هل تؤثر «توترات» البحر الأحمر على مسار التقارب المصري - الإيراني؟

مشاورات بين شكري وعبداللهيان لمتابعة تطور العلاقات الثنائية

وزيرا خارجية مصر وإيران خلال مباحثاتهما في جنيف  (الخارجية المصرية)
وزيرا خارجية مصر وإيران خلال مباحثاتهما في جنيف (الخارجية المصرية)
TT

هل تؤثر «توترات» البحر الأحمر على مسار التقارب المصري - الإيراني؟

وزيرا خارجية مصر وإيران خلال مباحثاتهما في جنيف  (الخارجية المصرية)
وزيرا خارجية مصر وإيران خلال مباحثاتهما في جنيف (الخارجية المصرية)

في لقاء يعزز قائمة الاجتماعات المصرية - الإيرانية المكثفة في الآونة الأخيرة، التقى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، نظيره الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، الثلاثاء، على هامش المشاركة في الشق رفيع المستوى لاجتماعات مجلس حقوق الإنسان في مدينة جنيف السويسرية، حيث ناقش الوزيران «مسار العلاقات الثنائية بين البلدين»، والتطورات الخاصة بأزمة قطاع غزة.

وخلال اللقاء نقل شكري «قلق مصر البالغ لاتساع رقعة التوترات العسكرية في منطقة جنوب البحر الأحمر، والضرر المُباشر لمصالح عدد كبير من الدول، ومن بينها مصر»، وفق بيان للخارجية المصرية، الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن مدى تأثير «توترات» البحر الأحمر على مسار التقارب المصري - الإيراني.

وشهدت الآونة الأخيرة عدداً من اللقاءات الرسمية المصرية الإيرانية، إذ التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش القمة العربية الإسلامية المُشتركة بالرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

كما التقى وزيرا خارجية البلدين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأجرى الوزيران منذ ذلك الحين اتصالات هاتفية عدة، زادت وتيرتها عقب اندلاع الحرب الأخيرة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتقى كذلك عدد من الوزراء والمسؤولين المصريين نظراءهم الإيرانيين في مناسبات متنوعة، على هامش فعاليات دولية.

سفينة حاويات بالقرب من جسر قناة السويس المعروف باسم «جسر السلام» (هيئة قناة السويس)

قلق مصري بالغ

واتصالاً بالحرب الجارية في غزة، أكد شكري لنظيره الإيراني على أن تعقُّد أزمات الإقليم «يُلقي بظلاله على حالة الاستقرار لجميع شعوب المنطقة»، مُعرباً عن «قلق مصر البالغ إزاء اتساع رقعة الصراع في المنطقة بما ينذر بعواقب خطيرة على أمن واستقرار عدد من الدول العربية».

ونقل شكري «قلق مصر البالغ» لاتساع رقعة التوترات العسكرية في منطقة جنوب البحر الأحمر، والتي ترتب عليها تهديد حركة الملاحة الدولية في أحد أهم ممراتها (قناة السويس المصرية) على نحو غير مسبوق، والضرر المُباشر لمصالح عدد كبير من الدول، ومن بينها مصر، ما يستلزم تعاون جميع دول الإقليم لدعم الاستقرار والسلام والقضاء على بؤر التوتر والصراعات في تلك المنطقة، وفق بيان الخارجية المصرية.

وتسببت عمليات الاستهداف التي ينفذها الحوثيون لسفن تجارية في مدخل البحر الأحمر في خسائر كبيرة لقناة السويس، إذ قدر الرئيس المصري، في تصريحات له الشهر الحالي، نسبة تراجع عائدات القناة «بنسبة بين 40 و50 في المائة». وأضاف الرئيس المصري أن «الممر الملاحي الذي كان يُدخل لمصر تقريباً نحو 10 مليارات دولار سنوياً تراجع بنسبة 40 إلى 50 بالمائة»، مؤكداً أنه «لا يشكو، ولكن يتحدث عن واقع».

