«الذهب الأبيض» السوداني في مهب الحرب والريح

فشل موسم جني القطن في «مشروع الجزيرة» بسبب الأوضاع والإهمال

زهر القطن (الشرق الأوسط)
زهر القطن (الشرق الأوسط)
TT

«الذهب الأبيض» السوداني في مهب الحرب والريح

زهر القطن (الشرق الأوسط)
زهر القطن (الشرق الأوسط)

يسيطر حزن عميق على المزارعين في «مشروع الجزيرة» بسبب تساقط «زهرة القطن» التي رعوها منذ أن كانت بذرة أمام أعينهم، واضطروا لتركها على أغصانها لتتحول إلى علف للحيوانات، بعد أن كانوا يبنون أحلاماً كبيرة على موسم حصاد القطن، فالحرب التي بلغت الجزيرة منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حوّلت أحلامهم إلى هشيم، وبات القطن أو «الذهب الأبيض» تدليلاً، مهدداً بالتلف في غضون أيام ما لم تلحقه حملة إنقاذ سريعة.

إلى جانب الحرب، لعبت الطبيعة الغاضبة دوراً في إفساد موسم القطن، فالرياح العاتية التي شهدتها ولاية الجزيرة، أدت لسقوط الأزهار على الأرض، ما يهدد بضعف الإنتاج في حال اللحاق به قبل تلفه، وفي حال توفر أيدي عاملة فرت من القتال، وحال وجود مخازن ومحالج تعده للتصدير.

ومشروع الجزيرة هو أحد أكبر المشاريع المروية بالري الانسيابي في أفريقيا، وتبلغ مساحته نحو مليوني فدان، ويعد «القطن طويل التيلة» هو المحصول الرئيسي الذي أنشئ بسببه المشروع، لكن المشروع تم تدميره عن «جهل أو قصد» خلال حكم الإسلاميين للبلاد الذي استمر لثلاثة عقود، ما جعل المساحة القابلة للزراعة تتقلص كثيراً.

حصاد القطن (الشرق الأوسط)

وقال عضو تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل عابدين برقاوي لـ«الشرق الأوسط»، إن مشروع الجزيرة يحتضر، والوضع فيه يحتاج لتدخل عاجل من الدولة ومن «قوات الدعم السريع» التي تسيطر على الولاية حالياً، لأن هناك محاصيل مهمة تمت زراعتها خلال الموسم، وعلى رأسها «القطن» الذي زُرعت مساحات كبيرة منه، وبلغ مرحلة الحصاد «اللقيط» الآن.

وحذر برقاوي من فقدان الدولة مصدراً مهماً، يدعم الخزينة المركزية بالعملات الحرة نتيجة الحرب، ومن تدهور أحوال المزارعين حال فشل موسم الحصاد، بل ومن دخول كثيرين منهم السجون مقابل تكاليف الزراعة الممولة من البنوك. وقال: «التقيت كيكل، أحد أبناء الجزيرة، وناقشت معه ضرورة إنقاذ محصول القطن، فوعد بحل المشكلة».

و«كيكل» المقصود هنا هو «أبو عاقلة كيكل» قائد «قوات الدعم السريع» التي سيطرت على ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني، وهو الذي يمثل سلطة الأمر الواقع في الولاية بعد انسحاب الجيش والحكومة منها.

ووفقاً لبرقاوي فإن كيكل و«الدعم السريع» لم يفيا بوعودهما بعد... و«إذا استمر الحال هكذا، ستفقد البلاد ثروة قومية، لأن الحيوانات ستأكل المحصول».

المرشد الزراعي عبد الرحيم إبراهيم (الشرق الأوسط)

ويصدر القطن إلى عدد من الدول، وكان يعد المحصول النقدي الأول الذي يدر العملات الصعبة للبلاد، لكن الحكومة السابقة برئاسة عمر البشير، أهملت المشروع طوال ثلاثة عقود. وتردد أن الإهمال كان مقصوداً لأسباب سياسية.

وأشار مزارعون بالمشروع تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إلى إغلاق «محالج القطن»، وقالوا إنهم لن يحصدوا محصولهم ويتركوه في العراء من دون توفير معدات السلامة من الحريق، لأنه سيتعرض للاشتعال الذاتي، وأضافوا: «جميع المحالج مغلقة، ومطلوب تأمين مرحلة ما بعد الحلج، وتأمين طريق التصدير، وهو كله غير متوفر الآن».

