القضاء الجزائري يسدل الستار على قضية أحداث حرائق القبائل

دفاع المتابعين بـ«الانتماء لتنظيم انفصالي إرهابي» انتقد «اتهامهم جماعياً»

جانب من الحرائق التي شهدتها منطقة القبائل شرق العاصمة (أ.ف.ب)
جانب من الحرائق التي شهدتها منطقة القبائل شرق العاصمة (أ.ف.ب)
TT

القضاء الجزائري يسدل الستار على قضية أحداث حرائق القبائل

جانب من الحرائق التي شهدتها منطقة القبائل شرق العاصمة (أ.ف.ب)
جانب من الحرائق التي شهدتها منطقة القبائل شرق العاصمة (أ.ف.ب)

تنتهي اليوم (الجمعة)، في الجزائر العاصمة أطوار محاكمة أكثر من مائة شخص في الدرجة الثانية من التقاضي، بتهمة «قتل شاب بعد تعذيبه»، وبـ«الانتماء إلى جماعة إرهابية». وكانت المحكمة الابتدائية قد أدانت 49 منهم بالإعدام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، بينما تراوحت بقية الأحكام بين البراءة والسجن 10 سنوات مع التنفيذ.

وبدأت محكمة الجنايات الاستئنافية بالضاحية الشرقية للعاصمة سماع المتهمين منذ الأحد الماضي، وامتد ذلك إلى ساعة متأخرة من كل يوم. وخُصص يوم الخميس لمرافعات المحامين التي دامت إلى ما بعد منتصف الليل، طالب الدفاع في نهايتها بالبراءة لكل المتهمين؛ بحجة «وجود نقاط ظل كثيرة في أقضية لم تعرها المحكمة اهتماماً»، و«ارتكاب أخطاء كثيرة أثناء إجراءات التحقيق الأمني والقضائي»، و«عدم وجود أدلة كافية تدعم التهم». كما انتقد بعض المحامين «توجيه اتهامات جماعية»، في حين ينص القانون على أن التهمة فردية، وفق تصريحاتهم أمام القضاة.

صورة التقطت للشاب القتيل قبيل مصرعه (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وتتضمن لائحة الاتهام «المشاركة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد»، و«والقيام بأعمال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية»، و«نشر خطاب الكراهية»، و«التجمهر المسلح»، و«التعدي بالعنف على رجال القوة العمومية».

وقالت محامية أحد المدانين بالإعدام: إنه «ليس لنا الحق في الحكم على المتهمين بناءً على شبهات، ولكن على أساس تنفيذ سليم للقانون». مبرزة أن «المتابعات والإدانة يجب أن تكون فردية وحالة بحالة، وليس جماعية»، ومشددة على أن الأحكام «ينبغي أن تصدر وفق وقائع ثابتة، وليس على أساس صور وفيديوهات»، في إشارة إلى مشاهد فيديو سحل وقتل وحرق الشاب بن سماعين.

يشار إلى أن حكم الإعدام غير منفذ في الجزائر منذ 1993، على الرغم من أن القضاة ينطقون به خلال التقاضي بحكم أن المشرع لم يلغها من القانون الجنائي.

محكمة الجنايات الاستئنافية حيث تجري المحاكمة (الشرق الأوسط)

وما كان لافتاً خلال استجواب المتهمين، أن غالبيتهم نفوا كل الأقوال التي دوّنتها الشرطة في المحاضر خلال التحقيق الابتدائي، ومنها اعترافهم بأنهم كانوا يحملون أسلحة بيضاء قتلوا بها الشاب الثلاثيني جمال بن سماعين، قبل إضرام النار في جسده بساحة بلدة الأربعاء ناث اراثن بمنطقة القبائل (شرق العاصمة). وقال محامو عدد منهم: إنهم «كانوا بالمكان الخطأ في التوقيت الخطأ»، ويعني ذلك أنهم شهدوا الجريمة المروعة «بدافع الفضول»، وأنهم لم يشاركوا فيها.

فرحات مهني زعيم «حركة الحكم الذاتي في القبائل» الانفصالية متهم بإشعال النار في منطقة القبائل (الشرق الأوسط)

ووقعت الجريمة البشعة في 21 أغسطس (آب) 2021. وكانت النيران في تلك الفترة مستعرة بالمنطقة، وظن سكانها أن جمال، الذي جاء من وسط البلاد، هو من يقف وراء الكارثة مع أشخاص آخرين لم يتم تحديدهم، فيما سمع وهو يقول لهم في فيديو بأنه حضر إلى بلدتهم لـ«المساعدة على إطفاء النار»، وتوسل إليهم بأن يخلوا سبيله «لأنكم ستقتلون بريئاً يا إخوتي».

