الرئيس التونسي يواصل حربه على «الفساد والمفسدين»

كشف خلال لقائه مع وزيرة العدل «تجاوزات واختلاسات كثيرة»

الرئيس التونسي في اجتماع سابق مع رئيس الحكومة لبحث سبل محاربة الفساد (موقع رئاسة الجمهورية)
الرئيس التونسي في اجتماع سابق مع رئيس الحكومة لبحث سبل محاربة الفساد (موقع رئاسة الجمهورية)
TT
20

الرئيس التونسي يواصل حربه على «الفساد والمفسدين»

الرئيس التونسي في اجتماع سابق مع رئيس الحكومة لبحث سبل محاربة الفساد (موقع رئاسة الجمهورية)
الرئيس التونسي في اجتماع سابق مع رئيس الحكومة لبحث سبل محاربة الفساد (موقع رئاسة الجمهورية)

سرّع الرئيس التونسي قيس سعيد وتيرة الكشف عن ملفات الفساد، بتقديم أرقام ومعطيات في غاية الأهمية، خلال لقائه ليلى جفال، وزيرة العدل، حول ما تقاضاه من عينتهم الدولة على رأس الأملاك المصادرة من شخصيات، استغلت السلطة القائمة قبل ثورة 2011 للإثراء غير المشروع.

ووفق شريط فيديو نشرته رئاسة الجمهورية، ليلة الخميس، فقد استعرض الرئيس سعيد أمام الوزيرة سلسلة التجاوزات المالية، التي تم تسجيلها من قبل أشخاص تولوا الإشراف على مؤسسة «الكرامة القابضة»، وهي الجهة المكلفة بتسيير الأملاك المصادرة والتصرف فيها، قائلاً بلهجة متهكمة إن «الكرامة القابضة قبضت روح الكرامة وداست عليها».

وخلال هذا اللقاء، قدّم الرئيس سعيد معطيات حول الامتيازات المالية، التي تمتع بها المسؤولون على هذه المؤسسة، مؤكداً أن أحدهم كان يتمتع بخمس سيارات وظيفية، علاوة على مخصصات الوقود، مبرزاً أن أحد القضاة المتعاقدين، الذين تم انتدابهم في هذه المؤسسة، كان يتقاضى 462 ألف دينار تونسي سنوياً (نحو 154ألف دولار). كما رأى سعيد أن بعض اللوبيات التي استولت على شركات مصادرة «تنخر البلاد، لكنها لن تستطيع بعد اليوم العبث بمقدرات الشعب، لأن العمل مستمر من أجل تطهير البلاد من الفساد، الذي خربها في كل مكان تقريباً، والذي استشرى في تونس».

كما دعا الرئيس، القضاء التونسي إلى «أن يقوم بدوره في تطهير البلاد من العابثين والمجرمين، ومن منظمات تتلقى تمويلات من الخارج باسم المجتمع المدني، وهي امتداد لأحزاب ومخابرات أجنبية»، وكشف في هذا السياق عن تلقي جمعية تونسية، لم يسمها، مبلغ 7 ملايين دينار تونسي (نحو 2.3 مليون دولار)، مطالباً بضرورة وضع حد لملفات الفساد، وأن ينخرط القضاء التونسي فيما سمّاها «الحرب بلا هوادة ضد الفساد»، متهماً المؤسسات التي وضعت لمكافحة الفساد بأنها «انخرطت للأسف مع الفاسدين والمفسدين».

الرئيس قيس سعيد خلال زيارته لفلسطينية جريحة تتلقى العلاج في أحد مستشفيات تونس العاصمة (أ.ب)

وكانت هيئة الدائرة الجنائية المختصة في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، قد نظرت في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في ملف شبهات فساد مالي بشركة «الكرامة القابضة»، المكلفة بتسيير وبيع الأملاك المصادرة من عائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي وأصهاره، وقررت تأجيل القضية إلى وقت لاحق. وشملت الأبحاث الأمنية والقضائية عدداً من كبار المسؤولين الحكوميين، الذين سبق لهم ترؤس لجنة التصرف في الأملاك المصادرة، من بينهم قضاة بارزون، بالإضافة إلى عدد من المسيرين السابقين في هذه الشركة.

وبشأن قانون الصلح الجزائي مع رجال أعمال استفادوا من منظومة الحكم السابقة، قال سعيد إنه سيقع تعديل النص القانوني المنظم للصلح الجزائي، مؤكداً أنه سيتم إبرام «صلح جزائي حقيقي حتى تعود الأموال للشعب وللمفقرين وللبؤساء».

