انتخاب المغرب رئيساً لمجلس حقوق الإنسان يضع على عاتقه مسؤوليات كبيرة

حقوقيون يرون أن المملكة شهدت تطورات إيجابية كثيرة في مجال الحريات رغم التحديات

عبد الإله بن عبد السلام المنسق العام للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان (الشرق الأوسط)
عبد الإله بن عبد السلام المنسق العام للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان (الشرق الأوسط)
TT

انتخاب المغرب رئيساً لمجلس حقوق الإنسان يضع على عاتقه مسؤوليات كبيرة

عبد الإله بن عبد السلام المنسق العام للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان (الشرق الأوسط)
عبد الإله بن عبد السلام المنسق العام للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان (الشرق الأوسط)

شهد مجال حقوق الإنسان على مدى تاريخ المغرب تطورات كثيرة؛ وفي السنوات الأخيرة أُجريت عدة إصلاحات، حسب حقوقيين، لكن ما زالت هناك تحديات تتعلق بجوانب في هذا الملف.

ففي الوقت الذي يلاحَظ بعض التحسن في مجال حقوق المرأة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يرى بعض المراقبين أن القضايا المتعلقة بحريّة التعبير في سياق النشاط السياسي ما زالت تواجه انتقادات. في هذا السياق، رأى عبد الإله بن عبد السلام، المنسق العام للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، أن انتخاب المغرب لرئاسة الدورة الـ18 لسنة 2024 لمجلس حقوق الإنسان، عقب رئاسة التشيكي فاكلاك باليك، بمنزلة «تكليف يضع مسؤوليات على المغرب، وله عواقبه السياسية والحقوقية محلياً ودولياً». وانتُخب المغرب لرئاسة المجلس التابع للأمم المتحدة في العاشر من يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد أن حظي بتأييد 30 عضواً من مجموع أعضاء المجلس، البالغ 47 عضواً مقابل 17 صوتاً لجنوب أفريقيا. ويعد هذا الحدث الأول من نوعه في تاريخ المغرب. وقال ابن عبد السلام في حوار مع «وكالة أنباء العالم العربي» إن هذا التكليف «يضع مسؤوليات كثيرة على المغرب، خصوصاً أمام الوضع السيئ لحالة حقوق الإنسان في البلاد، ما يستوجب توفّر إرادة فعلية لدى الحكومة لتغييرها لتكون في مستوى الانتظارات التي تفرضها المهمة التي تقع على أي دولة تتحمل مسؤولية رئاسة دورة من دورات مجلس حقوق الإنسان». وأضاف ابن عبد السلام موضحاً: «نعتقد في الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، وانطلاقاً من الأدوار التي أضطلع ويضطلع بها الائتلاف في حثّ الدولة المغربية على الانخراط في المنظومة الحقوقية الأممية، أن على المغرب أن يقدم نموذجاً في السلوك الحقوقي، الذي يتعين الالتزام به مستقبلاً من أي دولة ترغب في الحصول على ثقة بقية الدول لرئاسة دورات المجلس».

انتقادات ومطالبات

أوضح ابن عبد السلام أن على المغرب «تقديم السيرة الذاتية لحالة حقوق الإنسان بالبلاد في لحظة تولّيه المسؤولية... ليُظهر للعالم أنه الدولة التي لا تعرف خروقات أو تجاوزات أو انتكاسات في مجال حقوق الإنسان من كل أجيالها، ولتتطلع إليه أنظار شعوب العالم وهيئاته الدولية والمحلية التي ما زالت تعاني ويلات الممارسات المنافية لكرامة الإنسان وحياته ومستقبله». وقال ابن عبد السلام بهذا الخصوص: «للمغرب مهام كثيرة عليه الاضطلاع بها وبشكل مستعجَل، ليبرهن على أن له كل الإمكانات لكي يدافع عن ملف حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم، وأن باستطاعته التصدي بحزم لكل التجاوزات التي يتعرض لها الفاعلون والنشطاء، من دون أي اعتبار لجنسياتهم أو لغتهم أو قناعاتهم السياسية وغير السياسية». مشيراً إلى أن الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان تَقدَّم برسالة مفتوحة يوم الأحد الماضي لرئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، من أجل دعوته إلى تحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد، «وتنفيذ الالتزامات التي أخذتها الدولة على عاتقها» في هذا المجال أمام المجتمع الدولي.

الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان تقدم برسالة إلى رئيس الحكومة المغربية لدعوته لتحسين حالة حقوق الإنسان بالبلاد (ماب)

وطلب الائتلاف من رئيس الحكومة اتخاذ المبادرات كافة، التي يتطلبها تحسين وضع حقوق الإنسان في المغرب، ومنها وقف ما وصفها بظاهرة الاعتقال «لأسباب سياسية أو حقوقية أو نقابية أو بسبب الرأي والتعبير». مشدداً على «الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين كافة، من معتقلي الرأي والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمدونين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي».

في هذا السياق قال ابن عبد السلام إن الائتلاف «يطالب أيضاً بوقف الممارسات غير المشروعة، التي يواجهها بعض المنظمات، وفرض احترام حق تأسيس الجمعيات، ومنع عرقلة أنشطتها، أو عقد مؤتمراتها، أو الامتناع عن تسليم الوصولات المفروضة قانوناً عند وضع ملفاتها لدى السلطات المحلية». مضيفاً أنه «يجب أيضاً احترام الحق في الحياة، والحق في السلامة البدنية والأمان الشخصي، من خلال إلغاء عقوبة الإعدام، وضمان الحماية من كل أشكال التعذيب، وحماية النساء من العنف والتمييز، ومن كل أشكال الاستغلال، وكذا وقف سياسة الامتيازات والإفلات من العقاب».

واستطرد ابن عبد السلام قائلاً: «يجب على الحكومة كذلك تطبيق الخطة الوطنية لمحاربة الفساد والرشوة في القطاعات والمرافق والمؤسسات كافة، وجعل التبليغ عنها واجباً على كل مواطن، ووقف التهديد بالمتابعة ضد المبلغين ومحاربة تضارب المصالح، والجمع بين السلطة وممارسة الأنشطة المالية والاقتصادية والتجارية، ومحاربة تهريب المال العام ومناهضة الاغتناء غير المشروع». كما تضمنت المطالب في الرسالة «ضمان الحق في العمل، والحق في الصحة والبيئة السليمة والمساواة المجالية والترابية، وتوزيع الثروات الوطنية».

«خطوات جبارة... وصيت كبير»

في المقابل، يرى أحمد فطري، أمين عام حزب الوحدة والديمقراطية (وسط محافظ)، أن المغرب «خطا خطوات جبارة في مجال حقوق الإنسان، والصيت المغربي على الصعيد الدولي في هذا المجال هو صيت كبير». لكنه استدرك قائلاً: «يبقى فقط انعكاس هذا الحدث على الواقع السياسي المغربي؛ الذي يجب أن يكون أكثر فاعلية، لأن الساحة السياسية المغربية ما زالت تشهد كثيراً من الهزات، التي لا تتناسب مع الحدث»، وذلك في إشارة إلى انتخاب المغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان.

وينظر فطري إلى هذا الانتخاب على أنه «تكليف يجب أن ينعكس على الممارسة السياسية للمواطن المغربي، بحيث إن هذا الأخير ما زال لا يمارس السياسة، ولا يستشعر الحاجة إلى الانتماء الحزبي بالشكل المطلوب». مشيراً إلى أن هناك عوامل متعددة أدت إلى الأوضاع التي يعيشها المغرب اليوم على المستوى السياسي والحقوقي، موضحاً أن ذلك «يجب ألا ينعكس على هذا الحدث العالمي المهم، ويؤثر سلباً في الممارسة السياسية بالبلاد، وفي الانتماء الحزبي بصفة خاصة، حيث إن هناك شكوى عامة من الأحزاب السياسية في هذا الشأن».

وأضاف أمين عام حزب «الوحدة والديمقراطية» في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، أن على الدولة بمختلف مكوّناتها، من أحزاب سياسية وقطاعات فاعلة، أن تعمل جاهدة لتجعل هذا الحدث ينعكس بشكل أقوى داخلياً على مستوى حقوق الإنسان، «الذي ما زال يشكو من هزات كثيرة، وعلى الممارسة السياسية حتى تكون ممارسة نقية، تُفضي إلى انتخابات نزيهة، مع عدم التمييز بين حزب وآخر فيما يخص الدعم». موضحاً أن «المثقفين المغاربة، الذين من المفترض أن يكونوا النبراس والقادة والمنظرين، لا يلتفتون إلى العمل السياسي؛ وبالتالي فالحديث عن حقوق الإنسان في ظل هذه الأوضاع يبقى حديثاً ناقصاً مبتوراً».


مقالات ذات صلة

حكيمي يجدّد عقده مع سان جيرمان حتى 2029

رياضة عربية الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي (إ.ب.أ)

حكيمي يجدّد عقده مع سان جيرمان حتى 2029

مدّد الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي عقده مع باريس سان جيرمان بطل فرنسا لكرة القدم حتى عام 2029.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

الخلافات السياسية تعرقل صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر

كانت الجزائر تستورد ما بين مليونين و6 ملايين طن قمح فرنسي سنوياً؛ مما جعلها من أكبر زبائن فرنسا. غير أن الكميات المستوردة انخفضت بشكل لافت في السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رضوان الحسيني مدير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بوزارة الشؤون الخارجية المغربية (الشرق الأوسط)

المغرب يؤكد «التزامه الراسخ» بمكافحة الإرهاب النووي والإشعاعي

المغرب يؤكد التزامه بالأهداف الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب النووي، التي تدعو إلى نهج استباقي ومتعدد الأبعاد، لمحاربة هذه الآفة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية زكريا أبو خلال لاعب تولوز انضم لتشكيلة منتخب المغرب (أ.ف.ب)

الركراكي يستدعي أبو خلال لتشكيلة المغرب بدلاً من أخوماش

أعلن الاتحاد المغربي لكرة القدم الثلاثاء أن وليد الركراكي مدرب المنتخب الأول استدعى زكريا أبو خلال لتعويض غياب إلياس أخوماش.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية حسين الشحات لاعب الأهلي (صفحة اللاعب على فيسبوك)

مصر: الصلح يُنهي أزمة الشحات والشيبي بعد 18 شهراً من «الخِصام»

بعد نحو عام ونصف العام من «الخِصام» بينهما، أنهى الصلح أزمة المصري حسين الشحات، لاعب الأهلي، والمغربي محمد الشيبي.

محمد عجم (القاهرة)

مصر: العثور على 5 أحياء وانتشال 4 جثث من ضحايا المركب السياحي

عمليات إنقاذ الناجين من المركب السياحي «سي ستوري» (المتحدث العسكري المصري)
عمليات إنقاذ الناجين من المركب السياحي «سي ستوري» (المتحدث العسكري المصري)
TT

مصر: العثور على 5 أحياء وانتشال 4 جثث من ضحايا المركب السياحي

عمليات إنقاذ الناجين من المركب السياحي «سي ستوري» (المتحدث العسكري المصري)
عمليات إنقاذ الناجين من المركب السياحي «سي ستوري» (المتحدث العسكري المصري)

نجحت السلطات المصرية، الثلاثاء، في العثور على 5 أحياء وانتشال 4 جثث من ضحايا غرق المركب السياحي «سي ستوري»، في الحادث الذي وقع قبالة سواحل البحر الأحمر، الاثنين، فيما أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية أوامرها للقوات البحرية بتكثيف جهودها لمواصلة عمليات البحث عن باقي المفقودين.

وقال محافظ البحر الأحمر، عمرو حنفي، في آخر بيان تحديثي نشرته المحافظة على صفحتها بموقع «فيسبوك»، مساء الثلاثاء: «إن الجهود التي تجريها الجهات المعنية، وعلى رأسها رجال القوات البحرية، نجحت في العثور على 9 أشخاص منهم 5 أحياء (2 يحملون الجنسية البلجيكية، وسويسري، وفنلندي، ومصري)، بينما جرى انتشال 4 جثث ما زال أصحابها مجهولي الهوية، موجهاً بتقديم الرعاية الطبية اللازمة للناجين.

وأشار المحافظ إلى أن إجمالي من جرى إنقاذهم بلغ 32 شخصاً، ووصل عدد من جرى إخراجهم من المياه 36 شخصاً، ولا تزال عمليات البحث مستمرة للعثور على 8 آخرين مفقودين.

ووقع الحادث في الساعات الأولى من صباح الاثنين، بشحوط المركب خلال رحلة غوص وسفاري، حيث كان يقل 31 سائحاً من جنسيات مختلفة، بالإضافة إلى طاقمه المكون من 13 فرداً من بحارة وغطاسين.

