نقيب الصحافيين التونسيين لـ«الشرق الأوسط»: نرفض محاكمة الإعلاميين وفق قانون الإرهاب

عشرات الشخصيات العامة أمام المحاكم بسبب «الجرائم الإلكترونية»

نقيب الصحافيين التونسيين زياد الدبار (أرشيف وسائل إعلام تونسية)
نقيب الصحافيين التونسيين زياد الدبار (أرشيف وسائل إعلام تونسية)
TT

نقيب الصحافيين التونسيين لـ«الشرق الأوسط»: نرفض محاكمة الإعلاميين وفق قانون الإرهاب

نقيب الصحافيين التونسيين زياد الدبار (أرشيف وسائل إعلام تونسية)
نقيب الصحافيين التونسيين زياد الدبار (أرشيف وسائل إعلام تونسية)

رحَّب نقيب الصحافيين التونسيين، زياد الدبار، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بقرار الإفراج المشروط عن الإعلامي والقيادي السابق في نقابة الصحافيين، زياد الهاني، بعد نحو أسبوعين من الإيقاف، بعد تصريحات إذاعية أثارت وزيرة بعدها شكوى ضده.

وقد قضت المحكمة بسجن الهاني لمدة ستة أشهر مع إسعافه بـ«تأجيل التنفيذ». ويمكن لمحكمة الاستئناف أن تخفض العقوبة أو أن تضاعفها.

وقد أُحيل الهاني على محكمة عادية، وفق القوانين الجزائية العادية، بتهم تصل عقوبتها إلى 5 أعوام سجناً وخطايا مالية، رغم احتجاجات نقابات الإعلام ومنظمات حقوقية والتجمعات التي شارك فيها أمام مقرات المحكمة أكثر من مائة صحافي وحقوقي طالبوا بإغلاق ملف التحقيقات الأمنية والقضائية مع نحو 30 إعلامياً تونسياً، بينهم اثنان ما زالا في السجن بعد محاكمتهما في «قضايا ذات صبغة أمنية وإرهابية»، هما الصحافية شذى الحاج مبارك والمراسل الإذاعي خليفة القاسمي.

واتُّهمت شذى الحاج مبارك بالتعاون مع «مواقع إلكترونية ومؤسسة إعلامية يُشتبه في تعاملها مع متهمين خطرين في قضايا إرهابية، وفي التآمر على أمن الدولة»، بينهم عدد من كبار المسؤولين السابقين في قطاعات الأمن والمال والأعمال والإعلام وفي البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية، خصوصاً «حزب النهضة الإسلامي»، حسب توضيحات قدمها لـ«الشرق الأوسط»، أحد المحامين المختصين في قضايا المتهمين بالإرهاب، المختار الجماعي.

لافتة تطالب بإطلاق الصحافيين الثلاثة الذين اتُّهموا في «قضايا إرهابية» (أرشيف وسائل إعلام تونسية)

في السياق ذاته، حوكم المراسل الصحافي لـ«إذاعة موزاييك» واسعة الانتشار في تونس، خليفة القاسمي، بالسجن «لمدة 5 أعوام مع النفاذ العاجل»، من قِبَل محكمة الاستئناف التي رفعت الحكم الابتدائي الصادر ضده، الذي نص على سجنه لمدة عام واحد، مع الإبقاء عليه في سراح.

وقضت محكمة الاستئناف ذاتها بسجن عون أمن بتهمة تقديم معلومات أمنية «تخص قضية إرهابية» للمراسل الصحافي القاسمي، دون الحصول على موافقة أو أوامر من رؤسائه في العمل.

عشرات تظاهروا أمام محكمة تونس ضد محاكمة الإعلاميين في قضايا إرهابية وإحرامية (أرشيف وسائل إعلام تونسية)

وقد تجنَّدت مجموعة كبيرة من المحامين والحقوقيين والصحافيين للدفاع عن خليفة القاسمي، لكن السلطات الأمنية والقضائية تمسكت بتسليط عقوبة سجنه عليه، واتهمته بالتسبب في «الكشف عن خبر يهم مجموعة إرهابية»، وعن إلحاق ضرر بعمل القوات الأمنية والسلطات المختصة في مكافحة الإرهاب.