يذكر أن الرئيس التونسي سبق أن قدر حجم الأموال التي استولى عليها رجال أعمال «فاسدين» بنحو 13.5 مليار دينار تونسي (نحو 4.5 مليار دولار)، وهو مبلغ ستعمل الدولة بعد تنفيذ قانون الصلح الجزائي على توظيفه في تنمية المناطق الفقيرة. غير أن منظمات حقوقية وخبراء في الاقتصاد والمالية أكدوا صعوبة استرجاع هذه المبالغ، بحجة وجود عراقيل كثيرة تقف ضد تنفيذ قانون الصلح الجزائي في صيغته الحالية.

على صعيد متصل، قالت كلثوم بن رجب، وزيرة التجارة وتنمية الصادرات، بمناسبة إشرافها، الجمعة، في مدينة سوسة على الافتتاح الرسمي للدورة 37 من أيام المؤسسة، إن الحكومة التونسية «تطمئن رجال الأعمال والمتعاملين الاقتصاديين العاملين في كنف احترام القانون، وهم الأغلبية الساحقة»، وأكدت أن الدولة «ستواصل دعمهم بكل الوسائل المتاحة، وتوفر لهم مناخ أعمال مناسباً حتى يسهموا في خلق الثروة وتنمية البلاد».

وتأتي هذه التطمينات إثر تأكيد تقارير إعلامية محلية هجرة عدد من رجال الأعمال التونسيين إلى الخارج، وفتح حسابات مالية هناك، والانتقال للاستقرار خارج تونس بعد موجة من التضييقات التي تعرضوا لها.

وأضافت بن رجب، موضحة أن الحكومة ماضية قدماً في القيام بما يلزم لتوفير ممهدات النجاح للاستثمار الخاص، وتعزيز الثقة لدى رجال الأعمال التونسيين والأجانب في منظومة القوانين والحوافز، والبرامج المشجعة للمبادرات الخاصة، على حد قولها.



«السوشيال ميديا» العربية منقسمة إزاء حرائق لوس أنجليس

جانب من جهود إخماد الحرائق في مدينة لوس أنجليس (أ.ب)
جانب من جهود إخماد الحرائق في مدينة لوس أنجليس (أ.ب)
TT
20

«السوشيال ميديا» العربية منقسمة إزاء حرائق لوس أنجليس

جانب من جهود إخماد الحرائق في مدينة لوس أنجليس (أ.ب)
جانب من جهود إخماد الحرائق في مدينة لوس أنجليس (أ.ب)

مع استمرار الحرائق بمدينة لوس أنجليس واتساع نطاقها لتطول مناطق كانت بمنأًى عن النيران، امتدت آثار الحرائق إلى «السوشيال ميديا» العربية، التي تفاعل جمهورها على نطاق واسع مع الحدث غير المسبوق الذي تشهده الولايات المتحدة الأميركية.

وعبّرَ جمهور منصات التواصل الاجتماعي عن مشاعر متنوعة انتابتهم تجاه تلك الحرائق، وتراوحت بين «التعاطف مع الضحايا وحالة الدمار التي اجتاحت لوس أنجليس»، و«الشماتة في الولايات المتحدة نتيجة صمتها تجاه ما يحدث في قطاع غزة».

وقفزت «الهاشتاغات» المتفاعلة مع الحرائق إلى صدارة «التريند» في الدول العربية، وأبرزها (#حرائق_كالفورنيا)، و(#لوس_أنجلوس)، و(#أمريكا_تحترق)، و(#مخيمات_لوس_أنجلوس).

فمع تدمير الحرائق أجزاءً كاملة من ثاني كبرى المدن الأميركية، ومشاهد المنازل والسيارات المشتعلة، أبدت بعض الحسابات تعاطفها مع المواطنين بالمدينة، وإشفاقها على فزع الأمهات على أطفالهن.

بينما أشار البعض إلى تعاطفهم مع الأشجار والنباتات وحيوانات الغابات.

وأتت النيران على أكثر من 12 ألف مبنى، و15 ألف هكتار من الأراضي، وسط ترجيحات من وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية أن «تكون الحرائق من بين الكوارث الطبيعية الأعلى تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة».

في المقابل، أكد بعض رواد «السوشيال ميديا» صراحة أنهم لا يشعرون بأي تعاطف إنساني مع ما يحدث، وأن الأحق بالتعاطف هم العرب والمسلمون.

كما وصف آخرون ما تشهده أميركا بأنه «عدالة إلهية».

وبينما تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن أخيراً عن أن المشهد «أشبه بساحة حرب وعمليات قصف»، عقد كثير من رواد «التواصل» مقارنات بين المشاهد في قطاع غزة ومدينة لوس أنجليس، عبر نشر صور تعكس حالة الدمار بين الجانبين.

وبينما أجبرت الحرائق عشرات الآلاف على إخلاء منازلهم، والذي وصفه رواد «التواصل» بأنه «أكبر عملية نزوح في تاريخ أميركا»، شبّه البعض مشاهد الهاربين بسبب حرائق لوس أنجليس بمشاهد نزوح سكان شمال قطاع غزة إلى جنوبه، في أعقاب حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والدمار الذي تعرضت له منازلهم.

كما امتدت المقارنات إلى مشاهد تلقّي الفارين من الحرائق للمساعدات من طعام وملابس في المخيمات التي أقيمت لهم، في مقابل ما يعانيه سكان غزة من ظروف صعبة داخل مخيماتهم.

ويرى المتخصص في تطوير المحتوى الرقمي بمصر، محمد الهواري، أن «التفاعل بشأن الحرائق على (السوشيال ميديا) العربية، يُمكن تفسيره بأنه خطاب انفعالي، سواء كان للتعاطف أم الشماتة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض المتابعين رافضون لموقف أميركا مما يحدث في غزة، ومن ثَمَّ وجدوا الحرائق فرصة للتعبير عن رأيهم».

الاختصاصية النفسية والاجتماعية في مصر، داليا الحزاوي، ذكرت أن «إظهار (الشماتة) و(السخرية) من بعض رواد (التواصل) جاء رد فعل لسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لذلك رأى البعض أن هذه الحرائق (عقاب من الله)»، مضيفةً أن «الدافع وراء الشماتة هو الإحساس بالظلم تجاه ما تقوم به الإدارة الأميركية».

كما أوضحت الحزاوي لـ«الشرق الأوسط» أن حالة التعاطف مع الحرائق وجدناها تتمثل في أكثر من شكل عبّر عنه رواد مواقع (التواصل)، وصلت إلى استعداد البعض لتقديم المساعدات والإغاثات، وهذا التعاطف مع هذه الكارثة الطبيعية شأن إنساني بعيد عن الحسابات العقلية والسياسية.

ومع تناقُل مقاطع الفيديو والصور للحرائق المستعرة، شبّه بعض المغردين ما يحدث بأنه يحاكي مشاهد تمثيلية في أفلام سينما هوليوود، لافتين إلى تحوُّل منازل نجوم السينما الأميركية في كاليفورنيا، التي تُقدَّر قيمتها بالملايين، إلى أكوام من الرماد بفعل الحرائق، وجذب النجم ميل جيبسون اهتمام كثيرين بحديثه عما يشبه نظريات المؤامرة حول أسباب اشتعال هذه الحرائق.

كما وصف آخرون الحرائق بأنها مشهد من «يوم القيامة»، وتناقلت كثير من الحسابات مقطع فيديو لـ«تيك توكر» يوثق من خلاله لوس أنجليس بعد الحرائق كأنها مدينة من نهاية الزمان.

وتناول إعلاميون عرب ما تنقُله الصور الواردة من مناطق الحرائق من مشاهد الدمار الكبير الذي خلَّفته الكوارث، وصعوبة السيطرة على النيران وسط الرياح العاتية.

ونال كثير من التعليقات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بـ«الشماتة»، حيث اتفق أصحابها أنه «تَوَعَّدَ الشرق الأوسط بالجحيم، فانقلب عليه تهديده». كما رأى متابعون أن حرائق الولايات المتحدة «نهاية تليق بحقبة بايدن، وبداية تليق بسنوات ترمب».

عودة إلى الهواري الذي تَحَدَّثَ عن «المحتوى الخاص بالحرائق على منصات التواصل الاجتماعي بوصفه نوعاً من الاستهلاك دون وجود مساحات للتحقُّق من صحته، حيث شهدنا تداول (أخبار كاذبة) مثل المشاركة الواسعة لمقاطع فيديو تروِّج لعمليات نزوح في لوس أنجليس، وقد تَبَيَّنَ لاحقاً أنها غير حقيقية، وهو ما يطرح تساؤلات بخصوص أهمية الوعي المعلوماتي على منصات التواصل الاجتماعي».