تحذيرات أممية من انزلاق السودان نحو «أسوأ أزمة جوع في العالم»

ثلث السكان مهددون ومساعٍ لتمويل خطة الاستجابة قبل حلول «موسم العجاف»

TT

تحذيرات أممية من انزلاق السودان نحو «أسوأ أزمة جوع في العالم»

مجلس الأمن خلال اجتماعه حول السودان (صور الأمم المتحدة)
مجلس الأمن خلال اجتماعه حول السودان (صور الأمم المتحدة)

حذرت الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، من أن النزاع المتواصل منذ نحو عام بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان من جهة و«قوات الدعم السريع» بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب «حميدتي» من الجهة الأخرى، يدفع هذا البلد العربي الأفريقي إلى أسوأ أزمة جوع في العالم، بسبب الارتفاع المتزايد في معدلات سوء التغذية.

وبطلب قدمته غويانا وسويسرا وسيراليون وسلوفينيا على أثر مذكرة من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في شأن انعدام الأمن الغذائي في السودان، عقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة الوضع في إطار بند «حماية المدنيين في النزاعات المسلحة»، واستمع إلى إفادات من ممثلين عن منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وبرنامج الأغذية العالمي.

عائلة نازحة في الغضارف (أ.ف.ب)

وأبلغ نائب المدير العام لمنظمة «الفاو» ماوريتسيو مارتينا، أعضاء مجلس الأمن عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، أن حجم الجوع في كل أنحاء السودان «يثير قلقاً عميقاً»، مرجحاً أن «تنزلق بعض المناطق - لا سيما في غرب ووسط دارفور - إلى حالة كارثية من انعدام الأمن الغذائي مع اقتراب موسم العجاف في مايو (أيار) المقبل».

وأكد أن «الصراع يدفع أزمة الجوع هذه، ويقيد الإنتاج الزراعي، ويدمر البنية التحتية الرئيسية وسبل العيش، ويعرقل التدفقات التجارية، ويسبب زيادات حادة في الأسعار، ويقيد وصول المساعدات الإنسانية، ويؤدي إلى نزوح واسع النطاق»، وأن «انتشار القتال وتصاعده يؤثران بشكل مباشر على الأمن الغذائي، بخاصة مع وصول الصراع إلى مناطق جديدة، لا سيما في ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض، والتي تعد بمثابة سلة الغذاء الرئيسية في السودان». وقال إنه «خلال موسم الحصاد الأخير - الذي يمتد من أكتوبر (تشرين الأول) إلى فبراير (شباط) - وهو عادة الوقت الذي يتوفر فيه الغذاء بأكبر قدر ممكن في السودان، يتوقع أن يواجه ما يقدر بـ18 مليون شخص أزمة، أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وهذا هو أسوأ مستوى للجوع سجله التصنيف المرحلي للأمن الغذائي على الإطلاق خلال موسم الحصاد».

نازحون من الخرطوم في منطقة الغضارف (أ.ف.ب)

وتحدثت أيضاً مديرة العمليات والمناصرة لدى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إيديم وسورنو التي أكدت أيضاً أن «ثلث سكان السودان يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويمكن الوصول إلى مستويات جوع كارثية في بعض مناطق إقليم دارفور الغربي بحلول موسم العجاف في مايو». وأشارت إلى تقييم حديث يفيد بأن «طفلاً يموت كل ساعتين في مخيم زمزم في الفاشر، بشمال دارفور»، مضيفة أن «شركاءنا في المجال الإنساني يقدّرون أنه في الأسابيع والأشهر المقبلة، قد يموت نحو 222 ألف طفل في مكان ما في المنطقة بسبب سوء التغذية». ونبهت إلى «وضع عنيف شهد روايات مروعة عن الهجمات العرقية والعنف الجنسي بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والهجمات العشوائية في المناطق المكتظة بالسكان»، آسفة لأن «المهزلة الإنسانية تحدث في السودان تحت ستار من الإهمال الدولي والتقاعس عن العمل».