وقبل إحالة المتهمين على القضاء، كانت الشرطة قد نشرت صور فيديو لهم بعد الأحداث، تضمنت «اعترافات»، أكدت أن لهم صلات بـ«حركة الحكم الذاتي في القبائل» الانفصالية، التي اتهمتها السلطات بإشعال النار في المنطقة، وقالت: إن زعيمها فرحات مهني اللاجئ بفرنسا، «كان يوجه أنصاره، ويحرّضهم على إضرام النار»، وهو ما كذبه فرحات يومها. وقد تم وضع التنظيم الانفصالي على لائحة المنظمات الإرهابية في مايو (أيار) 2021، وجرى اعتقال ومحاكمة الكثير من نشطائه بتهمة «الإرهاب»، بعضهم نال البراءة.

يشار إلى أن حرائق القبائل خلّفت 90 قتيلاً، وأتلفت آلاف الهكتارات من الأراضي المزروعة، خلال أسبوع واحد.

وعاش الجهاز الأمني حالة استنفار خلال أيام المحاكمة، ولوحظ تواجد مكثف لرجال الشرطة داخل المحكمة وفي جوارها. كما حضر عدد كبير من أقارب المتهمين، في حين توقع محامون صدور الأحكام خلال الأسبوع الحالي.


مقالات ذات صلة

وزيرا خارجية السعودية والجزائر يبحثان التطورات الإقليمية

الخليج الأمير فيصل بن فرحان والوزير أحمد عطّاف (الخارجية السعودية)

وزيرا خارجية السعودية والجزائر يبحثان التطورات الإقليمية

بحث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع نظيره الجزائري أحمد عطّاف، التطورات الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا الرئيس أصدر عفواً لصالح 2741 سجيناً عشية العام الجديد (الرئاسة)

الجزائر: إقصاء المعتقلين بتهم «التآمر والخيانة» من العفو الرئاسي

تضمن عفو رئاسي لصالح 2471 سجيناً، صدر بالجزائر عشية العام الجديد، استبعاد عدد كبير من نزلاء المؤسسات العقابية لاتهامهم بـ«التآمر على سلطة الدولة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
أوروبا 
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو (رويترز)

فرنسا تبحث خيارات الرد على «الإذلال» الجزائري

تتوجه الأنظار في فرنسا نحو البرلمان لتلمس المسار الذي ستسلكه الأزمة الفرنسية - الجزائرية بمناسبة الكلمة المرتقبة، اليوم، لرئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو؛ حيث.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا وزير العدل الفرنسي جيرالد درامانان خارجاً من قصر الإليزيه في 8 الجاري ويتبعه وزير الدفاع سيباستيان لو كورنو (رويترز)

فرنسا تبحث خيارات الرد على ما تعده «إذلالاً» جزائرياً

فرنسا تبحث خيارات الرد على ما تعده «إذلالاً» جزائرياً، وزراء وسياسيون فرنسيون يعرضون مروحة واسعة لـ«الانتقام من الإهانة» التي لحقت ببلادهم.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا جولة حوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)

قيود جديدة تثير الجدل بين القوى السياسية في الجزائر

يفرض المشروع على الأحزاب «اعتماد الديمقراطية» في انتخاب قياداتها. وتنص «المادة 37» على أن «مدة الولاية القيادية لا تتجاوز 5 سنوات، مع إمكانية التجديد مرة واحدة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

جزائريون يشنّون حملة بفرنسا ضد «تمجيد» أحد رموز الاستعمار

مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)
مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)
TT

جزائريون يشنّون حملة بفرنسا ضد «تمجيد» أحد رموز الاستعمار

مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)
مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)

في حين تغرق العلاقات بين الجزائر وباريس في دوامة من التوترات، جدّد جزائريون يعيشون بوسط فرنسا حملة سبق أن أطلقوها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لنزع اسم حاكم عسكري بالجزائر خلال القرن الـ19، اشتهر بالبطش ضد قبائل قادت ثورات عسكرية، بهدف طرد الاستعمار الفرنسي من البلاد.

