كان القصف الفرنسي يهدف لعقاب التونسيين، لكنه بدلا من ذلك عمق العلاقات بين التونسيين وإخوتهم الجزائريين، وظلت أحداث ساقية سيدي يوسف رمزا للترابط و«أرضا للأخوة» عكس ما أراد المستعمر الفرنسي.
يحيي التونسيون والجزائريون في 8 فبراير (شباط) من كل عام ذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف في عام 1958 عندما صبت الطائرات الفرنسية حممها على القرية الصغيرة، موقعة قتلى وجرحى.
وشارك وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد يرافقه وزير المجاهدين العيد ربيقة، في الاحتفالات الرسمية بالذكرى الـ 66 لأحداث ساقية سيدي يوسف على الحدود الجزائرية التونسية، وشارك من الجانب التونسي وزير الزراعة والموارد المائية عبد المنعم بلعاتي.
في الحادية عشرة من صباح السبت 8 فبراير 1958 انطلقت 25 طائرة حربية فرنسية من طرازات «بي 26» و«كورسير» و«ميسترال» من قاعدة تبسة العسكرية في طريقها إلى قرية ساقية سيدي يوسف التي تتبع مدينة الكاف في تونس وتقع على الحدود مع الجزائر مقابل مدينة لحدادة الجزائرية.
مثلت القرية قاعدة خلفية للثوار الجزائريين، وكانت تقدم عناية طبية لجرحى العمليات العسكرية ضد القوات الفرنسية، وحتى تؤوي بعض اللاجئين الجزائريين، وعلى إثر تعرض القوات الفرنسية لخسارة عدد من العمليات العسكرية كان أبرزها معركة «جبل واسطة»، في 11 يناير (كانون الثاني) 1958، حينما وقع الفصيل 23 التابع لقوات المشاة بقيادة النقيب «آلار» في كمين محكم، ما أدى إلى مقتل 17 جنديا وإصابة العشرات وأسر 4 جنود فرنسيين، قررت الانتقام بقصف القرية التونسية الصغيرة.
هاجمت الطائرات الفرنسية القرية في يوم السوق الأسبوعية، حيث يتجمع كثير من السكان في السوق لشراء احتياجاتهم، وكان بعض اللاجئين الجزائريين الهاربين من هول المعارك داخل الجزائر يصطفون لتلقي مساعدات من الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر التونسي.
انتشر الهلع بين الأهالي، وتفرقوا في أنحاء مختلفة، لكن هذا لم يمنع الطائرات الفرنسية من مطاردتهم على ارتفاعات منخفضة، مستخدمة أسلحتها الرشاشة، وفي الوقت نفسه هاجمت منجما قريبا من القرية كانت تعده مركزا لتدريب الثوار الجزائريين.
أسفر القصف، الذي استمر أكثر من ساعة، عن مقتل نحو 70 من التونسيين واللاجئين الجزائريين بينهم 9 نساء وكثير من الأطفال، وإصابة ما يقرب من مائة جريح، بالإضافة إلى تدمير معظم مباني القرية وعدد من المباني الإدارية، شملت مدرستين ومركزين للحرس الوطني ومركزا للبريد وعدة سيارات، منها سيارتان تتبعان «الصليب الأحمر الدولي».
ومنذ هذه الأحداث وحتى يومنا هذا تظل ساقية سيدي يوسف شاهدة على عمق الترابط بين الشعبين التونسي والجزائري، وتظل «أرض الأخوة» كما كتب على لافتة في القرية. ويشارك كل عام مسؤولون كبار في البلدين في فعاليات إحياء ذكرى القصف الفرنسي على القرية، التي تتضمن عروضا ثقافية وفنية يشارك بها فنانون من البلدين.