المصريون عالقون بين «هاشتاغات» التعويم… وعيونهم مُعلقة بالأسعار

الأشهر الماضية شهدت نشاطاً كبيراً في «السوق السوداء»

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

المصريون عالقون بين «هاشتاغات» التعويم… وعيونهم مُعلقة بالأسعار

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

بين إلقاء «نظرة الوداع» على سعر الدولار الرسمي «الثابت» في البنوك المصرية، والإقرار بأنهم في «لحظات تاريخية» حالية، والتخوف المستقبلي من غلاء جديد يطول السلع والمنتجات، جاء حال المصريين، وهم يتابعون مشهد التطورات الاقتصادية في بلادهم، مع قرار البنك المركزي المصري، الأربعاء، «تحديد سعر صرف الجنيه وفقاً لآليات السوق».

فمع استيقاظ المصريين على القرار المتوقع، الذي عده البعض «تعويماً»، وما تبعه من رفع أسعار الفائدة على الجنيه بواقع 6 في المائة؛ تفاعلت «السوشيال ميديا» بقوة مع القرارات الجديدة. وفي غضون دقائق قليلة من الإعلان عن تلك القرارات، هيمنت النزعة الاقتصادية على التفاعلات، التي تصدرتها «هاشتاغات» عديدة، أبرزها: «#المركزي_المصري»، «#الدولار»، «#الجنيه»، «#السعر_العادل»، «#السوق_الموازي»، «#شلل_السوق_السوداء».

وشهدت الأشهر الماضية بمصر نشاطاً كبيراً لـ«السوق السوداء»، وهي سوق موازية غير قانونية لتبديل العملات الأجنبية خارج المعاملات المصرفية، في ظل تزايد الفارق بين السعر الرسمي للدولار المعلن بالبنوك، وسعر «السوق الموازية» لقيمة تلك العملات مقابل الجنيه المصري، وكان الدولار الأميركي على رأس العملات المتداولة خارج الإطار الرسمي، حيث بلغ سعره الرسمي 30.9 جنيه، بينما كان يباع في «السوق السوداء» بأرقام أعلى بكثير، حيث ناهز سعره الـ70 جنيهاً في بعض الأوقات.

وبمجرد صدور بيان البنك المركزي، بدأ سعر الدولار الرسمي في الصعود حتى بلغ الـ50 جنيهاً في تعاملات عصر الأربعاء.

وعكست ردود فعل رواد «السوشيال ميديا» على القرارات الجديدة تبايناً بين قطاعات من المتفائلين والمتشائمين حيال سعر العملة ومستقبل «السوق السوداء» وأسعار السلع المختلفة. وقال حساب باسم «أحمد البرديسي»، إن «هناك توديعاً للسوق السوداء، وهذا معناه وجود فرصة للتنمية والاستقرار الاقتصادي».

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي المصري، أشرف غراب، لـ«الشرق الأوسط»، أن «قرارات البنك المركزي المصري، الأربعاء، جاءت في توقيت مهم ومناسب من أجل السيطرة على سعر الصرف وكبح جماح التضخم والسيطرة عليه».

وتباطأ معدل التضخم في مصر إلى 29.8 في المائة على أساس سنوي في يناير (كانون ثاني) الماضي، من 33.7 بالمائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسجل أعلى مستوى تاريخي عند 38 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر.

منطقة العتبة في وسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وهنا يرى غراب أن تلك القرارات تهدف إلى السيطرة على «السوق السوداء للدولار»، خاصة بعد دخول كميات كبيرة من النقد الأجنبي لمصر من صفقة «رأس الحكمة»، فكان لابد من اتخاذ خطوات قوية وصارمة للقضاء على «السوق الموازية للعملة».

ووقّعت مصر الأسبوع الماضي عقد تطوير مشروع «رأس الحكمة» بشراكة إماراتية، واستثمارات قدرت بنحو 150 مليار دولار خلال مدة تطوير المشروع، تتضمن ضخّ نحو 35 مليار دولار استثماراً أجنبياً مباشراً للخزانة المصرية خلال شهرين، وسط تطلع مصري لأثر سياسي واقتصادي مستدام من الصفقة.

إلى ذلك، تعلقت عيون المصريين بتطورات الأسعار نتيجة القرارات، وتفاعلت تعليقات «السوشيال ميديا» مع تأثير القرارات على أسعار السلع.

وتمنى حساب باسم «رغدة السعيد»، ثبات الأسعار، وألا تكون وفرة الدولار في البنوك مؤقتة.

وتخوف حساب باسم «تقى» من زيادة الأسعار، رغم أن التسعير في السوق كان يتم على أساس سعر الدولار في السوق الموازية.

