قطع الاتصالات يعزل ملايين السودانيين... ويهدد حياتهم

تحذيرات من تداعيات إنسانية خطيرة جراء استمرار توقف الخدمات

انقطاع الاتصالات والإنترنت يفاقم معاناة السودانيين
انقطاع الاتصالات والإنترنت يفاقم معاناة السودانيين
TT

قطع الاتصالات يعزل ملايين السودانيين... ويهدد حياتهم

انقطاع الاتصالات والإنترنت يفاقم معاناة السودانيين
انقطاع الاتصالات والإنترنت يفاقم معاناة السودانيين

بات السودانيون في عزلة تامة عن العالم وعن بعضهم بعضا؛ بسبب استمرار انقطاع الاتصالات الهاتفية وخدمة الإنترنت. وأصبح الاتصال بالأهل والأقارب داخل البلاد شبه معدوم. والاستثناء الوحيد لذلك، هو شبكة اتصالات محدودة النطاق والاستخدام في مناطق قليلة في بعض الولايات، وتعمل هذه الشبكة من خلال الإنترنت المتصل بالأقمار الاصطناعية مباشرة. لكن حتى هذه الخدمة تتوفر لأعداد قليلة من المواطنين.

وبَثّ هذا التعتيم القسري حالةً من الخوف والقلق الشديدَين على مصير الملايين من السودانيين في نحو 18 ولاية بالبلاد، في ظل ما يواجهونه من أوضاع إنسانية صعبة، وعلى وجه الخصوص مئات الآلاف من العالقين في مناطق النزاعات بالعاصمة، الخرطوم.

قوة للجيش السوداني في أحد شوارع الخرطوم يوم 6 مايو 2023 (أ.ف.ب)

خدمة الأقمار الاصطناعية

يتلمس السودانيون في الخارج الطرق كلها؛ للوصول إلى المعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي دون جدوى. ويقول أحمد عمر المقيم في الإمارات، إنه يحاول منذ أيام الاتصال بأسرته وأهله في إحدى بلدات ولاية الجزيرة (وسط البلاد) ويأتيه الرد بأن الخدمة غير متوفرة. وأضاف قائلاً: «نعيش في ضغط وتوتر، لا نعرف عن أهلنا شيئاً، ونقضي يومنا كله نتجول في مواقع التواصل الاجتماعي؛ بحثاً عن أي خبر نطمئن به أنفسنا، لكن دون جدوى».

وتتوفر خدمات الإنترنت عبر أجهزة تتصل بالأقمار الاصطناعية في بعض مدن دارفور الكبرى في غرب البلاد، وفي نطاق محدود بمدينة بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر في شرق البلاد، حيث توفر بعض الجهات الإنترنت للمواطنين نظير مبلغ مالي يتجاوز 20 ألف جنيه سوداني، أي ما يعادل (15 دولاراً) للساعة الواحدة.

أجهزة «ستار لينك»

ويقول إبراهيم البشير من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إنهم يحصلون على الإنترنت من خلال أجهزة «ستار لينك»، ويدفعون نحو ألفي جنيه مقابل الساعة، مضيفاً قوله «تتوفر هذه الخدمة بشكل محدود في الأحياء السكنية».

وأضاف في حديث لــ«الشرق الأوسط» قوله: «على الرغم من توفر الإنترنت المحدود، فإن انقطاع الاتصالات الهاتفية والتوجس الأمني من تجدد الاشتباكات بين الجيش و(قوات الدعم السريع) في أي وقت، أصابا المدينة بحالة من الشلل الكبير».

وأشار البشير إلى تواصل موجات النزوح الكبيرة من المواطنين من أحياء المدينة ومعسكرات النازحين جنوباً، حيث المناطق الآمنة، خصوصاً عندما يتبادل طرفا القتال (الجيش وقوات الدعم السريع) الاتهامات بقطع شبكة الاتصالات.

أحد فروع المصارف المقفلة في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)

تعطل التحويلات المالية

تزداد المخاوف من التداعيات الإنسانية والاقتصادية بخروج غالبية ولايات البلاد من تغطية الشبكات لليوم الرابع على التوالي. وأفاد عدد من السودانيين بالخارج «الشرق الأوسط» بأن أسرهم تعتمد عليهم بنسبة كبيرة في التحويلات المالية التي يرسلونها عبر الإنترنت بتطبيقات الهواتف الجوالة.

