باتت الأحكام القضائية التي أصدرها القضاء الجزائري ضد وجهاء عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة نهائية؛ إذ أعلنت المحكمة العليا، الخميس، رفضها الطعون التي قدمها وكلاء المدانين وأبرزهم سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل، ومجموعة رجال الأعمال المقرّبين منه سابقاً. وأُدين هؤلاء الأشخاص، الذين كانوا وجهاء النظام في المرحلة السابقة، بتهم كثيرة تحت عنوان «الفساد وتبديد المال العام».
وكان اللجوء إلى أعلى هيئة في القضاء المدني، بالنسبة للمتهمين، الملاذ الأخير، طمعاً في افتكاك قرار بإعادة الملف إلى محكمة الاستئناف ومعاودة المحاكمة بتشكيل قضاة مغاير، للفريق الذي أنزل بهم عقوبات ثقيلة في مايو (أيار) الماضي، وهي السجن 12 سنة مع التنفيذ، بحق سعيد بوتفليقة كبير المستشارين بالرئاسة في فترة حكم شقيقه (1999- 2019). والسجن بين 8 سنوات و15 سنة مع التنفيذ ضد رجال الأعمال: محي الدين طحكوت وعلي حداد وأحمد معزوز ومحمد بايري، والإخوة الأربعة رضا ونوح وطارق وسعاد كونيناف.
وكانت الأحكام التي صدرت عن محكمة الاستئناف، وثبتتها «المحكمة العليا» برفض الطعون، شملت البراءة للبرلماني السابق المثير للجدل بمواقفه المعارضة لمسؤولين في السلطة، الطاهر ميسوم، الذي جاء في تقارير التحقيقات حول هذه القضية، أنه متورط في مشروعات محل شبهة تبديد مال عام. كما حصل مدير بنك عمومي على البراءة من التهمة. وتقع سعاد كونيناف تحت إجراءات أمر دولي بالقبض، بحكم وجودها بالخارج وقد صدر الحكم ضدها في «حالة غياب».
وتم سجن أغلب المتهمين بين 2019 و2020، على أثر حملة اعتقالات طالت عشرات كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين ورجال الأعمال، وموظفين بارزين في وزارات وأجهزة حكومية. واتهمت النيابة سعيد بوتفليقة بـ«تسهيل منح مشروعات وصفقات حكومية» لفائدة رجال الأعمال، درّت عليهم ثروات طائلة خلال سنوات الوفرة المالية، التي تراكمت بفضل ارتفاع مداخيل النفط والغاز.
وكان أحد الإخوة كونيناف أبدى استياء، عندما استجوبه القاضي، من اتهامه بـ«الفساد ونهب المال العام»؛ بحجة أنه ينتمي إلى عائلة عرفت الثروة منذ سبعينات القرن الماضي، وأن المشروعات التي أنجزتها شركاتها في الجزائر وفّرت الشغل لآلاف الأشخاص، حسبه. أما سعيد بوتفليقة فلم يدافع عن نفسه ضد التهمة، بقدر ما كان، خلال المحاكمات العديدة التي خصّته، يدافع عن شقيقه الأكبر الرئيس، وعن «تاريخه المجيد وسياساته التي كان يريد من خلالها رفع شأن البلاد». وكثيراً ما عبّر عن استيائه من اتهام أخيه بـ«الفساد». ويشار إلى أن بوتفليقة استقال في 2 أبريل (نيسان) 2019 تحت ضغط مظاهرات ضخمة، رافضة ترشحه لولاية خامسة، في حين كان عاجزاً بدنياً منذ 2013، على أثر إصابة بجلطة دماغية أفقدته التحكم في حواسه. وتوفي في 17 سبتمبر (أيلول) 2021 بمقر إقامته بالعاصمة، وهو في سن 84.
والمعروف أن ثلاثة رؤساء حكومات، هم أحمد أويحي وعبد المالك سلال ونور الدين بدوي، وعشرات الوزراء السابقين، طالتهم تهمة الفساد وحُكم عليهم بالسجن لفترات تراوحت بين 5 و15 سنة. كما أن ذات التهمة وُجهت لمديري المخابرات سابقاً بشير طرطاق وواسيني بوعزة. ويقع تحت طائلة ذات التهمة، مسؤولون يوجدون في الخارج، أبرزهم وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب الذي جمّد بنك سويسري ودائعه المالية، منذ شهر، بناء على طلب الحكومة الجزائرية. ووزير الطاقة شكيب خليل المقيم بالولايات المتحدة رفقة زوجته المتهمة بالفساد هي أيضاً، زيادة على قائد سلاح الدرك الجنرال غالي بلقصير الذي يعيش بدولة صغيرة في المحيط الهادئ، اشترى جنسيتها لحماية نفسه من الترحيل.