مبادرة الجالية الجزائرية في فرنسا تأتي في وقت تتفاقم فيه التوترات بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

القصة بدأت قبل عدة أسابيع، عندما بدأت «جمعية فرنسيين من أصول جزائرية» تنشط بمدينة ليون، تضغط على عمدتها غريغوري دوسيه، من أجل استبدال اسم المارشال توماس بيجو (1784-1849) من شارع رئيسي بالدائرة السادسة بالمدينة، بحجة أن «الإبقاء عليه تمجيدٌ لمجرم حرب، وإهانة لنا، ولجميع الفرنسيين الذين يؤمنون بقيم الجمهورية والقيم الإنسانية لبلدنا فرنسا»، وفق ما كتبه ناشطو الجمعية في حساباتهم بالإعلام الاجتماعي.

ونظم مئات الأشخاص، عدد منهم يحمل جنسيتي البلدين، وآخرون هاجروا من الجزائر إلى فرنسا في بداية الألفينات، مظاهرة الأحد الماضي في الشارع، الذي يحمل اسم بيجو، لمطالبة رئيس البلدية دوسيه بإلغاء اسمه من المكان، على أساس أنه «عرف بمجازره التي ارتكبها في الجزائر في القرن التاسع عشر».

ووصف المتظاهرون أنفسهم بأنهم «أبناء مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، الذين تم خنقهم وحرقهم أحياء على يد مارشال فرنسا توماس بيجو»، الذي حكم الجزائر من 1830 إلى 1840.

اسم المارشال بيجو على اللوحة في باريس قبل نزعه (متداولة)

ويناضل المحتجون ليحمل الشارع، الذي يقع بالقرب من القنصلية الجزائرية، اسم «شارع 17 أكتوبر 1961»، تكريماً لـ297 جزائرياً نكّل بهم محافظ شرطة باريس، موريس بابون، عندما خرجوا في مظاهرات في ذلك التاريخ لدعم ثورة التحرير (1954-1962)، التي كانت على وشك الحسم مع الاستعمار.

ووفق الصحافة المحلية في ليون، فقد أعلن غريغوري دوسيه منذ فترة عن دعمه لفكرة تغيير تسمية شارع بيجو، وأكدت أنه «من المتوقع أن تطلق مدينة ليون في الأسابيع المقبلة لجنة من الخبراء لإجراء جرد للشارع والتماثيل، وكذا اللوحات والمواقع التي تُثير الجدل، وتقديم حلول لكل منها».

عمدة مدينة ليون غريغوري دوسيه (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

من جهته، أعلن «الاتحاد الجزائري»، وهو جمعية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، عزمه رفع دعوى قضائية ضد دوسيه بتهمة «تمجيد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية»، مقترحاً أن يصبح شارع بيجو «شارع كاميل بلان»، عمدة إيفيان-ليه-بان، الذي جرى اغتياله عام 1961 من قِبَل «منظمة الجيش السري»، في حين كان يناضل من أجل السلام في الجزائر.

وقتلت هذه المنظمة المئات من الأشخاص في الجزائر غداة الإعلان عن استقلالها عام 1962، رافضة فكرة خروج فرنسا منها.

عمدة باريس تشرف على إعادة تسمية الشارع بالدائرة 16 (بلدية باريس)

وفي حين يستمر الجدل في ليون، حسمت عمدة باريس، آن هيدالغو، القضية نفسها عندما نزعت في 14 من أكتوبر الماضي، اسم المارشال بيجو من طريق رئيسي بالدائرة رقم 16 «بسبب دوره السيئ في الجزائر؛ حيث ارتكب ما يمكن أن يعد اليوم جرائم حرب»، وفق بيان للعمدة التي تنتمي لليسار، والتي سمّت الطريق نفسه باسم هوبرت جيرمان، أحد رموز تحرير فرنسا من ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

وتتزامن هذه التطورات مع اقتراب العلاقات بين البلدين من القطيعة، بعد أن اشتدت الأزمة بين البلدين في يوليو (تموز) الماضي، عندما أعلنت باريس دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، وهو ما أثار سخط الجزائر، التي سحبت سفيرها فوراً، وألغت ترتيبات زيارة كانت ستقود الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا في خريف العام الماضي.

جانب من المظاهرة بدعم من الحزب الشيوعي الفرنسي (متداولة)

ومع ذلك ظل هدير الأزمة صامتاً، على الرغم من الحملات التي شنّها اليمين الفرنسي المتطرف بهدف إلغاء «اتفاق الهجرة 1968»، الذي يؤطر مسائل الإقامة والدراسة والعمل والتجارة، و«لمّ الشمل العائلي»، بالنسبة للجزائريين في فرنسا.