مديرة العمليات والمناصرة لدى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إيديم وسورنو تتحدث أمام أعضاء مجلس الأمن في نيويورك (صور الأمم المتحدة)

وأشارت إلى انزلاق السودان إلى حال من الفوضى منذ أبريل (نيسان) الماضي، عندما بدأ القتال بين قوات البرهان وقوات دقلو في شوارع العاصمة الخرطوم، لينتشر إلى أجزاء أخرى من البلاد، وبخاصة المناطق الحضرية، لكنه اتخذ في دارفور «شكلاً مختلفاً، مع الهجمات الوحشية التي شنّتها (قوات الدعم السريع)»؛ مما أدى إلى مقتل آلاف الأشخاص. وفي أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، أفاد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بأن هناك أسباباً للاعتقاد بأن طرفي النزاع الحالي يرتكبان جرائم حرب محتملة، أو جرائم ضد الإنسانية، أو إبادة جماعية في دارفور. وأكدت ووسورنو أن القتال العنيف لم يهدأ في الخرطوم ودارفور وكردفان التي تضم 90 في المائة من الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي. وأضافت أن المزارعين اضطروا إلى ترك حقولهم؛ مما أدى إلى انخفاض إنتاج الحبوب مع انتقال الأعمال العدائية إلى ولاية الجزيرة، التي تعدّ سلة الخبز في السودان، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ورأت أنه في هذه الظروف، ينبغي أن يكون تقديم المساعدات الإنسانية بمثابة «شريان حياة»، لكن نداء الأمم المتحدة للحصول على 2.7 مليار دولار للسودان جرى تمويله بأقل من 5 في المائة؛ إذ حصل على 131 مليون دولار فقط. وأملت في أن يؤدي مؤتمر رفيع المستوى للمانحين للسودان وجيرانه في باريس في 15 أبريل المقبل إلى «التزامات ملموسة» لدعم عمليات الإغاثة «في مواجهة المجاعة التي تلوح في الأفق». وكذلك حذر نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي كارل سكاو من «تداعيات إقليمية عميقة» لوضع الأمن الغذائي المتدهور بسرعة في السودان. وإذ كرر أن 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، نبه إلى أن سبعة ملايين شخص في جنوب السودان المجاور، ونحو ثلاثة ملايين في تشاد المتاخمة لدارفور «يواجهون أيضاً جوعاً شديداً»، ملاحظاً أن 90 في المائة من الأشخاص الذين هم على بعد خطوة واحدة من المستوى الكارثي للأمن الغذائي ويحتاجون بشكل عاجل إلى الغذاء المنقذ للحياة «محاصرون في مناطق يتعذر على الوكالات الإنسانية الوصول إليها إلى حد كبير»، بما في ذلك الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور. وقال: «إذا أردنا أن نمنع السودان من أن يصبح أكبر أزمة جوع في العالم، فإن الجهود المنسقة والدبلوماسية المشتركة أمر عاجل وحاسم».

نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي كارل سكاو (صور الأمم المتحدة)

في غضون ذلك، أعلنت الولايات المتحدة مساعدة إنسانية جديدة بقيمة 47 مليون دولار لصالح الاستجابة العاجلة في السودان والدول المجاورة.

وأفادت وزارة الخارجية الأميركية، بأن مساعدة وزير الخارجية لشؤون السكّان واللاجئين والهجرة جوليتا فالس نويز التقت رئيس الوزراء التشادي سيكسيه ماسرا، وأعلنت تقديم هذا الدعم الإنساني، الذي يشمل أيضاً كلّاً من تشاد وجنوب السودان، موضحة أن بهذا الدعم، يرتفع حجم المساعدات الأميركية إلى أكثر من 968 مليون دولار منذ عام 2023.


مقالات ذات صلة

المدارس السودانية في مصر بانتظار انفراجة بعد 3 شهور من إغلاقها

شمال افريقيا امتحانات لطلاب سودانيين بمصر (السفارة السودانية بالقاهرة)

المدارس السودانية في مصر بانتظار انفراجة بعد 3 شهور من إغلاقها

تأمل الجالية السودانية في مصر انفراجة في أزمة المدارس السودانية العاملة في البلاد، والمغلقة منذ نحو 3 أشهر لحين استيفائها الشروط المطلوبة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

آلاف الأسر تفرقت حيث خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)