لكن المحامي رحال الجلالي أورد أن الصحافي القاسمي «لم يفتعل خبراً أمنياً يهم قضية إرهابية»، ولكنه نشر معلومات وصلت إليه عن تحركات مجموعة يُشتبه في تورطها بقضية إرهابية، بجهته في محافظة القيروان، 170 كلم جنوب العاصمة تونس.

ونفى أن يكون قد قام بذلك «عن سوء نية»، وإنما نُشِر الخبر في سياق ما تعودت عليه وسائل الإعلام منذ أكثر من 10 أعوام من نشر الأخبار المتداولة عن القضايا الأمنية والإرهابية.

الفصل 24

لكن نقيب الصحافيين التونسيين زياد الدبار ورفاقه في النقابة الوطنية الصحافيين ونقابة الإعلام في «الاتحاد العام التونسي للشغل»، وفي «رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان»، يعترضون على فتح تحقيقات أمنية وقضائية من قِبَل المؤسسات المختصة في الإرهاب وتبييض الأموال والجنايات والجرائم العادية.

وطالبوا مجدداً، في مؤتمرات صحافية انتظمت، أمس، وأول من أمس، بـ«عدم إحالة الإعلاميين والمثقفين والسياسيين والشخصيات العمومية التي تشارك في وسائل الإعلام وفق (القوانين التي تهم الجرائم العادية)».

وأوضح زياد الدبار في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»: «الإعلاميون والمثقفون ليسوا فوق القانون. لكننا نرفض محاكمة من قد يُشتبه بوقوعه في خطأ مهني داخل وسيلة إعلام وفق قوانين الإرهاب وجرائم حق العام الخطيرة التي تنظر فيها منذ أعوام مؤسسات أمنية وقضائية خاصة واستثنائية، من بينها (قطب مكافحة الإرهاب) و(القطب المالي)».

وطالب نقيب الصحافيين في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» باحترام القانونين الخاصين بقضايا الإعلام والإعلاميين الصادرين في 2011، المعروفَين بقانوني 115 و116، اللذين يسمحان بفرض غرامات مالية على الصحافي إن أخطأ دون إحالته على السجن أو على المحاكم التي تنظر في القضايا ذات الصبغة الإرهابية.

وأعلن نقيب الصحافيين في حواره مع «الشرق الأوسط» أن عشرات الإعلاميين، من مؤسسات ومن تيارات مختلفة، أُحيلوا على التحقيق لدى مصالح الأمن والقضاء في قضايا ذات صبغة أمنية وإرهابية، بينهم نحو 30 صحافياً عام 2023.

كما عدّ المحامي الحقوقي اليساري العياشي الهمامي أن تتبع الاتهامات الموجهة إلى الصحافي زياد الهاني وعشرات من الإعلاميين والسياسيين والمحامين والحقوقيين «المتهمين في قضايا إرهاب والتآمر على أمن الدولة»، يجب أن تتوقف في أقرب وقت. وطالَب بالتراجع عن إحالة الإعلاميين والمثقفين والساسة، وفق الفصل 24 من القانون 54 الخاص بـ«الجرائم الإلكترونية» أو «قوانين مجلة الاتصالات».

وأعلن زياد الهاني، بعد الإفراج المشروط عنه، أنه «يطالب بالتراجع عن إحالة الإعلاميين والمثقفين على القضاء وفق قوانين الإرهاب والجرائم العادية، وبالعودة إلى احترام قانوني 115 و116 الصادرين مباشرة بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 قبل 13 عاماً».


مقالات ذات صلة

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

اتهمت تركيا «قسد» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في «قسد» وأكدت تمسكها بعملية عسكرية في شمال سوريا وسط مساعٍ أميركية لمنعها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان ملوحاً بالتحية لمواطنين في أثناء استقبال بهشلي له أمام منزله في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

تركيا: لقاء بين إردوغان وبهشلي وسط جدل حول الحوار مع أوجلان

تشهد تركيا حراكاً مكثفاً حول عملية لحل المشكلة الكردية عبر الحوار مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين عبد الله أوجلان، وانقساماً حول مسألة العفو عنه.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا محمد ديبي ورث حكم تشاد من والده وتمت ترقيته مؤخراً إلى رتبة ماريشال (صحافة محلية)

تحت تأثير الكحول والمخدرات... 24 شخصاً هاجموا القصر الرئاسي في تشاد

استبعدت تشاد أن يكون الهجوم على القصر الرئاسي ليل الأربعاء/الخميس، له أي طابع «إرهابي»، مشيرة إلى أن من نفذوه كانوا مجموعة من الأشخاص في حالة سكر ومسلحين.

