علماء يحذرون من ضياع «بنك البذور والجينات الزراعية» في السودان

الحرب أتلفت آلاف الموارد الوراثية النباتية... ومساعٍ لإنقاذ ما تبقى

حصاد أحد المحاصيل الزراعية في ولاية الجزيرة بوسط السودان (أ.ف.ب)
حصاد أحد المحاصيل الزراعية في ولاية الجزيرة بوسط السودان (أ.ف.ب)
TT

علماء يحذرون من ضياع «بنك البذور والجينات الزراعية» في السودان

حصاد أحد المحاصيل الزراعية في ولاية الجزيرة بوسط السودان (أ.ف.ب)
حصاد أحد المحاصيل الزراعية في ولاية الجزيرة بوسط السودان (أ.ف.ب)

أطلق علماء وباحثون سودانيون «صرخة استغاثة» لإنقاذ الأصول النباتية والتقاوي و«بنك البذور والجينات المركزي» التابع لهيئة البحوث الزراعية في مدينة «ود مدني» عاصمة إقليم الجزيرة في وسط البلاد، من المخاطر التي يتعرض لها جراء الحرب التي امتدت للولاية الأهم زراعياً في السودان، حيث يُوجد البنك الرئيسي المخصص لحفظ العينات الجينية للبذور والنباتات السودانية.

وأُنشئت هيئة البحوث الزراعية السودانية في عام 1902، بهدف إنتاج التقنيات والنظم اللازمة لإنتاج المحاصيل وضمان الأمن الغذائي واستكشاف الإمكانات الزراعية في عدد من مناطق البلاد. ومن بين أجهزة الهيئة المهمة «بنك الجينات والبذور السودانية» الذي يضم عينات جينية من البذور التي جرت الأبحاث حولها منذ أكثر من قرن، وتعد تراثاً علمياً لا يقدر بثمن.

لكن الهيئة تعرضت لعمليات تخريب بعد وصول الحرب إلى ولاية الجزيرة، ويُخشى على نطاق واسع من ضياع وتلف مئات العينات الجينية للبذور السودانية بسبب التخريب الذي تعرض له البنك ومباني الهيئة، ومن عمليات النهب، بجانب الإهمال الذي ظلت الهيئة تتعرض له لسنوات، وهجرة العلماء والخبراء، وإيكال أمرها لذوي الولاء للنظام السابق الذي كان يترأسه عمر البشير.

نازحون فارّون من المعارك على طول طريق في ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة (أ.ف.ب)

سباق الزمن

أطلق عالم النبات السوداني المقيم في السويد، محمد الصافي، نداء للمجتمعين الدولي والمحلي، لإنقاذ بنك البذور الرئيسي في البلاد من الضياع والدمار، والمخاطر التي تواجه البحث العلمي الزراعي بعد وصول الحرب بين قوات «الدعم السريع» والجيش السوداني إلى ولاية الجزيرة حيث يُجد البنك. ووفقاً لنداء الصافي، الذي أطلقه عبر منصة «Research Professional News»، فإن «بنك الجينات المركزي» التابع لمركز الحفاظ على الموارد الوراثية النباتية الزراعية وأبحاثها يواجه «تهديداً وجودياً غير مسبوق»، وإن هناك حاجة طارئة لنقل الموارد الجينية من حافظات البذور، ومسابقة الزمن قبل تلفها.

وحذّر الصافي من فقدان السودان لتنوعه الوراثي الذي يضرّ بمرونته الزراعية، ويهدد النظام الغذائي العالمي، باعتبار السودان منشأ لكثير من المحاصيل الأساسية. ويضم بنك جينات النبات وفقاً لتقرير «Research Professional News» أكثر من 15 ألف عينة، تتضمن بذور المواد الغذائية والزراعية، مثل «البطيخ والذرة الرفيعة والدُخن اللؤلؤي».

وتواجه هيئة البحوث الزراعية مخاطر الهجمات البرية والقصف المدفعي والجوي، وانقطاع التيار الكهربائي، بينما يحاول موظفون وعمال حمايتها، لكن المخاطر لا تزال تهدد العينات الموجودة في غرف التبريد الخاصة. وقال الصافي: «تم نهب المجمدات العميقة التي تحتوي على البذور»، واستدرك قائلاً: «نظراً إلى أن البذور محفوظة في مظاريف مغلفة بالألمونيوم، فستظل قابلة للحياة لعدة أشهر».

الحرب السودانية طالت مناطق عدة من البلاد (رويترز)

«قبو البذور الدولي»

دعا الصافي إلى نقل البذور إلى أماكن آمنة بضمانات دولية، وطلب من شركاء السودان في أبحاث المدى الطويل، ووكالة المعونة السويدية، ومركز الموارد الوراثية في السويد، المساعدة في نقل مجموعات بنك البذور إلى مكان أكثر أماناً داخل السودان. وحثّ مجتمع علوم النبات الدولي على مساعدة السودان في الحفاظ على مجموعة البذور، ونقلها إلى «قبو البذور الدولي» في أرخبيل سفالبارد بالنرويج، قائلاً: «تتطلب هذه الأزمة اتخاذ إجراءات عالمية فورية لحماية ثراء التنوع البيولوجي الزراعي في السودان، ومنع إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بهذه المؤسسة المحورية».

