سودانيون يخشون حرباً أهلية مدمرة مع زيادة الاستنفار وتسليح المدنيين

سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)
سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يخشون حرباً أهلية مدمرة مع زيادة الاستنفار وتسليح المدنيين

سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)
سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)

مع اتساع دائرة التسليح والاستنفار للانضمام إلى صفوف القوات المسلحة السودانية، في جميع المدن الخاضعة لسيطرة الجيش، في إطار ما تُعرف بـ«المقاومة الشعبية»، تزداد مخاوف سودانيين من اندلاع حرب أهلية.

وقال أيمن الزين الذي التحق بمعسكر للتجنيد في ولاية نهر النيل شمال البلاد، إنه حصل على قطعة سلاح، وبدأ التدّرب على إطلاق النار للدفاع عن أهالي المنطقة؛ خصوصاً النساء والأطفال، مما سمّاها «انتهاكات» قوات «الدعم السريع»، وفقاً لما ذكرته «وكالة أنباء العالم العربي».

تصاعد الدخان جراء اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في الخرطوم (أرشيفية- أ.ف.ب)

وأضاف: «نحن الآن جاهزون ومستعدون لأي احتمالات إذا تقدَّم المتمردون إلى منطقتنا؛ وسندافع عن أنفسنا وأعراضنا بكل ما أوتينا من قوة».

وتنشط ما تُعرف بـ«المقاومة الشعبية» في حشد الأهالي وتدريبهم على حمل السلاح في مناطق سيطرة الجيش؛ حيث انضم إلى صفوفها آلاف في ولايتي نهر النيل والشمالية شمال السودان، وفي سنار والقضارف وكسلا وبورتسودان في الشرق، وفي النيل الأبيض وسط البلاد، للمشاركة مع القوات المسلحة في معركتها ضد قوات «الدعم السريع».

وقال الزين: «معظم سكان مدينة شندي (في ولاية نهر النيل) استجابوا لنداء الوطن... الجميع يحملون سلاحهم طوال اليوم، حتى في الأسواق والمحال التجارية. نتوقع هجوم (الدعم السريع) في أي لحظة؛ خصوصاً بعد تمكنهم من دخول مدينة ود مدني بسهولة ودون مقاومة تذكر».

وشهدت مناطق متفرقة من ضواحي العاصمة الخرطوم غارات مكثفة للطيران الحربي للجيش السوداني أمس (السبت)، استهدفت مواقع سيطرة قوات «الدعم السريع».

وقال موقع «راديو دبنقا» الإخباري السوداني: «حلقت الطائرات المُسيَّرة والحربية بأحياء الخرطوم شرق وجنوب الحزام التي استهدفها الطيران بالبراميل المتفجرة... وردت قوات (الدعم السريع) بالمضادات الأرضية، بجانب استخدام مدافع (الهاون) التي استهدفت محيط القيادة العامة وسلاح الإشارة».

سيناريو ود مدني

ويشير الزين إلى أنه قرر حمل السلاح والدفاع عن أهالي منطقته، خشية تكرار سيناريو مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان التي سيطرت عليها قوات «الدعم السريع» الشهر الماضي، عقب انسحاب الجيش منها.

وكانت قوات «الدعم السريع» قد سيطرت على ولاية الجزيرة قبل أيام، وأحكمت قبضتها على 4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور الواقع غرب السودان، بما في ذلك فِرق ومقرات الجيش، إلى جانب سيطرتها على أجزاء واسعة من الخرطوم وإقليم كردفان.

الحرب السودانية طالت مناطق عدة من البلاد (رويترز)

وأعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ترحيبه بالمقاومة الشعبية، قائلاً: «سنسلّحهم؛ وأي سلاح عندنا سنعطيه لهم؛ لكن يجب أن يُقنَّن ويُسجَّل عند القوات النظامية، حتى لا يُحدث مشكلة مستقبلاً».

وقال البرهان في كلمة أمام قوات الجيش، في قاعدة جبيت العسكرية شرق السودان، يوم الجمعة: «أي منطقة بها مواجهة أو متوقع أن يذهب إليها العدو لينهب بيوتها، سنعطيهم السلاح، وكان عندهم سلاح يجيبوه (فليحضروه). السودان الآن في معركة يكون أو لا يكون، والشعب في تحدٍّ: أن يعيش بكرامة أو تحت العبودية والاستعمار».

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان توعد بمواصلة القتال (أ.ف.ب)

وأضاف: «الشعب السوداني يقف مع القوات المسلحة، ويريد أن يتسلح ويقاتل ليحمي البلد مع الجيش... الشباب الذين انضموا إلى المقاومة الشعبية، نقول لهم: تعالوا وقاتلوا مع الجيش؛ وأي شخص يستطيع حمل السلاح فليأتِ».

وفي كلمة مصورة نشرها عبر حسابه على منصة «إكس» يوم الاثنين الماضي، في ذكرى استقلال السودان، قال قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) إن قواته «مصممة وقادرة على ملاحقة الانقلابيين المستنفرين الذين يدقون طبول الحرب، أينما وجدوا في بلادنا».

