المصريون يستقبلون عاماً «كبيساً» بأمنيات تحسّن أحوالهم المعيشية

وسط إجراءات حكومية لضبط أسعار «السلع الاستراتيجية»

إحدى الأسواق الشعبية في مصر قبل استقبال العام الجديد (الشرق الأوسط)
إحدى الأسواق الشعبية في مصر قبل استقبال العام الجديد (الشرق الأوسط)
TT

المصريون يستقبلون عاماً «كبيساً» بأمنيات تحسّن أحوالهم المعيشية

إحدى الأسواق الشعبية في مصر قبل استقبال العام الجديد (الشرق الأوسط)
إحدى الأسواق الشعبية في مصر قبل استقبال العام الجديد (الشرق الأوسط)

«يا رب اجعل السنة الجديدة وش الخير علينا... أحسن وأهون من السنة الماضية»، دعاء رددته المصرية رضا سلام، في ختام عام 2023، مؤكدة أنها خلال شهوره «تحملت فوق طاقتها»، وفق كلماتها لـ«الشرق الأوسط»، في إشارة إلى الأعباء المعيشية وغلاء الأسعار.

وقالت السيدة الخمسينية، التي تعمل بأحد الدواوين الحكومية بمحافظة المنوفية (في دلتا مصر)، خلال حديثها إلى زميلاتها في آخر أيام العام: «شهدنا ارتفاعات كبيرة في أسعار اللحوم والدواجن خلال هذا العام»، بينما تقول زميلتها: «السكر والبصل أسعارهما أيضاً أصبحت قاسية»، وعقبّت ثالثة على حديثهن: «الحكومة إمبارح (أمس) أعلنت أنها ستتحكم في أسعار السلع لمنع الاحتكار»، لتضيف «رضا» في ضيق: «التجار سبب ما نحن فيه من غلاء».

حديث العاملات عن غلاء أسعار السلع الغذائية جاء في أعقاب توجيه رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، السبت، بتغليظ عقوبات احتكار السلع الاستراتيجية التي تمس حياة المواطن «السكر والأرز والزيت الخليط للطعام والفول واللبن والمكرونة والجبن الأبيض»، قائلاً في مؤتمر صحافي: «هي 7 سلع رئيسية نعرف تماماً أنها تمس حياة المواطن اليومية، وتؤثر في معدلات التضخم».

وعانت مصر على مدار شهور 2023 من انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وأصبح الأخير يساوي نحو 31 جنيهاً بالسعر الرسمي، بينما تجاوز الـ50 جنيهاً في السوق السوداء (الموازية).

وشهدت البلاد في الشهور الأخيرة ارتفاعات متتالية في أسعار كثير من السلع الرئيسية كالبصل والسكر والأرز، حتى وصل سعر كيلو البصل إلى 40 جنيهاً، والسكر إلى 50 جنيهاً، ما دفع الحكومة المصرية إلى حظر تصديرهما بعد هذه الارتفاعات غير المسبوقة، لتتراجع الأسعار قليلاً مؤخراً.

ووفق بيانات حديثة للبنك المركزي المصري، فإن معدل التضخم الأساسي في البلاد بلغت 35.9 في المائة على أساس سنوي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ووفق مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، الدكتور عبد المنعم السيد، شهد عام 2023 استمرار تبعات المشهد الدولي وتداعيات الأزمات الدولية؛ ما أثر على أوضاع الاقتصاد المصري، ووصل المعدل السنوي للتضخم الأساسي ذروته إلى 41 في المائة خلال يونيو (حزيران) مدفوعاً بارتفاع واسع النطاق في أسعار معظم بنود الرقم القياسي لأسعار المستهلكين نتيجة استمرار صدمات العرض وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «حرصت الدولة المصرية على المضي قدماً في مسارات التنمية التي انتهجتها لتحقيق النمو الاحتوائي الشامل جنباً إلى جنب مع سياسات إدارة الأزمات، واحتواء آثار الصدمات».

وحقق الاقتصاد المصري نسبة نمو 3.8 في المائة عام 2022 - 2023، ويُتوقع أن يصل إلى 4.2 في المائة عام 2023 - 2024، وفق «السيد».

وبينما نشرت الجريدة الرسمية، في عددها الصادر، السبت، قرار رئيس مجلس الوزراء بشأن «المنتجات الاستراتيجية» بحظر حبسها عن التداول سواء من خلال إخفائها، أو عدم طرحها للبيع، أو الامتناع عن بيعها أو بأي صورة أخرى، سادت حالة من الترقب بين المصريين، حول ما ستؤول إليه هذه التوجيهات خلال العام الجديد.

وقال الأربعيني محمد الشاعر، المُصحح اللغوي بإحدى دور النشر، لرفيقه على مقهى شعبي بمنطقة المنيرة بالقاهرة: «لا نعرف مدى تأثير هذه القرارات، نحن عانينا على مدار العام من الغلاء... لديّ قلق من تواصل أعباء المعيشة خلال العام المقبل».