وإزاء ذيوع أخبار تعرض «هيئة البحوث الزراعية» لمخاطر الحرب وأعمال التخريب والنهب، سارعت قوات «الدعم السريع»، التي تسيطر على ولاية الجزيرة، إلى زيارة مقر الهيئة، ونشرت مقطع فيديو يظهر فيه قائد قواتها هناك، المدعو أبو عاقلة كيكل، وهو يتعهد لموظفين داخل الهيئة بإعادة تعميرها وتوفير خدمات الكهرباء لها. ونفى متحدث باسم القوات من داخل «مصفى فرز وتصنيف البذور»، اتهام قوات «الدعم السريع» بتخريب الهيئة، مؤكداً أنهم وجدوها على هيئتها الخربة.

وظهر في الفيديو شخص عرّف نفسه بأنه الدكتور محمد الحاج مختار، وقال إنه يعمل في هيئة البحوث الزراعية ولم يغادرها، ووجّه اتهامات لمن أسماهم العلماء «الفاسدين والمفسدين» في إدارة الهيئة، بجانب عاملين ومواطنين من المجتمع المحلي، قاموا بتدمير الهيئة. وأضاف: «نحن باقون في الهيئة لأن مستقبلها هو مستقبلنا، والأشخاص الذين هجموا على الهيئة واستولوا على البذور، يعرفون طبيعتها وأهميتها، وعلى وعي ودراية بقيمتها، وهم عاملون مغبونون نفثوا غبنهم في الهيئة. فقد كُسرت مخازن العينات من قبل أشخاص يعرفونها، مخزن تلو آخر».

الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير (أ.ف.ب)

تخريب وإهمال

كما ظهر في فيديو «الدعم السريع» شخص عرّف نفسه بأنه فني بالهيئة اسمه فضل عبد الله، وقال: «أنا لم أغادر منزلي داخل الهيئة، وبشهادتنا وأمام أعيننا، تم تخريب الهيئة من سكان المناطق المحيطة بالهيئة». ووفقاً لتقارير صحافية صادرة في عام 2019، نقلها موقع «الراكوبة» الإلكتروني السوداني المستقل، في حينه، فإن بنك البذور والجينات، وهيئة البحوث الزراعية، كانا يعانيان منذ وقت طويل من الإهمال، الذي وصفه الموقع بـ«المخطط التدميري للمشروع»، الذي اشتغل عليه «نظام الإسلاميين» السابق، وأدى إلى تدهور مستوى البحث العلمي والإداري لهيئة البحوث الزراعية في مدينة «ود مدني»، بالإضافة إلى «تمكين» كوادر الإسلاميين ومؤيديهم من المناصب في الهيئة، دون مراعاة الكفاءة والمؤهل والخبرة، ما دفع أعداداً كبيرة من العلماء والخبراء إلى مغادرة البلاد.


مقالات ذات صلة

«حميدتي» يُصدر أوامر مشدّدة لقواته بحماية السودانيين

شمال افريقيا الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)

«حميدتي» يُصدر أوامر مشدّدة لقواته بحماية السودانيين

أصدر قائد «قوات الدعم السريع» في السودان، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ(حميدتي)، السبت، أوامر مشدّدة لقواته بحماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي صورة نشرها الموفد الأميركي على «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف

«متحالفون» تدعو الأطراف السودانية لضمان مرور المساعدات

جدّدت مجموعة «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام بالسودان» دعوتها الأطراف السودانية إلى ضمان المرور الآمن للمساعدات الإنسانية المنقذة لحياة ملايين المحتاجين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

حرب السودان الكارثية... مشكلة كبرى أمام العالم الصامت

يلقى النزاع في السودان جزءاً ضئيلاً من الاهتمام الذي حظيت به الحرب في غزة وأوكرانيا، ومع ذلك فهو يهدد بأن يكون أكثر فتكاً من أي صراع آخر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو خلال مؤتمر صحافي في جنيف 12 أغسطس (إ.ب.أ)

المبعوث الأميركي يحذر من تمديد الحرب في السودان إقليمياً

حذر المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو من احتمالات اتساع رقعة الحرب في السودان لتهدد دول الإقليم، وحمّل استمرار الحرب لـ«قوى سياسية سلبية» في السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
أفريقيا وزير الصحة السوداني يبحث تنفيذ الاشتراطات الصحية لدخول مصر (الصحة السودانية)

تجاوب سوداني مع اشتراطات مصرية جديدة لدخول البلاد

أعلنت وزارة الصحة السودانية «ترتيبات الخدمات الخاصة بتوفير الاشتراطات الصحية لتصاريح السفر، من بينها توفير لقاحات شلل الأطفال لجميع الأعمار».