وتعد قناة السويس من أهم القنوات والمضائق حول العالم، وهي أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، وتعد من المصادر الرئيسية للعملات الأجنبية لمصر.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أوردت وكالة «بلومبرغ» أن حركة الملاحة في قناة السويس تراجعت بنسبة 41 في المائة عن ذروة عام 2023، وسط تصاعد التوترات جنوب البحر الأحمر بسبب استهداف الحوثيين سفناً في إطار ما تقول إنه دعم لغزة. وكان أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، قد قال في تصريحات سابقة مطلع الشهر الحالي، إن إيرادات القناة انخفضت في يناير 46 في المائة على أساس سنوي، من 804 ملايين دولار إلى 428 مليوناً. وأضاف ربيع، في تصريحات تلفزيونية، أن 1362 سفينة عبرت القناة في يناير من هذا العام، مقابل 2155 سفينة في يناير 2023، بانخفاض 36 في المائة، مشيراً إلى أن هذه «أول مرة تمر فيها قناة السويس بأزمة بهذا الشكل».

الرئيسان المصري والإيراني خلال محادثاتهما في الرياض على هامش القمة العربية - الإسلامية الطارئة نوفمبر الماضي (الرئاسة المصرية)

العلاقات الثنائية

وقال المُتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، إن لقاء شكري وعبداللهيان في جنيف، شهد تأكيد الوزيرين على تطلع بلديهما لاستعادة المسار الطبيعي للعلاقات الثنائية، «اتساقاً مع الإرث التاريخي والحضاري للدولتين ومحورية دورهما في المنطقة»، كما أكدا أهمية هذا اللقاء لما «يمثله من خطوة هامة على هذا المسار».

وأشار متحدث «الخارجية المصرية» إلى أن اللقاء تطرق إلى مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، في إطار متابعة توجيهات رئيسي البلدين عقب لقائهما في نوفمبر الماضي، والتي قضت بأهمية «العمل المُشترك نحو تسوية القضايا العالقة بهدف تطبيع العلاقات، استناداً إلى مبادئ الاحترام المتبادل، وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، وبما يحقق مصالح الشعبين المصري والإيراني، ويدعم الاستقرار، وتعزيز الأمن في محيطهما الإقليمي». كما تناول اللقاء التطورات الخاصة بأزمة قطاع غزة، وأشار الوزير المصري إلى حرصه على إطلاع نظيره الإيراني على الجهود المبذولة من قبل مصر لمحاولة التوصل إلى مسارات تهدئة تضع حداً لمعاناة الشعب الفلسطيني، وتتيح وصول المساعدات بصورة مستديمة تلبية لاحتياجات القطاع. وجدد الوزيران رفضهما الكامل لأي مخططات تستهدف تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وتصفية القضية الفلسطينية، واتفقا على تكثيف الجهود من أجل الدفع نحو الوقف الفوري لإطلاق النار، والعمل على استدامة وصول المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني في القطاع اتساقاً مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

مرحلة المراقبة

ومن جانبه، يرى خبير الشؤون الإيرانية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد عباس ناجي، أن مسار التقارب المصري - الإيراني «لم يغادر بعد مرحلة المراقبة المصرية للسلوك الإيراني في المنطقة»، مضيفاً أن هذه الحالة تشير إلى أن السلوك الإيراني «لم يتغير».

ولفت ناجي إلى أن اللقاءات بين المسؤولين المصريين ونظرائهم الإيرانيين لا تخرج عن مسارها المعتاد، وهو اللقاءات على هامش فعاليات واجتماعات إقليمية ودولية دون الانتقال إلى مستوى أكثر تقدماً عبر زيارات ثنائية متبادلة على غرار ما جرى في مسار العلاقات المصرية التركية.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن ما تقوم به إيران ووكلاؤها في المنطقة، خصوصاً في منطقة البحر الأحمر «يثير تحفظات ومخاوف مصرية عميقة»، خصوصاً أنه يجري في منطقة ذات أهمية استراتيجية لمصر، والإشارة إلى تلك المخاوف في البيان الرسمي لـ«الخارجية المصرية» حول لقاء شكري وعبداللهيان «مسألة لافتة، وتعكس حجم تنامي القلق المصري من هذا التصعيد».

