الجزائر: السجن 15 سنة لنجل رئيس حكومة سابق بتهمة «التخابر وبيع أسرار»

التحقيق عاد إلى ظروف ترشح الوالد لـ«رئاسية» 2019

محكمة الجنايات حيث جرت محاكمة الوفي بن فليس (الشرق الاوسط)
محكمة الجنايات حيث جرت محاكمة الوفي بن فليس (الشرق الاوسط)
TT

الجزائر: السجن 15 سنة لنجل رئيس حكومة سابق بتهمة «التخابر وبيع أسرار»

محكمة الجنايات حيث جرت محاكمة الوفي بن فليس (الشرق الاوسط)
محكمة الجنايات حيث جرت محاكمة الوفي بن فليس (الشرق الاوسط)

أنزلت محكمة الجنايات بالضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، الاثنين، عقوبة السجن 15 سنة مع التنفيذ بنجل رئيس الحكومة ومرشح انتخابات الرئاسة سابقاً علي بن فليس، بتهمة «التخابر لمصلحة أجنبية ببيع أسرار لها»، و«محاولة إلحاق ضرر بالاقتصاد الوطني».

وشملت الأحكام، السجن 7 سنوات مع التنفيذ بحق عضو «لجنة الصفقات» بشركة «الخطوط الجوية الجزائرية» المملوكة للدولة، والعقوبة ذاتها لمضيفة طيران في الشركة، علماً بأن نجل بن فليس، وافق بن فليس، هو صاحب شركة نشطة في مجال الإطعام لفائدة شركة الطيران الوحيدة في البلاد، واتُّهم في هذه القضية بـ«غسل أموال واستعمالها في حملة انتخابات الرئاسة (2019) لمصلحة والده المترشح».

طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية بمطار العاصمة (حساب شركة الطيران بالإعلام الاجتماعي)

كانت النيابة قد التمست الإعدام ضد وافق بن فليس (45 سنة)، والسجن 20 سنة ضد المتهمين الآخرين. وحسب التحقيقات التي أجراها قسم الشرطة المختص في «الإجرام الإلكتروني»، حصل وافق، بطرق غير قانونية، على معطيات يتضمنها «دفتر أعباء» خاص بصفقة شراء 15 طائرة، بغرض تسليمها إلى شركات أجنبية نشطة في مجال الطيران المدني، مقابل الحصول على أموال. وقال ممثل النيابة في مرافعته، إنه تسلم عمولة قدرها 50 مليون دولار. مبرزاً أن «الأفعال التي تورط فيها السيد بن فليس، مصنفة من أسرار الدولة الحساسة التي تطول الاقتصاد الوطني وأمن البلاد، وعقوبتها الإعدام»، وذلك في إشارة إلى ما ينص عليه قانون الجنايات في مثل هذه الوقائع. ومما جاء في التحقيقات، أن المتهمين الآخرين، «كانا شريكين له في بيع المعلومات المتعلقة بالصفقة»، التي أُعلن عنها في مجلس للوزراء في مايو (أيار) 2022 وقُدِّرت قيمتها بـ1.5 مليار دولار.

وأفضت التحقيقات في هذه القضية إلى وجود «علاقة مفترضة لوافق بن فليس، مع حملة ترشح والده علي بن فليس لانتخابات الرئاسة التي جرت نهاية 2019»، وهو محل شبهة «استعمال عائدات غسل أموال، لإيصال والده إلى قصر المرادية».

علي بن فليس خلال حملة انتخابات الرئاسة 2019 (الشرق الاوسط)

يشار إلى أن وافق يدير مكتب محاماة ويملك جنسية ثانية، كندية. وقد نفى، في أثناء المحاكمة، كل وقائع «الفساد المالي» و«بيع أسرار إلى جهة أجنبية»، كما كذَّب أن تكون له صلة بنشاط والده السياسي بما في ذلك ترشحه للرئاسة. مؤكداً أنه «يحب بلده» وأنه «يتحدر من عائلة شاركت في ثورة التحرير ضد الاستعمار، وبالتالي لا يمكن أن أخون وطني». وأكدت مصادر مقرَّبة من العائلة أن بن فليس، «يتعاطى بحساسية شديدة مع مسألة إقحامه في قضية نجله، ويرفض الخوض في هذا الموضوع من الأساس».

والمعروف أن بن فليس (79 سنة) كان وزيراً للعدل مطلع تسعينيات القرن الماضي، وترأس الحكومة من 2000 إلى 2003، خلال الولاية الأولى للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة. ووقع الطلاق بينهما عشية انتخابات الرئاسة 2004. بسبب رغبة بن فليس دخول المنافسة ضد الرئيس المترشح، الذي فاز في نهاية المطاف. وبعد سنوات قضاها بعيداً عن السياسة، أطلق بن فليس حزباً معارضاً، وعاود الترشح ضد بوتفليقة في 2014، وخسر المعركة من جديد.