وشهدت مصر ارتفاعات متتالية في أسعار السلع منذ بداية العام الحالي، خصوصاً أسعار الذهب، ومواد البناء، والأجهزة الكهربائية، والمواد الغذائية، ومنتجات الألبان، واللحوم والدواجن، مدفوعة بتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.

وعندما تخطى سعر الدولار حاجز 50 جنيهاً في بعض البنوك المصرية، الأربعاء، عدّ حساب باسم «أحمد عبده» أن البنوك تنافست في رفع سعر الدولار، و«هو ما يعني غلاءً منتظراً»، وفق قوله.

عودة إلى غراب الذي أشار إلى أن «هذه القرارات المهمة تعمل على توافر الدولار بالبنوك، ما يلبي احتياجات المستوردين والصُناع والمنتجين لاستيراد مستلزمات الإنتاج والخامات الضرورية، وهذا يسهم في زيادة معدلات التشغيل، وبالتالي يسهم في خفض الأسعار بلا شك».

ورغم «اللحظات التاريخية»، التي تشهدها الأوضاع الاقتصادية في البلاد وفق وصف البعض، فإن التندر لم يغب عن تعليقات المصريين، ولجأ العديد منهم إلى بعض المشاهد السينمائية للتعبير عن تلك اللحظات بشكل ساخر، ومنها مشهد يلخص حال المصريين أمام الشاشات، مصحوباً بتعليق: «وأنا سايب شغلي وبتابع التعويم».

لكن الخبير الاقتصادي المصري، ياسر حسين قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين سيبقون عالقين لفترة بين (هاشتاغات) مماثلة، طالما أن الفجوة المالية بين الموارد والمصروفات الدولارية العامة قائمة». وأشار إلى أن «هناك بوادر إيجابية في السوق؛ لكن المخاوف ما زالت قائمة لدى بعض الفئات». ودلل حسين على ذلك بقوله إن «هناك موروثاً ثقافياً لدى المصريين مفاده أن ما يرتفع سعره لا يهبط مرة أخرى».

كما رأى حسين أن «التغلب على تلك المخاوف يتطلب عرض الدولار باستمرار في البنوك المصرية، أياً كان سعره»، وأن «يشعر المواطن بانعكاسات تدريجية إيجابية على السوق المصرية».


مقالات ذات صلة

شمال افريقيا الرئيس عبد الفتاح السيسي  ونظيره البرازيلي لولا دا سيلفا قبل اجتماع في ريو دي جانيرو (ا.ف.ب)

مصر والبرازيل لرفع العلاقات الثنائية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، اليوم (الاثنين)، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقع مع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، بياناً مشتركاً بشأن ترقية…

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
شمال افريقيا نائب السفير السوداني في القاهرة خلال مؤتمر صحافي للإعلان عن ملتقين اقتصاديين بين البلدين (الشرق الأوسط)

السودان يُعوّل على دعم اقتصادي مصري لتقليل خسائر الحرب

أعلنت السفارة السودانية في القاهرة عن تدشين عدد من الفعاليات الاقتصادية بين مصر والسودان خلال الفترة المقبلة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا شركة «النصر للسيارات» أسسها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر (مجلس الوزراء المصري)

تفاعل مصري مع «إعادة تشغيل» شركة تصنيع سيارات أسسها عبد الناصر

حظي «إعادة تشغيل» شركة تصنيع سيارات أسسها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر عام 1959، بتفاعل على «السوشيال ميديا».

أحمد عدلي (القاهرة )
رياضة عربية أحمد فتوح في أحد تدريبات نادي الزمالك (صفحة نادي الزمالك)

الحكم على لاعب الزمالك المصري أحمد فتوح يثير اهتماماً في مصر

أسدلت محكمة جنايات مطروح في مصر، السبت، الستار على قضية أحمد فتوح، لاعب نادي الزمالك ومنتخب مصر لكرة القدم، بإصدار حكمها على اللاعب بالحبس لمدة سنة.

محمد عجم (القاهرة )

مناورة بحرية تسلّط الضوء على ملف «توحيد الجيش الليبي»

جانب من القوات المشاركة في التدريب العسكري بتونس (رئاسة أركان قوات غرب ليبيا)
جانب من القوات المشاركة في التدريب العسكري بتونس (رئاسة أركان قوات غرب ليبيا)
TT

مناورة بحرية تسلّط الضوء على ملف «توحيد الجيش الليبي»

جانب من القوات المشاركة في التدريب العسكري بتونس (رئاسة أركان قوات غرب ليبيا)
جانب من القوات المشاركة في التدريب العسكري بتونس (رئاسة أركان قوات غرب ليبيا)

أعادت مناورة بحرية إقليمية، أجريت في تونس، تسليط الضوء على ملف توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، المجمد منذ أعوام، بعد مشاركة قوتين تابعتين لـ«الجيش الوطني»، وحكومة «الوحدة» المؤقتة.

التمرين البحري «فينيكس إكسبرس» الذي انتهى منتصف الشهر الحالي، جاء بمشاركة القيادة العسكرية الأميركية بأفريقيا «أفريكوم» و12 دولة، هي الجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا والسنغال وتركيا وإيطاليا ومالطا وبلجيكا وجورجيا، إضافة إلى تونس.

وفي خطوة رآها متابعون لا تخلو من دلالات، شاركت إحدى تشكيلات البحرية التابعة للقيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، مع نظيرتها في طرابلس في التمرين البحري، حسبما أعلنت قوات القيادة الجيش في شرق البلاد.

سفينة مشاركة في التدريب (متداولة)

وتعطلت اجتماعات توحيد الجيش الليبي، إثر أزمات سياسية، برغم أنها كانت قد قطعت شوطاً في سبيل إنهاء انقسام المؤسسة العسكرية بين شرق ليبيا وغربها.

وعدّ وزير الدفاع الليبي السابق، محمد البرغثي، العسكريين في بلده «كياناً واحداً»، معتقداً أن توحيد المؤسسة العسكرية «ربما يكون قريباً». من دون أن يقدم مبرراً لذلك.

وإذ يلفت البرغثي إلى أن هذه «المناورة هي الأولى بين العسكريين الليبيين من الجانبين»، فإنه يُذكّر «باتفاق سابق منذ أقل من عامين على تشكيل قوة مشتركة بمستوى لواء كحرس للحدود الجنوبية، لكنها لم تتشكل بعد».

ومنذ أقل من عامين، اتفق رئيسا أركان الجيش في شرق ليبيا وغربها: الفريق أول عبد الرازق الناظوري، والفريق أول محمد الحداد، على تشكيل هذه القوة المشتركة «كخطوة أولى لحماية الحدود»، بحضور قائد «أفريكوم» مايكل لانجلي خلال مؤتمر رؤساء الأركان الأفارقة في روما في مارس (آذار) 2023.

جانب من الوحدات التي شاركت في التدريب (رئاسة أركان غرب ليبيا)

ويتحدث المدير السابق لشؤون شمال أفريقيا في «مجلس الأمن القومي» الأميركي، بين فيشمان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن رهان أميركي «على نجاح توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، بما يؤدي إلى تقليص الوجود الروسي في ليبيا».

وتزايدت التكهنات بشأن مسارات الاستراتيجية الأميركية نحو توحيد الجيش الليبي، علماً بأن التدريبات التي يرعاها «أفريكوم» شهدت زيارة أجراها السفير الأميركي بتونس والمنسق العام للتمرين البحري من «أفريكوم» للباخرة «الكرامة».

ويعول البرغثي، لـ«الشرق الأوسط»، على إجراء انتخابات رئاسية تفضي إلى رئيس منتخب يكون بمثابة القائد الأعلى للجيش الليبي في ظل دستور دائم للبلاد.

في هذه الأثناء، كان مثيراً لانتباه المراقبين، ظهور لافتات تحمل صور حفتر على متن السفينة «الكرامة» التابعة للقيادة العامة، التي شاركت في تدريبات تونس، علماً بأن قوات غرب ليبيا شاركت على متن باخرة أخرى تحمل «ابن عوف».

وحسب محللين، فإن العامل الضاغط على واشنطن في تحركاتها هو وجود مئات من المرتزقة التابعين لمجموعة «فاغنر» العسكرية في ليبيا، بحسب تقرير سري للأمم المتحدة عام 2020.

وسبق أن جدّدت واشنطن في يونيو (حزيران) الماضي دعمها الكامل للحلول التي يقودها الليبيون لتوحيد جيشهم، وفق بيان لسفارتها في ليبيا، وذلك إثر لقاء رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال تشارلز براون، مع الحداد والناظوري، في مؤتمر رؤساء الدفاع الأفارقة عام 2024، في عاصمة بوتسوانا غابورون.

تنسيق عملياتي خلال التدريب (رئاسة أركان غرب ليبيا)

ويعيد البرغثي التذكير بوعود عسكرية أميركية سابقة لليبيين بدعم تدريبي وعسكري، ويقول إنها «تبخرت بعد مقتل السفير كريستوفر ستيفنز في ليبيا عام 2013»، معرباً عن قناعته بأن الغرض الرئيسي من مناورات تونس هو «احتواء نفوذ موسكو المتزايد بعد إنشاء الفيلق الأفريقي الروسي في المنطقة».

وتزامن هذا التطور مع لفتة رمزية، احتفت بها صفحات رسمية تابعة للقيادة العامة، تمثلت بإهداء آمر القوات الخاصة البحرية في طرابلس «درعاً تذكارية» إلى نظيره من بنغازي في ختام التدريبات.