أحمد إمبابي (القاهرة )

«حميدتي» يُصدر أوامر مشدّدة لقواته بحماية السودانيين

الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
TT

«حميدتي» يُصدر أوامر مشدّدة لقواته بحماية السودانيين

الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)

أصدر قائد «قوات الدعم السريع» في السودان، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ(حميدتي)، السبت، أوامر مشدّدة لقواته بحماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية، التزاماً بالتعهدات التي قطعها وفده في محادثات جنيف في وقت سابق من أغسطس (آب).

وقال في تدوينة على منصة «إكس»: «أصدرت أمراً إدارياً استثنائياً لجميع القوات، بما فيها (قوة حماية المدنيين)، حول عدد من الالتزامات الخاصة بتعزيز حماية المدنيين، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية»، ودعا حميدتي جميع القادة في المستويات كافة للتقيد بالأوامر، وتنفيذ التعليمات وقواعد الاشتباك أثناء القتال، بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني، وكل من يخالف هذه الأوامر يعرّض نفسه للمساءلة القانونية.

وذكر أن هذا الأمر الاستثنائي يأتي تماشياً مع مخرجات محادثات جنيف، ويتَّسق مع الأوامر الإدارية الروتينية التي نصدرها كل 3 أشهر، وتستند تلك الأوامر إلى أحكام قانون «قوات الدعم السريع» لسنة 2017، ووفاءً للتعهدات التي التزمت بها «قوات الدعم السريع» في محادثات جنيف.

أرشيفية تُظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم (رويترز)

«قوة حماية المدنيين»

وتُتَّهَم «قوات الدعم السريع» بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، بما في ذلك مجازر عديدة في ولاية الجزيرة وسط السودان، لكنها تنفي ذلك. وأعلن حميدتي في أغسطس تشكيل قوة لحماية المدنيين، شرعت فوراً في أداء مهامها في ولايتي الخرطوم والجزيرة.

وتتكون القوة -حسب رئيس وفد «قوات الدعم السريع» للتفاوض في جنيف، عمر حمدان- من 27 عربة قتالية، مدعمة بقوات محترفة للتعامل مع التفلّتات التي تصدر من قواته. والأسبوع الماضي أكّد حميدتي التزامه الكامل بمخرجات محادثات جنيف، التي قاطعها وفد الجيش، وبتعهداته في تلك المحادثات، وعلى رأسها الاستجابة لتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية.

ووافق طرفا القتال في السودان، الجيش و«قوات الدعم السريع»، على توفير ممرَّين آمنَين للمساعدات الإنسانية دون عوائق، وحماية المدنيين، وتطوير إطار عمل لضمان الالتزام بـ«إعلان جدة»، للتخفيف من تداعيات الحرب الدائرة بينهما منذ نحو عام ونصف عام.

وتلقّى الوسطاء الدوليون خلال محادثات جنيف التزامات قوية من «قوات الدعم السريع»، بإصدار توجيهات قيادية إلى جميع المقاتلين بالامتناع عن ارتكاب أي انتهاكات ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها القوات.

صناديق تحتوي على مساعدات مخزَّنة في مستودع تديره مفوضية العون الإنساني (رويترز)

قوافل المساعدات

وفي موازاة ذلك استمر دخول قوافل المساعدات الإنسانية عبر معبر «أدري» مع الحدود التشادية، لتوزيعها على المتضررين في إقليم دارفور غرب السودان. وقالت مفوضية اللاجئين، يوم السبت، إن شاحنات تابعة لها نقلت 200 شحنة إغاثة أساسية من تشاد إلى السودان عبر المعبر، بوصفها جزءاً من قافلة مساعدات الأمم المتحدة.

وأوضحت المفوضية الأممية أن «هذه الإمدادات التي تشمل الأغطية البلاستيكية والبطانيات وأدوات المطبخ، ستدعم الأسر المتضررة من النزاع في ولاية غرب دارفور»، ويزور البلاد هذه الأيام وفد رفيع من الأمم المتحدة برئاسة النائبة الخامسة للأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، وكبار المسؤولين من الوكالات الأممية.

من جانبه، جدّد مجلس السيادة السوداني لدى لقائه الوفد الأممي التزامَه بفتح الممرات الآمنة لإيصال المساعدات الإنسانية عبر المعابر التي تم الاتفاق عليها مع الأمم المتحدة والشركاء في محادثات جنيف. وقالت أمينة محمد إن زيارتها للسودان جاءت للوقوف على تطورات الأوضاع، مشيدةً بالخطوة التي اتخذتها حكومة السودان بفتح معبر أدري لمرور المساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين من الحرب. وأكدت المسؤولة الأممية أن المنظمة الدولية ترحب بتعاون الحكومة السودانية من أجل إيصال الغذاء للمحتاجين.

بدوره قال وزير الخارجية السوداني حسين عوض في تصريحات صحافية: «على الرغم من توجّس حكومة السودان من معبر أدري، إلا أن الحكومة تعاونت في فتح هذا المعبر».