مجلس الوزراء (آخر صورة لاجتماع رئيس البلاد بحكومته نشرتها الرئاسة)

واللافت أن القضاء لم يستدعِ علي بن فليس في أثناء التحقيق في هذه القضية، رغم ربط اتهام ابنه بتجربته في الانتخابات الرئاسية الماضية، التي عرفت وصول عبد المجيد تبون إلى السلطة. كما أنه بات نادر الحضور في الاجتماعات العامة، منذ أن أعلن في 2020 التنحي من حزبه «طلائع الحريات» (أحد كوادره وزير الخارجية الحالي أحمد عطاف)، والابتعاد عن السياسة حالياً، رافضاً طلبات الصحافة إجراء مقابلات معه.


مقالات ذات صلة

رئيس الجزائر يصف زيارة كانت مقررة إلى فرنسا بـ«الخضوع والإذلال»

شمال افريقيا الرئيس تبون خلال المقابلة الصحافية التي بثها التلفزيون العمومي (الرئاسة)

رئيس الجزائر يصف زيارة كانت مقررة إلى فرنسا بـ«الخضوع والإذلال»

قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون: «لن أذهب إلى (كانوسا)»؛ تعبيراً عن أن التوجه إلى فرنسا في الوقت الحالي يعدّ «استسلاماً» و«خضوعاً».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الاقتصاد أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

الجزائر تعتزم شراء أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار في بنك «بريكس»

كشف الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عن أن بلاده تعتزم شراء أسهم في بنك «بريكس» للتنمية، بقيمة مليار ونصف مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الوفد الجزائري خلل مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة (الخارجية الجزائرية)

الاحتقان بين الجزائر ومالي يصل إلى ذروته

تعرف العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي احتقاناً حاداً منذ إلغاء باماكو بشكل أحادي «اتفاق المصالحة والسلام»، الذي وقعته مع المعارضة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الجزائري والفرنسي عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

حملة فرنسية لمراجعة «اتفاق الهجرة» مع الجزائر

جرى التوقيع على اتفاق الهجرة في 27 ديسمبر (كانون الأول) 1968، بهدف تنظيم حركة العمال الجزائريين بفرنسا بعد استقلال البلاد في 1962.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا السكان المتضررون طالبوا الرئيس تبون بـ«تدخل سريع لإنقاذهم من الوباء» (د.ب.أ)

السلطات الجزائرية تعلن مناطق شاسعة «بؤرة وباء»

أعلنت السلطات الجزائرية، السبت، مناطق شاسعة بأقصى الجنوب الشرقي «بؤرة وباء»، وذلك إثر تفشي الملاريا والدفتيريا وسط السكان.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

عقبات عديدة على مدار عام حاصرت جهود الوسطاء خلال مساعيهم لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء أطول حرب بين إسرائيل و«حماس» التي بدأت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولا تزال مستمرة، وسط ترقب لانفراجة تنهي الأزمة التي طالت شظاياها دول أخرى في المنطقة، ومخاوف من اتساعها لحرب إقليمية.

الوساطة التي بدأت مع الساعات الأولى للحرب، تراوح مكانها منذ عدة أسابيع مع استمرار «التعنت الإسرائيلي»، ورغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في استمرار الحرب التي حوّلت مساحات شاسعة من القطاع الفلسطيني المحاصر إلى ركام.

وبحسب رصد «الشرق الأوسط» واجهت جهود الوسطاء عدة «تعقيدات» على مدار العام أبرزها، تمسك «حماس» في الأشهر الأولى من المفاوضات بوقف دائم لإطلاق النار، بجانب إصرار نتنياهو على السيطرة على «محور فيلادليفا» والجانب الفلسطيني من معبر رفح المتاخمين لحدود مصر بخلاف الرغبة المصرية، فضلاً على وضع شروط بخصوص عودة النازحين من الجنوب للشمال لم تقبلها «حماس».

تلك العقبات التي لم تحلها 4 مقترحات رئيسية قدمها الوسطاء على مدار عام، يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها قادت إلى «مسار معقد» بسبب تراخٍ أميركي في الضغط على نتنياهو. وتوقع الخبراء أن تستمر الأزمة بانتظار ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

دبابة إسرائيلية تعمل بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة (رويترز)

وبعد أن تسلمت إسرائيل 109 من رهائن كانوا لدى «حماس» بموجب هدنة أبرمها الوسطاء في 24 نوفمبر 2024 استمرت أسبوعاً، قلب نتنياهو الطاولة وعاد للحرب، «وكان كلما يقترب (الوسطاء) من اتفاق في غزة يواجهون سياسات إسرائيلية استفزازية لا تستهدف سوى مزيد من التصعيد»، وفق تصريحات صحافية لوزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، قبل شهر.