ويقول عبد الله الريح، المقيم في المملكة العربية السعودية، إنه يعول أسرة تتكون من 5 أفراد، من بينهم والداه، وإنه يرسل لهم مصاريف الشهر. وأوضح أن أسرته «لا تزال موجودة داخل العاصمة الخرطوم، ولا توجد طريقة للوصول إليهم».

ووفق منظمات إنسانية دولية فإن قطع الخدمات يزيد من تفاقم الوضع الإنساني المتدهور أصلاً في كل أنحاء البلاد. والأربعاء الماضي خرجت عن الخدمة 3 شركات اتصالات رئيسية في السودان، وهي «إم تي إن سودان» و«زين» و«سوداني»، مما أدى إلى انقطاع الإنترنت في البلاد، بحسب مرصد «نت بلوكس» المعني بمراقبة خدمة الإنترنت في العالم.

عطل بفعل فاعل

وعزا خبراء الانقطاع في الاتصالات إلى العطل الذي تعرّضت له المحولات الرئيسية لشبكات الاتصالات للشركات الثلاث، التي تقع مقراتها في مناطق تسيطر عليها «قوات الدعم السريع». وقال هؤلاء إن العطل حدث بفعل مباشر ومتعمد، ما أدى إلى شل حركة المواطنين في الحصول على احتياجاتهم اليومية وتوفير الأدوية للمرضى. وراجت أنباء أن «قوات الدعم السريع» طالبت بإرجاع خدمة الاتصالات والإنترنت إلى ولايات إقليم دارفور في غرب البلاد، مهددة بقطع الاتصالات عن كل البلاد، لكنها نفت ذلك.

مواطنون بانتظار العلاج بمستشفى في ولاية القضارف بالسودان (أ.ف.ب)

إعاقة عمل الأطباء

بدورها، قالت «نقابة أطباء السودان»، يوم السبت، إن قطع خدمات الاتصالات في البلاد أعاق قدرة الأطباء على تقديم الاستشارات الطبية والمتابعة الصحية للمرضى، والتنسيق بين الفرق الصحية العاملة في مناطق النزاعات والنزوح. وأضافت أن الأطباء يعتمدون في التنسيق على الإنترنت والاتصالات الهاتفية، مشيرة إلى أن قطع الاتصالات يُمكّن من إخفاء وتعتيم الانتهاكات الجسيمة ويحُول دون توثيقها.

وذكرت النقابة، في بيان، أن انقطاع خدمات الدفع المقدم عبر التطبيقات المصرفية سيكون كارثياً على السودانيين الذي يعتمدون عليها في حياتهم اليومية، ويحرم المواطنين من شراء احتياجاتهم اليومية، كما سيفاقم من حدة المجاعة المتوقعة نتاج هذه الحرب حال استمر قطع خدمة الاتصالات والإنترنت. وطالبت نقابة الأطباء بإعادة الخدمة فوراً، مناشدة المنظمات الإقليمية والدولية في مجال العون الإنساني اتخاذ خطوات عاجلة في سبيل إرجاع الاتصالات في السودان.


مقالات ذات صلة

السودان: الجيش يواصل تقدمه نحو الخرطوم

شمال افريقيا من آثار المعارك المتواصلة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

السودان: الجيش يواصل تقدمه نحو الخرطوم

واصل الجيش السوداني تقدمه، متجهاً نحو مركز العاصمة الخرطوم، بعد معارك شرسة مع «قوات الدعم السريع»، التي ما تزال تسيطر على مركز المدينة والقصر الرئاسي.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الفريق عبد الفتاح البرهان يزور قاعدة بحرية في بورتسودان يوم 28 أغسطس 2023 (أ.ف.ب) play-circle

السودان: الجيش يتقدّم باتجاه وسط الخرطوم ويقترب من القصر الجمهوري

أفاد مصدر عسكري بتقدم الجيش السوداني باتجاه وسط الخرطوم «عبر محاور عدة»، وباقتراب جنوده من القصر الجمهوري الذي تُسيطر عليه «قوات الدعم السريع».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا جنود من الجيش السوداني يحتفلون بتحرير مصفاة لتكرير النفط في شمال مدينة بحري يوم 25 يناير 2025 (رويترز)