وقال محافظ البحر الأحمر إنه وفقاً لروايات الناجين، فإن «موجة بحر عالية صدمت المركب مما أدى لانقلابه».

تتواصل عمليات الإنقاذ على أمل العثور على آخر 8 مفقودين (المتحدث العسكري المصري)

من جانبه، أفاد حسن الطيب، الخبير البحري ومؤسس جمعية الإنقاذ البحري وحماية البيئة بالبحر الأحمر، لـ«الشرق الأوسط»، بأن العثور على الأشخاص الأحياء في عرض البحر بدأ برصدهم أولاً من جانب الطيران الحربي الذي قام سريعاً بإرسال إشارة للقوات البحرية التي حضرت في المكان ذاته، لافتاً إلى أن عمليات الرصد الجوي والإنقاذ البحري تعمل بكفاءة ليل نهار من دون توقف.

وأعلن المتحدث العسكري للقوات المسلحة، في بيان، أن القيادة العامة للقوات المسلحة كلفت قيادة القوات البحرية بالدفع بعدد من القطع البحرية وطائرات مركز البحث والإنقاذ فور تلقي بلاغ استغاثة من المركب، كما تم تقديم الرعاية الطبية والإدارية اللازمة للناجين، ونقل الحالات التي تستدعي رعاية طبية عاجلة إلى المستشفيات القريبة من موقع الحادث، كما أصدرت القيادة العامة أوامرها للقوات البحرية بتكثيف جهودها لمواصلة عمليات البحث عن باقي المفقودين والناجين.

وقال مصدر مطلع في محافظة البحر الأحمر، لـ«الشرق الأوسط»، إنه تم العثور على الأحياء جنوب مدينة مرسى علم، موضحاً أن ارتداء سترات النجاة كان عاملاً في إنقاذهم، وذلك لقدرتها على الطفو.

ونقلت وسائل إعلام محلية شهادات لناجين من الحادث، وقالت إحدى الناجيات، وهي سائحة بريطانية: «كان الظلام حالكاً، حاولت السباحة لأعلى لكن التيار كان قوياً جداً، وكنت أشعر بالاختناق. ما أنقذني كان سترتي العائمة التي أبقتني على السطح حتى جاءت فرق الإنقاذ».

فيما وصف أحد أفراد الطاقم (مصري) اللحظات الأولى، قائلاً: «كانت الموجة ضخمة بشكل غير طبيعي، ضربت المركب فجأة، وتسببت في اهتزازه بشكل عنيف قبل أن ينقلب. حاولنا تنبيه الركاب، لكن الوقت كان ضيقاً للغاية».

تقديم الرعاية الطبية للناجين (محافظة البحر الأحمر)

وبيّن محافظ البحر الأحمر أن الحادث وقع على بعد 46 ميلاً بحرياً من شاطئ مرسى علم، والمركب يملكه مصري الجنسية، وطوله 34 متراً وعرضه 9.5 متر، وأنه جرت مراجعة الموقف الفني للمركب، وتبين أن آخر تفتيش كان في شهر مارس (آذار) 2024، وحصل على شهادة صلاحية لمدة عام، ولا توجد أي ملاحظات أو عيوب فنية.

من جانبها، وصفت غرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية في مصر حادث المركب بـ«الأليم»، موجهة الشكر للقوات المسلحة والجهات المعنية التي ساهمت بكل ما أتيح لها من قدرة في العثور على المفقودين وإنقاذهم.

وشغل الحادث اهتمامات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغا «#مرسى_علم»، و«غرق_مركب»، قائمة الأعلى تداولاً خلال الساعات الماضية. وتمثلت أبرز التفاعلات في متابعة جهود الإنقاذ أولاً بأول، إلى جانب تناقل أحدث البيانات حول الحادث.

في غضون ذلك، بدأت نيابة البحر الأحمر، تحت إشراف المحامي العام الأول، تحقيقاتها في الحادث، وطلبت الأوراق والمستندات والتصاريح الخاصة بالرحلة، بالإضافة إلى بيانات الركاب المصريين والأجانب وأفراد الطاقم. كما استمعت لأقوال الناجين الذين تم إنقاذهم حول أسباب وملابسات الحادث، وانتقلت إلى مستشفى مرسى علم للاستماع إلى أقوال الناجين من الأجانب وأفراد الطاقم.