زواج القاصرات في موريتانيا... حقيقة مؤلمة وأحلام ضائعة للفتيات

امرأة موريتانية، 25 عاماً، تقف لالتقاط صورة مع أطفالها أمام ملجئها في مخيم في جنوب موريتانيا (رويترز-أرشيفية)
امرأة موريتانية، 25 عاماً، تقف لالتقاط صورة مع أطفالها أمام ملجئها في مخيم في جنوب موريتانيا (رويترز-أرشيفية)
TT

زواج القاصرات في موريتانيا... حقيقة مؤلمة وأحلام ضائعة للفتيات

امرأة موريتانية، 25 عاماً، تقف لالتقاط صورة مع أطفالها أمام ملجئها في مخيم في جنوب موريتانيا (رويترز-أرشيفية)
امرأة موريتانية، 25 عاماً، تقف لالتقاط صورة مع أطفالها أمام ملجئها في مخيم في جنوب موريتانيا (رويترز-أرشيفية)

قبل أكثر من عشرة أعوام، أُرغمت الموريتانية فاطمة على الزواج... لم تكن قد بلغت سن الرشد وقتها؛ وكانت تلك الزيجة بداية مرحلة جديدة في حياتها عنوانها «الألم والعذاب» بحسب تعبيرها، وفق «وكالة أنباء العالم العربي».

تجلس فاطمة في بيتها الصغير، يلتف حولها أطفالها الثلاثة ليلعبوا بالنعال (الأحذية) كأنها سيارات ويقلدوا صوتها. كانت تلك هي الوسيلة التي لجأ إليها هؤلاء الصغار لتحل محل الألعاب الموجودة في المتاجر، والتي لا تستطيع الأم توفير ثمنها.

ذلك الوضع، ترك للأم الصغيرة عبئا كبيرا؛ فبدلا من أن تكون قد شارفت على إنهاء دراستها الجامعية، انهمكت فاطمة في تربية أطفالها وتدبير شؤون بيتها.

تتذكر فاطمة كيف عقد قرانها في المسجد قبل سنوات ورحلت إلى منزل زوجها. كانت حياة غريبة عليها، ووجدت نفسها في جو لم تألفه.

وقالت في حوار أجرته معها وكالة أنباء العالم العربي: «كنت طفلة؛ لا أعرف معنى الزواج وأجهل كيفية تكوين أسرة»، عادة أن تلك الزيجة قتلت طفولتها وألبستها «ثوب المرأة المنهمكة في تدبير شؤون بيتها».

حقيقة مؤلمة

ينتشر زواج القاصرات في مدن وقرى موريتانيا، حيث تشير إحصائيات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إلى أن واحدة من بين كل خمس فتيات تتزوج مبكرا.

وقالت المنظمة إن نحو 20 في المائة من الفتيات في موريتانيا يتزوجن قبل سن الخامسة عشرة، عادة أن هذه الأرقام تعكس «الحقيقة المؤلمة عن وضعية القُصّر في موريتانيا».

وعدت «يونيسف» في منشور لها عبر صفحتها في «فيسبوك» في سبتمبر (أيلول) الماضي أن الزواج المبكر «يسرق طفولة الفتيات وتعليمهن ومستقبلهن». وقالت إنها مصممة على وضع حد لهذه الممارسة وخلق مستقبل واعد لكل فتاة.

وتدق الهيئات والمنظمات الحقوقية ناقوس الخطر فيما يتعلق بظاهرة زواج القُصّر؛ فعلى الرغم من مخاطره، ما زالت بعض الأسر تدفع أطفالها وفتياتها إلى الزواج في سن مبكرة، ضاربة عرض الحائط بالقوانين وغير آبهة بالتأثير الاجتماعي والنفسي لتلك الزيجات على الضحية.

في هذا السياق، تقول الباحثة الاجتماعية البتول بنت أحمد إن زواج القاصرات يؤدي إلى تعطيل فرص التعليم والنمو الشخصي، مؤكدة أن الضحايا من الفتيات يواجهن تحديات نفسية واجتماعية قبل التكيف مع المسؤوليات الزوجية والأسرية في سن مبكرة.