الشيخ محمد (نواكشوط )
أوروبا جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)

تحقيقات: القوات الخاصة البريطانية سُمح لها بـ«التملص من القتل» في أفغانستان

الأدلة التي نشرتها لجنة تحقيق رسمية في جرائم الحرب المزعومة ترسم صورة مزعجة لقوة قتالية نخبوية اعتادت ثقافة الإفلات من العقاب في أفغانستان.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن ) «الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن )
آسيا أفراد من الجيش الباكستاني (أرشيفية)

مقتل 3 جنود و19 إرهابياً بعملية أمنية شمال غربي باكستان

قُتل 3 جنود من رجال الأمن الباكستاني، كما قُضي على 19 مسلحاً من العناصر الإرهابية خلال عمليات أمنية واشتباكات وقعت في المناطق الشمالية من باكستان.

«الشرق الأوسط» ( إسلام آباد)

تونس تسرّع وثيرة إقفال ملفات «الفساد والتآمر» على أمن البلاد

الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)
الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)
TT

تونس تسرّع وثيرة إقفال ملفات «الفساد والتآمر» على أمن البلاد

الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)
الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)

كثفت السلطات الأمنية والقضائية التونسية تحركاتها لإسدال الستار على الملفات المتراكمة المتعلقة بالأمن، وفي مقدمها «تفكيك مئات الألغام» الموروثة عن العقود والأعوام الماضية، والقضايا المرفوعة منذ مدة طويلة ضد عشرات المتهمين في قضايا ذات صبغة سياسية - أمنية، بينها «الضلوع في الإرهاب»، و«التآمر على أمن الدولة»، و«الفساد الإداري والمالي».

واجتمع الرئيس التونسي قيس سعيد مؤخراً مع رئيس الحكومة كمال المدوري، ووزيرة العدل ليلى جفال، ووزيري الدفاع والداخلية خالد السهيلي وخالد النوري، وطالب بتبسيط إجراءات التقاضي، وإقفال الملفات الأمنية والعدلية في «أقرب الآجال».

وحدة من قوات مكافحة الإرهاب التونسية (الشرق الأوسط)

كما أعلنت صفحات رئاسة الجمهورية والحكومة عن إصدار أوامر للحكومة «للتحرك بسرعة ونجاعة»، وتجنب «طول الإجراءات والتسويف»، وضمان «نجاعة المسؤولين». وشملت القرارات إدارات الأمن الداخلي والخارجي، وملفات محاربة الإرهاب والمخدرات، والتهريب والجريمة المنظمة.

تأجيل يليه تأجيل

حسب بلاغ نشرته صفحة رئاسة الجمهورية، فقد أمر الرئيس التونسي خلال جلسة عمل مع وزيرة العدل بـ«احترام الزمن القضائي في حسم القضايا المعروضة أمام المحاكم... حتى يأخذ كل ذي حق حقه، وفق القانون الذي يتساوى أمامه جميع المتقاضين»، منتقداً «التأجيل الذي يتلوه تأجيل في بعض القضايا المعروضة منذ أكثر من عشرة أعوام»، بما يوحي بقدر من «تمييع دور العدالة والقضاء».

عبير موسي المعتقلة بتهمة التآمر على أمن البلاد (موقع الحزب)

يُذكر أن دوائر الاتهام وقضاة التحقيق أنهوا مؤخراً الإجراءات التمهيدية لإقفال ملفات التحقيق في قضايا عشرات المتهمين بـ«التآمر على أمن الدولة»، و«الضلوع في الإرهاب»، و«الفساد»، بينهم رجال أعمال وسياسيون وبرلمانيون ووزراء، وأمنيون وعسكريون سابقون، وعدد من قادة الأحزاب السياسية، بينهم عبير موسي زعيمة الحزب «الدستوري»، وراشد الغنوشي وعلي العريض، ونور الدين البحيري والعجمي الوريمي، ومنذر الونيسي عن حزب «النهضة»، وعصام الشابي الأمين العام للحزب «الجمهوري»، وغازي الشواشي عن حزب «التيار الديمقراطي» اليساري، ورضا بالحاج وجوهر بن مبارك وشيماء عيسى ورياض الشعيبي عن جبهة «الخلاص» المعارضة، إضافة لرجلي الأعمال المثيرين للجدل والسياسيين المستقلين كمال اللطيف وخيام التركي. علماً بأن متهمين آخرين أحيلوا أمام محاكم أخرى، بعد أن وجهت إليهم اتهامات مختلفة، تصل عقوبتها للإعدام.

