الوساطة المصرية في «حرب غزة»... لا رفض معلناً ولا قبول رسمياً

تأكيدات بالقاهرة بعدم توقفها رغم «تعقيدات» ما بعد اغتيال العاروري

فلسطينيون يفرون من الهجوم البري الإسرائيلي في وسط قطاع غزة ويتجهون جنوباً عبر دير البلح (أ.ب)
فلسطينيون يفرون من الهجوم البري الإسرائيلي في وسط قطاع غزة ويتجهون جنوباً عبر دير البلح (أ.ب)
TT

الوساطة المصرية في «حرب غزة»... لا رفض معلناً ولا قبول رسمياً

فلسطينيون يفرون من الهجوم البري الإسرائيلي في وسط قطاع غزة ويتجهون جنوباً عبر دير البلح (أ.ب)
فلسطينيون يفرون من الهجوم البري الإسرائيلي في وسط قطاع غزة ويتجهون جنوباً عبر دير البلح (أ.ب)

رغم ما تواجهه جهود الوساطة المصرية من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة من عقبات، خصوصاً في أعقاب اغتيال القيادي في حركة «حماس» صالح العاروري، في بيروت، الأسبوع الماضي، فإن القاهرة لا تزال تؤكد أنها ماضية باتجاه حث الأطراف المعنية على الانخراط في «مسار تفاوضي» يفضي إلى إنهاء الحرب في غزة التي دخلت شهرها الرابع، مخلفةً حصيلة غير مسبوقة من الخسائر البشرية والدمار الهائل بالقطاع.

وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، إن بلاده تقدمت بإطار مقترح يتكون من 3 مراحل، لوقف إطلاق النار في غزة ضمن جهود الوساطة السياسية. وأشار في تصريحات متلفزة، مساء الجمعة، إلى أن «المقترح المصري أرسل إلى الأطراف المباشرة والشركاء الدوليين بعد مناقشات ‏عدة مع الأطراف الفلسطينية المعنية على مدى جلسات طويلة في القاهرة».‏

ولفت رشوان إلى عدم تلقي مصر أي ردود، ‏سواء بالرفض أو القبول حتى اليوم السابق لاغتيال العاروري، ‏قائلاً: «كان التفسير المصري آنذاك أن عدم الرد بالرفض يعني أن هناك دراسة جدية».‏ وأضاف أن اغتيال صالح العاروري، الثلاثاء الماضي، «يبدو أنه عقّد الأمور»، مع الأخذ في الاعتبار ما يحدث أيضاً في ‏باب المندب من تصعيد، وكذلك الوضع بالعراق وجنوب لبنان.‏

وتابع رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر: «يبدو أن الأطراف تعالج أشياء أخرى غير هذا الاقتراح، لكن حتى الآن لم يأت رفض، حدث تعديل من بعض ‏الدول لكن لم يبلغ رسمياً إلى مصر». ونوه رشوان بأن الاقتراح المصري ينتهي إلى وقف إطلاق النار من دون الحديث عن ‏مستقبل غزة ما بعد الحرب، نافياً صحة ما تداولته بعض وسائل الإعلام الدولية عن وقف مصر وساطتها عقب اغتيال إسرائيل العاروري، ‏قائلاً: «ما أشيع كلام غير دقيق».‏

أقارب قتلى سقطوا في قصف إسرائيلي على منزل بخان يونس اليوم السبت (إ.ب.أ)

لا بديل للمسار التفاوضي

كانت هيئة البث الإسرائيلية «مكان» نقلت، الأسبوع الماضي، أن مصر أبلغت الحكومة الإسرائيلية بتجميد مشاركتها في الوساطة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وذلك رداً على اغتيال العاروري، إلا أن مصدراً مصرياً رفيع المستوى أفاد في تصريحات تناقلتها وسائل إعلام مصرية، يوم الأربعاء، بأنه «لا يوجد بديل عن المسار التفاوضي لحل الأزمة في قطاع غزة»، مشدداً على أنه في حالة عدم وساطة مصر «قد تزداد حدة الأزمة وتتفاقم بما يتجاوز تقديرات كافة الأطراف».

