قضية «التآمر على أمن تونس» تدخل منعطفاً جديداً

المعتقلون السياسيون يعلقون إضرابهم عن الطعام وسط انتقادات حقوقية

منظمات حقوقية اتهمت الرئيس سعيد بالتضييق على المعارضين السياسيين (د.ب.أ)
منظمات حقوقية اتهمت الرئيس سعيد بالتضييق على المعارضين السياسيين (د.ب.أ)
TT

قضية «التآمر على أمن تونس» تدخل منعطفاً جديداً

منظمات حقوقية اتهمت الرئيس سعيد بالتضييق على المعارضين السياسيين (د.ب.أ)
منظمات حقوقية اتهمت الرئيس سعيد بالتضييق على المعارضين السياسيين (د.ب.أ)

كشفت هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المتهمين في قضية «التآمر على أمن الدولة التونسية»، التي يعود أول خيوطها إلى شهر فبراير (شباط) الماضي، أن جوهر بن مبارك، القيادي في «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة، قد علق إضرابه المفتوح عن الطعام الذي شنه داخل سجن المرناقية (غرب العاصمة) للمطالبة بمحاكمة عادلة، والحسم في ملف الاتهام، بعد مرور نحو 8 أشهر دون الاستماع إلى معظم المتهمين.

لكن عدة منظمات حقوقية وشخصيات سياسية انتقدت قرار استمرار اعتقال السياسيين دون محاكمة ودون الاستناد لأدلة دامغة، وقالت إنه نابع من «رغبة انتقامية لدى السلطات» من الذين يعارضون المسار السياسي للرئيس قيس سعيد.

غازي الشواشي المضرب (رويترز)

وفي هذا الشأن، قالت المحامية دليلة مصدق، عضوة هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، إن بن مبارك وبقية المعتقلين، عصام الشابي رئيس الحزب الجمهوري، وغازي الشواشي الرئيس السابق لحزب التيار الديمقراطي، وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، استجابوا لدعوات صدرت عن عدة شخصيات سياسية وحقوقية تونسية ومنظمات إنسانية، وذلك بعد تدهور الحالة الصحية لمعظم المضربين، الذين خاضوا إضراباً عن الطعام لمدة 3 أيام، تضامناً مع بن مبارك، الذي شن إضراباً مفتوحاً عن الطعام لمدة قاربت 3 أسابيع.

وأوضحت مصدق أن الغاية من وراء الإضراب عن الطعام «ليس الإضرار بصحة المعتقلين السياسيين، بل لفت الانتباه إلى ملف قضيتهم، ودعوة السلطات إلى الحسم في الاتهامات الموجهة إليهم، بعد أشهر من الاعتقال المجاني»، مؤكدة أن المنظمات المحلية والدولية «باتت على علم دقيق بهذا الملف، وهو ما سعت له هيئة الدفاع عن المعتقلين»، على حد تعبيرها، داعية من جديد السلطة القضائية إلى النظر في ملف الاتهامات، والتحقيق بشكل جدي في الملف، وطالب في هذا السياق، بإطلاق سراح جميع المعتقلين، بعد أن ثبت أن الملف «فارغ ولا يحتوي على حجج وأدلة جدية تدينهم»، على حد قولها.

راشد الغنوشي أعلن إضرابه عن الطعام تضامناً مع المعتقلين السياسيين (إ.ب.أ)

وكانت السلطات التونسية قد وجهت تهمة «التآمر ضد أمن الدولة» لعدد من السياسيين، وذلك إثر اجتماع عقده الناشط السياسي خيام التركي في مقر سكناه بالعاصمة بمشاركة شخصيات سياسية وازنة، من بينها عصام الشابي، وعبد الحميد الجلاصي وغازي الشواشي، وكان الهدف منه توحيد الأطراف المعارضة ضد رئيس الجمهورية، فيما تمت ملاحقة عدد من المحامين والإعلاميين على خلفية معارضتهم للتوجه السياسي، الذي أقره الرئيس سعيد بعد إعلانه التدابير الاستثنائية في البلاد منذ 25 يوليو (تموز)2021، وحله للحكومة والبرلمان، وإبعاد منظومة الحكم السابقة بزعامة حركة النهضة عن السلطة.

كما قررت السلطات التونسية من خلال الجهاز القضائي منع 3 ناشطين تونسيين متهمين في قضية «التآمر ضد أمن الدولة» من المشاركة في مسيرة سياسية، دعا لها الاتحاد العام التونسي للشغل أمس (الخميس)، وذلك بعد صدور قرارات قضائية تمنعهم من الظهور في الأماكن العامة، وتركهم في حال سراح، مع مواصلة التحقيقات القضائية ضدهم.

السلطات التونسية منعت عدداً من المعارضين من المشاركة في المسيرة التي نظمت للتضامن مع فلسطين (أ.ف.ب)

وضمت قائمة الممنوعين من المشاركة في المسيرة التي نظمت في شارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة التونسية، كلاً من شيماء عيسى القيادية في جبهة الخلاص الوطني، والمحامي العياشي الهمامي عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في قضية التآمر، والمحامي لزهر العكرمي الوزير السابق.

وفي هذا السياق، أكدت شيماء عيسى في تدوينة لها، أنها عبرت عن نيتها المشاركة في المسيرة الوطنية الداعمة للقضية الفلسطينية، غير أن وكيل الجمهورية ذكرها بقرار منع ظهورها والمحاميين العياشي الهمامي ولزهر العكرمي في الأماكن العامة، وكشفت عن تخصيص سيارة أمنية لمراقبة مقر سكناها، على حد قولها.


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.