنية والعسكرية المؤقتة، برعاية المجلس الرئاسي، لتتولى مهمة تنفيذ التدابير الهيكلية للحفاظ على السلام، وإعادة تنظيم القوات في العاصمة. كما جرى نشر قوات فض الاشتباك في المناطق المتأثرة، وقد أفضت التهدئة إلى انسحاب القوات الرئيسية المدججة بالسلاح من شوارع طرابلس في 11 يونيو، واستعيض عنها بقوات الشرطة والجيش.

لكن رغم كل هذا الجهود، «ما تزال الهشاشة تشوب هذه الهدنة، وما يزال التكهن بالوضع الأمني العام، كما نراه، غير ممكن»، حسب تعبير تيتيه.

مسؤولية الأطراف الأمنية

أكدت تيتيه أن الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في طرابلس في شهر مايو الماضي تسببت في إزهاق أرواح المدنيين، وإصابات بين صفوفهم، والإضرار بالمنشآت المدنية الحيوية، بما في ذلك المشافي والجامعات وأحد السجون. ونتيجة لذلك تكررت المناشدات لتجنب مزيد من الإصابات، لكن لم يتم تأمين ممرات إنسانية من جانب أطراف النزاع.

تعزيزات أمنية مكثفة في طرابلس للمحافظة على «الهدنة الهشة» (أ.ف.ب)

تقول تيتيه: «لقد أبرزت هذه الأحداث تقاعس الأطراف الأمنية التابعة للدولة عن الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث أعقبت هذه الاشتباكات تظاهرات مستمرة. وقد هالني بالأخص العثور على مقابر جماعية في منطقة أبو سليم. وفي الأدلة التي تكشفت إشارات لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك أعمال القتل خارج إطار القانون، والتعذيب والاختفاء القسري، التي يُزعم ارتكابها من جانب أطراف أمنية تابعة للدولة، لا سيما جهاز دعم الاستقرار». مشيرة في هذا السياق إلى أن وجود أشلاء متفحمة، وجثث مجهولة الهوية في المشارح، وموقع يشتبه في استخدامه كمركز احتجاز غير رسمي في حديقة الحيوان في منطقة أبو سليم، يعكس حجم هذه الانتهاكات وفداحتها. وهذه الأحداث تؤكد الحاجة الملحة لإجراء إصلاحات أمنية قائمة على حقوق الإنسان».

مخاوف من عودة الاشتباكات

بخصوص التقارير التي تتحدث عن تحشيدات مستمرة، وتخوف العديد من الليبيين من احتمال تجدد اندلاع الاشتباكات المسلحة، أوضحت تيتيه أن هناك تخوفات متزايدة بأن انعدام الاستقرار سوف يستقطب الأطراف الأمنية في شرق البلاد، ويقوض اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 2020، وهو ما يستدعي بحسب تعبير تيتيه، ضرورة إصلاح القطاع الأمني، فضلاً عن الحاجة إلى مؤسسات عسكرية وأمنية موحدة تتحلى بالمهنية. وفي هذا السياق أكدت أن البعثة سوف تواصل العمل على إحراز تقدم في المسار الأمني، بالتعاون مع الأطراف المعنية الرئيسية. وحثت الأطراف السياسية والأمنية كافة على الامتناع عن التصريحات والأفعال الاستفزازية، التي من شأنها تعميق انعدام الثقة، وتقويض كل الجهود التي تُبذل لخفض التصعيد من أجل الحفاظ على الهدنة الهشة، «لأن هذا ليس وقت الدفع نحو الهاوية والإجراءات الأحادية، وهناك حاجة ماسة إلى التحلي بالحكمة».

مسلسل المشاورات

حول سلسلة المشاورات، التي أطلقتها البعثة على مستوى البلاد حول الخيارات المقترحة من اللجنة الاستشارية، أوضحت تيتيه في كلمتها أن هذه المشاورات تهدف إلى تيسير نقاش عام شامل للجميع على مستوى البلاد حول أفضل السبل لتجاوز الانسداد السياسي، وجمع آراء الليبيين حول الخيارات الأربعة التي اقترحتها اللجنة الاستشارية، وذكّرت في هذا السياق بالتواصل مع القادة السياسيين والأمنيين الرئيسيين، ولقاء البعثة بممثلين عن البلديات والأحزاب السياسية، والشيوخ والأعيان والمجالس الاجتماعية، وأعضاء المجتمع المدني والشباب والمرأة، وكذا المكونات الثقافية واللغوية والأشخاص ذوي الإعاقة. كما أطلق في وقت سابق من هذا الشهر استطلاع للرأي عبر الإنترنت للوصول إلى الجمهور الليبي الأوسع، وسيستمر حتى نهاية شهر يونيو الحالي. كما ستُجرى المزيد من المشاورات لتوسيع نطاق التواصل بشكل أكبر.

تيتيه أكدت رغبة الليبيين في إنهاء المراحل الانتقالية وإجراء الانتخابات (مفوضية الانتخابات)

تقول تيتيه: «من خلال ما جرى التعبير عنه من خلفيات ووجهات نظر سياسية متنوعة، ظهرت حتى الآن رسالة واضحة وموحدة: الكثير من الليبيين يشعرون بخيبة أمل عميقة إزاء الفترات الانتقالية المطولة، وفقدوا الثقة في المؤسسات والقيادة الحالية، معربين عن شكوكهم إزاء استعداد هؤلاء لوضع المصالح الوطنية فوق مصالحهم الخاصة»، مؤكدة أن هناك «رغبة قوية في عملية سياسية تُعزز مشاركة الشعب، وتتيح لهم الفرصة لانتخاب قادتهم، وتُفضي إلى حكومة ذات تفويض واضح، يتيح الفرصة لتغيير حقيقي وملموس. هم يطمحون إلى تجديد تفويض السلطتين التنفيذية والتشريعية، وإلى حكومة واحدة ومؤسسات موحدة، بما في ذلك المؤسسات العسكرية والأمنية. ويريدون، أكثر من أي شيء آخر، حكومة خاضعة للمساءلة تُعيد الشرعية وتعكس إرادة الشعب. وسيشكّل ما تخرج به هذه المشاورات أساساً لصياغة خريطة طريق توافقية نحو انتخابات وطنية وإعادة توحيد المؤسسات».

وأضافت تيتيه أن البعثة تعتزم تقديم خريطة طريق مُحددة زمنياً، وعملية سياسية تعكس مطلب الشعب الليبي بتغيير ملموس، بهدف إنهاء العمليات الانتقالية. وآمل عرض خريطة الطريق هذه على مجلس الأمن للمصادقة عليها خلال إحاطتي القادمة.