وتؤكد هذا فاطمة، التي قالت إنها خاضت تجربة مريرة مع زوجها وتفاقمت معاناتها عندما منعها من مواصلة دراستها، حيث كانت قد أكملت المرحلة الأولى من التعليم الابتدائي قبل أن يتم تزويجها.

كان زوج فاطمة قد التزم أمام أهلها قبل إتمام الزيجة بأنه لن يمنعها من مواصلة دراستها؛ لكنها تقول إنه نكث العهد وأبلغها بعد مرور شهرين بأن الذهاب إلى المدرسة محظور.

أضافت: «الشيء الوحيد الذي لا يمكنني أن أغفره له هو منعي من مواصلة دراستي ومطاردة حلمي في أن أكون طبيبة. وقد تلاشى هذا الحلم بعد الزواج؛ ولكنّه خلّف جرحا في نفسي لا يمكن أن يندمل».

تعتيم المجتمع

وتعد آمنة بنت المختار، رئيسة «رابطة النساء معيلات الأسر»، أن زواج القاصرات في موريتانيا منتشر بشكل مخيف ويتم التعتيم عليه في مجتمع أبوي تقليدي لا يرى أن للطفلة «الحق في الحياة أو أن تعيش طفولتها» بحسب وصفها.

وتحدثت بنت المختار في مقابلة مع «وكالة أنباء العالم العربي» عما سمته التواطؤ بين الطبقة السياسية والحركة الدينية لمساندة زواج القاصرات والتغاضي عنه.

وتعمل «رابطة النساء معيلات الأسر» على دعم ومساندة المرأة والدفاع عن ضحايا الاغتصاب والزواج المبكر، حيث تمكنت من كسب كثير من القضايا الحقوقية أمام القضاء الموريتاني.

وتأمل مريم (14 عاما) في أن تساعدها هذه المنظمة على أن يعترف زوجها السابق بابنها ويتحمل نفقته. وتقول مريم إنها تزوجت قبل نحو عام وستة أشهر عنوة وإن معاناتها لا تختلف عن ما عاشته فاطمة، حيث كانت تتعرض للضرب على يد زوجها حين ترفض أن تطيعه.

وقالت مريم لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إن من تزوجته كان في عمر والدها، وكان يفرض عليها ممارسة جميع الأعمال المنزلية ومسؤوليات أخرى فوق طاقتها. لكنها تتمسك اليوم بالحصول على تعويضات عن ما قالت إنها أضرار نفسية ومعنوية جراء ذلك الزواج وأن يعترف زوجها السابق بابنه.

وتقول آمنة بنت المختار إن منظمتها تستقبل يوميا ضحايا الزواج المبكر وتحقق في الحالات ثم تلجأ إلى القضاء لانتزاع حقوقهن، مؤكدة أن معظم الضحايا من النساء عانين العنف والتنكيل من طرف أزواجهن.

وتنص المادة السادسة من مدونة الأحوال الشخصية بأن سن الزواج في موريتانيا هي 18 عاما، لكن المشروع وضع استثناءات بيد أولياء الأمور تتيح لهم تزويج بناتهم قبل السن القانونية.

وترى بنت المختار أن هذه المادة توجد فيها ثغرة يستغلها بعض أولياء الأمور لتزويج القاصرات، مطالبة بإعادة صياغة مدونة الأحوال الشخصية حتى تتلاءم مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها موريتانيا.


مقالات ذات صلة

رائحة الأمهات تُعزّز قدرة الرضّع على تمييز الوجوه

يوميات الشرق رائحة الأم تُهدّئ الرضّع (جامعة بروك)

رائحة الأمهات تُعزّز قدرة الرضّع على تمييز الوجوه

كشفت دراسة فرنسية عن استعانة الرضّع برائحة أمهاتهم لتعزيز قدرتهم على إدراك الوجوه وتمييزها من حولهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة دنيا سمير غانم في لقطة من فيلم «روكي الغلابة» (إنستغرام)

البطولة النسائية تسجل بصمة في أفلام موسم الصيف بمصر

سجلت البطولة النسائية بصمة في أفلام موسم الصيف بمصر، ومن أبرز الفنانات اللاتي يقمن بأدوار البطولة الفنانة المصرية دنيا سمير غانم.

داليا ماهر (القاهرة )
صحتك سلس البول الإجهادي يشير إلى فقدان التحكُّم في المثانة (جامعة يوتا)

دواء جديد لعلاج السلس البولي لدى النساء

أفادت دراسة يابانية بأنّ دواء تجريبياً أظهر فاعلية وأماناً في علاج النساء المصابات بالسلس البولي الإجهادي. ماذا في التفاصيل؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية الإصلاحي مير حسين موسوي وزوجته زهرا رهنورد (إكس)

جامعة إيرانية تفصل ابنة زعيم الإصلاحيين وتوقفها عن العمل

فصلت جامعة إيرانية نجلة زعيم التيار الإصلاحي، مير حسين موسوي، ومنعتها من مزاولة التدريس نهائياً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق يطرح الفيلم الأردني «انشالله ولد» مجموعة من القضايا الاجتماعية والقانونية المرتبطة بالمرأة العربية (صور المخرج)

«انشالله ولد»... عندما تضع السينما الأردنيّة المرأة في عين العدسة وتتبنّى قضاياها

«انشالله ولد»... أمنية بسيطة تخبئ بين حروفها أسئلة عميقة مرتبطة بأحوال المرأة العربية. بصدق وبلا مواربة، يطرح الفيلم الأردني «انشالله ولد» مجموعة من تلك الأسئلة

كريستين حبيب (عمّان)

«الحوار الوطني» لعرض تعديلات «الحبس الاحتياطي» على الرئيس المصري

مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
TT

«الحوار الوطني» لعرض تعديلات «الحبس الاحتياطي» على الرئيس المصري

مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)
مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)

يراجع «مجلس أمناء الحوار الوطني» في مصر مقترحات القوى السياسية وتوصيات على تعديلات بشأن ملف «الحبس الاحتياطي»، عقب مناقشات موسعة؛ وذلك لعرضها على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لاتخاذ ما يلزم بشأنها.

وتوقّع خبراء شاركوا في جلسات «الحوار الوطني» تحقيق «انفراجة في ملف الحبس الاحتياطي، بالإفراج عن أعداد من المحبوسين منذ مدة طويلة»، مشيرين إلى توافق المشاركين حول «عدم استخدام تدابير الحبس الاحتياطي؛ إلا في أضيق الحدود، والتوسع في تدابير بديلة أخرى ضد المتهمين».

وانتهى «الحوار الوطني» أخيراً من مناقشة قضية «الحبس الاحتياطي»، بمشاركة قانونيين وحقوقيين وممثلي القوى والتيارات السياسية، وأشخاص تعرّضوا للحبس الاحتياطي. وتناولت المناقشات سبل «الحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي بصفته أحد إجراءات التحقيق، وليس عقوبة ضد المتهمين».

مشاركون في جلسات ملف «الحبس الاحتياطي» بمصر (الحوار الوطني)

وأشار «مجلس أمناء الحوار الوطني»، في إفادة مساء الجمعة، إلى «تلقيه أوراق عمل من القوى السياسية، ثم تعقبه صياغة تقرير نهائي بالتوصيات، يجري رفعه إلى الرئيس». ولفت بيان المجلس إلى أنه «تم الاستماع خلال جلسات الحوار إلى كل وجهات النظر بشأن الحبس الاحتياطي، والوضع القانوني القائم حالياً، ومقترحات التطوير المختلفة، كما تم استعراض تجارب الدول الأخرى، دون مصادرة لرأي أو حجر على فكرة».

المحامي الحقوقي عضو «مجلس أمناء الحوار الوطني»، نجاد البرعي، قال إن «لجنة حقوق الإنسان والحريات بالحوار الوطني ستُصيغ تقريراً بالتوصيات والمقترحات، التي تم التوافق عليها، والأخرى التي كانت محل خلاف لرفعها إلى الرئيس»، مشيراً إلى أن «هناك أملاً في تحقيق انفراجة بملف الحبس الاحتياطي، مثل الإفراج عن المحبوسين احتياطياً، منذ مدة طويلة».