واستضافت القاهرة، الشهر الماضي، وفوداً من حركتي «حماس» و«الجهاد»، حيث أجرى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، والأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة، محادثات مع المسؤولين المصريين حول المقترح المصري لوقف الحرب، كما استقبلت القاهرة في زيارة منفصلة، رئيس الاستخبارات الفلسطينية، ماجد فرج، لمناقشة بعض بنود الطرح المصري.

عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم نور شمس للاجئين بالضفة الغربية في وقت سابق (إ.ب.أ)

من جانبه، أشار خبير الشؤون الإسرائيلية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، سعيد عكاشة، إلى أن الصعوبات التي تواجهها جهود الوساطة المصرية - القطرية تمثل «أمراً واقعاً»، لافتاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى التأثير السلبي لعملية اغتيال العاروري على الموقف الراهن، إضافة إلى حالة الانقسام العميقة التي تعانيها الحكومة الإسرائيلية.

إلا أن عكاشة يرى أن تلك الصعوبات «لن تدوم طويلاً»، وأن هناك ما وصفه بطلب وإلحاح بشأن استمرار الوساطة المصرية التي تمثل طرحاً مهماً لإخراج جميع الأطراف من المأزق الراهن، مشدداً على أن بديل غياب الوساطة المصرية هو «الاتجاه نحو مزيد من التصعيد والتوتر على مختلف الأصعدة، إضافة إلى اتجاه حكومة الحرب الإسرائيلية نحو مضاعفة معدلات العنف ضد سكان قطاع غزة في محاولة للوصول إلى المحتجزين بالقطاع بأي صورة، والسعي لتحقيق ما يمكن أن تصفه بالانتصار».

وتزامن التأكيد المصري على عدم وقف جهود الوساطة في قطاع غزة مع جولة شرق أوسطية لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وكذلك مع طرح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، خطة لم تتبنها الحكومة الإسرائيلية بعد تقضي بأن يحتفظ الاحتلال بالسيطرة الأمنية على غزة، لكن مع وجود هيئة فلسطينية غير محددة تدير القطاع بتوجيه إسرائيلي، وأن تتولى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والشركاء الإقليميون مسؤولية إعادة إعمار القطاع.

دبابة إسرائيلية تعمل بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة (رويترز)

خطة غالانت

وبموجب خطة غالانت، فإن الهجوم الإسرائيلي على غزة سيستمر حتى يتم إطلاق سراح المحتجزين لدى «حماس»، وتفكيك القدرات العسكرية والحكومية للحركة. وتختلف الخطة التي حددها غالانت عن الدعوات الأميركية لإعادة تنشيط السلطة الفلسطينية لإدارة غزة، إلى جانب الضفة بعد توحيدهما، وبدء مفاوضات جديدة نحو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.

ورأى أستاذ العلاقات الدولية والسياسي الفلسطيني، أسامة شعث، أن كل ما تطرحه إسرائيل بشأن مستقبل القطاع هو «أمر يخصها»، محذراً من خطورة استبعاد الفلسطينيين من إدارة شؤونهم. وشدد شعث على «أهمية استمرار الجهود المصرية بشأن التهدئة في قطاع غزة، وطرح رؤى تعبر عن توافق فلسطيني وإقليمي»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «ترك الساحة خالية أمام الأفكار الإسرائيلية والأميركية لطرح ما يعبر عن مصالحهم ولا يتناسب مع المصالح الفلسطينية، هو أمر من شأنه ألا يوفر حلاً للصراع، بل يدفع نحو تفاقمه والإمعان في إهدار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني».

وحسب تحليل لصحيفة «الغارديان» البريطانية، فإنه من المتوقع أن يمارس وزير الخارجية الأميركي خلال زيارته المقبلة لإسرائيل ضغوطاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين في غزة، والسماح بوصول المزيد من المساعدات إلى القطاع، وكبح جماح وزراء اليمين الذين دعوا إلى «التهجير الجماعي للفلسطينيين»، وهي الدعوات التي أدانتها الولايات المتحدة، ووصفتها بأنها «تحريضية وغير مسؤولة». وتشمل جولة بلينكن التي تعد الرابعة له بالمنطقة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والضفة الغربية، وتركيا، واليونان، بالإضافة إلى إسرائيل، وفق ما أعلنته الخارجية الأميركية.


