اتّهم النائب البرلماني الموريتاني، يحيى اللود، حكومة بلاده باتّباع سياسات تشغيل وصفها بأنها «فاشلة»؛ وقال إن تلك السياسات أدت بدورها إلى جعل الموريتانيين يخاطرون بحياتهم للهجرة إلى الولايات المتحدة، بحسب وصفه.
وفي مقابلة مع «وكالة أنباء العالم العربي»، عد اللود أن الشبان الموريتانيين، الذين يهاجرون إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية «فقدوا الأمل في الحكومة، وفي سياساتها التشغيلية التي انتهجتها في السنوات الأخيرة»، قائلا إن الحكومة «أجبرتهم على الهجرة بسبب سياستها التشغيلية الفاشلة، وانتشار المحسوبية والفساد».
وانتشرت في موريتانيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة عبر حدودها الجنوبية مع المكسيك، ما جعل الحكومة الأميركية تدق ناقوس خطر هجرة الموريتانيين إليها. لكن الحكومة الموريتانية أعلنت أنها ستطلق مقاربة متكاملة تتضمن تعزيز الاقتصاد المحلي، وزيادة الوعي بفرص العمل المتاحة، والتعريف بمخاطر الهجرة غير الشرعية. وفي هذا السياق قال الوزير الأول محمد ولد بلال أمام البرلمان في يوليو (تموز) الماضي إن الحكومة ستبذل جهودا لمساعدة الشباب على الاندماج بشكل أفضل في الحياة المهنية للحد من هجرتهم إلى الخارج بشكل ملموس. لكن اللود، وهو النائب عن دائرة أميركا وعضو تحالف «أمل موريتانيا»، أشار إلى أن الإحصائيّات الصادرة عن الحكومة الأميركية كشفت عن أنّ أكثر من 20 ألف موريتاني عبروا من الحدود الجنوبية مع المكسيك.
* مهاجرون منتجون
يقول النائب اللود إن المهاجرين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدّة عام 2022 استطاعوا الاندماج في الحياة الجديدة، والحصول على تصريحات لمزاولة العمل هناك، مشيرا إلى تزايد أعداد هؤلاء المهاجرين العام الماضي. غير أنه قال في الوقت ذاته إن هذه الزيادة في أعداد المهاجرين تمثل «تحديا حقيقيا»، حيث أدّت إلى صعوبة إيجاد بعضهم فرصة عمل وسكن مناسبين، ما اضطرهم إلى الإقامة في ملاجئ يصعب التكيف فيها، بحسب وصفه.
وعد النائب أن وجود جالية موريتانية كبيرة في الولايات المتحدة له أثر إيجابي على الاقتصاد المحلي للبلاد، من خلال التحويلات المالية التي يرسلها هؤلاء المغتربون إلى أُسرهم ومجتمعاتهم المحلية في موريتانيا. مبرزا أن «تحويلات الجالية الماليّة تضاعفت، لكونها يداً عاملة منتجة، فمعظمهم يشتغلون؛ وهذا يعود بالنفع على الاقتصاد المحلي وأهاليهم في موريتانيا»، وطالب الحكومة بفتح مكاتب للحالة المدنية وقنصليات في المدن الأميركية التي يوجد فيها الموريتانيون بكثافة لتوفير الخدمات لهم.
وفي السنتين الأخيرتين، صارت أحاديث الموريتانيين ونقاشاتهم تتمحور بشكل كبير حول الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، بعد أن ضاق بهم الحال جراء الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث يغامر عدد منهم في بعض الأحيان ببيع كل ما يملكون، أو الاستدانة لتغطية تكاليف الرحلة التي تبلغ نحو ثمانية آلاف دولار في المتوسط. ووفقا لدراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، فإن قرابة 2.3 مليون شخص في موريتانيا، أي نحو 56.9 في المائة من السكان، أو ستّة أشخاص من كل عشرة، يعيشون في حالة فقر متعدد الأبعاد. وقالت في مقدمة الدراسة المنشورة في مارس (آذار) 2023 إن مؤشّر الفقر متعدّد الأبعاد، يتيح فهما أشمل للفقر من الدخل، حيث يفحص مجموعة من أوجه الحرمان التي يواجهها الناس في الصحة والتعليم، والتوظيف والظروف المعيشية. وتشير تقديرات إلى أن معدل البطالة في موريتانيا سجل 11.10 في المائة في عام 2022. فيما تُعدّ معدلات البطالة بين الشباب من بين الأعلى في العالم، حيث تقدر بنسبة 21 في المائة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما.
* حملات غير مقنعة
بخصوص الحملات التي أطلقتها سفارة الولايات المتحدة في نواكشوط للتحذير من خطورة الهجرة غير الشرعية، عد اللود أن تلك الحملات لم «تنجح في إقناع الموريتانيين بعدم ركوب الخطر، وقفز حائط المكسيك للعبور إلى الأراضي الأميركية». وقال إن الشبان الموريتانيين «لن ينتظروا الرأي من الولايات المتحدة، لأنّ الظروف التي أجبرتهم على الهجرة ما زالت على حالها في البلاد ولم تتغير». وتبدأ رحلة المهاجرين من نواكشوط بالطيران إلى إسطنبول، ومن ثم يستقلّون الطائرة إلى كولومبيا ثم نيكاراغوا، حيث تبدأ المرحلة الأكثر صعوبة والأخطر في السفر. وتُستخدم في الرحلة نحو المكسيك وسائل نقلٍ متنوعة، مثل السير على الأقدام وتسلّق الهضاب والجبال، وهي رحلة محفوفة بالمخاطر، يمرون خلالها بمناطق تنشط فيها العصابات المنتشرة في الغابات. وأفادت السفارة الأميركية في نواكشوط بأن حرس الحدود في الولايات المتحدة أوقف نحو 14 ألف شاب موريتاني، عبروا الحدود قادمين من المكسيك خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023.
وعد اللود أن سفارة الولايات المتحدة مساهمة بشكل كبير في هذه الهجرة، لرفضها منح التأشيرات للموريتانيين، بحسب وصفه. وحلّت موريتانيا في المراتب الأولى من حيث الدول، التي رفضت الولايات المتحدة منح مواطنيها تأشيرة دخول للأراضي الأميركية؛ وبحسب بيانات حكومية أميركية، فإن نسبة 89 في المائة من الموريتانيين الذين تقدّموا للحصول على التأشيرة قد رُفضت طلباتهم. وقال القنصل الأميركي في نواكشوط، إيفان ستانلي، في مقابلة مع صحيفة محلية في سبتمبر (أيلول) الماضي إن الكثير من الموريتانيين الذين يحصلون على تأشيرات لدخول الولايات المتحدة «لا يعودون فعليّا إلى موريتانيا، أو لا يستخدمون التأشيرة كما هو مطلوب».