الجزائر: الإطار المغاربي الجديد ليس موجهاً ضد أحد

تبون يتهم 3 بلدان بـ«التآمر» على بلاده

صورة أرشيفية لمؤسسي «الاتحاد المغاربي»
صورة أرشيفية لمؤسسي «الاتحاد المغاربي»
TT

الجزائر: الإطار المغاربي الجديد ليس موجهاً ضد أحد

صورة أرشيفية لمؤسسي «الاتحاد المغاربي»
صورة أرشيفية لمؤسسي «الاتحاد المغاربي»

أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أن «اللقاء المغاربي» التي جمعه مطلع مارس (آذار) الماضي، بالرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، «لا يهدف إلى إقصاء أي أحد»، داعياً «الأشقاء في المغرب» إلى الانضمام إلى هذا الشكل الجديد من التنسيق بين الدول المغاربية، والذي يبدو أنه صيغة بديلة لـ«اتحاد المغرب العربي» الذي يعاني من الشلل منذ 30 سنة.

خاض تبون في مقابلة بثها التلفزيون العمومي، ليل السبت - الأحد، في موضوع «القمة المغاربية المصغّرة»، التي اتفقت الجزائر وتونس وليبيا على عقدها مرة كل ثلاثة أشهر، مبدياً ترحيباً بالتحاق المغرب الذي أشار إليه بـ«الأشقاء في الغرب» (غرب حدود الجزائر)، «إن أرادوا ذلك». مشيرا إلى أن المغاربة «اختاروا مسارات أخرى للتعاون وهم أحرار في ذلك»، ذكر منها رغبة الرباط في الانضمام إلى «مجلس التعاون الخليجي» «والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا».

من مقابلة الرئيس الجزائري التي بثها التلفزيون الرسمي (الرئاسة)

وشدّد تبون، على أن بلاده «لا تبحث عن إقصاء أحد»، من وراء إطلاق «القمة المغاربية المصغّرة الدورية»، مبرزاً أنها «خطوة لتأسيس كيان مغاربي هدفه التشاور، ولا يعادي أي دولة من دول المغرب العربي». وعدّ كلام تبون بمثابة رد على الإعلام المغربي، الذي تعامل بحساسية مع الفكرة، عادّاً أنها «موجهة ضد المغرب»، بسبب خلافاته الحادة القديمة مع الجزائر حول نزاع الصحراء الغربية.

وتم إطلاق «القمة الثلاثية» بمناسبة اجتماع للدول المصدرة للغاز بالجزائر، الشهر الماضي. ونشرت الرئاسة الجزائرية، حينها، أن الاجتماع الثاني سيكون في تونس بعد شهر رمضان. فيما سيعقد الثالث في طرابلس، لكن لم يحدد تاريخه. مبرزة أن الهدف منه «تكثيف الجهود وتوحيدها، لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية بما يعود على شعوب البلدان الـ3 بالإيجاب».

والمعروف أن آخر قمة لـ«اتحاد المغرب العربي» (تأسس في 1989) كانت بتونس عام 1994. وفي السنة ذاتها أغلقت الجزائر حدودها مع المغرب، رداً على اتهامه مخابراتها بتنفيذ هجوم على سياح أوروبيين بمراكش في صيف السنة نفسها.

وتأثر «الاتحاد المغاربي» بتدهور العلاقات بين أكبر بلدين فيه، فتوقفت كل هياكله وتم تجميد كل اتفاقات التعاون المشتركة. وفي 2021، قررت الجزائر قطع علاقاتها مع الرباط بعد أن اتهمتها بـ«القيام بأعمال عدائية ضدها».

الرئيسان الجزائري والتونسي في مارس 2024 (الرئاسة الجزائرية)

من جهة أخرى، أبقى الرئيس تبون على حالة الغموض بخصوص ترشحه لانتخابات الرئاسة المقررة في 7 سبتمبر (أيلول) المقبل. وقال ردا على سؤال بهذا الخصوص: «الوقت ليس مناسباً لإعلان ترشحي لولاية ثانية؛ وسأكمل برنامجي فيما تبقى من ولايتي»، معلنا أنه سيزور عدة ولايات قبل الاستحقاق. كما أعطى إشارات فهمها مراقبون، بأنها تعكس إرادة لديه للاستمرار في السلطة، وذلك حينما قال إنه رفع الأجور بنسبة 47 في المائة في السنوات الأخيرة، «وسنكمل الباقي في آفاق 2026 - 2027».