رفع الحصانة عن برلماني مصري في قضية وفاة اللاعب رفعت

أحمد رفعت (الشرق الأوسط)
أحمد رفعت (الشرق الأوسط)
TT

رفع الحصانة عن برلماني مصري في قضية وفاة اللاعب رفعت

أحمد رفعت (الشرق الأوسط)
أحمد رفعت (الشرق الأوسط)

وافق مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، الأحد، على رفع الحصانة عن وكيل لجنة الشباب والرياضة بالمجلس، النائب أحمد دياب؛ للاستماع إلى أقواله في تحقيقات النيابة العامة بشأن وفاة اللاعب أحمد رفعت، الذي رحل في يوليو (تموز) الماضي، إثر معاناة من تداعيات أزمة قلبية مفاجئة، أرجعها في تصريحات تلفزيونية قبل وفاته لـ«مضايقات تعرَّض لها من بعض المسؤولين».

ويشغل دياب رئيس رابطة الأندية المصرية، وورد اسمه في التحقيقات بعدما ترددت مسؤوليته عن توريط اللاعب الراحل في أزمة قانونية، عبر تسهيل سفر رفعت للاحتراف في الخارج خلال فترة تجنيده، بالمخالفة للقواعد المعمول بها في هذا الشأن.

وتُوفي رفعت (30 عاماً)، في 7 يوليو الماضي، بعد معاناة مع المرض إثر سقوط مفاجئ في مباراة لناديه، مودرن سبورت، بالدوري المصري في مارس (آذار) الماضي. في حين أمر النائب العام المصري في أغسطس (أب) الماضي بـ«تحقيقات موسعة للوقوف على ملابسات الوقائع التي تعرَّض لها اللاعب قبل وفاته».

النائب دياب خلال حضوره جلسة لمجلس الشيوخ (مجلس الشيوخ)

وعقب ضجة واسعة بالقضية التي شغلت الرأي العام المصري، وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أغسطس، بـ«تحقيقات موسعة في القضية لكشف ملابساتها ومحاسبة المسؤولين عنها»، وطالب الجهات المعنية بـ«حوكمة الإجراءات الخاصة بسفر الرياضيين للخارج في أثناء فترة التجنيد، بما يضمن تسهيل الإجراءات ووضوحها لتحقيق المساواة في التعامل مع ذوي الشأن».

وقال رئيس مجلس الشيوخ، المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، إن رفع الحصانة عن دياب جاء بناء على طلب النائب؛ من أجل استكمال إجراءات التحقيق في القضية، ووصف الطلب بـ«السابقة التاريخية»، كونه جاء بطلب دياب نفسه لاستكمال التحقيقات.

وعدّ عبد الرازق، في كلمته أمام الجلسة العامة، أن موقف دياب «يظهر التزاماً راسخاً بمبادئ العدالة واحترام القانون والمؤسسات القضائية»، مؤكداً أن «النائب لا يزال غير متهم بأي اتهام».

ووفق الخبير في الشؤون البرلمانية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو هاشم ربيع، فإن رفع الحصانة يأتي في إطار رغبة النائب في الإدلاء بأقواله أمام النيابة العامة؛ لعدم قدرته على القيام بهذا الأمر من دون موافقة المجلس على رفع الحصانة، حيث تتطلب الإجراءات القانونية للاستماع لأقوال عضو البرلمان أمام النيابة العامة، ضرورة رفع الحصانة.

أحمد دياب (رابطة الأندية المصرية المحترفة)

وقال المحامي المصري محمد رضا لـ«الشرق الأوسط» إن النيابة العامة تقوم بتحديد موعد للاستماع إلى أقوال النائب بعد وصول قرار رفع الحصانة لمكتب النائب العام، للاستماع لإفادته بشكل كامل وتفصيلي، على أن يعقب ذلك اتخاذ قرار بشأنه.

وأضاف: «الاستماع إلى أقوال النائب في الواقعة يمكن أن يكون بصفته شاهداً، لكن إذا تبيَّن خلال التحقيقات تورطه في القضية فيكون من حق المحقق توجيه الاتهام واتخاذ قرار سواء بإخلاء سبيل النائب مع توجيه الاتهام أو حبسه على ذمة التحقيقات حال وجود ما يستلزم ذلك وفقاً للقانون».