تتزاحم رؤى عديد من السياسيين في ليبيا، لتفسير الغرض من تعيين الأميركية ستيفاني خوري، نائباً للمبعوث الأممي الخاص إلى البلاد عبد الله باتيلي، وسط تساؤلات حول ما إذا كان هذا التعيين يمثل تغيراً في استراتيجية المنظمة الأممية تجاه الأزمة الليبية، أم أنه يكرّس لجهود باتيلي ودعمه.
ويأتي قرار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بتعيين خوري نائباً للممثل الخاص للشؤون السياسية بالبعثة الأممية، في وقت تتعرّض فيه الأخيرة ورئيسها لانتقادات حادة من بعض الأطراف في البلد المنقسم سياسياً.
وأمام تباين في آراء السياسيين، وصف رئيس حزب «صوت الشعب» الليبي، فتحي عمر الشبلي، تعيين خوري، بأن الأمم المتحدة بهذا التعيين «زادت من تمكين الولايات المتحدة للسيطرة على (الورقة الليبية) بالكامل»، معتقداً بأن خوري ستحل محل باتيلي بعد أشهر عدة».
وخوري ليست الأميركية الوحيدة في البعثة، فقد سبقتها ستيفاني وليامز، التي شغلت منصب المستشارة الخاصة للأمين العام بالبعثة، وانتهت مهمتها في نهاية يوليو (تموز) 2022، بعد قرابة 8 أشهر، وسط إشادة أممية بعملها الذي وصفته بـ«المذهل».
وقال الشبلي، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إنه «لا يعتقد بأن الأمم المتحدة غيّرت من استراتيجيها تجاه الأزمة الليبية، لكن تعيين خوري، هو عمل ممنهج ومقصود من الولايات المتحدة، على اعتبار أنها تسيطر على الموقف السياسي في ليبيا».
وعلى الرغم من أن الشبلي، قال إن خوري «لها تاريخ من العمل في مناطق صراع عديدة»، ووصفها بأنها «من الشخصيات التي تؤمن بخط الإدارة الأميركية الحالية»، فإنه رأى أن «تعيينها سيزيد الموقف في ليبيا تعقيداً، كما سيؤكد سيطرة بلدها على الملف الليبي في ظل الغياب الكامل للدورَين الروسي والصيني».
وتحلّ خوري في هذا المنصب، وخلفها «أكثر من 30 عاماً من الخبرة في دعم العمليات السياسية، ومحادثات السلام والوساطة في حالات النزاع وما بعد النزاع، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط»، بحسب البعثة الأممية.
كما أنها صاحبة تجربة تفوق 15 عاماً من العمل مع الأمم المتحدة في العراق ولبنان وليبيا والسودان وسوريا واليمن. وشغلت أخيراً منصب مدير الشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان.
ووسط انتقادات حادة للمبعوث الأممي، يعدّ الأخير أن «الهدف الأساسي للبعثة هو دعم الأطراف الليبية لتحقيق الاستقرار من خلال تسوية سياسية سلمية»، مؤكداً أن «السبيل إلى الخروج من الأزمة يستلزم حل جميع المسائل التي حالت دون إجراء الانتخابات في عام 2021 من خلال المفاوضات والتوافق على تسوية سياسية بين الأطراف المؤسسية الرئيسية.
ويحث المبعوث باتيلي منذ نهاية العام الماضي، الأطراف المؤسسية الليبية كافة على المشاركة في الحوار دون شروط مسبقة، وجمع ما أطلق عليهم «الخمسة الكبار» على طاولة الحوار. وهم: القائد العام لـ«الجيش الوطني» خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بالإضافة إلى محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إلى جانب محمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة.
والسنغالي باتيلي، الذي تسلّم مهام عمله في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تعدّه حكومة «الاستقرار» المكلفة من مجلس النواب بقيادة أسامة حمّاد، «منحازاً» لغريمتها في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لكن الأول يقول إن «التهجم على شخصه ليس أمراً مهماً».
ويتابع باتيلي: «ما يهم هو أن تتحمل الأطراف كافة مسؤوليتها التاريخية، وأن يلبوا مطلب الشعب الليبي في تشكيل حكومة موحدة جديدة دون تأخير». مبدياً تطلعه بالعمل مع خوري؛ للدفع بالعملية السياسية في ليبيا قُدماً.
أرحب بقرار الأمين العام تعيينَ السيدة ستيفاني خوري نائبة للممثل الخاص للأمين العام للشؤون السياسية لدى بعثة الدعم للأمم المتحدة للدعم في ليبيا. أتطلع للعمل سوية للدفع بالعملية السياسية في ليبيا قُدماً. https://t.co/MOfC7ihkYL
— SRSG Abdoulaye Bathily (@Bathily_UNSMIL) March 1, 2024
وكان 57 حزباً سياسياً ليبياً، عدّت أن أداء البعثة «صار يفقد زخمه وتأثيره رغم محاولاتها المتواضعة لإيجاد مَخرج للانسداد السياسي في ليبيا»، وبينما رأت هذه الأحزاب أن ذلك ينذر بعواقب وخيمة حال استمرارها بدرجة الأداء الحالية نفسها، طالب ممثلوها الأمين العام للأمم المتحدة بتطوير ورفع مستوى أداء البعثة الأممية إلى ليبيا بما يتلاءم مع حجم التحديات التي تواجهها البلاد.
غير أن باتيلي، رأى في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي منتصف فبراير (شباط) الماضي، «ضرورة تفادي انزلاق ليبيا إلى هوة التفكيك كما يُستشرف من خلال عديد من الدلائل المفزعة»، وهنا يرى سياسيون ليبيون أن البعثة الأممية أرادت «مساندة باتيلي بشخصية قوية، مثل خوري، بقصد دعم المسار الديمقراطي الذي ينتهي بعقد الانتخابات العامة في أقرب الآجال».
وشدد باتيلي على أن «ثمة حاجة ماسة وعاجلة إلى اتفاق سياسي بين أصحاب الشأن الرئيسيين؛ لتشكيل حكومة موحّدة تسير بالبلاد نحو الانتخابات»، ومضى قائلاً: «أخاطب فيهم حسهم بالواجب الأخلاقي، أن يشرعوا في التفاوض من أجل إيجاد توافق يعيد الكرامة لبلدهم الأم».
ويرى المحلل السياسي الليبي إدريس إحميد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن باتيلي «لديه خطة مدعومة من الولايات المتحدة تستهدف إيجاد حل للأزمة الليبية، وربما يكون تعيين خوري من أجل تنفيذ هذه الخطة، في ظل جود صراع أميركي - روسي متزايد في البلاد».