ولما أعلن تبون في 21 من الشهر الماضي، عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية بثلاثة أشهر (كانت مقررة في نهاية العام)، لم يذكر الأسباب، الأمر الذي فتح باب التأويل والتكهن بوجود «أزمة في هرم النظام». وقال بعض المراقبين، بأن «الجهات النافذة في السلطة، لا تريده أن يمدد حكمه، فدفعته إلى اختصار ولايته الأولى». أما الرئيس فقال: «كثيرون أطلقوا تكهنات حول أسباب تقديم موعد الانتخابات، بمن فيهم أجانب، وأقول إنها أسباب تقنية»، عاداّ بداية سبتمبر «الفترة المثلى لإجراء الانتخابات بعكس ديسمبر (كانون الأول)، حيث يكون الجزائريون أكثر استعدادا لهذا الموعد، بعد رجوعهم من عطلة الصيف مباشرة».

تبون والمنفي (الرئاسة الجزائرية)

وحمل تبون بشدة على ما سماه «ثلاثيا»، في إشارة إلى ثلاث دول لم يسمها، «تتآمر» على بلاده، وفق تصريحاته. لافتاً إلى أن «الجزائر لن تركع، ومن يرد أن يفرض علينا ما يفرضه في مكان آخر فهو مخطئ... الجزائر قدّمت ملايين الشهداء في سبيل السيادة، ومن يُرد استفزازنا سيجدنا بالمرصاد». لافتاً إلى أن «التدخل الأجنبي في أزمة مالي الداخلية يزيد من صعوبة الوضع». وأكد «أن الماليين أشقاؤنا وهم أحرار في بلدهم، إذا رأوا أن يحلوا مشاكلهم من دون الجزائر... ربما كنا دولة متطرفة في الدفاع عن مالي وعن وحدته الترابية». ويقصد بذلك قرارا اتخذته السلطة العسكرية، مطلع العام، بالتخلي عن الوساطة الجزائرية في صراعها مع حركات الانفصال في الشمال.


مقالات ذات صلة

وزير جزائري سابق يطعن في أسباب رفض ترشحه للرئاسة

شمال افريقيا الوزير السابق بلقاسم ساحلي يعلن رفع طعون في قرار رفض ترشحه للرئاسة (إعلام الحملة)

وزير جزائري سابق يطعن في أسباب رفض ترشحه للرئاسة

رفض وزير جزائري سابق المسوّغات التي قدمتها «سلطة الانتخابات» لتفسير رفض ترشحه لاستحقاق الرئاسة، فيما أعلن مرشحان تم قبول ملفهما عزمهما خوض الحملة الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا 
عبد المجيد تبون أبرز المرشحين للفوز في الانتخابات الرئاسية (الرئاسة)

تبون ومرشحان آخران لخوض سباق الرئاسة في الجزائر

أُعلن في الجزائر أمس (الخميس) أن سباق الانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من سبتمبر (أيلول) المقبل، سيقتصر على الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا قرار اعتراف فرنسا بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء قد يعيد التوتر مجدداً للعلاقات الفرنسية - الجزائرية (أ.ف.ب)

الجزائر «تستنكر بشدة» اعتراف فرنسا بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء

الجزائر «تستنكر بشدة» اعتراف فرنسا بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء وتقول إنه نتيجة «حسابات سياسية مشبوهة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون أبرز المرشحين للفوز بولاية ثانية (الرئاسة)

غربلة ملفات المرشحين لـ«رئاسة» الجزائر تبقي على 3

سيقتصر السباق في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقررة في السابع من سبتمبر المقبل، على ثلاثة مترشحين، بحسب ما أعلنت عنه هيئة الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا أعوان الدفاع المدني أثناء إطفاء حريق ببجاية الثلاثاء (الدفاع المدني)

الجزائر تتأهّب لمواجهة حرائق الصيف

أثار اندلاع حريق كبير، الثلاثاء، في غابة بولاية بجاية، الواقعة شرق الجزائر، مخاوف سكان المنطقة من احتمال تكرار كارثة حقيقية عاشوها عام 2021.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز