قضايا الإرهاب والفساد ضمن إيقاف وأحكام بالسجن ضد أبرز قضاة تونس

الرئيس قيس سعيد يدعو إلى «التسريع» ببتّ «الملفات الخطيرة»

الرئيس التونسي يعقد سلسلة اجتماعات مع وزيرة العدل القاضية ليلى جفال ويستحثها على التعجيل بحسم ملفات الإرهاب والفساد (متداولة)
الرئيس التونسي يعقد سلسلة اجتماعات مع وزيرة العدل القاضية ليلى جفال ويستحثها على التعجيل بحسم ملفات الإرهاب والفساد (متداولة)
TT

قضايا الإرهاب والفساد ضمن إيقاف وأحكام بالسجن ضد أبرز قضاة تونس

الرئيس التونسي يعقد سلسلة اجتماعات مع وزيرة العدل القاضية ليلى جفال ويستحثها على التعجيل بحسم ملفات الإرهاب والفساد (متداولة)
الرئيس التونسي يعقد سلسلة اجتماعات مع وزيرة العدل القاضية ليلى جفال ويستحثها على التعجيل بحسم ملفات الإرهاب والفساد (متداولة)

كشفت مصادر قضائية في تونس عن فتح المحاكم «الملفات الثقيلة» التي تشمل شخصيات قضائية وسياسية ومالية بارزة وقع إيقافها منذ نحو عام، بشبهة الضلوع في «قضايا الإرهاب والفساد» أو في 11 قضية من قضايا «التآمر على أمن الدولة».

صورة لعناصر من «الحرس الوطني» في مهمة ضد الإرهابيين (موقع وزارة الداخلية التونسية)

وبعد نحو عام ونصف عام من قرار الرئيس التونسي قيس سعيد عزل 57 قاضياً بعد اتهامهم بالتقصير في تعاملهم في ملفات الاغتيالات السياسية والإرهاب والفساد، صدرت عقوبات بالسجن ضد أحد أكبر قضاة تونس وأكثرهم إثارة للجدل منذ أعوام الرئيس الأول السابق لمحكمة التعقيب (محكمة النقض) وعضو المجلس الأعلى للقضاء الطيب راشد.

مدخل محكمة تونس العاصمة (موقع وزارة الداخلية التونسية)

ملفات خطيرة

وأكد المحامي محمد علي بوشيبة، المكلف بالدفاع عن كبير القضاة التونسيين سابقاً، أن محكمة مدينة قرنبالية من محافظة نابل (40 كيلومتراً جنوبي العاصمة تونس) أصدرت حكماً بسجن منوبة ابتدائياً بالسجن لمدة عامين وثلاثة أشهر بشبهة فساد مالي و«تحيل».

وأعلن محامون لـ«الشرق الأوسط»، الخميس، أن قاضي التحقيق الأول بـ«القطب القضائي المالي»، المكلف بالبحث في القضايا الأمنية والاقتصادية الخطيرة الموجهة إلى عدد من رجال الأعمال والسياسيين وكبار الموظفين السابقين في الدولة، أصدر «بطاقة إيداع جديدة بالسجن» في حق الرئيس الأول السابق لمحكمة التعقيب الطيب راشد.

مبنى قصر العدالة حيث أبرز المحاكم بتونس

وحسب المصادر نفسها، قرر قاضي التحقيق استنطاق «كبير القضاة السابقين» الطيب راشد في علاقته بالقضية الموقوف على ذمتها رجل الأعمال الكبير والشريك المتهم بالتهريب وبعلاقات مع بعض كبار السياسيين في العشرية الماضية، نجيب بن إسماعيل.

كبير القضاة التونسيين السابق الطيب راشد (متداولة)

أصهار بن علي

وأورد الإعلامي والخبير القانوني زياد الهاني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «القضايا التي تسببت في إصدار قرار رئاسي بإقالة القاضي الطيب راشد ثم في إيقافه، ثقيلة وجدية، بينها قضايا شبهات فساد مالي وعقاري وتحيل مع أصهار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ومسؤولين كبار في الدولة وأطراف قضائية ومالية وإدارية قبل ثورة 2011».

من جهة أخرى، برأت دائرة الاتّهام لدى محكمة الاستئناف بمدينة سليانة (100 كلم غربي العاصمة تونس) القاضي الطيب راشد في «تهمة الاغتصاب» التي سبق أن وجهت إليه. وقد تقرر مع إنهاء مفعول بطاقة الإيداع بالسجن الصادرة في حقه، لكن لم يقع إطلاق سراحه بسبب تتبعه في قضايا أخرى لدى محكمة الاستئناف في العاصمة تونس.

وكان بعض تلك القضايا الأمنية الاقتصادية أثيرت ضده بعد اتهامات وجهها لها عدد من القضاة والسياسيين، بينهم رئيس النيابة العمومية في محكمة تونس البشير العكرمي الذي عزله الرئيس التونسي بدوره وصدر قرار قضائي بسجنه، بعد أن وجه له الطيب راشد وعدد من القضاة والسياسيين والإعلاميين اتهامات بالتقصير، والقيام بتجاوزات في ملف الاغتيالات السياسية وقضايا الإرهاب.

نور الدين البحيري وزير العدل الأسبق (من مواقع الإعلام التونسية - متداولة)

قيادات من حزب «النهضة»

من جهة أخرى، أصدر قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بطاقة إيداع جديدة بالسجن ضد نائب رئيس حزب «النهضة» المحامي ووزير العدل عامي 2012 و2013 نور الدين البحيري.

وفسرت أوساط قضائية هذا القرار «بقضية إسناد الجنسية التونسية لأجانب مورطين في قضايا إرهاب دولية خلافاً للصيغ القانونية خلال سنة 2013».

لكن المحامين المكلفين بالدفاع عن البحيري أوردوا أن «إسناد الجنسية التونسية لمصريين كانا من قيادات الإخوان المسلمين كان قراراً قديماً صدر قبل أكثر من 40 عاماً بأمر من الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة».

حالة استنفار في المحاكم التونسية بسبب ملفات الإرهاب والفساد (متداولة)

لكن السلطات التونسية تتهم الوزير السابق للعدل نور الدين البحيري بتحمل جانب من مسؤولية «التورط في قضايا الإرهاب والاغتيالات السياسية»، بصفته الحكومية السابقة ثم بصفته الحزبية والسياسية. كما حمله الرئيس التونسي مراراً مسؤولية «الفساد في قطاع القضاء»، و«عدم بت المحاكم بوضوح ونجاعة في قضايا الإرهاب والفساد، وبينها قضايا اغتيال الشهيدين محمد البراهمي وشكري بالعيد». لكن البحيري وقادة حزب «النهضة» ورئيسي حكومتيه حمادي الجبالي وعلي العريض أصدروا مراراً بلاغات رسمية تنفي هذه الاتهامات الخطيرة.

كما أصدرت محاكم خلال الأيام القليلة الماضية قرارات جديدة بتمديد إيقاف وزراء سابقين من مرحلتي ما قبل ثورة 2011 ومنعرج 25 يوليو (تموز) 2021، الذي أسفر عن تغييرات بالجملة على رأس الدولة، وعن محاكمات لعدد من السياسيين الذين حملهم الرئيس قيس سعيد وأنصاره مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي مرت بها البلاد منذ 2011.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد عقد خلال الأيام القليلة الماضية، اجتماعات عديدة مع وزيرة العدل القاضية ليلى جفال، بحضور وزير الداخلية كمال الفقي ووزيرة المالية سهام بوغديري.

وانتقد سعيد في تلك الاجتماعات «تباطؤ القضاء» في البت في بعض القضايا الأمنية الخطيرة وقضايا الفساد طوال أكثر من 10 أعوام. وأمر سعيد بالتعجيل بالبت في الملفات العالقة «خاصة عندما تكون الوثائق والحجج واضحة ومؤكدة».

من جهة أخرى، أعلنت وزيرة العدل أمام البرلمان أن المحاكم التونسية ستكشف قريباً عن تفاصيل حول «الملفات الخطيرة» التي تسببت في إيقاف عشرات من الشخصيات السياسية والمالية والعامة في قضايا أحيلت على الدوائر المختصة بملفات الإرهاب والفساد والتآمر على أمن الدولة.

في المقابل، تقدم «فريق الدفاع عن القادة السياسيين المعارضين المعتقلين في قضايا ذات صبغة إنسانية»، بمطالب إفراج جديدة عنهم لأسباب إنسانية وصحية وسياسية، وطالبوا بتبرئتهم من تهم «الإرهاب والعنف والتآمر على أمن الدولة والفساد».


مقالات ذات صلة

تركيا: تحقيق ضد زعيم المعارضة لانتقاده اعتقال رئيس بلدية في إسطنبول

شؤون إقليمية زعيم المعارضة التركية رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال (من حسابه في «إكس»)

تركيا: تحقيق ضد زعيم المعارضة لانتقاده اعتقال رئيس بلدية في إسطنبول

فتح مكتب المدعي العام لمدينة إسطنبول تحقيقاً ضد زعيم المعارضة رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال يتهمه بـ«إهانة موظف عمومي علناً بسبب أداء واجبه».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية المقاتلة الأميركية «إف - 16 بلوك 70» (موقع شركة لوكهيد مارتن)

تركيا تقلص صفقة «إف - 16» مع أميركا وتتحدث عن تطور يخص «إف - 35»

قرَّرت تركيا تقليص صفقة شراء مقاتلات «إف - 16» الأميركية في الوقت الذي أعلنت فيه أن أميركا أعادت تقييم موقفها من حصولها على مقاتلات «إف - 35» الشبحية

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية مروحيتان حربيتان تركيتان تشاركان في قصف مواقع لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

أعلنت تركيا تطهير مناطق في شمال العراق من مسلحي «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وأكدت أن علاقاتها بالعراق تحسنت في الآونة الأخيرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جهاز مكافحة الإرهاب في ألمانيا (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: حملة تفتيشات جديدة بحثاً عن إرهابيين سابقين في «الجيش الأحمر»

تُعد جماعة «الجيش الأحمر»، التي تأسست في عام 1970، إحدى أبرز الجماعات اليسارية بألمانيا الغربية السابقة في فترة ما بعد الحرب حيث تم تصنيفها هناك جماعة إرهابية.