وأعرب الخبير في الشؤون الإيرانية عن اعتقاده أن تغيير استراتيجية إيران في المنطقة رغم القلق المصري «مسألة صعبة»، مؤكداً أن إيران «تناور في البحر الأحمر لكن استراتيجيتها لم ولن تتغير»، وهو ما يؤكد معه أن مرحلة المراقبة المصرية للسلوك الإيراني «ستطول بعض الشيء» في ظل إصرار إيران على التنصل من المسؤولية عن الأعمال التي تقوم بها جماعة الحوثي في البحر الأحمر، رغم أن هذا الخطاب لا ينطلي على مصر أو على دول العالم كلها، فهناك كثير من الأدلة الثابتة بشأن إمداد إيران الحوثيين بالأسلحة والعتاد، وقد جرى ضبط كثير من السفن الإيرانية في هذا الصدد». لكنه توقع أيضاً أن «يستمر مستوى التواصل عند مستواه الحالي ما لم تحدث (تحولات جوهرية) في السلوك الإيراني بالمنطقة».

وكان رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة، محمد سلطاني فرد، قد قال خلال احتفال بالذكرى الـ45 للثورة الإيرانية، في وقت سابق، إن هناك «انفراجة في العلاقات المصرية - الإيرانية خصوصاً بعد انضمام البلدين صاحبتي التاريخ والحضارة إلى مجموعة (بريكس)».

وشارك في الاحتفالية التي نظمها مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة منتصف الشهر الحالي، عدد من السياسيين والنواب المصريين، وبدا لافتاً تنظيم الاحتفالية للمرة الأولى في أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، بعدما اقتصر تنظيم احتفاليات مماثلة طيلة عقود على إقامتها في مقر إقامة رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية. وخلال تلك الاحتفالية وصف النائب السابق في البرلمان المصري، أسامة شرشر، لقاء الرئيسين المصري والإيراني بأنه «لقاء استراتيجي مهم جداً».

ويُشار إلى أنه في مايو (أيار) الماضي، وجّه الرئيس الإيراني، وزارة الخارجية في بلاده باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز العلاقات مع مصر، وكان البلدان قد قطعا العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979، قبل أن تُستأنف من جديد بعد 11 عاماً، لكن على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح.


مقالات ذات صلة

قلق عربي - إسلامي لنية إسرائيل إخراج الغزيين باتجاه مصر

الخليج معبر رفح الحدودي بين مصر والأراضي الفلسطينية (أرشيفية - رويترز)

قلق عربي - إسلامي لنية إسرائيل إخراج الغزيين باتجاه مصر

أعربت السعودية و7 دول عربية وإسلامية عن بالغ القلق إزاء تصريحات إسرائيل بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

أعرب بدر عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» مع روسيا، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا مقر النائب العام المصري في القاهرة (الصفحة الرسمية لمكتب النائب العام)

«النيابة المصرية» تنفي علاقة «الدارك ويب» بواقعة «التحرش» داخل مدرسة دولية

نفت النيابة العامة في مصر وجود علاقة بين «الدارك ويب» أو ما يُعرف بـ«الإنترنت المظلم» وقضية «التحرش» بإحدى المدارس الدولية في القاهرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ناخبون خلال الإدلاء بأصواتهم في إحدى الدوائر الملغاة بمدينة أسيوط الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)

مصر: نتائج أولية تشير لـ«تقدم» مستقلين في «الدوائر الملغاة» بـ«النواب»

المؤشرات الأولية تشير إلى تزايد فرص المرشحين المستقلين؛ إذ يخوض أكثر من 30 منهم جولة الإعادة المقررة في 23 و24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج» أحمد عبد القادر (ميدو) الذي سبق وجرى توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية.

أحمد عدلي (القاهرة)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.