قانون المالية الجديد يفجر غضب الأحزاب التونسية

حذروا من مضاعفاته الاجتماعية والأمنية السلبية على آلاف العاطلين

البرلمان التونسي يصادق بالأغلبية على مشروع الحكومة لاعتماد قانون المالية التعديلي لسنة 2023 (الشرق الأوسط)
البرلمان التونسي يصادق بالأغلبية على مشروع الحكومة لاعتماد قانون المالية التعديلي لسنة 2023 (الشرق الأوسط)
TT

قانون المالية الجديد يفجر غضب الأحزاب التونسية

البرلمان التونسي يصادق بالأغلبية على مشروع الحكومة لاعتماد قانون المالية التعديلي لسنة 2023 (الشرق الأوسط)
البرلمان التونسي يصادق بالأغلبية على مشروع الحكومة لاعتماد قانون المالية التعديلي لسنة 2023 (الشرق الأوسط)

صادق البرلمان التونسي بالأغلبية على مشروع الحكومة لاعتماد قانون المالية التعديلي لسنة 2023. لكن هذا القانون الجديد فجر غضب عدد من السياسيين، وانتقادات في صفوف بعض قادة الأحزاب، الذين حذروا من «المضاعفات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية السلبية لرفع نسب الأداءات والضرائب على الاستثمار المحلي والأجنبي، وعلى فرص خلق الثروة، وإحداث موارد رزق لمئات الآلاف من العاطلين عن العمل، وعلى نحو مليوني عائلة فقيرة».

وزيرة المالية والاقتصاد سهام بوغديري (الشرق الأوسط)

وقالت وزيرة المالية والاقتصاد والتخطيط، سهام البوغديري، إن نسبة النمو تراجعت إلى حدود 0.9 في المائة، وفسرت هذا التراجع بالاضطرابات العالمية، وبينها الحرب في أوكرانيا والجفاف، الذي أكدت أنه ساهم في تراجع المردود الزراعي بـ8.7 في المائة مقارنة بالسنة الماضية، وهو تطور خطير؛ لأن القطاع يمثّل 11 في المائة من الناتج المحلّي الخام للبلاد، رغم ارتفاع نسبة مداخيل الصادرات الصناعية، ومداخيل السياحة وتحويلات العمالة التونسية في المهجر.

وفي ردها على الانتقادات الموجهة للحكومة من قبل عدد من الخبراء ورجال الأعمال، الذين يشتكون من كثرة الضرائب والرسوم، عوض الرهان على «خلق الثروة»، أوضحت الوزيرة أن «المداخيل الجبائية شهدت انخفاضاً نسبياً بسبب تشديد إجراءات التوريد، وفرض مراقبة مسبقة عليها للتحكم في احتياطي البلاد من العملات الأجنبية، في مرحلة أصبحت فيها مطالبة بتسديد ديون قديمة وفوائدها».

الأزمة الاقتصادية أدت إلى اختفاء عدد من المنتوجات الغذائية الأساسية داخل الأسواق التونسية (أ.ف.ب)

لكن الوزيرة بوغديري كشفت في المقابل عن «إصلاحات عديدة» تقررت، وسيتم الكشف عنها في موازنة 2024. ومن أبرزها السماح للدولة بالتصرف في الأملاك المصادرة، وبينها الأرصدة المالية في البنوك، التي تعود إلى مسؤولين سابقين في الدولة، أو عائلات الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي».

لكن عدداً من الخبراء الماليين ورجال الأعمال تحفظوا على توجهات قانون المالية التكميلي، وعلى مشروع قانون المالية للعام المقبل. وفي هذا السياق طالب الخبيران الاقتصاديان، جمال الدين العويديدي وبسام النيفر، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: بـ«إعادة النظر في النموذج التنموي الحالي»، وتشجيع الاستثمار والتنمية في المناطق المهمشة، وعدم الرهان على رفع الضرائب وإثقال كاهل المؤسسات.

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا الشكندالي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن قانون المالية التعديلي رسم هدف «التعويل على الذات، وعدم المراهنة على التمويل الأجنبي، بينما تكشف الأرقام تزايداً غير مسبوق في نسب التداين الخارجي والعجز والتضخم المالي».

من جهتها، سجلت الخبيرة الاقتصادية، جنات بن عبد الله، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ما وصفه بعض الخبراء بـ«الإنفاق المبالغ فيه من طرف الحكومة لم يساهم في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الهيكلية والظرفية المتراكمة»، حيث تراجعت نسبة النمو الاقتصادي من 2.2 في المائة سنة 2022 إلى 0.9 في المائة هذا العام، وارتفع التضخم من 8.3 في المائة العام الماضي إلى أكثر من 10 في المائة هذا العام. كما ارتفع حجم الدين العمومي من 114.8 مليار دينار (35 مليار دولار) إلى 127.2 مليار دينار، (أي بنحوي 42 مليار دولار) هذا العام. والأخطر من ذلك، حسب تقديرات الشكندالي، أن الاقتراض الخارجي ارتفع لأول مرة بأكثر من مليار دولار، حيث تجاوزت قيمته ثلاثة مليارات و300 مليون دولار.

ولتجاوز هذه الإشكاليات، دعا عدد من الخبراء إلى اعتماد مقاربات مالية واقتصادية جديدة، من بينها «التراجع عن قانون 2016 الذي اعتمد نظام استقلالية البنك المركزي عن الحكومة وعن وزارة المالية». وبهذا الخصوص طالب الخبير جمال الدين العويديدي ترفع قيمة الدينار التونسي مجدداً، و«الاستفادة من تجربة المغرب الذي اشترط على الاتحاد الأوروبي قبل توقيع اتفاقية تحرير تجارته معه، بعد معاهدة برشلونة 1955، أن يحدد قيمة عملته الوطنية حسب تطور قيمة اليورو والعملات الأوروبية. فكانت النتيجة أن ظلت مداخيل المغرب السياحية والتجارية ومداخيل العمالة المهاجرة كبيرة، بينما انخفضت قيمتها في تونس بنحو الثلثين بسبب تخفيضات متعاقبة لقيمة الدينار التونسي، «استجابة لضغوطات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي»، حسب العويديدي.


مقالات ذات صلة

تونس تسعى لخفض عجز الموازنة إلى 5.5 % في 2025

الاقتصاد منظر عام لشارع الحبيب بورقيبة في وسط تونس (رويترز)

تونس تسعى لخفض عجز الموازنة إلى 5.5 % في 2025

أظهرت أحدث نسخة من مشروع قانون الموازنة التونسية، أن تونس تأمل في خفض عجز الميزانية إلى 5.5 في المائة عام 2025 من 6.3 في المائة متوقعة في 2024.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من التظاهرة التي نظّمها أقارب معارضين للرئيس التونسي للمطالبة بالإفراج عنهم (د.ب.أ)

عائلات معارضين تونسيين معتقلين يتظاهرون ضد «الظلم»

تظاهر نحو مائة من أقارب معارضين للرئيس التونسي، بعضهم مسجون منذ ما يقارب العام ونصف العام، لمناسبة عيد الجمهورية للمطالبة بالإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تونس)
يوميات الشرق خبير تونسي يتفقد مزرعة تين شوكي موبوءة بالحشرات القرمزية في صفاقس بتونس في 19 يوليو 2024 (رويترز)

الحشرة القرمزية تصيب محاصيل تونس من التين الشوكي (صور)

الحشرة أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لمحصول التين الشوكي لأنها تدمر مساحات واسعة من المزارع وتثير قلقاً اقتصادياً كبيراً منذ اكتشافها في تونس لأول مرة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (تونس)
المشرق العربي بإمكان العراقيين السفر إلى تونس من دون تأشيرة دخول (أ.ف.ب)

تونس تُعفي العراقيين والإيرانيين من تأشيرة الدخول

أعلنت تونس إعفاء الإيرانيين والعراقيين من تأشيرة الدخول إلى أراضيها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا تونسيون يعاينون الخراف في مركز بيع بمدينة القصرين حيث زادت أسعار الأضاحي بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف (أ.و.ب)

ارتفاع أسعار أضاحي العيد يقض مضجع التونسيين

أعداد كبيرة من التونسيين عبرت عن تذمرها وشكواها من ارتفاع أسعار أضاحي العيد، وهو ارتفاع كبير وغير منتظر، وأصبح يقض مضجع جل الآباء التونسيين.

«الشرق الأوسط» (تونس)

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
TT

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

بينما أعلنت الحكومة الفرنسية، رسمياً، أنها ستقدم «حمايتها» للكاتب الشهير بوعلام صنصال الذي يحتجزه الأمن الجزائري منذ الـ16 من الشهر الحالي، سيبحث البرلمان الأوروبي غداً لائحة فرنسية المنشأ، تتعلق بإطلاق سراحه.