عسكريون ضحايا الإرهاب

في أعقاب جلسات عمل جديدة مع وزراء الدفاع والعدل والداخلية، أمر الرئيس التونسي بتسوية وضعيات عائلات ضحايا الإرهاب والعنف من الأمنيين والعسكريين والمدنيين، وتفعيل مؤسسة «فدا»، التي أحدثتها الدولة قبل نحو عامين لهذا الغرض.

راشد الغنوشي المعتقل بتهمة الإرهاب (د.ب.أ)

كما أمر الرئيس سعيد بتسوية ملفات مئات الجرحى، وعائلات شهداء انتفاضة 2010 -2011، خاصة من عرفوا بـ«شهداء الثورة وجرحاها»، وهم بضعة مئات ممن أصيبوا بالرصاص أثناء المواجهات مع قوات الأمن خلال الأسابيع الأخيرة من حكم الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي.

وكانت الحكومات والبرلمانات والمحاكم، ومنظمات المجتمع المدني، قد دخلت منذ عام 2011 في جدال سياسي قانوني حول العدد الحقيقي لمن يمكن وصفهم بـ«شهداء الثورة وجرحاها». كما ظلت عائلات عشرات الأمنيين الذين قتلوا، أو أصيبوا بجراح خطيرة خلال المواجهات مع المسلحين والعصابات الإرهابية منذ 2011 دون سند مالي واجتماعي، إلى أن أحدثت رئاسة الجمهورية قبل عامين مؤسسة «فدا»، وقررت التكفل بكل الحالات الإنسانية مالياً واجتماعياً.

تفكيك الألغام الموروثة

أعلن وزير الدفاع الوطني قبل أيام أمام البرلمان أن القوات المسلحة تابعت طوال عام 2014 تحركاتها لتفكيك الألغام القديمة والجديدة، من بينها «ألغام يدوية الصنع» موروثة عن مرحلة الصراع بين السلطات والمجموعات المسلحة الإرهابية في جبال المحافظات الغربية للبلاد، والتي تسببت مراراً في مقتل أمنيين وعسكريين وتفجير عرباتهم.

ورغم تنويه السلطات الأمنية بنجاحها خلال العشرية الماضية في القضاء على أكثر من 90 في المائة من نشطاء المجموعات المسلحة، التي تنتمي إلى «تنظيم داعش»، و«القاعدة» وغير ذلك، فقد ظلت ألغام تنفجر وتتسبب في سقوط قتلى وجرحى بين الرعاة والسكان والأمنيين خلال عبورهم تلك الجبال.

ولذلك نظمت حملة واسعة خلال الأشهر الماضية أسفرت عن تفجير حوالي 500 لغم، أغلبها يدوية الصنع.

عدد من المتهمين بالتآمر ضد أمن الدولة (الموقع الرسمي لغازي الشواشي)

وأعلنت مصادر أمنية أنه في سياق الجهود المتواصلة للتصدي للعناصر المتطرفة، تم في محافظة سوسة اعتقال تكفيرييْن، كانا في حالة فرار، بعد أن وجهت إليهما تهمة «الانتماء إلى تنظيم إرهابي»، دون الكشف عن اسم هذا التنظيم.

وأسفرت الحملات الأمنية خلال الأشهر الثلاثة الماضية عن إيقاف عشرات المتهمين في قضايا مماثلة تحال على دوائر مكافحة الإرهاب والفساد، وتبييض الأموال، وتهريب السلع والمهاجرين غير النظاميين. لكن طالبت عدة شخصيات حقوقية مستقلة، وقيادات سياسية، ومنظمات نقابية وحقوقية مواقف بالإفراج عن غالبية الموقوفين، وإحالتهم إن لزم الأمر على القضاء في حالة سراح.