وأوضح المرشد الزراعي عبد الرحيم إبراهيم، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المساحة المزروعة بالقطن في مشروع الجزيرة هذا الموسم تبلغ 50 ألف فدان، وهي في أيام الحصاد الأخيرة الآن، لكن الكثير من المزارعين لم يتمكنوا من حصادها، لأسباب عدة؛ من بينها عدم وجود مشترين للمحصول في ظل الظروف الراهنة».

وقال إبراهيم: «هذا الموسم كان متوقعاً أن يكون أفضل المواسم بالنسبة للمزارعين، بسبب الطلب الكبير على القطن مع قلة العرض، لكن للأسف لن يتمكن بعض المزارعين من جني محصولهم».

ووفقاً للمرشد الزراعي، فإن سعر قنطار القطن بلغ في الموسم الماضي 85 ألف جنيه، ويتوقع أن يبلغ في الموسم الحالي 100 ألف - الدولار نحو ألف جنيه.

وقال إبراهيم إن الإنتاج في هذا الموسم واجه صعوبات عدة؛ من بينها تأخر زراعة القطن، التي تبدأ عادة منتصف يونيو (حزيران) سنوياً، إلى يوليو (تموز)، لأسباب من بينها تأخر التمويل وعدم توفر الوقود، وغياب خدمة الإرشاد الزراعي، وخدمة وقاية المحاصيل».


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل لـ«منبر جدة»

خاص وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)

وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل لـ«منبر جدة»

قال وزير الخارجية السوداني، علي يوسف أحمد، إن حكومته أكدت لنائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، تمسكها بمفاوضات «منبر جدة» لحل الأزمة السودانية.

وجدان طلحة (بورتسودان) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

تشهد مدينة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال بوصل المبعوث الأممي، رمطان لعمامرة، ومباحثات خاطفة أجراها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)

الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات «الثانوية»

أعلنت الحكومة السودانية في بورتسودان عن عزمها عقد امتحانات الشهادة الثانوية، السبت المقبل، في مناطق سيطرة الجيش وفي مصر، لأول مرة منذ اندلاع الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا لقاء حاكم اقليم دارفور و نائب وزير الخارجية الروسي في موسكو (فيسبوك)

مناوي: أجندتنا المحافظة على السودان وليس الانتصار في الحرب

قال حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة «جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، إن أجندة الحركة «تتمثل في كيفية المحافظة على السودان، وليس الانتصار في الحرب».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا «مجموعة أ 3 بلس» تُعبر عن «صدمتها» من الانتهاكات ضد نساء السودان

«مجموعة أ 3 بلس» تُعبر عن «صدمتها» من الانتهاكات ضد نساء السودان

استنكرت الجزائر باسم «مجموعة أ 3 بلس» بمجلس الأمن الدولي، التقارير الحديثة عن عمليات القتل الجماعي والاختطاف والاغتصاب في السودان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ليبيا: اجتماع مرتقب لأعضاء مجلسي النواب و«الدولة» في درنة

صورة وزعها مجلس النواب لوصول أعضائه إلى مدينة درنة
صورة وزعها مجلس النواب لوصول أعضائه إلى مدينة درنة
TT

ليبيا: اجتماع مرتقب لأعضاء مجلسي النواب و«الدولة» في درنة

صورة وزعها مجلس النواب لوصول أعضائه إلى مدينة درنة
صورة وزعها مجلس النواب لوصول أعضائه إلى مدينة درنة

بينما يستعد مجلس النواب الليبي، لعقد أول جلسة له في مدينة درنة، بعد تعافيها من كارثة الإعصار الذي سبق وضرب شرق البلاد العام الماضي، يعتزم أعضاء مجلسي النواب و«الدولة»، عقد اجتماعهم المقبل بالمدينة، عقب ختام اجتماعهم بالمغرب الأسبوع الماضي.

وأعلن عبد الله بليحق المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، الأحد، وصول عدد من أعضائه إلى درنة، التي ستستضيف، الاثنين، جلسة رسمية، هي الأولى للمجلس بالمدينة، ستخصص لمناقشة نتائج الاجتماع التشاوري الأخير بين مجلسي النواب و«الدولة» في المغرب؛ حيث استقبلهم بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني» ومدير «صندوق التنمية وإعادة الإعمار».

وأعلنت اللجنة المشتركة لأعضاء مجلسي النواب و«الدولة»، انتهاء «اللقاء الناجح» بالمغرب، وأكدت أن الاجتماع التالي سيُعقد داخل البلاد بمدينة درنة، «بعد توفر الظروف الأمنية، بعيداً عن العرقلة والمنع أو التدخل».

