«النهضة» التونسية تعد أحكام القضاء في ملف اغتيال بلعيد «صك براءة» لها

«اليسار» انتقدها بقوة لأنها لم تُحمّل أي طرف سياسي مسؤولية الجريمة

شكري بلعيد (أ.ف.ب)
شكري بلعيد (أ.ف.ب)
TT

«النهضة» التونسية تعد أحكام القضاء في ملف اغتيال بلعيد «صك براءة» لها

شكري بلعيد (أ.ف.ب)
شكري بلعيد (أ.ف.ب)

أصدرت المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة، فجر الأربعاء، حكماً بإعدام أربعة أشخاص بتهمة التورط والمشاركة في اغتيال السياسي شكري بلعيد في السادس من فبراير (شباط) عام 2013، في قضية استمرت لأكثر من عقد، وشملت 23 متهماً، من بينهم 14 موقوفاً في السجن، وتسعة بحالة سراح. كما تضمنت الأحكام أيضاً عقوبة السجن مدى الحياة ضد متهمين اثنين، فيما تراوحت باقي الأحكام بالسجن لمدة تتراوح بين عامين و120 عاماً، وخضوع متهمين آخرين إلى العقوبة الإدارية بين ثلاثة وخمسة أعوام. كما أخلت المحكمة سبيل خمسة متهمين.

أقارب شكري بلعيد يترحمون عليه أمام قبره (رويترز)

لكن هذه الأحكام لم تضع حداً للجدل السياسي والقانوني، الذي رافق هذه القضية منذ تنفيذ عملية الاغتيال. فمن جهة بدا من عدة تصريحات أن صيغة الأحكام القضائية أرضت قيادات «حركة النهضة»، على اعتبار أنها المتهم الأول في هذه القضية، وعدتها دليل براءة للحركة ولرئيسها راشد الغنوشي، ومن جهة ثانية، انتقد العشرات من أنصار بلعيد الذين تجمعوا قرب محكمة تونس العاصمة، منذ مساء الثلاثاء، هذه الأحكام، رافعين شعارات تطالب بالعدالة، وهتفوا بعبارات، من بينها «شكري ديما حي»، و«أوفياء لدماء الشهداء». كما عبرت قيادات يسارية عن غضبها الشديد من هذه الأحكام، وعدّت على لسان زياد الأخضر، رئيس حزب «الوطنيين الديمقراطيين الموحد» (الوطد)، أن «معركة كشف الحقيقة في قضية اغتيال شكري بلعيد ما زالت متواصلة، خاصة في الشق المتعلق بمسار ملف الجهاز السري لـ(حركة النهضة)، الذي له علاقة وثيقة بملف الاغتيال»، عادّاً أن هذا المسار «سيتواصل اليوم لمعرفة من تولى التخطيط والتمويل واتخاذ قرار الاغتيال»، وهو ما يخفي وفق متابعين للصراع السياسي بين اليسار وممثلي الإسلام السياسي، «عدم الاقتناع بالأحكام القضائية»، الصادرة فجر (الأربعاء).

«النهضة» عدّت الأحكام القضائية دليل براءة للحركة من تهمة اغتيال بلعيد (أ.ف.ب)

وقال الأخضر لـ«وكالة الأنباء التونسية» الرسمية إن ملفات التخطيط والتمويل يتم العمل عليها في قطب مكافحة الإرهاب، وتفكيك علاقتها بملف الاغتيالات التي شهدتها تونس، خاصة قضية اغتيال بلعيد، حيث تم الاستماع لقيادات من حزب «الوطد»، كونه أحد الأطراف القائمة بالحق الشخصي، مبيناً أن الأحكام الجديدة الصادرة «مجرد مرحلة للمرور إلى مسارات متقدمة لكشف الحقيقة».