ومع قرب إبرام اتفاق تهدئة ثانٍ خلال محادثات شهدتها باريس في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، رفض نتنياهو الاتفاق بدعوى «وجود فجوات كبيرة» لم يحددها، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية وقتها، قبل أن يعتبر مطالب «حماس» «وهمية وغير جادة في حل وسط»، وذلك عقب مفاوضات استضافتها القاهرة في 13 فبراير (شباط) الماضي. كما لم تسفر محادثات «باريس 2» في نهاية فبراير الماضي، عن جديد، مع حديث إذاعة الجيش الإسرائيلي عن أن «(حماس) بعيدة عما ترغب إسرائيل بقبوله»، وكذلك لم تصل مفاوضات بالدوحة في 18 مارس (آذار) الماضي، لانفراجة، وتكرر التعثر في محادثات القاهرة في 7 أبريل (نيسان) 2024، مع تمسك «حماس» بوقف إطلاق دائم لإطلاق النار قبل إبرام أي تهدئة.

وباعتقاد الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، فإن «نتنياهو كان واضحاً منذ الشهور الأولى، في عرقلة المفاوضات تحت أي ذريعة، غير عابئ بوساطة واشنطن»، لافتاً إلى أن عدم الضغط الحقيقي من إدارة بايدن شجعه على الاستمرار في إشعال الحرب.

رد فعل فتاة فلسطينية بعد غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين قرب مخيم جباليا (أ.ف.ب)

ويتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والمحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، قائلاً: «ما أوصلنا لهذا المسار المعقد، هو التراخي الأميركي في الضغط على نتنياهو، الذي حرص على مواصلة الحرب لضمان البقاء السياسي، مما جعل التوصل لاتفاق صعباً، لا سيما بالأشهر الأولى».

وكان مايو (أيار) الماضي الأقرب لإبرام اتفاق، مع طرح الوسيط المصري مقترحاً يفضي لوقف دائم لإطلاق النار، غير أن نتنياهو هدد باجتياح رفح الفلسطينية، ومع قبول «حماس» بالمقترح المصري في الـ6 من الشهر ذاته، وحديث الرئاسة المصرية عن «تطورات إيجابية»، نفذ نتنياهو تهديده، واتهمته الدوحة في 14 من الشهر ذاته بـ«إدخال المفاوضات في طريق مسدود».

وعاد مسار المفاوضات سريعاً في 31 مايو الماضي بإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن خريطة طريق لوقف كامل وتام لإطلاق النار، وسط ترحيب من «حماس»، وتمسك نتنياهو باستمرار الحرب.

وتحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في أغسطس (آب) الماضي، عن أنها اطلعت على وثائق غير منشورة تظهر أن نتنياهو «يعرقل المفاوضات ووضع شروطاً جديدة قبل انعقاد محادثات روما، منها السيطرة على (محور فيلادلفيا)»، بينما نفى مكتب نتنياهو ذلك، وأرسل وفداً في محادثات استضافتها الدوحة في 16 من الشهر ذاته، أسفرت عن تقديم واشنطن مقترحاً جديداً بهدف سد الفجوات المتبقية، على أن تبحث في جولة بالقاهرة، ولم تذهب هي الأخرى لانفراجة.

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم نور شمس للاجئين بالقرب من مدينة طولكرم بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

وكانت تلك الشهور الأخرى، بحسب أنور، «دليلاً جديداً للتأكيد على مواصلة حكومة نتنياهو إفساد المفاوضات وانتهاج سياسة حافة الهاوية»، و«نتيجة تلك السياسة الإسرائيلية، تزايدت العقبات أمام التوصل لاتفاق»، وفق الرقب.

وأمام كل هذه المعوقات كان الدوران المصري والقطري بالمقابل يتمسكان باستمرار المفاوضات، وفق تأكيد وزير الخارجية المصري، في كلمة بالأمم المتحدة أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي تصريحات صحافية لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قبل أيام.

هذا التمسك بمواصلة المفاوضات، لا سيما من الوسيطين المصري والقطري، يعني أن «هناك ترقباً لانفراجة قد تأتي مع رفض جبهة لبنان فصل غزة عن أي اتفاق أو تسوية قد تتم، ومع تزايد الضغوط على نتنياهو لمنع اتساع الحرب»، بحسب أنور، الذي أشار إلى أن «فرص الانفراجة الكبرى ستكون بعد انتهاء الانتخابات الأميركية».

في المقابل، يعتقد الرقب أن فرص عقد اتفاق بغزة قبل الانتخابات الأميركية لا تتجاوز 10 في المائة، مع سعي نتنياهو للبقاء في «محور فيلادلفيا»، مرجحاً أن «تستمر الحرب عاماً جديداً حتى لو وصل رئيس أميركي جديد للحكم».