تتسارع وتيرة التصعيد الميداني في مدينة رفح بقطاع غزة المحاذية للحدود المصرية، في ظل إصرار إسرائيلي على «تنفيذ عملية برية واسعة النطاق بالمدينة المكتظة بالنازحين الفلسطينيين»، ووسط رفض مصري وإقليمي ودولي لتلك الخطوة التي يُخشى أن تؤدي إلى وقوع خسائر بشرية هائلة.
وبينما حذرت القاهرة من خطورة المضي قُدماً باتجاه عملية برية واسعة، تتكثف التحركات على أكثر من مستوى، حسب تصريحات للمتحدث باسم الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، الذي أشار إلى «استعداد مصر لمواجهة السيناريوهات كافة»؛ لكنه لفت كذلك إلى «وجود اتصالات أمنية وسياسية تتم حالياً للحيلولة دون قيام إسرائيل بعمليات واسعة النطاق في رفح الفلسطينية»، مؤكداً أن «مصر تعمل على مدار الساعة لاحتواء الموقف».
وكانت مصر قد طالبت «بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح الفلسطينية التي باتت تأوي ما يقرب من 1.4 مليون فلسطيني، نزحوا إليها لكونها آخر المناطق الآمنة بالقطاع»، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية.
وشددت مصر على أن «استهداف رفح، واستمرار انتهاج إسرائيل لسياسة عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية، بمثابة إسهام فعلى في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته».
يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه مصدر مصري رفيع المستوى، الثلاثاء، إن «القاهرة تتابع عن كثب الموقف في رفح الفلسطينية».
في السياق ذاته، حذر الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، من خطورة إقدام إسرائيل على خطوات «تؤدي بالجانب المصري إلى رد فعل معين»، مؤكداً أن «هذا أمر تتحمل مسؤوليته إسرائيل، ولا بد من القوى المساندة لإسرائيل أن تحذرها من مغبة تلك التصرفات»، وحذر كذلك من «سيناريوهات كارثية» لو أمعن الجانب الإسرائيلي في أسلوبه وغطرسته، حسب قوله.
وأضاف زكي في تصريحات متلفزة، الثلاثاء، أن «تلك التصرفات (الإسرائيلية) يصعب أن تمر من دون رد فعل قوي»، قائلاً إن «الأولى والأجدر؛ ألا يُقدم الجانب الإسرائيلي على مثل هذا التصعيد».
وأشار رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان)، اللواء أحمد العوضي، إلى خطورة الموقف في رفح، في ظل إصرار قوات الاحتلال على التصعيد الميداني بعمل بري، بينما يتكدس أكثر من 1.4 مليون فلسطيني في مساحة ضيقة للغاية، لا تسمح بأي أعمال من هذا النوع، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن مصر تتحرك على مختلف الأصعدة لتجنب هذا السيناريو الذي وصفه بـ«الكارثي» حقناً لدماء الفلسطينيين.
وشدد العوضي على «تمسك مصر بحماية أمنها القومي بكل ما أوتيت من قوة» في مواجهة أي محاولة للمساس بهذا الأمن، لافتاً إلى أن القاهرة سبق أن حذرت في أكثر من مناسبة على لسان كبار مسؤوليها، وبخاصة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من «خطورة المساس بالأمن المصري»، ولفت إلى أن «خطوطاً حمراء» سبق تحديدها بوضوح، وتتضمن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين قسرياً باتجاه الأراضي المصرية، أو محاولة إسرائيل فرض سيطرة أمنية على «محور صلاح الدين».
وأضاف رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بـ«النواب» أن كل الجهود المصرية تنصب حالياً على «احتواء الموقف ومنع التصعيد»، مؤكداً أن مصر «دولة قوية» وتدرك التزاماتها وثوابتها القومية والإنسانية، وتحترم كذلك التزاماتها القانونية، كما أنها «دولة قادرة على حماية مصالحها وأمنها من أي مساس».
وكان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، قد أكد أن «الدولة المصرية لن تكتفي بإجراءات رمزية إذا تعلق الأمر بتهديد الأمن القومي وأراضيها، وكذلك تصفية القضية الفلسطينية». وأوضح رشوان في تصريحات إعلامية، مساء الاثنين، أن «لدى مصر جبهة موحدة، وحزمة كبيرة من التحركات والإجراءات، كما لدى القاهرة من الوسائل ما تُمكّنها من الدفاع عن أمنها، ومنها في بعض المراحل إجراءات ذات طبيعة رمزية، مثل سحب سفير أو طرد سفير»، قبل أن يضيف أن «الإجراءات الفعلية وصلت إلى إسرائيل، ووصلت إلى من يوصِّلون إليها ما قد يترتب عليه أي تحرك عسكري».
من جانبه، توقع أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، والجامعة الأميركية بمصر، المتخصص في الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، الدكتور طارق فهمي، ألا يصل التصعيد الراهن في رفح إلى حد المواجهة مع مصر؛ مشيراً إلى أن مصر «لا تريد الانجرار نحو مواجهة مفتوحة»، كما أنه ليس من مصلحة إسرائيل الدخول في «أزمة كبرى» مع القاهرة.
وأوضح فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن مصر تتعامل مع المواقف الإسرائيلية وفق نهج متدرج، أو بأسلوب «خطوة مقابل خطوة، وتصعيد ضد تصعيد»، وأن لدى القاهرة إطار متكامل يحكم ترتيباتها وتحركاتها، سواء السياسية أو الأمنية، مضيفاً أن هناك ما وصفه بـ«الإجراءات الرادعة التي توجع إسرائيل وتجبرها على وقف العمليات»؛ لكن تلك التدابير لا يتم اللجوء إليها إلا إذا أقدمت إسرائيل على «عمل غاشم» في منطقة رفح.
يذكر أن تقارير إعلامية إسرائيلية أفادت بأن الهجوم على رفح أصبح جاهزاً، وينتظر موافقة المستوى السياسي، وذكرت «القناة 12» الإسرائيلية، أن الجيش خلال الهجوم سيركز على هدفين، هما «محور فيلادلفيا»، و«تطهير» مدينة رفح نفسها من «كتائب حماس»، حسب القناة، بينما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إعادة تعبئة جنود الاحتياط من أجل الاستعداد للاجتياح العسكري لرفح.