تفسير حالة القلق يشير إليها الدكتور ياسر حسين، الخبير الاقتصادي والمالي، موضحاً أن الزيادات المتوالية لأسعار السلع في مصر خلال 2023 أدت إلى وجود حالة من عدم الرضا لدى قطاع كبير من المواطنين في مصر. مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «زيادة الأسعار خلال العام المنصرم، ثم تدهور سعر صرف الجنيه أمام الدولار في السوق الموازية قبل أيام من نهاية العام، أدى إلى حالة ترقب وقلق لدى المواطن، لقناعته الراسخة وتفهمه مدى ارتباط زيادة سعر الصرف للعملة الأجنبية وانعكاسها بارتفاعات أسعار السلع والخدمات».

وحول القرار الحكومي بضبط السلع الاستراتيجية، يقول: «أرى أنه قرار سيكون تأثيره على 7 سلع فقط، حيث وسعت الدولة سلطتها الرقابية على تلك السلع، لكن الأزمة في ارتفاعات الأسعار التي تمتد إلى أكثر من 1000 سلعة تهم المواطن وليس 7 فقط».

ويتابع: «أرى أن الأزمة في ارتفاع الأسعار ليست قاصرة في 7 سلع فقط، لكن زيادات الأسعار المتوالية كانت للغالبية العظمي من السلع، التي ارتفعت أسعارها ما بين 2021 و2023 إلى أكثر من 50 في المائة».

عودة إلى المقهى، حيث قال «الشاعر» في سخرية قبل أن يهم بالرحيل: «2024 سنة كبيسة في أيامها (366 يوماً)، نود ألا تكون كذلك في أحداثها وأعبائها الاقتصادية». ليرد عامل المقهى معترضاً: «مشوفتش (لم أر) في حياتي سنة كبيسة مثل 2023».


مقالات ذات صلة

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

الاقتصاد ناقلة غاز طبيعي مسال تمر بجانب قوارب صغيرة (رويترز)

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في تحول من الاعتماد على السوق الفورية الأكثر تكلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سيدة تتسوق في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري» يجتمع الخميس والتضخم أمامه وخفض الفائدة الأميركية خلفه

بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مسؤولو «مدن» الإماراتية و«حسن علام» المصرية خلال توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مشروع رأس الحكمة (الشرق الأوسط)

«مدن القابضة» الإماراتية توقع مذكرة تفاهم في البنية التحتية والطاقة بمشروع رأس الحكمة

وقعت «مدن القابضة» الإماراتية، اليوم الثلاثاء، مذكرة تفاهم مع مجموعة «حسن علام القابضة» المصرية، لتعزيز أفق التعاون في مشروع رأس الحكمة في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الشمس أثناء الغروب خلف أعمدة خطوط الكهرباء ذات الجهد العالي (رويترز)

الربط الكهربائي بين مصر والسعودية يحسّن إمدادات التيار في المنطقة ويقلل الانقطاعات

ترى الشركة المنفذة لأعمال الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، أن الربط الكهربائي بين البلدين سيحسّن إمدادات التيار في المنطقة ويقلل من انقطاعات الكهرباء.

صبري ناجح (القاهرة)
الاقتصاد اللواء الدكتور خالد مبارك محافظ جنوب سيناء (الشرق الأوسط)

محافظ جنوب سيناء: نتطلع لجذب الاستثمارات عبر استراتيجية التنمية الشاملة

تتطلع محافظة جنوب سيناء المصرية إلى تعزيز موقعها كمركز جذب سياحي، سواء على مستوى الاستثمارات أو تدفقات السياح من كل أنحاء العالم.

مساعد الزياني (دبي)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

في سياق تكثيف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار، ناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي بهدف تقليل تأثيرات وخسائر الحرب السودانية، ودعم الأمن الغذائي بين البلدين.

واستضافت العاصمة المصرية القاهرة فعاليات «الملتقى المصري - السوداني الأول لرجال الأعمال»، اليوم السبت، بعد أيام من انعقاد «المؤتمر الاقتصادي الأول» في السودان، وناقش مسؤولون ورجال أعمال من البلدين فرص التوسع في الشراكات الاقتصادية.

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «نحو 13 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء المصري، ووزير النقل والصناعة، كامل الوزير، في كلمته بالملتقى، أن التحديات التي تواجهها مصر والسودان «تفرض التعاون المشترك في مختلف المجالات»، لافتاً إلى حرص بلاده على «دعم السودان لتجاوز محنة الحرب وعودة الاستقرار».

وعدد الوزير المصري مجموعة من الفرص، التي يمكن استثمارها لدفع مجالات التجارة والصناعة والاستثمار في البلدين، منها «ثلاثة محاور للنقل البري، والمواني الجافة على الحدود المشتركة في معبري (قسطل وأرقين)»، إلى جانب ميناء للملاحة النهرية بين بحيرة ناصر (جنوب مصر) إلى وادي حلفا (شمال السودان)، معلناً عن مخطط مصري لمد مشروع خط القطار السريع «أبو سمبل - الإسكندرية» إلى السودان في منطقة «وادي حلفا»، ومؤكداً أن دراسات المشروع «باتت جاهزة للتنفيذ وتتبقى موافقة الجانب السوداني».

