ما دلالات حديث الرئيس المصري عن إقامة «دولة فلسطينية» منزوعة السلاح؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الرئاسة المصرية)
TT

ما دلالات حديث الرئيس المصري عن إقامة «دولة فلسطينية» منزوعة السلاح؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الرئاسة المصرية)

قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الجمعة، إن هناك استعداداً لإقامة دولة فلسطينية «حتى لو كانت منزوعة السلاح». وأشار إلى أن «مسار حل الدولتين فكرة استنفدت على مدار 30 سنة ولم تحقق الكثير»، داعياً إلى «الاعتراف بالدولة الفلسطينية». كلام الرئيس المصري أثار الحديث عن دلالات إقامة «دولة فلسطينية» منزوعة السلاح.

كان السيسي قد أكد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسي وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، وبلجيكا ألكسندر دي كرو، في القاهرة، الجمعة، «مستعدون لتكون (الدولة الفلسطينية) منزوعة السلاح، مع وجود قوات من (الناتو) أو الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أميركية لتحقيق الأمن لكلا الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية».

تصريحات الرئيس المصري ربما تكون الأكثر تفصيلاً بشأن ملامح «الدولة الفلسطينية المأمولة»، التي تتجاوز التعبيرات المعتادة في الخطاب الرسمي المصري، الذي غالباً ما يركز على أن تكون تلك الدولة على حدود «الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية»، لكنها ربما تكون المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس المصري عن تفصيلات بشأن ملامح مقترحة لتلك الدولة الفلسطينية.

مباحثات مصرية - إسبانية - بلجيكية في القاهرة بشأن غزة (الرئاسة المصرية)

معنى سياسي رمزي

وأشار رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، محمد عز العرب، إلى أن حديث الرئيس المصري «يحمل معنى سياسياً رمزياً»، لافتاً إلى أن أهمية هذا الطرح «تكمن في أنه يدفع باتجاه تجاوز الحروب المتكررة بين الجانبين، وينسجم مع مرتكزات الموقف المصري الداعي لإقامة الدولة الفلسطينية».

وأوضح عز العرب لـ«الشرق الأوسط» أن حديث السيسي يُمثل محاولة للبناء على ما تحقق بعد إقرار اتفاق الهدنة والتفكير في المرحلة التالية، بحيث «يمكن الانتقال من حالة الحرب إلى مرحلة التهدئة، ولا نقول السلام، لأن الأوضاع لا تزال محتقنة بشدة».

وحول طرح أن تكون الدولة الفلسطينية المأمولة «منزوعة السلاح»، أوضح عز العرب أن هذا الطرح «يحمل رسالة طمأنة لإسرائيل وداعميها، خصوصاً للولايات المتحدة، حتى لا يعرقلوا المقترح»، منوهاً بأن الهاجس الأمني لدى إسرائيل وداعميها كان «أحد أسباب عرقلة كل محاولات إقامة دولة فلسطينية على مدى عقود»، لافتاً إلى أن إقامة دولة فلسطينية «مكسب مهم وأداة فاعلة لكسر دائرة العنف، وتوفير أجواء من التهدئة المستدامة والاستقرار المنشود بالمنطقة»، مشيراً إلى أن إسرائيل تسعى من خلال الصراع الراهن إلى القضاء على كل قدرات الفصائل الفلسطينية المسلحة، ومن ثم فإن التأكيد على أهمية إقامة دولة فلسطينية حتى ولو كانت منزوعة السلاح، «يمثل وسيلة لدفع القوى الدولية للتفكير ليس فقط في احتواء العنف بشكل مؤقت، ولكن للتفكير في تهدئة مستدامة للصراع».

لم تكن الإشارة الأولى

الموقف المصري لم يكن هو الإشارة الأولى من نوعها في هذا الشأن، إذ تناقلت تقارير فلسطينية وإسرائيلية قبل 5 أعوام أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) أبلغ أكاديميين إسرائيليين أنه «يوافق على دولة فلسطينية منزوعة السلاح».

وقال عباس لوفد أكاديمي زاره في مكتبه برام الله، في أغسطس (آب) من عام 2018، وترأسه عيلاي ألون، إنه «يدعم دولة في حدود 1967 من دون جيش، أريد قوات شرطة غير مسلحة، مع هراوات وليس مسدسات». وأضاف عباس، حسب تقارير صحافية لم تنفها السلطة الفلسطينية في حينه: «بدلاً من الطائرات الحربية والدبابات، أفضل بناء مدارس ومستشفيات، وتخصيص الأموال والموارد لمؤسسات اجتماعية بدلاً من الجيش».

ويبدو أن ذلك الموقف الفلسطيني لم يكن جديداً، إذ أكدت وزيرة الخارجية الإسرائيلية سابقاً، تسيبي ليفني، أن عباس دعم فكرة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في مفاوضات السلام التي عقدتها معه بين عام 2013 و2014، خلال حكومة نتنياهو الثالثة، قبل أن تنهار تلك المفاوضات، التي توسط فيها وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري.

وحسب ليفني، فقد وافق عباس آنذاك على وجود قوات دولية، قد تكون من حلف شمال الأطلسي، على حدود الدولة الفلسطينية، كما وافق على اقتراحات بوجود أجهزة إنذار في مناطق حساسة، لكن نتنياهو رفض ذلك، وتمسك نتنياهو بوجود قوات إسرائيلية في المناطق الحدودية، ما أفشل المفاوضات آنذاك.

قافلة آليات إسرائيلية على طريق صلاح الدين يوم الجمعة (أ.ف.ب)

دولة منزوعة السلاح

ولا تلقى فكرة دولة منزوعة السلاح قبولاً لدى العديد من الفصائل الفلسطينية. وقال الناطق الرسمي باسم حركة «حماس»، سامي أبو زهري، عقب انتشار التقارير بشأن حديث الرئيس الفلسطيني عام 2018، إن «تصريحات عباس حول رغبته إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح هي تصريحات شخصية لا تمثل شعبنا الفلسطيني».

إلا أن حركة «فتح» أصدرت بياناً توضيحياً بشأن تصريحات الرئيس الفلسطيني قالت فيه إن الهدف الحالي هو «إقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وليس الخوض في سباق تسلّح مع أحد».

طرح الدولة الفلسطينية «منزوعة السلاح» عاد للظهور مجدداً عام 2020 خطةً بديلةً لصفقة السلام الأميركية في الشرق الأوسط، أو ما شاع وصفها بـ«صفقة القرن» وتبناها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إذ أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية عن تقديم «مقترح فلسطيني مكون من أربع صفحات ونصف الصفحة، ينص على قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة ومنزوعة السلاح» إلى الرباعية الدولية، التي تضم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة الأميركية». وعدَّ أشتية تلك الخطة «ضمن المساعي الفلسطينية لمواجهة خطة الضم الإسرائيلية».


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية مشاهد من حيفا لنظام القبة الحديدية الإسرائيلي خلال اعتراض صواريخ (أرشيفية - رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن، بعد وقت قصير من انطلاق صفارات الإنذار في مناطق من البلاد.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية مواطنون فلسطينيون يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية على منزل بغزة (رويترز)

اليوم التالي في غزة... دعوة «حماس» لتبني مقترح «الإسناد المجتمعي» تلقى «تحفظاً»

دعوات جديدة من «حماس» بشأن «لجنة إدارة قطاع غزة» في اليوم التالي من الحرب، تطالب حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس بالتجاوب مع جهود تشكيلها

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا فلسطينيون يحملون جثة شخص قُتل في غارة إسرائيلية أصابت منزلاً بحي الشجاعية شمال غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: «تفاؤل حذر» و«ضغوط» لإبرام «الصفقة»

جولة مفاوضات جديدة بالدوحة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن قوبلت بـ«تفاؤل حذر» في الإعلامين الإسرائيلي والأميركي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية متظاهرون يقطعون طريقاً في تل أبيب خلال احتجاج يطالب بالإفراج الفوري عن الرهائن في غزة (رويترز)

بسبب الحرب... الإسرائيليون يعانون من تكلفة المعيشة

أفاد تقرير إخباري، السبت، بأنه مع بداية 2025، يواجه الإسرائيليون فاتورة حرب تقدر بنحو 40 مليار شيقل (11 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

لماذا لا تتدخل مصر عسكرياً في اليمن؟

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
TT

لماذا لا تتدخل مصر عسكرياً في اليمن؟

سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)
سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)

أعاد نفي مصري لتقارير إسرائيلية عن استعداد القاهرة شن هجمات عسكرية ضد جماعة «الحوثي» في اليمن، تساؤلات بشأن أسباب إحجام مصر عن التدخل عسكرياً في اليمن، رغم ما تعانيه من تداعيات اقتصادية جراء هجمات «الحوثي» على السفن المارة في البحر الأحمر.

وأكد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر لا تفضل أن تقوم بأعمال عسكرية خارج حدودها»، وأشاروا إلى أن القاهرة «تدرك أن توترات البحر الأحمر سببُها استمرارُ الحرب في غزة»، ومن هنا فهي تُفضل «الطُرق الدبلوماسية لوقف الحرب».

ونفى مصدر مصري مسؤول، الأحد، ما تناولته تقارير إعلامية إسرائيلية عن «قيام مصر باستعدادات بهدف التدخل العسكري في اليمن».

وذكر المصدر المصري المسؤول، في تصريحات أوردتها قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن مثل هذه التقارير، وما تتضمنه من معلومات «مُضللة»، ليس لها أساس من الصحة.

وادعت تقارير إسرائيلية أن «مصر تستعد لضرب الحوثيين بعد تكبدها خسائر اقتصادية كبرى جراء تصاعد التهديدات ضد هيئة قناة السويس التي تعد شرياناً حيوياً للتجارة العالمية».

كما زعمت التقارير أيضاً أن مصر «أبدت رغبة متزايدة في لعب دور فعال في الصراع اليمني، مع تجهيز طائرات لتنفيذ عمليات جوية تستهدف الحوثيين، الذين أثاروا مخاوف متزايدة حول سلامة الملاحة عبر البحر الأحمر».

نيران اشتعلت في ناقلة نفط استهدفها الحوثيون بالبحر الأحمر خلال وقت سابق (رويترز)

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 غيّرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة»؛ ما دفع شركات الشحن العالمية لتغيير مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر.

وعدَّ الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، التقارير الإسرائيلية، «محاولة للضغط على مصر ودفعها للعب دور في اليمن». وقال إن «مصر لن تشارك في أي عمل عسكري في اليمن»، مشيراً إلى أن القاهرة «تدرك أن السبب وراء التوترات في البحر الأحمر ليس في الحوثي أو في اليمن؛ بل في استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة». وأضاف فرج: «لو توقفت الحرب الإسرائيلية في غزة سوف تتوقف الهجمات على السفن بالبحر الأحمر».

واتفق معه مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، وقال إن «المشكلة ليست في (الحوثي)، فما يحدث جزءٌ من حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، و(الحوثي) مجرد أداة، والقاهرة لن تتعامل مع الأدوات ولن تتورط في هذا الصراع».

وأضاف أن «القاهرة تؤمن بالحلول الدبلوماسية لأزمات المنطقة، ولن ترسل قواتها خارج الحدود، لا سيما مع إدراكها حجم التوترات على جميع حدودها، سواء في غزة أو ليبيا أو السودان».

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023 شكّلت الولايات المتحدة الأميركية، تحالف «حارس الازدهار» للرد على هجمات «الحوثي»، لكن مصر لم تعلن انضمامها له، وهو ما فسره خبراء آنذاك بأن القاهرة «تفضل المسار الدبلوماسي لحل الأزمة».

سفينة شحن خلال عبورها قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)

وحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد يوسف أحمد، فإن رفض مصر التدخل عسكرياً ضد «الحوثي» في اليمن «دليل على موضوعية السياسة المصرية». وقال إن «مصر هي الخاسر الأكبر من هجمات الحوثي، لكنها على مدار أكثر من عام لم تدنها، واقتصرت التصريحات الرسمية على التأكيد على ضرورة تأمين الملاحة في البحر الأحمر».

وأرجع أستاذ العلوم السياسية ذلك إلى أن «مشاركة مصر في أي تحالف حالياً ضد الحوثي قد ينظر له البعض على أنه دعم لتل أبيب في حربها على قطاع غزة».

وسبق وأشارت مصر مراراً إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي الذي يبدأ من يوليو (تموز) 2022 حتى نهاية يونيو (حزيران) 2023، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي 2023 - 2024، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نهاية الشهر الماضي، إن «إيرادات قناة السويس شهدت انخفاضاً تجاوز 60 في المائة مقارنة بعام 2023، مما يعني أن مصر خسرت ما يقرب من 7 مليارات دولار في عام 2024».

وذكرت مجلة «إسرائيل ديفنس»، الصادرة عن الجيش الإسرائيلي، في تقرير نشرته في أكتوبر الماضي، أنه «رغم ما تعانيه مصر من خسائر بسبب توترات البحر الأحمر، فإنها ترفض القيام بعمل عسكري ضد جماعة الحوثي»، وأشارت حينها إلى أن «القاهرة تضع الاعتبارات الاستراتيجية والخوف من التصعيد الإقليمي والعلاقات السياسية مع العالم العربي فوق أي اعتبار».