مطالب بسحب قوات الخرطوم وجوبا من «أبيي»

تحذيرات أممية من مخاطر الحرب السودانية على المنطقة الغنية بالنفط

قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تقوم بدوريات في منطقة أبيي (أرشيفية - الموقع الرسمي للأمم المتحدة)
قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تقوم بدوريات في منطقة أبيي (أرشيفية - الموقع الرسمي للأمم المتحدة)
TT

مطالب بسحب قوات الخرطوم وجوبا من «أبيي»

قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تقوم بدوريات في منطقة أبيي (أرشيفية - الموقع الرسمي للأمم المتحدة)
قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تقوم بدوريات في منطقة أبيي (أرشيفية - الموقع الرسمي للأمم المتحدة)

عادت منطقة «أبيي» الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان إلى سطح الأحداث الساخنة في الخرطوم، ما دفع الأمم المتحدة للتحذير من اقتراب النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع السودانية من حدودها.

وتقع منطقة «أبيي» الغنية بالنفط بين ولايتي غرب كردفان السودانية ومقاطعة شمال بحر الغزال الجنوب سودانية، ووفقاً لما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل «نيفاشا» 2005، أصبحت المنطقة خاضعة لحكم مشترك بين شمال السودان وجنوبه.

ونص ما عرف بـ«بروتوكول أبيي» (فصل في اتفاقية السلام الشامل) على إجراء استفتاء بحدود عام 2011 يتم بموجب نتائجه إلحاق المنطقة بالشمال أو الجنوب، وتقسيم عائدات النفط بين الحكومة الاتحادية وحكومة جنوب السودان وقتها، فضلاً عن حسم حقوق الرعاة في المرعى بجنوب السودان.

وتزعم كل من الدولتين تبعية المنطقة لها، ففي جنوبها تعيش قبائل «دينكا نقوك» الجنوبية، وشمالها قبيلة المسيرية السودانية الرعوية، وتأتي أهميتها من كونها «غنية بالنفط».

وقضت محكمة التحكيم الخاصة بأبيي في يوليو (تموز) 2009 بتقسيم المنطقة بين المجموعتين، ونشرت الأمم المتحدة قوات حفظ سلام في أبيي عرفت اصطلاحاً بـ«يونيسيفا»، للفصل بين دينكا نقوك والمسيرية، وخفض حدة التوتر الذي قد يتجاوز حدود النزاعات المحلية لنزاع بين الدولتين، لكن النزاع ظل قائماً ولم يجرِ الاستفتاء بعد.

والأسبوع الماضي، حذرت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة إلى القرن الأفريقي، حنا سروا تيته، من اقتراب الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» من منطقة أبيي، وتهديدها وتأثيراتها على علاقات السودان وجنوب السودان وما قد يترتب عليه من عواقب أمنية وسياسية واقتصادية كبيرة.

وعلى خلفية هذه التحذيرات ندّدت «الحركة الديمقراطية لأبيي» بوجود نحو 200 من أفراد قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان وشرطة جنوب السودان، ونحو 60 من أفراد شرطة السودان، وعدّته مخالفاً لقرار مجلس الأمن 1990 لسنة 2011، وعدّت هذا الوجود إعاقة لجهود نزع السلاح في أبيي.

وقالت الحركة، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، الجمعة، إن وجود هذه الأعداد من قوات الدولتين «يعد مخالفة صريحة للترتيبات الأمنية المؤقتة» التي نصت على إعادة انتشار القوات العسكرية خارج حدود منطقة أبيي، ووفقاً لقرار مجلس الأمن 2046 لسنة 2012، الذي طالب بإخلاء وجود الطرفين العسكري من المنطقة.

وطالبت «الحركة الديمقراطية لأبيي» بتنفيذ القضايا العالقة في اتفاقية الترتيبات المؤقتة للإدارة والأمن في منطقة أبيي، والحد من الإجراءات الأحادية من الدولتين، وتسريع إنشاء الإدارة والمجلس التشريعي والشرطة وفقاً لاتفاقية الترتيبات الأمنية المؤقتة لمنطقة أبيي.

وحضّ مجلس الأمن، السودان وجنوب السودان على تسريع نزع السلاح من أبيي، وإجلاء قواتهما من المنطقة، وفقاً لإحاطة وكيل الأمين العام لعمليات السلام، جان بيير لاكروا، للمجلس بشأن قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة في أبيي «يونيسيفا»، فإن الصراع السوداني أوقف مبادرات الحوار بين البلدين فيما يتعلق بالوضع النهائي لأبيي وقضايا الحدود.

وقال لاكروا إن الأزمة السودانية فاقمت الوضع في أبيي، وتدفق إليها آلاف النازحين، وهو الأمر الذي أكده القيادي في «الحركة الديمقراطية لأبيي»، منيانق ألي، إذ إن المنطقة تأثرت باستقبال أعداد كبيرة من النازحين والفارين من الحرب من جنوب السودان والسودان، إضافة إلى أبناء المنطقة الذين كانوا يقيمون في الخرطوم. وأضاف: «رغم هدوء الأوضاع في المنطقة نوعاً ما، فإنها منذ فبراير (شباط) الماضي، أصبحت ساحة حرب بين دينكا أبيي، ودينكا تويج من ولاية واراب التابعة لجنوب السودان».


مقالات ذات صلة

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».