مقالات ذات صلة

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز) play-circle

إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

رفضت إسرائيل إدانة صادرة عن 14 دولة لقرارها إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، ووصفت الانتقادات بأنها تنطوي على «تمييز ضد اليهود».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب) play-circle

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

ندّدت 14 دولة من بينها فرنسا وبريطانيا، الأربعاء، بإقرار إسرائيل الأخير إنشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلة داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عنه

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز) play-circle

الرئيس الفلسطيني: ماضون في تنفيذ برنامج إصلاحي شامل

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بيان اليوم الأربعاء، إن السلطة ماضية في تنفيذ برنامج إصلاحي وطني شامل، يهدف إلى تطوير وتحديث المنظومة القانونية والمؤسسية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي الآليات الإسرائيلية تقوم بهدم المبنى السكني في القدس الشرقية (رويترز)

إسرائيل تهدم مبنى سكنياً في القدس الشرقية... وتهجّر عشرات الفلسطينيين

شرعت آليات إسرائيلية، الاثنين، في هدم مبنى من 4 طوابق في القدس الشرقية يقطنه أكثر من 100 فلسطيني بحجة البناء دون ترخيص، في خطوة اعتبرها سكان «مأساة».

«الشرق الأوسط» (القدس)

مصر تُعوّل على تغليظ عقوبات «المخالفات المرورية» للحد من حوادث السيارات

الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
TT

مصر تُعوّل على تغليظ عقوبات «المخالفات المرورية» للحد من حوادث السيارات

الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)

تسعى مصر إلى الحد من حوادث السيارات عبر زيادة الغرامات وتغليظ العقوبات على المخالفات المرورية، وذلك من خلال تعديلات على بعض مواد «قانون المرور» أقرتها الحكومة تمهيداً لإحالتها إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).

ووافق مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، على تعديلات لبعض أحكام «قانون المرور»، مؤكداً أنها تهدف «إلى تعزيز إجراءات الردع العام، والحد من حوادث الطرق والمواصلات العامة بوجه عام»، وذلك وفق بيان حكومي استعرض تفاصيل المواد التي جرى اقتراح تعديلها.

وبلغ عدد وفيات حوادث الطرق في مصر 5260 حالة خلال العام الماضي، مقابل 5861 حالة في عام 2023، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 10.3 في المائة. في حين ارتفع عدد المصابين إلى نحو 76362 مصاباً، مقارنة بـ71016 مصاباً خلال العام الذي سبقه، بنسبة زيادة بلغت 7.5 في المائة، وذلك وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة في مايو (أيار) الماضي.

ومن بين أبرز التعديلات التي أقرتها الحكومة تشديد العقوبات الخاصة بتسيير المركبات دون ترخيص أو بعد انتهاء الترخيص؛ حيث نصّت «على الضبط الإداري للمركبة، واستحقاق الضريبة السنوية كاملة عن فترة المخالفة، إلى جانب ضريبة إضافية تعادل ثلث الضريبة الأصلية، وذلك بحد أقصى 5 سنوات».

كما تم رفع قيمة الغرامات المفروضة على مخالفة مسارات السير، أو تجاوز السرعات المقررة، لتتراوح بين 2000 و10 آلاف جنيه (الدولار يساوي 47.5 جنيه في البنوك).

تطوير شبكة الطرق ليس كافياً للحد من حوادث السيارات في مصر (وزارة النقل المصرية)

ووصفت عضو لجنة «النقل والمواصلات» بمجلس النواب فريدة الشوباشي «التعديلات المقترحة بالإيجابية، في ظل الحاجة لترسيخ ثقافة الانضباط المروري التي تسمح بالحد من الحوادث».

وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الغرامات المالية الضئيلة في بعض المخالفات المرورية شجّعت كثيرين على التمادي في المخالفات، لافتة إلى أن بعض المخالفات التي يجري تحصيلها عن الحمولات الزائدة لسيارات النقل الثقيل، على سبيل المثال، أقل بكثير من الأضرار التي تسببها على الطرق، بالإضافة إلى خطورة الأمر من ناحية السلامة.

