الحرب في السودان تدخل مرحلة «جز الرؤوس»

الجيش يحقق و«الدعم السريع» يصفها بـ«جريمة إرهابية تُذكر بعمليات داعش»

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وسط قواته في شرق البلاد (أرشيفية - سونا)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وسط قواته في شرق البلاد (أرشيفية - سونا)
TT

الحرب في السودان تدخل مرحلة «جز الرؤوس»

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وسط قواته في شرق البلاد (أرشيفية - سونا)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وسط قواته في شرق البلاد (أرشيفية - سونا)

نشر أفراد من الجيش السوداني مقطع فيديو مروِّعاً وهم يحملون رؤوساً مقطوعة قالوا إنها لمسلَّحين من قوات «الدعم السريع»، في حين ذهبت جهات داخلية إلى اتهام «ميليشيا الإخوان المسلمين» التي تُقاتل إلى جانب الجيش، وحلفائها من المجموعات المتطرفة في تنظيمَي «القاعدة» و«داعش»، بالوقوف خلف هذه الحوادث البشعة.

وتزيد هذه الواقعة المخاوف، داخلياً وإقليمياً ودولياً، من أن تؤدي الفوضى والاضطراب الأمني إلى تشجيع الجماعات الإسلامية والإرهابية على نقل نشاطها إلى السودان.

وأظهر مقطع الفيديو، المتداول بكثافة منذ ليل الخميس على منصات التواصل الاجتماعي، أفراداً من الجيش يُلوّحون بأسلحة بيضاء، ويعترفون بعملية الذبح، ويتوعدون بأن هذا سيكون تعاملهم مع قوات «الدعم السريع». وأعادت المشاهد الصادمة إلى الأذهان طريقة تنظيم «داعش» وهو يُوثّق قطع رؤوس عشرات الرهائن والضحايا والجنود ذبحاً، وينشرها في وسائل إعلامه إبان وجوده في الرقة بسوريا.

قادة عسكريون خلال تجمع مؤيد للجيش في القضارف بشرق السودان في 16 يناير الماضي (أ.ف.ب)

الجيش يحقق

من جانبه، قال الجيش السوداني إنه بدأ التحقيق في الأمر، وسيحاسب المتورطين إذا أثبتت نتائج التحقيق أنهم يتبعون قواته، في حين وصفت قوات «الدعم السريع» ذبح الأشخاص الثلاثة بأنه «سلوك إجراميّ متطرف من ميليشيا البرهان وكتائب النظام البائد»، وجرى على أساس عِرقي وجِهوي.

وقال المتحدث الرسمي للجيش السوداني نبيل عبد الله، في تعميم صحافي، يوم الجمعة: «إن القوات المسلّحة تتقيّد بقوانين وأعراف الحرب وقواعد السلوك أثناء العمليات الحربية بعدم مجاراة الميليشيا الإرهابية (يقصد الدعم السريع) في انتهاكاتها المستمرة منذ بدء الحرب». بدورها، قالت قوات «الدعم السريع»: «طالعنا مقاطع الفيديوهات التي بثّتها ميليشيا البرهان وكتائب النظام البائد الإرهابية، بذبح ثلاثة أشخاص على أساس عِرقي وجِهوي، والتمثيل بجثثهم في مشهدٍ يشبه السلوك الإجرامي لهذه المجموعات المتطرفة وينافي الأخلاق والدين والقوانين».

وأدانت قوات «الدعم السريع»، في بيان للمتحدث الرسمي باسمها، الفاتح قرشي، ما وصفته بـ«الجريمة البشعة»، مطالِبة المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بإدانة هذه الانتهاكات الفظيعة بحق الشعب السوداني. وقال قرشي: «إن أشاوس الدعم السريع يحتجزون عشرات الآلاف من ميليشيا البرهان، ولن ينجرُّوا وراء هذا السلوك غير الإنساني والانتقاص من حقوق الأسرى بطرفنا».

جنود ومجندون في الجيش السوداني خلال دورية بمدينة القضارف في 14 يناير (أ.ف.ب)

اتهامات لـ«كتائب الإسلاميين»

ولا تُخفي القوى السياسية السودانية صراحةً اتهام كتائب الإسلاميين «ميليشيات إخوانية»، التي تُقاتل في صفوف الجيش السوداني ضد قوات «الدعم السريع»، بالضلوع في الحادثة باستخدام نمط الجماعات المتطرفة، مثل «داعش». وعقب اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي، أعلنت مجموعات تابعة للإسلاميين، ومنها «كتيبة البراء والبنيان المرصوص»، حشد أتباعها للقتال إلى جانب الجيش. وانضمّ إلى هذه الكتائب المئات من «قوات الدفاع الشعبي»، وهي أيضاً فصيل عسكري أسّسته «الحركة الإسلامية» من المنتمين لها عقائدياً، للحرب ضد قوات «الحركة الشعبية» في جنوب السودان قبل انفصاله عن الشمال.

الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الحرية والتغيير» تتهم حزب البشير

من جانبها، قالت «قوى الحرية والتغيير»، وهي أكبر تحالف مدني في البلاد: «تابعنا فيديو يُظهر منسوبين للقوات المسلّحة يحملون رأسَي اثنين من القتلى بعد فصلهما عن جسديهما»، مضيفة أن «ما جرى بثُّه صادم ومروٍّع وسلوك إرهابي يتسق مع ممارسات حزب النظام المعزول (الذي كان يترأسه عمر البشير وحزبه الإسلامي)، صاحب الجرائم والسحل الإرهابي الطويل وحلفائه من المجموعات المتطرفة».

وذكرت «قوى الحرية والتغيير»، في بيان، أن هذا الجُرم يستوجب محاكمة كل المشاركين فيه باعتبارهم مجرمي حرب، وأن غض الطرف عنه يضع كل القادة المباشرين والمسؤولين، مشاركين في هذا الجرم بتهمة التقصير وعدم اتخاذ أي إجراءات ضد مرتكبيه. ودعت «قوى الحرية والتغيير» إلى إنهاء الحرب فوراً للحيلولة دون انجرافها إلى حرب أهلية، وتطورها باستقطاب مقاتلين إرهابيين لتطبيق أساليبهم الإجرامية في نحر الأعناق، كما حدث في سوريا وليبيا وعدد من الدول التي عانت الاضطرابات وتضرّر منها الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي.

آثار مواجهات الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)

«إفلاس أخلاقي»

وكتب القيادي في «قوى الحرية والتغيير»، ياسر عرمان، على منصة «إكس»، معلِّقاً إن استعراض رؤوس ضحايا الحرب، عسكريين أو مدنيين، «إفلاس أخلاقي وسياسي وديني»، مشيراً إلى أن «فلول النظام المعزول يريدون تحويلها إلى حرب إثنية، بعد أن رفض الشعب حربهم باسم الكرامة». وأضاف: «علينا رفض هذا السلوك الإجرامي، وسيعاقَب مَن قام به عاجلاً أم آجلاً». وتابع: «الأنكى أنهم يأخذون صورهم بلباس القوات المسلّحة، وهي مَكيدة من الفلول (أنصار نظام البشير) وقادتهم الذين يسيئون للجيش ودمّروا المؤسسات الأمنية وأفسدوها، ويريدون إحداث فتنة باسمها ولبسها، لكن الشعب لن يقبل مكائدهم، والسودان للسودانيين جميعاً».

من جهة ثانية، قال وزير شؤون مجلس الوزراء السابق في الحكومة المدنية المُقالة، خالد عمر يوسف، على موقع «فيسبوك»، إن التسجيلات المصوَّرة التي انتشرت لأفراد من القوات المسلَّحة وهم يتفاخرون بجز رؤوس بشرية، تكشف عن انحطاط أخلاقي وسلوك إرهابي لا يمت للإنسانية بصلة». وأضاف أن «هذه الجريمة تنقل الحرب إلى بُعد آخر لا يمكن احتواؤه».

دمار سببته الاشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في إقليم دارفور (أرشيفية - أ.ف.ب)

رابطة محامي دارفور

بدورها، قالت «رابطة محامي دارفور» إن قوات الجيش السوداني ذبحت اثنين من الأسرى وقطعت رأسيهما ومثّلت بهما، «وسط أهازيج الجنود وفرحهم». وأضافت، في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، «أن هذا المنظر القبيح يوضح للرأى العام المحلي والإقليمي والدولي مدى فظاعة وعنف عقيدة الجيش وحلفائه من الإسلاميين الملالي وتوابعهم».

وقالت الرابطة: «ندين هذا المشهد البشِع ونحقق، مع زملائنا من القانونيين والمهتمين بالقانون الدولي وحقوق الإنسان ولجنة الصليب الأحمر الدولي، في الفيديو بالغ القسوة». وتزداد المخاوف، داخلياً وإقليمياً ودولياً، من أن تؤدي الفوضى والاضطراب الأمني إلى تشجيع الجماعات الإسلامية الإرهابية على نقل نشاطها إلى السودان.