وأضاف: «بعد 9 أشهر من الانتصارات العسكرية المتواصلة، وهزيمة العدو في الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة، يجب عليهم الإقرار علناً بأنهم قد خسروا هذه الحرب وفشلوا فيها؛ وعليهم التوقف عن الاستنفار والقتال وتدمير البلاد، والتمهيد لإنهاء الحرب وبدء العملية السياسية».

وكانت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، وقوات «الدعم السريع» قد وقَّعتا اتفاقاً في أديس أبابا يوم الثلاثاء الماضي، من أجل إنهاء الحرب عبر التفاوض بين طرفي القتال والقوى المدنية.

وقالت «تقدم» في بيان عقب توقيع إعلان أديس أبابا، إن «الدعم السريع» أعلن استعداده التام لوقف غير مشروط للقتال عبر التفاوض المباشر مع القوات المسلحة؛ ووصفت ذلك بأنه «فرصة حقيقية للسلام»، قائلة إنها ستسعى لاغتنامها عبر «تكثيف التواصل مع قيادة القوات المسلحة، لحثها على الجلوس لاجتماع عاجل».

غير أن البرهان أكد في كلمته أمام قوات الجيش بقاعدة جبيت رفضه لاتفاق أديس أبابا، قائلاً: «نقول للسياسيين الذين وقَّعوا اتفاقاً مع (الدعم السريع)... أنتم مخطئون... اتفقتم مع جهة متمردة... مع جهة نعتبرها خارجة عن القانون، والعالم يعدها جماعة إرهابية».

تحذيرات من حرب أهلية

ويُحذّر البعض من أن تسليح المدنيين قد يقود إلى حرب أهلية تُدخل البلاد في فوضى يصعب احتواؤها.

من بين هؤلاء إبراهيم عبد المحمود، وهو موظف سوداني؛ حيث قال في حوار أجرته معه «وكالة أنباء العالم العربي»: «ليس هناك أدنى شك في أن عمليات تسليح المدنيين ستقود إلى حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس».

ويرى عبد المحمود أن قيادات جماعة «الإخوان المسلمين» تقف وراء دعوات تسليح المدنيين «لجر البلاد إلى الفوضى»، حسب وصفه.

وقال: «(كتيبة البراء بن مالك) -وهي إحدى كتائب (الإخوان المسلمين) التي تساند الجيش- بمثابة تغيير جلد لعناصر النظام السابق؛ حيث تتخفى خلف المقاومة الشعبية... وهي خطرة جداً على أمن وسلامة البلد».

أما مرتضى أحمد الذي نزح من الخرطوم إلى مدينة سنار جنوب شرقي البلاد، ومنها إلى بورتسودان شرقاً، فقد عبَّر عن خيبة أمله الشديدة بعد كلمة قائد الجيش الأخيرة، لما تضمنته في رأيه من «مؤشرات سالبة» تجاه عملية السلام.

وقال مرتضى: «بدأت أتحسس جواز سفري تأهباً لمغادرة البلاد، بعد أن كنت متشبثاً بأمل وقف الحرب».

واعتبر أحمد أن مضمون خطاب البرهان واللهجة التي تحدث بها يوحيان باستمرار الحرب لسنوات قادمة؛ خصوصاً بعد تأكيده على مسألة تسليح المواطنين، وانخراطهم فيما تسمى «المقاومة الشعبية»، وهي «مزيد من صب الزيت على النار، ومن شأنها رفع وتيرة العنف في البلاد»، حسب قوله.

جنود من الجيش السوداني خلال دورية في ولاية القضارف بشرق البلاد (أ.ف.ب)

وأضاف: «يريد قادة الجيش أن يُقحِموا المواطنين في صراع عسكري هم ليسوا طرفاً فيه؛ وما يجري الآن من استنفار وتسليح للمدنيين، نخشى أن يتسبب في حرب أهلية شاملة، ويجب أن يتوقف هذا الأمر».

واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي، بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين بسبب خلافات حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دولياً.

وأدى القتال إلى نزوح أكثر من 7.2 مليون شخص داخل السودان وخارجه، ومقتل نحو 12 ألف شخص، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة.


مقالات ذات صلة

مباحثات أفريقية رفيعة لوقف حرب السودان

شمال افريقيا اجتماع سابق لمجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي (أرشيفية - الخارجية المصرية)

مباحثات أفريقية رفيعة لوقف حرب السودان

يُجري وفد من «مجلس الأمن والسلم الأفريقي»، الذي وصل إلى بورتسودان للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، مباحثات مع المسؤولين السودانيين تتعلق بسبل إنهاء الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (إ.ب.أ)

ترتيب أميركي لقوات أفريقية إلى السودان

أعلن المبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيريللو، عن خطوات وترتيبات لوقف الحرب، تتمثل في إعداد «قوات تدخل» أفريقية لحماية المدنيين في السودان، بعد تعثر محادثات.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (إ.ب.أ)

المبعوث الأميركي يرتب لإرسال قوات أفريقية لحماية المدنيين في السودان

كشف المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، عن خطوة جديدة في المرحلة المقبلة تتعلق بوقف النزاع في السودان.