وشملت التعديلات التي أقرتها الحكومة «تغليظ العقوبات المتعلقة بتلويث الطرق أو قيادة مركبات تصدر أصواتاً مزعجة أو أدخنة كثيفة أو تحمل حمولات غير مؤمنة، لتبدأ العقوبة بغرامة مالية، وتتضاعف في حال تكرار المخالفة، مع سحب رخصة القيادة لمدة عام عند تكرارها للمرة الثالثة خلال المدد المحددة قانوناً».

كما نصت مواد أخرى على «الحبس أو الغرامة، أو الجمع بينهما، في حالات محددة مثل القيادة دون الحصول على رخصة تسيير أو رخصة قيادة، أو التلاعب باللوحات المعدنية، أو تعمد تعطيل حركة المرور، أو الاعتداء على أحد أفراد المرور أثناء تأدية عمله، مع مضاعفة العقوبة في حال تكرار المخالفة»، وفق بيان صادر عن مجلس الوزراء المصري الأربعاء.

وأكد مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع الشرطة المتخصصة، مدحت قريطم، لـ«الشرق الأوسط»، أن التعديلات جاءت استجابة لدراسات أجرتها وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أنها ستُسهم حتماً، عند بدء تطبيقها، في الحد من الحوادث، لكنها لن تكون كافية ما لم تُستكمل بمنظومة متابعة شاملة لكل الجوانب المرتبطة بالمركبات، بما في ذلك رخص القيادة، ومدد عمل السيارات على الطرق، والفحص الدوري للتأكد من صلاحيتها للسير.

وتوقع قريطم أن يُجري البرلمان، خلال مناقشة القانون، تعديلات إضافية، في إطار التوجه نحو تغليظ العقوبات، عادّاً أن هذه التعديلات تُمثل «حلاً مؤقتاً» إلى حين إقرار قانون المرور الجديد، الذي جرى إعداده بالفعل، إلا أن إصداره تأخر لأسباب تتعلق بالبنية التكنولوجية الواجب توافرها التي شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الماضية.

ونفّذت مصر خلال العقد الماضي «المشروع القومي للطرق» لتحسين جودتها، إلى جانب تدشين طرق جديدة. ووفق بيان سابق لوزارة النقل، فإن المشروع أدّى إلى وجود مصر في المركز الـ18 عالمياً العام الماضي بمؤشر جودة الطرق الصادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي»، بعدما كانت تحتل المركز الـ118 عام 2015.


تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)

نقلت السلطات التركية إلى سلطات غرب ليبيا، الخميس، تأكيدها أنها ستقدم «تقريراً كاملاً» حول لغز الطائرة المنكوبة التي كانت تقلّ رئيس الأركان العامة الفريق أول محمد الحداد، ورئيس أركان القوات البرية الفريق ركن الفيتوري غريبيل، وثلاثة من مرافقيهم، والتي سقطت بعد إقلاعها بقليل من تركيا، وتناثر حطامها في الأنحاء.

واستقبل محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، في مكتبه بالعاصمة طرابلس، الخميس، السفير التركي لدى ليبيا، غوفين بيجيتش، ووفداً مرافقاً له؛ وذلك لتقديم تعازي القيادة التركية إلى المنفي والشعب الليبي في الحادث الأليم الذي أودى بالفريق أول محمد الحداد ومرافقيهم.

ونقل مكتب المنفي أن السفير التركي أعرب عن «بالغ الأسى والتأثر لهذا الحدث المؤلم»، مؤكداً «مواصلة السلطات التركية التحقيقات في ملف الحادث، وتقديم تقرير كامل حولها بعد اكتمال التحقيقات الجارية».

الوفد التركي خلال زيارته للمنفي (المجلس الرئاسي الليبي)

وقال مصدر مقرب من المجلس الرئاسي لـ«الشرق الأوسط» إن جهات التحقيق الليبية والتركية تعمل معاً لكشف ملابسات سقوط الطائرة، وما يكتنف ذلك من غموض، لكنه أشار إلى أن «تأخر صدور نتائج عينات الحمض النووي ومطابقتها مع ذوي الضحايا تسبب في تأجيل تأبين الضحايا، الذي كان مقرراً ظهر الخميس في أنقرة»، لافتاً إلى أن أسرة الحداد غادرت تركيا، بعد انتهاء إجراءات عينات الحمض النووي، وهو ما أكدته وسائل إعلام محلية.