الجيش يتقدم في الخرطوم ويضيق الخناق على «الدعم السريع»

بالسيطرة على المواقع الجديدة قد يتمكن الجيش من تطويق «قوات الدعم السريع» في قلب الخرطوم وتضييق الحصار عليها.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شؤون إقليمية وزيرا الخارجية المصري بدر عبد العاطي والتركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي في ختام مباحثاتهما في أنقرة... الثلاثاء (إ.ب.أ)

مصر وتركيا تؤكدان تطابق مواقفهما بشأن قضايا المنطقة... واستمرار تعزيز علاقاتهما

أكدت مصر وتركيا اتفاقهما على تعزيز العلاقات الثنائية، والعمل بشكل وثيق ومنسق؛ لضمان استدامة وقف إطلاق النار في غزة، ووقف الاشتباكات في السودان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يزور قاعدة فلامنغو البحرية في بورتسودان (أ.ف.ب)

البرهان يؤكد أن قواته تقترب من جسر سوبا الرئيسي عند المدخل الجنوبي للخرطوم

أفادت صحيفة «سودان تريبيون»، اليوم الثلاثاء نقلاً عن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قوله إن قواته تقترب من جسر سوبا الرئيسي الواقع عند مدخل جنوب العاصمة الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

تنسيق مصري - قطري لتعزيز التعاون في مجال المواني البحرية

نائب رئيس الوزراء المصري ووزير النقل والصناعة خلال لقاء السفير القطري في القاهرة («النقل» المصرية)
نائب رئيس الوزراء المصري ووزير النقل والصناعة خلال لقاء السفير القطري في القاهرة («النقل» المصرية)
TT

تنسيق مصري - قطري لتعزيز التعاون في مجال المواني البحرية

نائب رئيس الوزراء المصري ووزير النقل والصناعة خلال لقاء السفير القطري في القاهرة («النقل» المصرية)
نائب رئيس الوزراء المصري ووزير النقل والصناعة خلال لقاء السفير القطري في القاهرة («النقل» المصرية)

تنسق مصر وقطر لتعزيز التعاون في مجال المواني البحرية، في حين تحدث مسؤول حكومي مصري عن «شراكات صناعية بين القاهرة والدوحة».

وتسعى القاهرة لتوسيع شراكاتها العربية والدولية في مجال الخدمات البحرية والنقل البحري لمواجهة التراجع في إيرادات «قناة السويس»، بسبب التوترات في البحر الأحمر، وفق خبراء أشاروا إلى أن «إقامة تحالفات بحرية، السبيل المثلى لمواجهة تحديات الملاحة البحرية».

وتعتمد مصر بشكل كبير على «قناة السويس» في توفير العملة الصعبة. وقدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حجم الخسائر في إيرادات القناة العام الماضي، بـ7 مليارات دولار (الدولار الأميركي يساوي نحو 50.30 جنيه في البنوك المصرية).

وأكد نائب رئيس الوزراء المصري، ووزير النقل والصناعة، كامل الوزير، خلال محادثات مع سفير قطر بالقاهرة، طارق بن علي فرج الأنصاري، الجمعة، ضرورة «إعطاء دفعة للتعاون بين البلدين في مجالَي الصناعة والنقل، بما يحقق المنفعة الاقتصادية المشتركة».

وشدد على «أهمية تفعيل التعاون بين وزارة النقل في بلاده ونظيرتها القطرية، في مجال المواني البحرية». وأشار إلى «زيارة عدد من الشركات القطرية لميناء غرب بورسعيد أخيراً، وأبدوا رغبتهم في المشاركة بنسبة من الميناء».

وذكر بيان لوزارة النقل المصرية، الجمعة، أن «وزير النقل المصري سيبحث مع نظيره القطري، في الدوحة الأسبوع المقبل، التعاون في مجال النقل البحري».

وتشهد العلاقات المصرية - القطرية تطوراً نوعياً الفترة الحالية. وناقش رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، مع نظيره القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، «اتخاذ خطوات في مشروعات الاستثمار المشترك بين البلدين خلال الفترة المقبلة»، على هامش مشاركتهما في منتدى «دافوس 2025» بسويسرا، الشهر الماضي.

وأكد الوزير المصري ضرورة قيام المستثمرين القطريين بتوجيه أنظارهم للتصنيع في مصر، وخاصة أن هناك فرصاً متميزة أمامهم لإقامة شراكات صناعية سواء من خلال إقامة مصانع مصرية - قطرية مشتركة في مصر، أو مصانع قطرية خالصة تعمل في السوق المصرية، وذلك في الصناعات المستهدفة التي حددتها وزارة الصناعة، والتي تضم نحو 23 صناعة واعدة تحرص الوزارة على تشجيع المستثمرين الأجانب والمحليين على ضخ استثمارات جديدة فيها لتلبية احتياجات السوق المصرية منها والتصدير للخارج.

بدوره، أكد السفير القطري لدى مصر «حرص بلاده على تعميق التعاون مع القاهرة على الصعيد الاقتصادي، خاصة في مجالَي النقل والصناعة»، مشيراً إلى «استعداده لتنسيق التعاون اللازم بين بلاده ومصر».

وأعلنت الدوحة في مارس (آذار) 2022 ضخ استثمارات في مصر بنحو 5 مليارات دولار، في إطار تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري مع القاهرة، وفق مجلس الوزراء المصري.

ويأتي التعاون المصري - القطري في مجال النقل البحري ضمن توجه مصري لتوسيع الشراكات الدولية والعربية والأفريقية، لتسويق خدماتها البحرية، وفق مستشار النقل البحري المصري، الخبير في اقتصادات النقل، أحمد الشامي، مشيراً إلى أن «تعدد الشراكات المصرية في مجال النقل البحري عربياً وأفريقياً، خطوة ضرورية لمواجهة تحديات الملاحة في قناة السويس، بسبب هجمات الحوثيين خلال الفترة الأخيرة، ولتطوير الاستفادة من المواني البحرية».

وقال الشامي لـ«الشرق الأوسط» إن «القاهرة تسعى لتسويق خدماتها البحرية واللوجستية، والتعاون مع دول عربية وإقليمية، لربط خطوط ملاحة بحرية، بما يحقق مصالح اقتصادية مشتركة، ولتطوير تحالفات وتكتلات بحرية في مواجهة التحديات القائمة».

ووفق رئيس هيئة قناة السويس المصرية، الفريق أسامة ربيع، «تستهدف مصر الانفتاح على الأسواق الدولية والعربية، للتعاون وتسويق خدماتها البحرية»، مشيراً خلال مشاركته في اجتماع «مجلس اتحاد المواني البحري» بالدوحة، الأربعاء، إلى أن «قناة السويس تتبنى استراتيجية لتعظيم قدراتها في مجال الخدمات البحرية واللوجستية، وتوطين الصناعات البحرية في الشركات والترسانات التابعة لها»، منوهاً بـ«تحسن البنية التحتية للقناة بعد انتهاء مشروع تطوير القطاع الجانبي بها».

ويتوقف الخبير الاقتصادي المصري، وليد جاب الله، مع أهمية «التعاون المصري - القطري في مجال التصنيع»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «قطر تمتلك عديداً من الكيانات الاستثمارية، ورؤوس أموال كبيرة، يمكن الاستفادة منها بإقامة شراكات صناعية مع شركات مصرية»، إلى جانب «الاستفادة من خبرات تلك الكيانات الصناعية في الصناعات التي تستهدفها الحكومة المصرية».

والتنسيق بين القاهرة والدوحة في مجال المواني البحرية والتصنيع، خطوة ضمن حزمة من الإجراءات التي تستهدفها الحكومة المصرية لتطوير عوائد هذه القطاعات اقتصادياً، وفق جاب الله الذي أشار إلى أن «مصر تقدم حوافز كثيرة أخيراً لجذب استثمارات أجنبية مختلفة، وتعظيم الاستفادة من مواردها».

واستضافت القاهرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، فعاليات «المنتدى الاقتصادي الاستثماري المصري» بمشاركة مستثمرين ورجال أعمال من البلدين، ووقّع خلاله عدد من الشركات المصرية مع نظيرتها القطرية اتفاقيات في مجالات العقارات والصناعات الغذائية والسيارات.