محمد أمين ياسين
شمال افريقيا امرأة وطفلها في مخيم «زمزم» للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان مطلع العام (رويترز)

السودان بين أعلى 4 دول تعاني «سوء التغذية الحاد»

رسمت منظمة تابعة للأمم المتحدة صورة قاتمة للأوضاع الإنسانية في السودان، وصنّفته بين الدول الأربع الأولى في العالم التي ينتشر فيها سوء التغذية الحاد.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الدخان يتصاعد نتيجة القتال في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

السودان: اتهامات لكتائب موالية للجيش بـ«إعدام العشرات» جماعياً

وجه نشطاء حقوقيون سودانيون اتهامات لكتائب موالية للجيش وأفراد يرتدون الزي العسكري له بارتكاب ما وصفوه بـ«انتهاكات جسيمة» تضمنت عمليات «إعدام جماعي لعشرات».

محمد أمين ياسين (نيروبي)

القاهرة تتابع ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك

مقر وزارة الخارجية المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)
مقر وزارة الخارجية المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تتابع ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك

مقر وزارة الخارجية المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)
مقر وزارة الخارجية المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)

تتابع وزارة الخارجية والهجرة المصرية ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك، حيث طالب وزير الخارجية والهجرة المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، السفارة المصرية لدى المكسيك بـ«متابعة الواقعة والتواصل مع السلطات المكسيكية للوقوف على أسباب الحادث».

وأكدت «الخارجية المصرية» في إفادة، الجمعة، تواصُل القطاع القنصلي مع السلطات في المكسيك بشأن الحادث. وقدمت الوزارة التعازي والمواساة لأسر الضحايا، بينما لم تحدد «الخارجية» أعداد المصريين المتوفين في الحادث بالمكسيك.

ووفق تقارير إعلامية محلية، الجمعة، فإن الحادث «نتج عن إطلاق نار من قوات الجيش المكسيكي على شاحنتين»، ذكرت التقارير «أنهما (أي الشاحنتين) تُقلان أعداداً من المهاجرين من جنسيات مختلفة كانوا في طريقهم إلى الولايات المتحدة الأميركية عبر حدود المكسيك». وتحدثت التقارير أيضاً عن أن المصريين الذين تُوفوا وأصيبوا في الحادث «من عائلة واحدة». وبحسب التقارير الإعلامية، فإن إطلاق النار على الشاحنتين «يرجع إلى اعتقاد الجنود المكسيكيين أن الشاحنتين تتبعان عصابات إجرامية».

وقالت مساعدة وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة هاجر الإسلامبولي لـ«الشرق الأوسط»، إن السفارة المصرية تتواصل مع السلطات المكسيكية للاطلاع على بيانات المصريين المتوفين، وتسهيل إجراءات إنهاء عودة الجثامين لمصر بالتنسيق مع عائلاتهم حال رغبوا في ذلك، لافتة إلى أن «التحرك الدبلوماسي يكون عبر السفارة ووزارة الخارجية المكسيكية، بالإضافة إلى الجهات الأمنية هناك».

وبحسب الإسلامبولي فإن «الحدود المكسيكية تشهد تدفق كثير من المهاجرين للوصول إلى الولايات المتحدة»، مشيرة إلى «وجود عصابات منظمة في هذه المنطقة تستقطب المهاجرين من مختلف أنحاء العالم مع وعدهم بالوصول إلى الولايات المتحدة بشكل أسهل ومن دون أوراق»، لافتة إلى أن «الشريط الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك يشهد حوادث متكررة مرتبطة بإطلاق النار».

وأوقفت مصر إقلاع مراكب «الهجرة غير المشروعة» من المدن المطلة على ساحل البحر المتوسط باتجاه أوروبا منذ سنوات عدة، وقامت بمبادرات عدة لمنع عمليات «الهجرة غير النظامية» مع إحكام إجراءات المراقبة على حركة السفن التي كانت تُستخدم في عمليات الهجرة، في وقت تعمل فيه الحكومة المصرية على إقرار برامج هجرة قانونية مع دول أوروبية عدة، من بينها إيطاليا واليونان.

وهنا أشارت مساعدة وزير الخارجية المصري الأسبق إلى «سهولة الحصول على تأشيرة المكسيك بشكل كبير لأغراض السياحة مقارنة بالتأشيرة الخاصة بالولايات المتحدة بالنسبة للمصريين»، الأمر الذي ربما تكون عصابات الهجرة قد استغلته لإقناع المصريين الضحايا بالهجرة عبر هذا المسار، لافتة إلى أن «المخاطر الموجودة في هذه المسارات غير القانونية والأموال الكبيرة التي تُدفع فيها، تجعلان من الضروري التفكير جيداً قبل الإقدام على هذه الخطوة غير المحسوبة».