وأشار البرعي إلى توصيات حظيت بتوافق داخل مناقشات «الحوار الوطني»، منها: «الإفراج عن جميع المحبوسين احتياطياً في السجون حالياً، ووقف الحبس في قضايا الرأي والنشر، مع وضع حد أقصى (مدة زمنية) لإنهاء تحقيقات النيابة المصرية، وإلا يجري إلغاء الدعوى القضائية بعدها»، لافتاً إلى مقترحات جديدة، مثل «تعويض من حُبسوا عن طريق الخطأ بمبلغ يساوي الحد الأدنى للأجور في البلاد (6 آلاف جنيه مصري)، عن كل شهر بمدة الحبس». (الدولار الأميركي يساوي 48.30 جنيه في البنوك المصرية).

وتوقف البرعي مع مقترحات لم تحظ بتوافق المشاركين في «الحوار الوطني»، منها: «حالات الحبس الاحتياطي المكرر، لصعوبة علاجه قانوناً»، إلى جانب «بدائل الحبس الاحتياطي، المطبقة في دول أخرى»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن المشاركين في الجلسات «تداولوا مقترحات تتعلق باستخدام أسورة تتبع ممغنطة، أو تحديد إقامة المتهم، أو تطبيق نظام المراقبة الشرطية»، مبرزاً أنه «لا يستطيع أحد وقف إجراء الحبس الاحتياطي، بصفته (احترازاً قانونياً) في أثناء التحقيقات في القضايا».

وأخلت السلطات المصرية، الأسبوع الماضي، سبيل 79 متهماً من المحبوسين على ذمة قضايا، في خطوة قُوبلت بترحيب قوى سياسية وحزبية.

ورأى رئيس «كتلة الحوار» (كيان سياسي دُشّن من فعاليات الحوار الوطني)، باسل عادل، أن «هناك إرادة سياسية لحلحلة أزمة الحبس الاحتياطي»، متوقعاً «إجراء تعديلات تشريعية على قانون الإجراءات الجنائية، استجابة إلى توصيات مناقشات الحوار الوطني». ولفت لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود إجماع من القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني على الفصل بين إجراء الحبس الاحتياطي ضد (المتهمين الجنائيين)، والسياسيين». وقال إن هناك مطالب بعدم استخدام الحبس الاحتياطي في «قضايا الرأي وحرية التعبير والتظاهر».

جانب من جلسات ملف «الحبس الاحتياطي» في مصر (الحوار الوطني)

ولفت رئيس «المنظمة العربية لحقوق الإنسان»، علاء شلبي، إلى أن مناقشة قضية الحبس الاحتياطي «عبّرت عن إرادة سياسية تتجه إلى الإفراج عن كل المحبوسين احتياطياً في قضايا عامة خلال الأيام المقبلة». وأشار إلى إجماع المشاركين في مناقشات «الحوار الوطني» حول «رد تدابير الحبس الاحتياطي إلى أصلها بصفتها إجراء احترازياً، يجري استخدامها في أضيق الحدود، والإجماع على استبعاد التوسع في تطبيقها كمّاً وكيفاً، وتكثيف استخدام بدائل للحبس».

وأوضح شلبي لـ«الشرق الأوسط»، أن «مناقشة إشكاليات الحبس الاحتياطي في جلسة خاصة من الحوار الوطني ليست بديلاً عن إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد»، لافتاً إلى أن مجلس الوزراء المصري «أقر في ديسمبر (كانون الأول) 2022 تعديلات على القانون، وانتهت اللجنة النيابية الفنية من مراجعته في أبريل (نيسان) الماضي، وتعهّد رئيس مجلس النواب المصري (البرلمان) في يوليو (تموز) الحالي بمناقشة القانون في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل».

وناقش مجلس النواب المصري، في مارس (آذار) الماضي، مشروع قانون بتعديلات تشريعية لتقليص مدد «الحبس الاحتياطي». وتضمّنت التعديلات المقترحة وضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي، وتنظيم التعويض عنه، وتقليص مدة الحبس، لتصبح في «قضايا الجنح» 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وفي «الجنايات» 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً، و18 شهراً بدلاً من عامين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام».