تونس تبحث في أسباب تعطيل المشاريع الحكومية

قبل موعد الانتخابات المحلية المبرمجة يوم 24 ديسمبر المقبل

رئيس الحكومة التونسية في اجتماع وزاري مخصص لمتابعة المشاريع (رئاسة الحكومة)
رئيس الحكومة التونسية في اجتماع وزاري مخصص لمتابعة المشاريع (رئاسة الحكومة)
TT

تونس تبحث في أسباب تعطيل المشاريع الحكومية

رئيس الحكومة التونسية في اجتماع وزاري مخصص لمتابعة المشاريع (رئاسة الحكومة)
رئيس الحكومة التونسية في اجتماع وزاري مخصص لمتابعة المشاريع (رئاسة الحكومة)

تبحث السلطة التنفيذية التونسية ممثلة في رئاستي الجمهورية والحكومة، عن حلول مجدية لتجاوز «حالة العطالة» التي يعرفها عدد كبير من المشاريع الحكومية، وبقاء الكثير منها حبراً على ورق. وتسعى إلى تشخيص الوضعيات المختلفة، والضغط على المسؤولين في الجهات المعنية وعلى المستوى المحلي لإطلاق تلك المشاريع من معاقلها، قبل أقل من شهر ونصف الشهر من موعد الانتخابات المحلية المبرمجة يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وتعمل الجهات المعنية على تسجيل عدد من النقاط الإيجابية التي قد تضمن للسلطة الحالية بعض المكاسب. ونظمت الحكومة خلال الفترة الماضية اجتماعاً وزارياً خصص للنظر في معوقات إنجاز تلك المشاريع بعيداً عن الاتهامات التي وجهها الرئيس قيس سعيد لمنظومة الحكومة السابقة بزعامة «حركة النهضة» واتهامها بالتغلغل في مفاصل الدولة، السيطرة على القرار داخل الإدارة التونسية، وتعطيل المشاريع الحكومية لإظهار السلطة في موقع عجز.

الرئيس التونسي لدى استقباله رئيس الحكومة أحمد الحشاني (أرشيفية - موقع رئاسة الجمهورية)

وفي هذا الشأن، كشف جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» عن وجود نحو 500 مشروع حكومي معطل... وهذه المشاريع إما أنها لم تنجز، أو بقيت في مرحلة الدراسات الفنية. وهناك مشاريع انطلقت بصفة فعلية لكنها توقفت لعدة أسباب من بينها عدم إيفاء الحكومات التونسية المتتالية بالتزاماتها الخاصة على مستوى دفع مستحقات منفذي تلك المشاريع.

وأضاف العرفاوي، أن أسباب تعطيل المشاريع الحكومية ليست كلها سياسية، بل هناك أسباب أخرى على غرار نقص التمويل وتراجع الاستثمارات المحلية والدولية. وأكد أن بعض التقارير الحكومية قدرت قيمة المشاريع الحكومية المعطلة بنحو 17مليار دينار تونسي (نحو 5.7 مليار دولار) هذا دون احتساب المشاريع التي بقيت في مرحلة الوعود، على حد تعبيره.

ويرى مراقبون، أن تفسير الرئيس سعيد لعملية التعطيل في تنفيذ المشاريع الحكومية بـ«المندسين الذين تسربوا إلى الإدارة التونسية خلال فترة حكم المنظومة السياسية السابقة»، فيه بعض الصحة، لكن التفسير الأقرب للواقع يتمثل في الصعوبات والمعوقات الكثيرة التي وقفت ضد تنفيذ عدد من المشاريع الحكومية، من بينها كثرة الاحتجاجات الاجتماعية وطغيان الجانب المطلبي لدى الفئات الفقيرة، وعدم توفر الموارد الذاتية وتراجعها نتيجة تراجع محركات الإنتاج عن لعب دورها الأساسي في خلق الثروة وتوفير فرص العمل.

مظاهرات نظمها شبان تونسيون بالعاصمة للمطالبة بالشغل والتنمية (أ.ف.ب)

وكان أحمد الحشاني رئيس الحكومة التونسية قد ترأس الاجتماع الأول لـ«الجنة العليا لتسريع إنجاز المشاريع العمومية»، التي أُحدثت بمقتضى مرسوم من الرئيس التونسي يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 بهدف إيجاد الحلول الملائمة لتسريع إنجاز المشاريع الموزعة على أكثر من سبع وزارات، والمساهمة بالتالي في استعادة النمو الاقتصادي والاجتماعي.

وتولت الجلسة النظر في نسق إنجاز المشاريع العمومية، وأهم الإشكاليات التي تعيق تقدم تنفيذها. وتم في هذا السياق النظر في أفضل المقاربات المزمع اعتمادها لتسريع الإنجاز. وكشفت هذه اللجنة عن وجود معوقات جمة تقف ضد التقدم في إنجاز عدد كبير من المشاريع التي رصدت لها منذ سنوات مبالغ مالية ضخمة، وهذه تهم بالخصوص قطاعات الصحة والنقل والبنية التحتية والاستثمار، علاوة على الفلاحة، والبيئة، والشباب والرياضة.

رئيس الحكومة أحمد الحشاني (موقع الحكومة التونسية)

ودعا الحشاني، إلى تدعيم الإدارات بالموارد البشرية اللازمة عبر صيغة الإلحاق، أو الوضع على الذمة للمصلحة العامة في أقرب الآجال، وتسهيل الإجراءات الإدارية والقانونية، وتبسيط إجراءات اتخاذ القرار عبر آلية التفويض، علاوة على ضبط معايير ومؤشرات تساعد على الدقة في ترتيب المشاريع ذات الأولوية، وإحكام التنسيق بين الوزارات في المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي.


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

مصر: ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» يثير تفاعلاً على مواقع التواصل

محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
TT

مصر: ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» يثير تفاعلاً على مواقع التواصل

محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)
محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في أحداث عنف بمصر (أ.ف.ب)

أثار ترحيب الأزهر باستبعاد المئات من «قوائم الإرهابيين» في مصر تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، امتزج بحالة من الجدل المستمر بشأن القرار، الذي يخشى البعض أن يكون مدخلاً لـ«المصالحة» مع تنظيم «الإخوان»، لا سيما أنه تضمّن أسماء عدد من قياداته.

ورفعت مصر، الأحد الماضي، أسماء 716 شخصاً من «قوائم الإرهابيين والكيانات الإرهابية»، بعد تحريات أمنية أسفرت عن «توقف المذكورين عن القيام بأي أنشطة غير مشروعة ضد الدولة أو مؤسساتها»، مع «الاستمرار في مراجعة موقف بقية المدرجين في القوائم لرفع أسماء مَن يثبت توقفه عن أنشطة ضد الدولة».

وعقب البيان الذي أصدرته النيابة المصرية، أشارت قناة «إكسترا نيوز» المصرية إلى أن «القرار جاء استجابةً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي». ونقلت عنه تأكيده أنه «حريص على أبنائه، ويفتح لهم صفحةً جديدةً للانخراط في المجتمع، كمواطنين صالحين يحافظون على بلدهم، ويعيشون في أمان على أرضها».

ورحَّب الأزهر بالقرار، وأكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في بيان على «إكس»، ترحيبه العميق «بتوجيهات الرئيس السيسي التي مهَّدت الطريق لإعطاء الفرصة لهم لبدء صفحة جديدة للعيش بصورة طبيعيَّة في وطنهم ولمِّ شمل أسرهم».

وأثار ترحيب الأزهر ردود فعل عدة على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد عدّ الترحيب «خطوةً في صالح المجتمع»، ومعارضٍ انتقد تعليق الأزهر، بصفته مؤسسةً تعليميةً دينيةً، على أمور سياسية، في حين ذهب البعض إلى حد اتهام بعض قادة الأزهر بـ«دعم الإخوان».

وسعت «الشرق الأوسط» إلى الحصول على تعليق من مصادر مسؤولة بالأزهر، لكن لم يتسنَّ لها ذلك.

وبينما رفض أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، الانتقادات الموجَّهة للأزهر؛ بسبب ترحيبه بالقرار، أرجع حالة الجدل إلى «غياب ونقص المعلومات بشأن أسباب صدور القرار ومعناه، لا سيما أن بعض مَن وردت أسماؤهم في القرار لا يزالون في السجون».

وأكد السيد، لـ«الشرق الأوسط»، أن «القرار خطوة جيدة واستجابة لحكم محكمة النقض»، مشيراً إلى أن «تضمينه أسماء عدد من قيادات الإخوان يثير تساؤلات بشأن نية الدولة للمصالحة، وهي تساؤلات من الصعب الإجابة عنها في ظل نقص المعلومات».

ووفقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية، فإن قرار الاستبعاد تضمّن أشخاصاً يُحاكَمون على «ذمة قضايا أخرى»، من بينهم وجدي غنيم، وإن القرار متعلق بقضية واحدة فقط؛ وهي القضية المعروفة إعلامياً باسم «تمويل جماعة الإخوان».

وتعود القضية إلى عام 2014، وأُدرج بموجبها 1526 شخصاً على «قوائم الإرهاب»، عام 2018 لمدة 5 سنوات. وفي 18 مايو (أيار) الماضي، قضت محكمة النقض المصرية بإلغاء حكم «جنايات القاهرة» بتمديد إدراج هؤلاء على «قوائم الإرهاب» لمدة 5 سنوات أخرى، لأن قرار التمديد «لم يُبيِّن بوضوح الوقائع والأفعال التي ارتكبها كل منهم».

وعدّت رئيسة «المجلس القومي لحقوق الإنسان» السفيرة مشيرة خطاب، قرار الاستبعاد «خطوةً إيجابيةً»، مشيرة إلى أنه «جاء بعد دراسة متأنية من الجهات القانونية المختصة، ولم يكن عشوائياً». وأكدت أن «هناك دستوراً للبلاد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال خرقه أو تجاوزه».

وأشارت خطاب، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة تأهيل المستبعدين من قوائم الإرهاب، كونهم تعرَّضوا لضغوط نفسية واجتماعية، ما يتطلب العمل على إعادة دمجهم في المجتمع». وقالت: «برامج التأهيل لا بد أن توضع بعناية بمشاركة عدد من الجهات المعنية، وبعد دراسة القوائم، وخلفية المدرجين عليها، ومواقعهم، والأدوار التي قاموا بها».

ويتعرَّض كل مَن يتم إدراجه على «قوائم الإرهابيين» لتجميد الأموال وحظر التصرف في الممتلكات، والمنع من السفر، وفقاً لقانون «الكيانات الإرهابية» الذي أصدره الرئيس المصري عام 2015.

بدوره، قال الخبير بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو هاشم ربيع، لـ«الشرق الأوسط» إن القرار «خطوة على طريق التسامح والعدالة الانتقالية»، رافضاً حالة الجدل الدائرة بشأنه، ومتهماً منتقدي القرار بأنهم «يسعون لإبقاء الأوضاع مشتعلةً في البلاد».

وأثار قرار الاستبعاد جدلاً وانتقادات إعلامية، وعلى منصات التواصل الاجتماعي. وقال الإعلامي المصري أحمد موسى، في منشور عبر حسابه على «إكس»، إن موقفه «واضح ودون مواربة... لا أمان ولا عهد للإخوان، ولن نتسامح معهم».

وأعرب عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن مخاوفهم من أن يدفع القرار نحو «المصالحة» مع تنظيم «الإخوان». وانتقدت الإعلامية لميس الحديدي، القرار، وقالت عبر «إكس»: «نريد أن نفهم ماذا يعني توجه الدولة لمراجعة القوائم ولماذا الآن؟ هل هناك ضغوط دولية لإبرام مصالحة مع الإخوان مثلاً؟».

لكن عضو مجلس النواب محمود بدر، نفى الاتجاه للمصالحة. وقال، عبر «إكس»: «السيسي هو الضمان الأكبر، وربما الوحيد لرفض المصالحة مع الإخوان»، مؤكداً سعادته بـ«ردود الفعل ورفض الناس فكرة المصالحة».

وقال الإعلامي المصري عمرو أديب، في برنامج «الحكاية» على فضائية «إم بي سي»، مساء الاثنين، إن «التفاعل مع القرار أحدث استفتاءً شعبياً بأن 99.9 في المائة من المصريين ضد الإخوان».

ورداً على تلك الانتقادات، قالت خطاب: «الشعب عانى كثيراً من الإخوان، وتعرَّض لمآسٍ، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نخرق القانون... والعقاب لن يستمر مدى الحياة». وأضافت: «مسؤولية الدولة هي إصلاح مَن فسد، والأجدى للمجتمع محاولة إصلاح وتأهيل مَن غرَّر به بدلاً مِن السعي للانتقام ضمن دائرة مفتوحة لا تنتهي».

وعكست الانتقادات حالة من الاحتقان الشعبي، «نبهت إلى دور الإعلام والمؤسسات الدينية في نشر المعلومات لإزالة الشقاق على أساس احترام الدستور والقانون»، بحسب رئيسة «المجلس القومي لحقوق الإنسان».