وقال بيان للجنة، إن أعضاء المجلسين «لا يحتاجون لموافقة أحد للاجتماع في مكان، يرون توفر الظروف الملائمة به للنجاح، سواء داخل البلاد أو خارجها»، ولفت إلى أن «ما حصل من توافق في اجتماع المغرب، سيتم البناء عليه لمزيد من العمل المشترك، لتوحيد مؤسسات البلاد وإجراء الانتخابات وإعادة الأمانة لأهلها».

صورة أرشيفية لاجتماع أعضاء مجلسي النواب و«الدولة» في المغرب (صفحة المتحدث باسم مجلس النواب)

وعبر «المجلس الأعلى للدولة»، الذي يترأسه خالد المشري، عن استغرابه من بيان وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»، التي وصفها بـ«منتهية الولاية»، بشأن استضافة المغرب لمحادثات بين مجلسي النواب و«الدولة»، بعد لقاءاتهما السابقة في تونس ومصر.

واعتبر بيان للمجلس، مساء السبت، أن مطالبة وزارة خارجية حكومة «الوحدة» لنظيرتها المغربية «بالتنسيق المسبق قبل عقد أي جلسات حوار بين المجلسين، يعدّ تدخلاً سافراً في شؤون المجلسين، وينم عن قصور معرفي بحدود السلطة التنفيذية، وجهل مركب بمبدأ الفصل بين السلطات يستوجب المساءلة»، وقال إنه «ليس من حق الوزارة الاعتراض على أعمال المجلسين».

وتزامن ذلك مع إعلان رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، تلقيه رسالة تهنئة من ملك المغرب، محمد السادس، بمناسبة «يوم الاستقلال»، أشاد خلالها بعمق العلاقات الثنائية، وحرصه على مواصلة تعزيزها.

بدورها، أعلنت «المفوضية العليا للانتخابات»، الأحد، اعتماد النتائج النهائية لانتخابات المجموعة الأولى من المجالس البلدية، باستثناء انتخابات بلديتي الشويرف ووادي زمزم، التي حجبت نتائجهما.

في شأن آخر، نفت «المؤسسة الوطنية للنفط»، «معلومات مغلوطة»، تفيد بدخولها في تسوية دين مع شركة «ليتاسكو» السويسرية، برغم رفض ديوان المحاسبة. وأوضحت في بيان، أنها قد تجنبت بهذه التسوية خسائر مالية فادحة، ستكون ملزمة قضائياً، فضلاً عن تعريض بعض أصولها في الخارج لخطر الحجز، مشيرة إلى احتفاظها بحقها في رفع دعوى قضائية ضد الشركة المذكورة، في حال أثبتت التحقيقات التي يجريها ديوان المحاسبة، توريدها لشحنات وقود مخالفة للمواصفات المتفق عليها.

بدوره، أشاد الفريق صدام حفتر رئيس أركان القوات البرية بـ«الجيش الوطني»، لدى لقائه في بنغازي، مع رئيس مجلس حوض مرزق، وشيخ قبيلة التبو، رمضان جيلاوي، بجهود القبيلة في دعم مساعي المصالحة الوطنية.

عقيلة صالح وعضو مجلس النواب عيسى العريبي ورئيس هيئة الصيد البري رافع محمد وعدد من مديري الإدارات التابعة للهيئة (مكتب صالح)

وأكد دعم قوات الجيش لجميع الجهود التي تصب في مصلحة الوطن ووحدته. ونقل عن جيلاوي إشادته بدور المشير حفتر، ونجله صدام في تعزيز الأمن والاستقرار، ودفع عجلة التنمية في المنطقة الجنوبية.

من جهة أخرى، أعلنت بلدية بنغازي اتخاذ إجراءات احترازية، استعداداً لهطول أمطار غزيرة على مدينة بنغازي، وقالت إنه تقرر عقب اجتماع لمُناقشة الإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها، حيال احتمال هطول مياه الأمطار بكميات كبيرة، وارتفاع منسوب المياه في الأودية والمناطق المُنخفضة والمُجاورة للأودية المتوقعة خلال الأيام المقبلة.

ودعت البلدية إلى إخلاء المنازل التي قد تكون عُرضة للانجرافات والمُقامة على حواف الأودية، ورفع درجة الطوارئ بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.

وأدرجت هذه الإجراءات، في إطار تعليمات وزارة الداخلية بحكومة «الاستقرار» الموازية، بتشكيل لجنة برئاسة مدير أمن بنغازي، للحفاظ على سلامة المواطنين والممتلكات العامة والخاصة.

كما أعلنت وزارة الصحة في حكومة أسامة حماد المكلفة من مجلس النواب، رفع درجة الاستعداد الكامل في جميع المستشفيات لمدة 7 أيام لمواجهة الطقس المتوقع.