وأسفر الحادث أيضاً عن وفاة مدير جهاز التصنيع العسكري، العميد محمود القطيوي، إضافة إلى مستشار رئيس الأركان محمد العصاوي، والمصور بمكتب إعلام رئيس الأركان العامة محمد عمر أحمد محجوب.

وانضم وفد ليبي، الخميس، إلى جهات التحقيق العاملة في تركيا لفك لغز سقوط الطائرة، وقالت حكومة «الوحدة» إن وزير المواصلات دفع بوفد للمشاركة ومتابعة مستجدات التحقيق في الحادثة، وجمع البيانات والمعلومات الدقيقة، المتعلقة بخلفيات وملابسات الحادث. ونص القرار على أن يقدم الوفد تقريراً مفصلاً عن نتائج المهمة «بشكل عاجل فور العودة من انتهاء المهمة».

وقالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة إن اللجنة الليبية المشكّلة، والتي وصلت تركيا بعد الحادث بساعات، تباشر مهامها في التحقيق بالتعاون الكامل مع السلطات المختصة في جمهورية تركيا، وتبادل جميع المعلومات ذات الصلة بالحادث، مشيرة إلى أن فريق اللجنة يواصل العمل على استكمال الإجراءات اللازمة لنقل جثامين الشهداء إلى أرض الوطن، واتخاذ التدابير الفنية لأخذ عينات الحمض النووي (DNA) من الجثامين، ومقارنتها بعينات ذوي الشهداء وفق المعايير المعتمدة. ولفتت إلى أن مهام اللجنة تشمل كذلك مواصلة أعمال البحث والتحري عن حطام الطائرة، وذلك في إطار استكمال مجريات التحقيق والكشف عن ملابسات الحادث.

بدوره، قدم مجلس النواب التعزية في وفاة الحداد والفيتوري غريبيل ومرافقيهما، الذين توفوا في حادثة تحطم الطائرة.


سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
TT

سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)

بينما تُسابق جهات التحقيق الزمن في تركيا لفك لغز الحادث، الذي أدى لسقوط الطائرة، التي كانت تقل الفريق محمد الحداد، رئيس أركان قوات غرب ليبيا ومرافقيه خلال رحلة العودة من أنقرة إلى طرابلس؛ أحيا هذا الحادث هاجس ونظريات «المؤامرة» في بلد يخنقه التشظي، وضاعف التساؤلات الحارقة التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.

فتح الجراح القديمة

نكأ الحادث - الذي ترك آثاره على جُلّ الليبيين - جراحاً ظن البعض أنها قد اندملت، تتعلق بعمليات «الاغتيالات الغامضة» التي تشهدها ليبيا منذ الانفلات الأمني، الذي واكب إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. وذهب البعض إلى ربط بعضها برفض «وجود قوات أجنبية في ليبيا».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ومع توجه البعض لطرح سيناريوهات مُتخيّلة لإسقاط الطائرة، عبّر محمد عمر بعيو، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة للحكومة المكلفة من مجلس النواب، عن «فزعه» من المسارعة إلى تحليل الحادث الأليم أخذاً بنظرية المؤامرة، وقال إن هذا التسرّع «لا تفسير له؛ حيث ذهب البعض - ومنهم غير ليبيين - إلى عدّ الحادث جريمة اغتيال مدبرة، في ظل توزيع اتهام بإسقاط الطائرة وفق نظرية (فتش عن المستفيد) بين أطراف دولية ومحلية عديدة».

ودعا بعيو إلى «انتظار نتائج التحقيقات الرسمية في الحادث، وما ستعلنه تركيا رسمياً، وتفريغ محتويات (الصندوق الأسود لتظهر الحقيقة التي لن يكون في مقدور أحد إخفاؤها أو التهرب منها».