«الشرق الأوسط» (برلين)

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

قال محامون في الجزائر إن المحكمة العليا قبلت طعناً بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً، بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل، بناءً على توجيهات من تنظيم إرهابي»، يُسمى «حركة الحكم الذاتي في القبائل».

صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

وأكد المحامي والحقوقي الشهير، مصطفى بوشاشي، الذي ترافع لصالح بعض المتهمين، لصحافيين، أن أعلى غرفة الجنايات بأعلى هيئة في القضاء المدني نقضت، مساء أمس الخميس، الأحكام التي صدرت فيما بات يعرف بـ«قضية الأربعاء ناث إراثن»، وهي قرية ناطقة بالأمازيغية (110 كيلومترات شرق)، شهدت في صيف 2021 حرائق مستعرة مدمرة، خلفت قتلى وجرحى، وإتلافاً للمحاصيل الزراعية ومساحات غابات كبيرة، وعقارات ومبانٍ على غرار قرى أخرى مجاورة.

مبنى المحكمة العليا بأعالي العاصمة الجزائرية (الشرق الأوسط)

غير أن الحرائق ليست أخطر ما حدث يومها في نظر القضاء، فعندما كان سكان القرية يواجهون النيران بوسائلهم الخاصة البسيطة، تناهى إليهم أن شخصاً بصدد إضرام النار في بلدتهم عمداً، وفعلاً ألقت الشرطة بهذه الشبهة على ثلاثيني من منطقة بوسط البلاد، يُدعى جمال بن سماعين، فتوجهوا وهم في قمة الغضب إلى مقر الأمن، وكان الشاب في تلك الأثناء داخل سيارة الشرطة فأخرجوه منها، غير عابئين بالعيارات النارية، التي أطلقها رجال شرطة لثنيهم عن قتله، وأخذوه إلى الساحة العامة، فنكّلوا به وأحرقوا جثته، بينما كان يتوسل إليهم أن يخلوا سبيله، وبأنه حضر إلى القرية للمساعدة وليس لإشعال النار.

وجرى تصوير مشاهد التنكيل المروعة بكاميرات الهواتف النقالة، واعتقل الأمن لاحقاً كل الذين ظهروا في الصور.

جمال بن سماعين قُتل على أيدي سكان قرية التهمتها النيران (متداولة)

على أثر ذلك، طالبت قطاعات واسعة في المجتمع بـ«القصاص»، ورفع التجميد عن عقوبة الإعدام، التي تصدرها المحاكم دون أن تنفذ، وذلك منذ تطبيقه بحق 3 إسلاميين عام 1993، بتهمة تفجير مطار العاصمة صيف 1992 (42 قتيلاً). لكن أثبت التحقيق بأن بن سماعين لا يد له في الأحداث المأساوية.

وبثّ الأمن الجزائري «اعترافات» لعدد كبير من المعتقلين بعد الأحداث، أكدوا كلهم أنهم وراء النيران المستعرة، وبأنهم ارتكبوا الجريمة بأوامر من رئيس تنظيم «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، فرحات مهني، الذي يتحدر من المنطقة، ويقيم منذ سنوات طويلة بفرنسا بصفته لاجئاً سياسياً.

فرحات مهني المتهم بإشعال النار في منطقة القبائل (الشرق الأوسط)

وقال محامو المتهمين بعد تداول هذه «الاعترافات» إن القضاء «يبحث عن مسوّغ لإنزال عقوبة ثقيلة في حقهم»، وهو ما حدث بالفعل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بإدانتهم بالإعدام. علماً بأن التهم وجهت لمائة شخص في هذه القضية، وحُكم على بعضهم بالسجن بين عام و5 سنوات مع التنفيذ، في حين نال آخرون البراءة.

وتمثلت التهم أساساً في «نشر الرعب في أوساط السكان بإشعال النيران»، و«الانتماء إلى منظمة إرهابية» تُدعى «ماك»، و«قتل شخص عن سبق إصرار والتنكيل بجثته»، و«القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان، وخلق جو انعدام الأمن»، وتم تثبيت الأحكام بعد استئنافها.

أما فرحات مهني فكذّب، في فيديو نشره بالإعلام الاجتماعي، التهمة المنسوبة إليه، وطالب بفتح تحقيق مستقل في الأحداث «من طرف جهة أجنبية».

وفي نظر عدد كبير من المحامين على صلة بهذا الملف، فإن القضاء يبحث من خلال نقض الأحكام عن «إصلاح أخطاء تسبب فيها بإصدار قرارات متسرعة»، وبأن القضاة «كانوا تحت ضغط رأي عام طالب بالقصاص». ووفق ما ينص عليه القانون، ستعاد محاكمة المتهمين في محكمة الجنايات بتشكيل قضاة غير الذين أدانوهم في المرة السابقة.