هل يعرقل رفض تونس مساعدات الاتحاد الأوروبي جهود وقف الهجرة السرية؟

يتفاوض على اتفاق مماثل مع مصر للحد من تدفقات المهاجرين عبر «المتوسط»

مهاجرون أفارقة خلال محاولتهم الوصول إلى إيطاليا عبر سواحل تونس (أ.ف.ب)
مهاجرون أفارقة خلال محاولتهم الوصول إلى إيطاليا عبر سواحل تونس (أ.ف.ب)
TT

هل يعرقل رفض تونس مساعدات الاتحاد الأوروبي جهود وقف الهجرة السرية؟

مهاجرون أفارقة خلال محاولتهم الوصول إلى إيطاليا عبر سواحل تونس (أ.ف.ب)
مهاجرون أفارقة خلال محاولتهم الوصول إلى إيطاليا عبر سواحل تونس (أ.ف.ب)

عندما رفض الرئيس التونسي قيس سعيد هذا الشهر مساعدات من الاتحاد الأوروبي، بقيمة 60 مليون يورو (63 مليون دولار)، شعر التكتل بأن هناك ثمة مخاطر وتحديات سيواجهها في سعيه لإبرام اتفاقات جديدة مع دول أفريقية للحد من الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط.

وتبنى الاتحاد الأوروبي، بتشجيع من إيطاليا وإسبانيا، فكرة إبرام ما وصفها باتفاقات تعاون استراتيجي مع دول شمال أفريقيا، باعتبارها أفضل أداة للحد من الوافدين غير الشرعيين.

لكن المخاطر الأمنية، والتكاليف المرتفعة، وانعدام الثقة، وعجز بعض الدول الأفريقية، أو عدم رغبتها في تشديد الرقابة على حدودها، أو إحكام منظومة اللجوء لديها، عادت لتسلط الضوء على أوجه القصور في سياسة انتقدتها جماعات لحقوق الإنسان لأنها تتجاهل الاعتبارات الإنسانية.

وفي هذا السياق قال مسؤول بالاتحاد الأوروبي، شارك في وضع السياسة الخارجية للتكتل، المؤلف من 27 دولة: «هذه الدول ليست مستعدة في الغالب للتعامل مع الأمر... إنها حساسة جدا أيضا لما تعتبره مسائل تتعلق بالسيادة».

الرئيس التوسي قيس سعيد في لقاء سابق مع رئيسة الحكومة الإيطالية حول تدفقات الهجرة السرية المنطلقة من تونس (أ.ب)

كما أشار مسؤول آخر في الاتحاد الأوروبي، شارك في مفاوضات دولية ذات صلة، إلى مخاطر أخرى، مثل أن ذلك سيجعل الاتحاد الأوروبي يعتمد على قادة يتعرضون لانتقادات، بسبب انتهاكهم لحقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، ويُنظر إليهم على أنهم يساومون بشدة من أجل المال.

وكلف اتفاق مع تركيا للحد من الهجرة عبر أراضيها الاتحاد الأوروبي أكثر من تسعة مليارات يورو منذ عام 2016. وخفض بشكل كبير عدد الوافدين إلى اليونان، وأماكن أخرى في الاتحاد الأوروبي، الذي لم يكن مستعدا عندما وصل إلى شواطئه في عام 2015 أكثر من مليون شخص، معظمهم فارون من الحرب في سوريا. كما ساهم في زيادة أعداد اللاجئين في تركيا، مما أثار قلق دول أخرى لا ترغب في إبقاء الوافدين على أراضيها لمساعدة أوروبا الأكثر ثراء منها.

وعرض الاتحاد الأوروبي على تونس، التي تعثرت حزمة إنقاذ لها من صندوق النقد الدولي، مليار يورو في يوليو (تموز) الماضي، بموجب اتفاق يوفر مساعدة اقتصادية بشرائح مختلفة، مقابل الحد من الهجرة الناجمة في الغالب عن إصلاحات اقتصادية. لكن الرئيس سعيد، الذي رفض الشروط، أعاد جزءا من الدفعة الأولى من المساعدة.

وزراء ايطاليا الثلاثة خلال زيارتهم الأسبوع الماضي لتونس لبحث سبل وقف تدفقات الهجرة السرية (موقع رئاسة الجمهورية)

وقالت الباحثة في مجال الهجرة، فاطمة رعش، لوكالة «رويترز» إن تونس «ترفض أن تكون بؤرة للهجرة أو بلد مقصد». ووُجهت انتقادات للاتفاق لأنه لا يتمتع بالقدر الكافي من الشفافية، وأشارت فاطمة إلى أنه لم يتضمن أي بند يتعلق بالإشراف على ظروف الاستقبال في بلد ليست لديه قوانين لجوء، مما يعرض سلامة من سينتقلون إليه للخطر.

وسجل الاتحاد الأوروبي، الذي يبلغ عدد سكانه 450 مليون نسمة، قدوم 250 ألف وافد غير نظامي هذا العام، فيما كانت النسبة 160 ألفا فقط في عام 2022، وهي زيادة عبرت إيطاليا وألمانيا عن قلقهما بشأنها. ورغم أن الاتحاد الأوروبي رحب بعدة ملايين من اللاجئين، نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا، إلا أن التكتل يود تقييد الهجرة غير الشرعية من الشرق الأوسط وأفريقيا.

من جهتها، أكدت تونس أنها شنت حملة على مهربي البشر، ومنعت عشرة آلاف شخص تقريبا من المغادرة بحرا في الشهر الماضي، ومنعت نحو 12500 شخص من الوصول برا. كما قال مسؤول تونسي كبير لـ«رويترز» إن بلاده تبذل قصارى جهدها لوقف تدفق المهاجرين. مشددا على أن «الموضوع ليس ماليا... لكن نريد اتفاق الند للند، فيه الاحترام المتبادل، ويتضمن حزمة كاملة، بما فيها الاقتصادية والاستثمارية».

وفي بادرة إيجابية، رحب سعيد بموافقة إيطاليا على استقبال نحو أربعة آلاف عامل من بلده. كما لوحت ألمانيا أيضا باحتمال تسهيل الهجرة القانونية، وقد زار المستشار أولاف شولتس مصر في الفترة الأخيرة. فيما تحاول المفوضية الأوروبية التفاوض مع القاهرة على «شراكة استراتيجية متبادلة المنفعة».

ورغم اعتراف مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأن نموذج الدفع مقابل الحد من الهجرة لن يكون سهلا، وليس الحل النهائي للتحديات المعقدة، فإنه من المقرر أن يؤكد زعماء التكتل هذا المسار عندما يجتمعون في قمة ببروكسل المنعقدة اليوم الخميس.


مقالات ذات صلة

حاكم ولاية بافاريا الألمانية يدعو لتغيير جذري في سياسة الهجرة

أوروبا ماركوس زودر رئيس حكومة ولاية بافاريا وزعيم الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري المحافظ يتحدث في تجمع انتخابي في 26 أغسطس 2024 بدريسدن شرق ألمانيا (أ.ف.ب)

حاكم ولاية بافاريا الألمانية يدعو لتغيير جذري في سياسة الهجرة

دعا رئيس حكومة ولاية بافاريا وزعيم الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، ماركوس زودر، الحكومة الألمانية الاتحادية مجدداً إلى إجراء تغيير جذري في سياسة الهجرة.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
شمال افريقيا صورة من الحدود المغربية مع سبتة - إسبانيا 20 مايو 2021 (رويترز)

مئات المهاجرين يسبحون من المغرب إلى جيب سبتة الإسباني

قالت الشرطة المحلية في جيب سبتة الإسباني، إن مئات المهاجرين استغلوا كثافة الضباب وسبحوا من المغرب إلى الجيب، الأحد، وفي وقت مبكر من صباح الاثنين.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا إنزال مهاجرين بميناء في غرب ليبيا بعد إنقاذهم من الغرق (إدارة أمن السواحل)

ليبيا: نشاط متزايد لـ«تجار البشر» براً وبحراً رغم «التعهدات الحكومية»

حالت السلطات الليبية دون غرق عشرات من المهاجرين غير النظاميين في «المتوسط»، كما «حررت المئات» منهم من قبضة «عصابات وتجار بشر».

جمال جوهر (القاهرة)
العالم العربي قوات خفر السواحل اليمنية في محيط باب المندب (أرشيفية - أ.ف.ب)

قتلى ومفقودون بعد غرق قارب قبالة سواحل اليمن

قالت المنظمة الدولية للهجرة، الأحد، إن 13 شخصاً لقوا حتفهم، وإن 14 لا يزالون مفقودين بعد غرق قارب قبالة سواحل اليمن يوم الثلاثاء الماضي.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أوروبا أفراد من خدمات الطوارئ يحملون كيسًا للجثث بعد غرق قارب شراعي قبالة ساحل بورتيسيلو بالقرب من مدينة باليرمو (رويترز)

​فقدان 7 وإنقاذ 15 بعد غرق قارب قبالة سواحل إيطاليا

ذكرت وسائل إعلام إيطالية أن قارباً يبلغ طوله 50 متراً وعلى متنه 22 شخصاً غرق صباح اليوم قبالة ساحل مدينة باليرمو مما تسبب في فقدان 7 أشخاص

«الشرق الأوسط» (روما)

مصر: أدوية «ناقصة»... وبدائل «شحيحة»

صيدليات في مصر تشهد نقصاً في بعض الأدوية (نقابة صيادلة القاهرة)
صيدليات في مصر تشهد نقصاً في بعض الأدوية (نقابة صيادلة القاهرة)
TT

مصر: أدوية «ناقصة»... وبدائل «شحيحة»

صيدليات في مصر تشهد نقصاً في بعض الأدوية (نقابة صيادلة القاهرة)
صيدليات في مصر تشهد نقصاً في بعض الأدوية (نقابة صيادلة القاهرة)

يقف عماد عبد الحميد، وهو موظف حكومي في العقد الثالث، أمام «صيدلية الإسعاف» (حكومية) في وسط العاصمة القاهرة، من السادسة صباحاً لحجز دوره في طابور ممتد لمسافات؛ وذلك لصرف العلاج الشهري لوالدته المسنة التي تعيش معه في منطقة المرج (شرق القاهرة).

عبد الحميد يضطر إلى القدوم لـ«صيدلية الإسعاف» مرة شهرياً لصرف العلاج لوالدته، الذي لم يعد متوفراً منذ فترة في أغلب الصيدليات الخاصة. ما يشكو منه المواطن المصري يعاني منه أغلب المصريين في ظل أدوية أساسية «غير متوفرة» في الصيدليات الأخرى، وعدم وجود بدائل لها، بسبب أزمة الدولار التي شهدتها مصر خلال الشهور الماضية.

عبد الحميد قال لـ«الشرق الأوسط» إن الشهور الأخيرة شهدت ازدحاماً كبيراً وزيادة في الطوابير أمام «الإسعاف»، مع التشديد في إجراءات الصرف، رغم أن الأدوية كان يحصل عليها سابقاً من «معهد ناصر» (مستشفى حكومي)، لكن بعضها لم يعد متوفراً في المعهد، مما اضطره للذهاب إلى «صيدلية الإسعاف» للحصول على الأدوية الناقصة بموجب الروشتة الخاصة بوالدته.

و«صيدلية الإسعاف» لها أفرع في بعض المحافظات المصرية، وتتبع الشركة المصرية للأدوية، وتتوفر فيها الأدوية الناقصة، بالإضافة إلى الأدوية المدرجة باعتبارها مخدرة، بجانب الألبان الخاصة بالأطفال.

مقر للشركة المصرية لتجارة الأدوية في القاهرة (الشركة)

موقف عبد الحميد أمام «صيدلية الإسعاف» يتكرر مع آخرين يصطفون أمام الصيدلية الشهيرة على مدار اليوم للحصول على الأدوية الناقصة، التي «انضم إليها في الأسابيع الأخيرة (الأنسولين) لمرضى السكر، حيث يتم صرفه من (الإسعاف) مع نقصه الحاد في الصيدليات الأخرى»، بحسب عضو لجنة «الصحة» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب أحمد عبد اللطيف الطحاوي.

وقال الطحاوي لـ«الشرق الأوسط» إن الأدوية الناقصة لمرضى الأمراض المزمنة تُوفَّر من خلال «صيدلية الإسعاف»، بالإضافة إلى أدوية الأورام والعلاجات الكيميائية، مشيراً إلى «وجود

نقص في بعض الأدوية المستوردة من الخارج، بالإضافة إلى نقص حتى في الأدوية المصنعة محلياً».

وحمّل رئيس «شعبة الأدوية» باتحاد الغرف التجارية، الدكتور علي عوف، مسؤولية نقص الأدوية في البلاد إلى أزمة الدولار، وتغير سعر الصرف خلال مارس (آذار) الماضي، بعدما وجدت الشركات المصرية نفسها مطالبة بالحصول على الدولار من البنوك المصرية بمتوسط 50 جنيهاً، بعدما كانت تحصل عليه بمتوسط 31 جنيهاً، مما جعل الشركات مطالبة بسداد فوارق مالية كبيرة للبنوك، في وقت يتعين عليها بيع الأدوية بالأسعار نفسها المحددة سلفاً على سعر الدولار القديم؛ نظراً لأن الأدوية مسعرة جبرياً.

عوف قال لـ«الشرق الأوسط» إن إحدى الشركات الكبرى طُلب منها توفير فارق يصل إلى 300 مليون جنيه (الدولار يساوي 48.56 جنيه في البنوك المصرية) بشكل فوري، من أجل الإفراج عن المواد الخام الخاصة بها والموجودة في الجمارك. وهو أمر زاد من أعباء الشركات التشغيلية بصورة كبيرة، خصوصاً أن «البنك المركزي والبنوك المصرية لم تقدم أي تسهيلات لشركات الدواء، التي وجدت نفسها مطالبة، مع زيادة سعر الصرف، بضخ مزيد من الأموال، أو تقليل ما تقوم باستيراده، وبالتالي تقليل إنتاجها، الأمر الذي حدث بشكل مفاجئ وفوري».

كما أكد رئيس «لجنة التصنيع» بنقابة الصيادلة، الدكتور محفوظ رمزي، لـ«الشرق الأوسط» أن «مصانع الأدوية المحلية وجدت نفسها مطالبة بالاقتراض من البنوك بفائدة تصل إلى 25 في المائة سنوياً، من أجل تنفيذ عمليات الاستيراد للمواد الخام بجانب سداد فارق سعر الصرف»، منتقداً «عدم وجود تسهيلات بنكية استثنائية لقطاع الدواء، كان يمكن أن تساهم في توفير الأدوية بشكل أسرع للمواطنين».

وجود نقص في بعض الأدوية المستوردة من الخارج والمحلية (رويترز)

أما مدير مركز «الحق في الدواء»، محمود فؤاد، فقد انتقد «عدم تحرك الحكومة المصرية السريع مع ملف نقص الأدوية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن الأزمة تكررت بشكل مشابه لما حدث في عام 2017 بعد تحريك سعر الصرف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، ولجأت الحكومة آنذاك إلى «زيادة سعر الأدوية بشكل فوري، مما أتاح للشركات استئناف إنتاجها».

فؤاد أوضح أن عمليات الاستيراد التي تجري لكميات من الأدوية التي لا تُصنع محلياً «لا تتوفر إلا عبر منافذ (صيدلية الإسعاف) بأفرعها». لكن رئيس «لجنة التصنيع» بنقابة الصيادلة يرى أن «إتاحة الأدوية بشكل حصري من خلال (صيدلية الإسعاف) يشكل انتهاكاً لقانون حماية المنافسة، مع احتكار صيدليات محددة، حتى لو كانت تابعة للدولة المصرية، لتوزيع أصناف معينة من الدواء».

كما تحدث محفوظ رمزي عن نقص في الأدوية «رُصد سواء في الأدوية المصنعة محلياً أو المستوردة من الخارج». ويتوقع أن تحدث انفراجة كبيرة مع نهاية الشهر الجاري لأسباب عدة، منها «انتهاء تطوير خطوط إنتاج بعض مصانع الدواء المحلية التي استغرقت وقتاً أطول من المتوقع، بالإضافة إلى استيراد الأدوية من الخارج، والإفراج عن شحنات من المواد الخام التي تدخل في خطوط التصنيع».

وهنا أشار علي عوف إلى أن جزءاً من مشكلة الإحساس بنقص الأدوية يرجع إلى «طلب الحصول على الدواء باسم محدد، وليس بالمادة الفعالة مع وجود بدائل لغالبية الأدوية الناقصة بالأسواق؛ لكن بأسماء أخرى لا يقبل المرضى على شرائها».

إحدى الصيدليات داخل مستشفى حكومي في مصر (وزارة الصحة المصرية)

وخلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، أكد رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، «ضخ 10 مليارات جنيه لهيئة الدواء من أجل توفير الأدوية في الأسواق». كما تعهد في يوليو (تموز) الماضي بانتهاء الأزمة خلال ثلاثة أشهر، بعد الاتفاق مع ممثلي الشركات على زيادات تدريجية في أصناف الدواء التي تقوم بإنتاجها أو استيرادها من الخارج.

من جانبه، أكد عضو لجنة «الصحة» بالبرلمان «ضرورة توافر الأدوية بأسعار تناسب المرضى، وتأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي الخاص بهم، مما يفرض ضرورة وجود رقابة على الشركات لمنع التلاعب بأسعار الأدوية أو زيادتها بشكل كبير دفعة واحدة».

لكن رئيس «شعبة الأدوية» باتحاد الغرف التجارية أشار إلى أن «أحد مصانع الأدوية الشهيرة بلغت خسائره 121 مليون جنيه في النصف الأول من العام الجاري، مما يتطلب ضرورة وجود نظرة حكومية مختلفة للتعامل مع قطاع الدواء الذي يعاني من خسائر قد تؤدي إلى توقف مصانع عن العمل».