وأضاف الأخضر موضحاً أن هيئة الدفاع في قضية بلعيد «قامت بعمل استقصائي مهم لكشف الحقيقة. لكنها واجهت مجموعة من العراقيل التي أخرت كشف الحقيقة منذ تاريخ الاغتيال، ومن بينها طمس الحقائق، وعدم الاستجابة لطلبات هيئات الدفاع، إلى جانب تفكيك الملف إلى عدة قضايا». مشيراً في هذا السياق إلى أن بشير العكرمي، وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس، الذي تولى الملف اتهم بطمس الحقائق والتلاعب بالملف، وأنه يخضع حالياً للتوقيف، وهو ما يعني أن ملف الاتهامات «ما زال مفتوحاً وسيكشف عن المزيد من الحقائق».

متظاهرون من حزب «الوطد» يتظاهرون أمام المحكمة للمطالبة بالعدالة في ملف اغتيال بلعيد (أ.ف.ب)

واغتيل بلعيد، وهو محام وسياسي معارض، عرف بانتقاده الشديد لـ«حزب النهضة» الإسلامي، واتهامه له بغض الطرف عن العنف الذي يرتكبه متطرفون ضد العلمانيين، بالرصاص على أيدي متشددين من أمام مقر سكنه قرب العاصمة. واتهم حزبه «الوطنيين الديمقراطيين الموحد»، «حركة النهضة» بالتحريض على اغتياله، وهو ما نفاه الحزب. وقد تسببت وفاة بلعيد في اضطرابات في البلاد تزامنت مع تشييع جثمانه في جنازة مشهودة، وأدت الاحتجاجات في الشوارع إلى الاطاحة بحكومة الإسلاميين وحلفائهم آنذاك.

وفي أول تعليق على الحكم قال عبد المجيد، شقيق شكري بلعيد، إنهم راضون عن الحكم، وعدّ أنه «مؤشر إيجابي»، ‬‬موضحاً أن هذا الحكم «هو جزء أول يتعلق بالمنفذين، وستكون هناك في القريب محاكمة ثانية، ستشمل المخططين، وهم قيادات من الجهاز السري للنهضة»، على حد تعبيره.

عبد المجيد بلعيد شقيق شكري مع عدد من المتظاهرين الذين طالبوا من أمام المحكمة بتحقيق العدالة (أ.ف.ب)

من جانبها، سارعت «حركة النهضة» بعد الإعلان عن هذه الأحكام القضائية، التي لم تٌحمّل أي طرف سياسي مسؤولية اغتيال بلعيد، إلى إعلان براءتها من تهمة الاغتيال، مؤكدة في بيان حمل توقيع العجمي الوريمي، الأمين العام للحركة، وحمل عنوان «جاء الحق وزهق الباطل»، أنّ ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية بكُل تخصصاتها، وما انتهت إليه الدوائر القضائية من تفاصيل، «تُعّد بشكل يقيني أدّلة براءة للحركة، وأدّلة قطعية على الأجندة المشبوهة لما يسمى بهيئة الدفاع (عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي)، المتمثلة في استهداف طرف سياسي ظلماً وعدواناً وكذباً وبهتاناً»، على حد تعبيره.

وعدّت «حركة النهضة» أنّ صدور الأحكام في قضية الاغتيال «ينبغي أن يُنهي المتاجرة بدم الشهيد، ويعيد الاعتبار لمن طالته الاتهامات السياسية الباطلة والقاتلة، خاصة رئيس الحركة راشد الغنوشي»، كما دعت الحركة إلى فتح «صفحة المصالحات الكبرى، والإعراض عن الأصوات الناعقة بالفِتنة والإقصاء والكراهية». موضحة أن تونس «أحوج الآن من أيّ وقت مضى لإنهاء هذا العبث والخداع، والتلاعب بمصالحها العليا عبر التضليل والتلاعب بالحقيقة».

