ماذا وراء إلغاء تفويض «يونيتامس» وإبقاء مهامها؟

تباين في وجهات النظر بين «فرحين» بالقرار ورافضين له

ماذا وراء إلغاء تفويض «يونيتامس» وإبقاء مهامها؟
TT

ماذا وراء إلغاء تفويض «يونيتامس» وإبقاء مهامها؟

ماذا وراء إلغاء تفويض «يونيتامس» وإبقاء مهامها؟

تباينت وجهات النظر السودانية حول اعتماد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2715، الذي قضى بإنهاء تفويض بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان «يونيتامس»، بين مؤيدين للقرار ومعارضين له.

فبينما رحبت به وزارة الخارجية لأنه اتخذ بناء على طلبها وانتصاراً لدبلوماسيتها ضد البعثة التي وصفتها بـ«المخيبة للآمال»، رأى آخرون أن القرار الذي ينص على إنهاء تفويض البعثة و«توزيع مهامها» على وكالات الأمم المتحدة الأخرى، كل حسب اختصاصها، هو بمثابة «فخ» نصب للدبلوماسية السودانية، يتيح وصاية أممية أقوى مما كانت عليه الحال قبل إلغاء تفويض «يونيتامس».

وعدّت الخارجية السودانية رئيس البعثة، الألماني «بيرتيس فولكر»، غير محايد في الصراع بين الجيش والمدنيين، وطلبت من الأمين العام للأمم المتحدة «تبديله»، قبل أن تبلغ المنظمة الدولية عدّه «غير مرغوب فيه»، ما اضطره للاستقالة في سبتمبر (أيلول) 2023، بعد ثلاثة أشهر تقريباً من طلب استبداله، ولاحقاً، تطور الموقف إلى طلب إنهاء تفويض «يونيتامس» في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعدّها فشلت في تنفيذ مهمتها، وأن أداءها كان «مخيباً للآمال».

فولكر بيرتس رئيس «يونيتامس» خلال إحاطة له أمام «مجلس الأمن» قبل استقالته في سبتمبر 2023 «إكس»

ونص قرار مجلس الأمن 2715 الصادر أمس الجمعة، على إنهاء ولاية «يونيتامس» ابتداء من يوم الأحد 3 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، والبدء بوقف عملياتها من الاثنين، و«نقل مهامها وبرامجها وصناديقها لوكالات الأمم المتحدة، وإنهاء العملية كلياً بحول 29 فبراير (شباط) 2024».

ودعا القرار الأطراف السودانية للتعاون الكامل مع الأمم المتحدة في أثناء فترة الانتقال، وطلب من الأمين العام إبقاء مجلس الأمن على اطلاع بشأن عملية الانتقال والتصفية، ورحب بتعيين الجزائري رمطان لعمامرة مبعوثاً شخصياً للأمين العام إلى السودان، من أجل استكمال جهود السلام في البلاد، وكلف الأمين العام بإحاطة المجلس خلال 90 يوماً، وخلال 120 يوماً على التوالي، حول جهود المنظمة نحو السلام والاستقرار في السودان.

الخارجية السودانية ترحب

وكان رئيس الوزراء الأسبق، عبد الله حمدوك، قد طلب من مجلس الأمن الإبقاء على «يونيتامس»، عادّا الحاجة لوجودها أصبحت أكثر إلحاحاً بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 وحرب الخامس عشر من أبريل (نيسان) الماضي، وأن «الشعب السودانى المنكوب» بحاجة لوجودها أكثر من أي وقت مضى.

وقالت الخارجية في بيان، صبيحة السبت، إن اعتماد قرار إنهاء ولاية البعثة، جاء استجابة لطلب السودان الذي قدمه لمجلس الأمن، وإن وكيل الوزارة، دفع الله الحاج علي، أبدى سعادته للقرار في أثناء مشاركته في الجلسة، وشكر الدول الأعضاء في المجلس على استجابتهم لطلب حكومته. وتعهد الحاج علي بالعمل على وقف الحرب ومعالجة آثارها وإكمال مسار فترة الانتقال، بإحياء عملية سياسية موسعة بإرادة وطنية خالصة تفضي إلى انتخابات حرة وشفافة، مؤكداً حرص حكومته على استمرار الارتباط البناء مع الأمم المتحدة والتعاون مع المبعوث الشخصي للأمين العام رمطان لعمامرة.

رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك في برلين 14 فبراير 2020 (رويترز)

ولم تصدر تعليقات من رئيس الوزراء الأسبق، عبد الله حمدوك، رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، على عدم إجابة طلبه، إلا أن المحلل السياسي محمد لطيف قال إن هناك مجموعات «احتفلت» بصدور القرار، وعدّته انتصاراً لمعركتها مع رئيس البعثة فولكر بيرتس وتحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» الذي تعدّه متواطئاً معها. وأضاف: «لو أنهم تمعنوا قليلاً لانتبهوا لخطورة الموقف، من خلال كلمات بعض ممثلي الدول الأعضاء عن تجاوزات حقوق الإنسان والمدنيين، وأن الوضع في السودان ينذر بالخطر، وهذا ما يفرض على الأمم المتحدة المزيد من الأدوار وليس العكس، كما يبدو الآن».

خطوة نحو البند السابع

وبشأن ما دار في اجتماع المجلس، قال لطيف: «القرار ألغى البعثة، وأبقى مهامها ونقلها إلى وكالات الأمم المتحدة مع التأكيد على خطورة الوضع والمواجهات العسكرية، وسوء الأوضاع الإنسانية والمهددات الإنسانية... فإذا ألغيت الذراع المدنية، وفي الوقت نفسه تتحدث عن المخاطر التي تواجه السودان، فأنت - مجلس الأمن - مسؤول عن التزاماتك تجاه استقرار السودان ووحدته وسيادته وأمنه... سيكون عندك خيار آخر»، جازماً بأنه «لدى مراجعة هذا الوضع، ستكتشف ببساطة أن هناك تفكيراً في الانتقال للبند السابع».

وتشكلت بعثة «يونيتامس» في يونيو (حزيران) 2020 بطلب من الحكومة الانتقالية المدنية، لدعم الانتقال المدني الديمقراطي، واختير الألماني فولكر بيرتس رئيساً لها، وشكل رئيس الوزراء حمدوك وقتها لجنة للتنسيق مع البعثة، لكن عمل البعثة أصابه الشلل بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وتعطلت عملية الانتقال تبعا لذلك، وتعالت أصوات داعمي الانقلاب، من رموز وعناصر النظام السابق وجماعات متشددة، للمطالبة بطرد البعثة، وسيروا مسيرة في 22 أكتوبر 2022، طالبت الانقلابيين بإنهاء وجود البعثة.

وبالتعاون مع الاتحاد الإفريقي ودول "إيغاد" وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية، شرعت البعثة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، في التأسيس لعملية سياسية لتسوية النزاع بين القوى المدنية والعسكريين الذين دبروا الانقلاب، وتوصلت إلى توقيع "اتفاق إطاري" بين الجيش وقوى مدنية، تقرر بموجبه عودة الانتقال المدني الديموقراطي وتسلم المدنيين السلطة، لكن الحرب اندلعت بسبب النزاع بين الجيش و"الدعم السريع"، ما قطع الطريق أمام تنفيذه.

وتصاعدت حدة العداء من قبل الجماعات المتطرفة التي تقف وراء الجيش، ضد رئيس البعثة فولكر بيرتس، وبدأت بالمطالبة باستقالته، وصولاً إلى اعتباره غير مرغوب فيه، ما اضطره لتقديم استقالته في سبتمبر (أيلول) 2023. ورغم أن معركة مؤيدي الجيش بدأت بالمطالبة بطرد رئيس البعثة، لكنها تصاعدت بعد استقالته للطلب بإنهاء مهامها في السودان، وهو ما قرره مجلس الأمن مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري.


مقالات ذات صلة

أكثر من 120 قتيلاً بقصف على أم درمان

شمال افريقيا أعمدة من الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين «قوات الدعم السريع» شبه العسكرية والجيش في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

أكثر من 120 قتيلاً بقصف على أم درمان

أفاد مسعفون سودانيون بأن أكثر من 120 شخصاً قُتلوا، أمس (الاثنين)، في قصف استهدف منطقة بأم درمان الواقعة ضمن الخرطوم الكبرى.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان (السودان))
شمال افريقيا شهدت مدينة بورتسودان انقطاعاً واسعاً في الكهرباء منذ صباح الاثنين (رويترز)

انقطاع الكهرباء في عدة مناطق سودانية بعد مهاجمة سد مروي

انقطعت الكهرباء، اليوم (الاثنين)، عن بورتسودان، مقر الحكومة السودانية المتحالفة مع الجيش، بعدما استهدف هجوم بمسيّرة سداً لتوليد الطاقة الكهرومائية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا خيام نازحين سودانيين في بعض الدول (المنظمة الدولية للهجرة)

هل تفتح انتصارات البرهان الباب لعودة سودانيين من مصر؟

«انتصارات البرهان» الأخيرة تفاعل معها سودانيون يقيمون في ضاحية فيصل بمحافظة الجيزة بمصر، عبر احتفالات واسعة للجالية السودانية.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنود الجيش في منطقة البطانة (صفحة القوات المسلحة السودانية عبر «فيسبوك»)

الجيش السوداني يزيح عائقاً أساسياً أمام تقدمه في الخرطوم

أعلن الجيش السوداني، الأحد، السيطرة على مجمع الرواد السكني في الخرطوم، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا سودانيون يحتفلون في بورتسودان بسيطرة الجيش على ودمدني أمس (أ.ف.ب) play-circle 01:23

الجيش السوداني يستعيد ود مدني ويقترب من الخرطوم

حقّق الجيش السوداني، أمس، أكبر نصر له منذ انطلاق الحرب في أبريل (نيسان) 2023، بدخوله مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة (وسط)، ثانية كبرى مدن السودان،

محمد أمين ياسين (نيروبي)

المعارضة التونسية تطالب بـ«احترام الحريات» في ذكرى الثورة

من المظاهرة التي شهدتها تونس العاصمة للمطالبة بالإفراج عن  الشخصيات المعارضة المسجونة تزامناً مع الذكرى الرابعة عشرة للثورة (إ.ب.أ)
من المظاهرة التي شهدتها تونس العاصمة للمطالبة بالإفراج عن الشخصيات المعارضة المسجونة تزامناً مع الذكرى الرابعة عشرة للثورة (إ.ب.أ)
TT

المعارضة التونسية تطالب بـ«احترام الحريات» في ذكرى الثورة

من المظاهرة التي شهدتها تونس العاصمة للمطالبة بالإفراج عن  الشخصيات المعارضة المسجونة تزامناً مع الذكرى الرابعة عشرة للثورة (إ.ب.أ)
من المظاهرة التي شهدتها تونس العاصمة للمطالبة بالإفراج عن الشخصيات المعارضة المسجونة تزامناً مع الذكرى الرابعة عشرة للثورة (إ.ب.أ)

تظاهر في تونس العاصمة، اليوم الثلاثاء، العشرات للمطالبة بالإفراج عن عدد كبير من الشخصيات السياسية المعارضة المسجونة، تزامناً مع الذكرى الرابعة عشرة لثورة 2011 وسقوط نظام زين العابدين بن علي، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وبدعوة من «جبهة الخلاص الوطني»، الائتلاف المعارض الرئيسي، الذي يضم «حزب النهضة الإسلامي»، أحد أبرز معارضي الرئيس قيس سعيّد، أعرب المتظاهرون عن غضبهم من «القمع»، الذي اتهموا السلطات بممارسته. وردد المتظاهرون: «حريات...حريات! يا قضاء التعليمات»، و«أوفياء لدماء شهداء» ثورة 2011، فيما انتشر عناصر الشرطة بشكل كبير من حولهم، ورفع المتظاهرون صور المعارضين الموقوفين، من بينهم رئيس الوزراء الأسبق علي العريض، أحد قادة «حركة النهضة»، الملاحق في قضية تتعلق بإرسال شبان تونسيين إلى مناطق النزاع في سوريا، وكذلك الحقوقي جوهر بن مبارك، الملاحق قضائياً بتهمة «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

جانب من المظاهرة التي دعت لها «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة (أ.ف.ب)

وتعتبر المعارضة هذه الملاحقات «سياسية بحتة»، و«تصفية حسابات» من قبل القائمين على السلطة لإزاحة الأصوات المعارضة لسياسات الرئيس سعيّد، الذي يملك كل الصلاحيات منذ احتكاره السلطات في يوليو (تموز) 2021. وبموجب مرسوم رئاسي سنة 2021، تم تغيير تاريخ الاحتفال بذكرى الثورة من 14 يناير (كانون الثاني) إلى 17 من ديسمبر (كانون الأول)، وهو اليوم الذي يوافق ذكرى وفاة البائع المتجول محمد البوعزيزي، الذي أضرم النار في نفسه احتجاجاً على مصادرة الشرطة البلدية بضائعه. ورغم هذا التغيير الذي انتقدته فئة عريضة من الشعب التونسي، تواصل المعارضة التظاهر في تاريخ 14 يناير للمطالبة بتحسين وضع الحريات في تونس.

وفي هذا السياق، قالت شيماء عيسى، العضو في «جبهة الخلاص الوطني» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «14 يناير ليس تاريخاً يسهل محوه. فقد شهد هذا الشارع حدثاً تاريخياً كبيراً»، جمع «شباباً وشيوخاً، على اختلاف حساسياتهم السياسية، من العاصمة ومن كل المناطق».

ونددت المنظمات غير الحكومية التونسية والأجنبية والمعارضة بـ«الانجراف السلطوي» للرئيس سعيّد، من خلال تضييق الخناق على منظمات المجتمع المدني، وكذلك اعتقال النقابيين والناشطين والمحامين والنشطاء. وحسب منظمة «هيومن رايتس ووتش»، يوجد في تونس أكثر من 170 شخصاً موقوفين لأسباب سياسية، أو بسبب ممارسة حقوقهم الأساسية.

بدورها، أكدت «الرابطة التونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان»، في بيان بمناسبة إحياء ذكرى 14 يناير 2011، ضرورة إلغاء المراسيم، التي قالت إنها «تمسّ بجوهر الحقوق والحرّيات وأولها المرسوم 54».

ودعت الرابطة إلى تنقية المناخ السياسي، والاحترام التام للحقوق والحريات، منبهةً إلى ما سمته «تضييقاً على منظمات المجتمع المدني، والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والمدوّنين»، وأكدت على ضرورة حماية الفضاء الرّقمي، وضمان حرّية التّعبير على الإنترنت وخصوصيّة الأفراد. كما دعت إلى مراجعة الترسانة القانونيّة لتتلاءم مع المعايير الدّولية، فضلاً عن الدّعوة لتبنّي سياسات شاملة وعادلة، تعالج مشكلات الفقر والبطالة والتفاوت الجهوي، والتّهميش المجتمعي.

وذكّرت «الرّابطة» بموقفها من العدالة الانتقاليّة، التّي عدّتها «أساس المسار الدّيمقراطي، وشرط تحقيق المصالحة الوطنيّة، وبناء الثّقة بين المواطنين والدّولة، بعيداً عن المحاسبة الانتقائيّة»، داعيةً كلّ القوى الوطنيّة والمجتمع المدني إلى توحيد الجهود لمواجهة التّحديات الرّاهنة، والالتزام بالحوار كآليّة أساسية لحلّ الخلافات. كما شدّدت «الرابطة» في بيانها على أنّ «الاحتفال بذكرى الثورة يجب أن يكون دعوة متجدّدة لمواصلة النّضال من أجل دولة مدنيّة ديمقراطيّة، تضمن الحرّية والكرامة والعدالة لكلّ مواطنيها»، مؤكّدة «التزامها بالنّضال من أجل تحقيق غايات الثورة، في إطار مبادئها وقيمها المؤسّسة على ترابط الحقوق وشموليّتها».