ولكثرة ما شهدته ليبيا من فواجع، بدا للبعض أن ليبيا بيئة بات يغيب عنها اليقين، وتتحكم فيها «الصفقات السرية»، إذ يتحول أي حدث ضخم إلى «مؤامرة مدبرة»، تفرضها أطراف خارجية أو خصوم في الداخل، ما يجعل الحقيقة الفنية أو الواقعية آخر ما يلتفت إليه الجمهور.

أحد أعضاء الفريق الليبي المكلف بالمساعدة في التحقيق (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ويتداول ليبيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لـ«الرتب العسكرية» للفريقين الحداد، والفيتوري غريبيل رئيس أركان القوات البرية، التي عثرت عليها جهات التحقيق في موقع سقوط طائرة «داسو فالكون 50» الخاصة، بعد انطلاقها من أنقرة إلى طرابلس، ما أسفر عن مقتل الحداد، وغريبيل، وثلاثة آخرين.

«أرض الغموض»

لم تتمكن جهات التحقيق في ليبيا من فك الغموض، أو التوصّل إلى الحقيقة بشأن جرائم قتل واغتيالات عديدة ارتكبت خلال الـ14 عاماً الماضية في عموم البلاد، الأمر الذي دفع أكرم النجار، رئيس تحرير منصة «علاش» الليبية، إلى وصف بلده بأنه «أرض الغموض».

وقال النجار في تصريح صحافي: «هناك العديد من القصص التي طواها الكتمان والنسيان لأناس قضوا لأنهم كانوا ليبيين أكثر من اللازم؛ بعدما آمنوا بأن هناك أملاً لهذه الأرض وشعبها أن يعيشا حرين مستقلين».

ويرى النجار أن «ما كان يمكن إخفاؤه سابقاً لم يعد ممكناً اليوم في ظل انفتاح العالم؛ وقد تكون أشلاء الفريق الحداد ورفاقه بداية للكشف الذي يحتاج إليه هذا الشعب ليرى حجم مأساته، لعلّه يستيقظ من سباته، ويفهم أنه يفقد كل شيء ببطء وهدوء».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

وكلّف صلاح النمروش، رئيس أركان قوات غرب ليبيا، الفريق محمد موسى، آمر المنطقة العسكرية الوسطى، رئيساً لأركان القوات البرية خلفاً للراحل غريبيل. وكان محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، قد كلف النمروش برئاسة الأركان مؤقتاً خلفاً للحداد.

وقال عبد الحكيم معتوق، الكاتب الصحافي الليبي: «لا أومن بنظرية المؤامرة»، لكنه تساءل في المقابل: «كيف لقيادة عسكرية أن تُحرق في سماء دول أجنبية؟ وما علاقة الحادث باغتيال رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية في هجوم على ناقلة النفط قبالة السواحل الليبية؟»، مشيراً في هذا السياق إلى قرار البرلمان التركي تمديد وجود القوات التركية في قاعدة الوطية الجوية، وبقاء «المرتزقة» في قاعدة سيدي بلال البحرية. كما لفت إلى أن الحادث وقع في وقت «لاح فيه قبس للخروج من نفق مظلم بتفعيل المؤسسة العسكرية، من خلال المضي في تشكيل حكومة واحدة تشرف على الاستفتاء على الدستور، وإقامة انتخابات برلمانية ورئاسية».

ويعتقد المعتوق أن حادث الطائرة المنكوبة «هو آخر نداء لليبيين يقول لهم إنكم تجاوزتم مرحلة الخطر، وإذا لم تنهضوا وتتكاتفوا وتلملموا جراحكم، وتنسوا أطماعكم وأحقادكم وتصفية حساباتكم، فسوف يكون حتماً المسمار الأخير في نعش الأمة الليبية».

فرق البحث عن حطام الطائرة المنكوبة (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

من جهته، تحدث عيسى عبد القيوم، الكاتب الصحافي الليبي، عن اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس أركان الجيش الليبي السابق، الذي رفض تدخل «الناتو» في ليبيا عام 2011، وقال متسائلاً: «هل يحق لنا وضع فرضية أن مقتل الفريق محمد الحداد ورفاقه جاء أيضاً ضمن سياق رفضه الصريح لوجود الأجنبي؛ أو أنه القضاء والقدر؟».