والمتهمون الأربعة الذين شملتهم أحكام الإعدام شنقاً هم عزّ الدين عبد اللاوي، ومحمد أمين القاسمي، ومحمد العكاري ومحمد العوادي. كما قضت الدائرة الجنائية بالسجن مدّة ثلاثين عاماً في حقّ المتهم أحمد المالكي المكنى بـ«الصومالي»، المتهم في قضية اغتيال النائب البرلماني محمد البراهمي.


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

مصر: انتشال 4 جثث بعد غرق مركب سياحي في البحر الأحمر

عناصر من رجال الإسعاف والإنقاذ المصري يُسعفون أحد الناجين من ركاب المركب (المتحدث العسكري المصري - «فيسبوك»)
عناصر من رجال الإسعاف والإنقاذ المصري يُسعفون أحد الناجين من ركاب المركب (المتحدث العسكري المصري - «فيسبوك»)
TT

مصر: انتشال 4 جثث بعد غرق مركب سياحي في البحر الأحمر

عناصر من رجال الإسعاف والإنقاذ المصري يُسعفون أحد الناجين من ركاب المركب (المتحدث العسكري المصري - «فيسبوك»)
عناصر من رجال الإسعاف والإنقاذ المصري يُسعفون أحد الناجين من ركاب المركب (المتحدث العسكري المصري - «فيسبوك»)

قال محافظ البحر الأحمر عمرو حنفي، اليوم (الثلاثاء)، إن عناصر الإنقاذ انتشلوا 4 جثث و3 ناجين غداة غرق مركب سياحي قبالة السواحل المصرية، فيما لا يزال 9 في عداد المفقودين.

وأعلن حنفي في بيان: «نجاح الجهود التي تُجريها الجهات المعنية كافة وعلى رأسها رجال القوات البحرية في العثور على 7 أشخاص منهم 3 أحياء (2 منهم يحملون الجنسية البلجيكية وآخر مصري)، فيما جرى انتشال 4 جثث ما زالوا مجهولي الهوية». وأشار إلى أنه «حتى الآن إجمالي من جرى إنقاذهم بلغ 31 شخصاً».

ووقع الحادث في الساعات الأولى من صباح أمس (الاثنين)، بشحوط اللانش «سي ستوري» خلال رحلة غوص وسفاري، إذ كان يقلّ 31 سائحاً من جنسيات أجنبية مختلفة، بالإضافة إلى طاقمه المكون من 14 فرداً من بحارة وغطاسين. وحتى مساء أمس (الاثنين)، أنقذت الفرق المعنية 28 شخصاً، فيما استمرت عمليات البحث عن 17 مفقوداً.

وأعلن محافظ البحر الأحمر، في بيان، أن الناجين الذين تم إنقاذهم يتلقون الرعاية الطبية اللازمة، مع تكثيف الجهود للعثور على باقي المفقودين.

من جانبه، قال المتحدث العسكري المصري عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن القيادة العامة للقوات المسلحة، كلَّفت قيادة القوات البحرية بدفع عدد من القطع البحرية وطائرات مركز البحث والإنقاذ فور تلقي بلاغ استغاثة يفيد بتعرض المركب السياحي «سي ستوري» للغرق في أثناء تنفيذ أعمال الغطس جنوب مدينة مرسى علم بنحو (35) كم، للمشاركة في أعمال البحث عن المفقودين والناجين، وذلك في ظل سوء الأحوال الجوية واتساع نطاق الحادث.

وذكر في البيان: «وقد أسفرت الجهود عن إنقاذ 28 فرداً بالتعاون مع إحدى السفن السياحية التي تَصادف وجودها في منطقة الحادث، كما تم تقديم الرعاية الطبية والإدارية اللازمة للناجين ونقل الحالات التي تستدعي رعاية طبية عاجلة إلى المستشفيات القريبة من موقع الحادث بالتعاون مع الأجهزة التنفيذية لمحافظة البحر الأحمر، كما أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة أوامرها للقوات البحرية بتكثيف جهودها لمواصلة عمليات البحث عن باقي المفقودين والناجين».