ويربط مصر والسودان منفذان بريان، هما معبرا «أرقين»، و«أشكيت» (ميناء قسطل) بوادي حلفا بالولاية الشمالية، ويعتمد البلدان على المعبرين في التبادل التجاري ونقل الأفراد.

وزير النقل المصري خلال كلمته بـ"الملتقى المصري-السوداني" (مجلس الوزراء المصري)

ودعا كامل الوزير المستثمرين السودانيين لتوسيع أعمالهم في السوق المصرية، مشيراً إلى أن حكومة بلاده «مستعدة لإزالة أي عقبات أمام الشركات السودانية للاستفادة من الفرص المتاحة في قطاعات التجارة والقطاعات الإنتاجية»، ومنوهاً بـ«إجراءات تحسين مناخ الاستثمار بمصر لتسهيل تأسيس الشركات، وإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة».

وأضاف الوزير موضحاً أن «ملتقى رجال الأعمال المصري - السوداني» سيشكل «نواة للشراكة في المجال الصناعي بين البلدين، بما يعزز من التكامل الإقليمي، مع التعاون في مجال الأمن الغذائي».

وشارك في الملتقى وفد حكومي سوداني، ضم وزراء الصناعة والنقل والتموين والنفط والكهرباء، إلى جانب ممثلين من مجتمع الأعمال المصري - السوداني، وروابط الجالية السودانية بمصر.

وحسب تقديرات رسمية، تستضيف مصر نحو مليون و200 ألف سوداني، فروا من الحرب الداخلية، إلى جانب آلاف آخرين من الذين يعيشون في المدن المصرية منذ سنوات.

وعدّ السفير السوداني بمصر، عماد الدين عدوي، أن مبادرة انعقاد (ملتقى رجال الأعمال) بين البلدين «تستهدف تدشين شراكة لإعادة الإعمار في بلاده بعد الحرب»، مشيراً إلى أن الشركات المصرية (حكومية وخاصة) «هي الأجدر والأقدر على القيام بعملية الإعمار، وإعادة بناء ما دمرته الحرب».

كما أشار عدوي إلى أن الحرب «أثرت على النشاط الاقتصادي لبلاده، وحدّت من فرص التبادل التجاري»، غير أنه لفت إلى أن «نسب التجارة المصرية - السودانية لم تتأثر كثيراً، إذ حافظت على استقرارها عامي 2022 و2023»، وقال إن من أهداف الملتقى «دفع الشراكة لتحقيق الأمن الغذائي».

وسجل حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان نحو 1.4 مليار دولار خلال عام 2023، مقابل 1.5 مليار دولار عام 2022، بنسبة انخفاض قدرها 6.4 في المائة، وفق إفادة لـ«الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر، في مارس (آذار) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

مشاركات واسعة في "الملتقى المصري-السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة" (مجلس الوزراء المصري)

من جانبه، تحدث وزير التموين المصري، شريف فاروق، عما تنفذه بلاده من مشروعات بنية تحتية ولوجيستية، وقال إن تلك المشروعات «تمنح فرصاً للمستثمرين المصريين والسودانيين لتعزيز شراكتهم واستثماراتهم».

بينما أشار وزير التموين والتجارة السوداني، عمر محمد أحمد، إلى تأثير الحرب الداخلية على القطاعات الإنتاجية في بلاده، لافتاً في كلمته بالملتقى إلى «حاجة بلاده لمزيد من الاستثمارات في الأمن الغذائي»، ودعا إلى «تأسيس تحالف استراتيجي اقتصادي تجاري بين البلدين».

وناقش الملتقى ورقتي عمل حول عملية «إعادة الإعمار في السودان»، وفرص «تحقيق الأمن الغذائي بين البلدين»، وقدّر مدير «مركز التكامل المصري - السوداني»، عادل عبد العزيز، حجم خسائر القطاع الاقتصادي في السودان بسبب الحرب بنحو «89 مليار دولار»، من دون احتساب خسائر تدمير البنية التحتية والمنشآت، وقال في كلمته بالملتقى إن السودان «يواجه إشكالية مع المجتمع الدولي، ويعوّل على الشراكة مع الدول الصديقة مثل مصر لتجاوز أي تحديات».

وخلال فعاليات الملتقى، تحدث ممثلون عن المستثمرين ورجال الأعمال بالبلدين، وأشار ممثل مجتمع الأعمال السوداني، سعود مؤمن، إلى أن الملتقى «يروم تكامل جهود البلدين في إعادة الإعمار، وتوفير احتياجات السودان من السلع الضرورية»، منوهاً بـ«رغبة القطاع الخاص السوداني في تدشين تجمعات اقتصادية مع نظرائهم بمصر في مجال الصناعات الغذائية».

كما أشار رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، إلى أن «الزراعة تعد من أكثر المجالات جذباً للاستثمار بالسودان لتوافر المياه والأرض الصالحة»، فيما رأى ممثل مجتمع الأعمال المصري، أحمد السويدي، أن «التصنيع الزراعي أحد المجالات التي يمكن الاستثمار بها في السودان».