وصرّح وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الثلاثاء، لدى نزوله ضيفاً على إذاعة «فرانس إنفو»، بأن الرئيس إيمانويل ماكرون «مهتم بالأمر، إنه كاتب عظيم، وهو أيضاً فرنسي. لقد تم منحه الجنسية الفرنسية، ومن واجب فرنسا حمايته بالطبع. أنا أثق برئيس الجمهورية في بذل كل الجهود الممكنة من أجل إطلاق سراحه». في إشارة، ضمناً، إلى أن ماكرون قد يتدخل لدى السلطات الجزائرية لطلب إطلاق سراح الروائي السبعيني، الذي يحمل الجنسيتين.

قضية صلصال زادت حدة التباعد بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

ورفض الوزير روتايو الإدلاء بمزيد من التفاصيل حول هذه القضية، التي تثير جدلاً حاداً حالياً في البلدين، موضحاً أن «الفاعلية تقتضي التحفظ». وعندما سئل إن كان «هذا التحفظ» هو سبب «صمت» الحكومة الفرنسية على توقيفه في الأيام الأخيرة، أجاب موضحاً: «بالطبع، بما في ذلك صمتي أنا. ما هو مهم ليس الصياح، بل تحقيق النتائج». مؤكداً أنه يعرف الكاتب شخصياً، وأنه عزيز عليه، «وقد تبادلت الحديث معه قبل بضعة أيام من اعتقاله».

واعتقل الأمن الجزائري صاحب الرواية الشهيرة «قرية الألماني»، في محيط مطار الجزائر العاصمة، بينما كان عائداً من باريس. ولم يعرف خبر توقيفه إلا بعد مرور أسبوع تقريباً، حينما أثار سياسيون وأدباء في فرنسا القضية.

وزير الداخلية الفرنسية برونو روتايو (رويترز)

ووفق محامين جزائريين اهتموا بـ«أزمة الكاتب صنصال»، فإن تصريحات مصورة عُدَّت «خطيرة ومستفزة»، أدلى بها لمنصة «فرونتيير» (حدود) الفرنسية ذات التوجه اليميني، قبل أيام قليلة من اعتقاله، هي ما جلبت له المشاكل. وفي نظر صنصال، قد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، وأشار إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، التي تقع في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

بل أكثر من هذا، قال الكاتب إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». وفي تقديره «لم تمارس فرنسا استعماراً استيطانياً في المغرب لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، وفُهم من كلامه أنه يقصد الجزائر، الأمر الذي أثار سخطاً كبيراً محلياً، خصوصاً في ظل الحساسية الحادة التي تمر بها العلاقات بين الجزائر وفرنسا، زيادة على التوتر الكبير مع الرباط على خلفية نزاع الصحراء.

البرلمانية الأوروبية سارة خنافو (متداولة)

وفي حين لم يصدر أي رد فعل رسمي من السلطات، هاجمت «وكالة الأنباء الجزائرية» بحدة الكاتب، وقالت عن اعتقاله إنه «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور، رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه ضد المهاجرين في فرنسا عموماً، والجزائريين خصوصاً.

يشار إلى أنه لم يُعلن رسمياً عن إحالة صنصال إلى النيابة، بينما يمنح القانون الجهاز الأمني صلاحية تجديد وضعه في الحجز تحت النظر 4 مرات لتصل المدة إلى 12 يوماً. كما يُشار إلى أن المهاجرين السريين في فرنسا باتوا هدفاً لروتايو منذ توليه وزارة الداخلية ضمن الحكومة الجديدة في سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويرجّح متتبعون لهذه القضية أن تشهد مزيداً من التعقيد والتوتر، بعد أن وصلت إلى البرلمان الأوروبي؛ حيث سيصوت، مساء الأربعاء، على لائحة تقدمت بها النائبة الفرنسية عن حزب زمور، سارة كنافو. علماً بأن لهذه السياسية «سوابق» مع الجزائر؛ إذ شنت مطلع الشهر الماضي حملة كبيرة لإلغاء مساعدات فرنسية للجزائر، قُدرت بـ800 مليون يورو حسبها، وهو ما نفته الحكومة الجزائرية بشدة، وأودعت ضدها شكوى في القضاء الفرنسي الذي رفض تسلمها.