مقالات ذات صلة

«الخارجية الفرنسية» تحث طرفي الحرب في السودان على وقف القتال

شمال افريقيا سودانيون فروا من العنف المتصاعد بولاية الجزيرة يستريحون في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

«الخارجية الفرنسية» تحث طرفي الحرب في السودان على وقف القتال

حثّ وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الذي زار مخيمات لاجئين سودانيين في تشاد، الخميس، طرفي النزاع بالسودان على وقف الأعمال القتالية والدخول في مفاوضات.

«الشرق الأوسط» (أدري (تشاد))
أفريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

إلى جانب الحربين اللتين تصدَّرتا عناوين الأخبار خلال عام 2024، في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تستمر نزاعات لا تحظى بالقدر نفسه من التغطية الإعلامية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

أعلن الرئيس الإريتري آسياس أفورقي وقوف بلاده مع السودان لتحقيق الأمن والاستقرار في أعقاب مباحثات أجراها في أسمرة مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا امتحانات لطلاب سودانيين بمصر (السفارة السودانية في القاهرة)

انفراجة في أزمة المدارس السودانية الموقوفة بمصر

في انفراجة لأزمة المدارس السودانية الموقوفة بمصر أعلنت السفارة السودانية بالقاهرة أن لجنة من وزارة التعليم المصرية ستزور بعض المدارس الأخرى لمراجعة قرار إغلاقها

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا عقار وفليتشر خلال لقائهما في الخرطوم أمس (إكس)

ترحيب أممي بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات سودانية

رحب المسؤول الأممي توم فليتشر الثلاثاء بإعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بالسماح لمنظمات الأمم المتحدة بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات بالبلاد

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

الكاتب الجزائري - الفرنسي صنصال يستأنف قرار احتجازه

الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

الكاتب الجزائري - الفرنسي صنصال يستأنف قرار احتجازه

الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

وُضع الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال رهن الاعتقال في وحدة احتجاز في أحد مستشفيات الجزائر العاصمة، فيما استأنف فريق الدفاع عنه قرار احتجازه، على ما أفاد محاميه في بيان.

وأوضح المحامي فرنسوا زيمراي، في بيان، تلقته «وكالة الصحافة الفرنسية» اليوم الخميس: «لقد تمكن صنصال اليوم من التحدث بحرية مع المحامين الجزائريين، الذين يعملون في فريق مع محاميه الفرنسي»، مضيفاً أنّ حالته الصحية «تخضع للمراقبة، ولم يشتك من سوء معاملة خلال احتجازه». كما أشار إلى أنّ فريق الدفاع عنه استأنف قرار احتجازه، وأن أمام دائرة الاتهام 21 يوماً للنظر في الاستئناف.

واعتُقل صنصال، الذي انتقد القادة الجزائريين في مناسبات عدة، في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري لدى وصوله إلى وطنه آتياً من فرنسا، ووُضع رهن الاحتجاز بموجب مادة من قانون العقوبات الجزائري، تعاقب مجمل الاعتداءات على أمن الدولة، بحسب فريق الدفاع عنه.

وقال زيمراي: «سنسعى جاهدين لإعداد دفاع مناسب، وسنضمن قدر الإمكان إزالة الجانب السياسي للقضية».

وكان وزير الخارجية الفرنسية، جان نويل بارو، اعتبر أمس الأربعاء أنّ «اعتقال صنصال بشكل غير مبرر» أمر «غير مقبول».

وقال بارو في تصريحات لقناة «فرانس إنفو تي في» الإخبارية: «لا شيء في أنشطة بوعلام صنصال يعطي صدقية للاتهامات، التي أدت إلى سجنه» في الجزائر إثر توقيفه في مطار العاصمة أواسط الشهر الحالي، مضيفاً أن «اعتقال كاتب فرنسي بشكل غير مبرر أمر غير مقبول».

كما أعلن بارو أن «خدمات الدولة في الجزائر العاصمة وباريس على السواء في حالة استنفار كامل لمراقبة وضعه، والسماح له بنيل الحماية القنصلية».

وقد استجوب المدعي العام لمكافحة الإرهاب في الجزائر العاصمة الكاتب صنصال، وأصدر في حقه مذكرة توقيف، على ما أعلن محاميه فرنسوا زيمراي.

وبحسب بيان زيمراي، فإن صنصال «الذي توجه بثقة إلى الجزائر العاصمة، هو اليوم رهن الاحتجاز بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تعاقب مجمل الاعتداءات على أمن الدولة».