«الدبلوماسية الصحية»... مسار جديد للتقارب بين القاهرة وطهران

بعد إعلان وزير «التعليم الطبي» الإيراني زيارة مصر الأسبوع المقبل

وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني خلال مباحثات في نيويورك الشهر الماضي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني خلال مباحثات في نيويورك الشهر الماضي (الخارجية المصرية)
TT

«الدبلوماسية الصحية»... مسار جديد للتقارب بين القاهرة وطهران

وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني خلال مباحثات في نيويورك الشهر الماضي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني خلال مباحثات في نيويورك الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

يعتزم وزير إيراني زيارة مصر الأسبوع المقبل، في خطوة تضاف إلى لقاءات باتت متكررة خلال الأسابيع الماضية بين مسؤولين إيرانيين ومصريين، الأمر الذي عده مراقبون «مؤشراً على تسارع وتيرة التقارب بين البلدين»، بما يعزز إمكانية «تطوير العلاقات الدبلوماسية»، التي تشهد جموداً لأكثر من أربعة عقود.

ونقلت وكالة «فارس» الإيرانية، مساء السبت، عن وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي الإيراني، بهرام عين اللهي، نيته زيارة القاهرة الأسبوع المقبل، وقوله إنه سيلتقي ويتحدث مع وزراء الصحة في الدول الصديقة، ومن بينها مصر، مشيراً إلى أن «الدبلوماسية الصحية هي النقطة المشتركة بين جميع الدول، وتزيد التعاون بين الجيران في المنطقة».

وسيكون عين اللهي ثالث وزير إيراني يلتقي مع نظرائه المصريين، إذ التقى الأسبوع الماضي، وزير الاقتصاد الإيراني سيد إحسان خاندوزي، على هامش اجتماع البنك الآسيوي للبنية التحتية في مصر، مع وزير المالية المصري محمد معيط، واستعرضا تطورات العلاقات الثنائية والتجارية.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري التقى في 20 من سبتمبر (أيلول) الماضي نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، على هامش اجتماعات «الجمعية العامة للأمم المتحدة» في نيويورك، حيث بحثا سبل تطوير العلاقات بين البلدين.

وعلى الصعيد البرلماني، التقى رئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي، رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني محمد باقر قاليباف، الأسبوع الماضي، على هامش انعقاد الجمعية البرلمانية التاسعة لمجموعة «بريكس» في جوهانسبرغ.

واتخذت خطوات التقارب بين مصر وإيران مساراً تصاعدياً خلال الأشهر الماضية، وأعلن مسؤولون في سلطنة عُمان والعراق، أن جهوداً بُذلت من جانب بلديهما لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وطهران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية.

وكان البلدان قطعا العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979، واستؤنفت العلاقات من جديد بعد ذلك بـ11 عاما، لكن على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح.

ولفت مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن، إلى أهمية ما وصفه بـ«استدامة اللقاءات بين مسؤولي البلدين»، معتبراً تكرار مثل هذه اللقاءات في فترة وجيزة «مؤشراً على ما تشهده العلاقة بين البلدين من تطور إيجابي».

وأضاف حسن لـ«الشرق الأوسط» أن الوضع الإقليمي وتوافر إرادة سياسية من الجانبين للانتقال بالعلاقات إلى مستوياتها الطبيعية «يعزز تسارع وتيرة استئناف العلاقات الدبلوماسية قريباً»، مشدداً على أن العلاقات الثنائية «تجاوزت مرحلة الاستكشاف وبدأت مساراً منتظماً ومتنامياً».

وأعرب مسؤولون إيرانيون بارزون في مناسبات عدة عن رغبتهم في تطوير العلاقات مع القاهرة، وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مايو (أيار) الماضي، إنه وجّه وزارة الخارجية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز العلاقات مع مصر، بينما لم تصدر عن القاهرة أية تصريحات رسمية بهذا الصدد.

وأقرت الحكومة المصرية، خلال مارس (آذار) الماضي حزمة تيسيرات لتسهيل حركة السياحة الأجنبية الوافدة، تضمنت قراراً بتسهيل دخول السياح الإيرانيين إلى البلاد عند الوصول إلى المطارات في جنوب سيناء، ضمن ضوابط تضمنت حصول السائحين الإيرانيين على التأشيرة من خلال مجموعات سياحية، وعبر شركات تنسق مسبقاً الرحلة مع الجانب المصري، وهو ما قوبل بترحيب إيراني في حينه.

من جهته، أشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي إلى أهمية لقاء من وصفهم بـ«الوزراء الفنيين»، في تيسير خطوات التقارب المصرية الإيرانية، لافتاً إلى أن البلدين «حافظا على نهج عقلاني في إدارة الملفات الاقتصادية والعلاقات الثقافية والشعبية رغم انقطاع العلاقات السياسية رسمياً وتوترها في بعض الأحيان».

وأضاف بيومي لـ«الشرق الأوسط» أن المباحثات الثنائية المباشرة «كفيلة بإذابة تباينات وجهات النظر بين الجانبين بشأن القضايا السياسية والإقليمية»، ويرى أن المباحثات الفنية كما هي الحال في الشؤون الاقتصادية والسياحية والصحية «أيسر في التوصل إلى توافقات من نظيراتها السياسية».

ولفت مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق كذلك إلى التحولات التي تشهدها المنطقة خاصة مع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وكذلك دعوة مصر وإيران إلى الانضمام إلى تجمع دول «بريكس»، وهو ما يمكن أن يُعيد إحياء أطر قديمة للتعاون مثلما كانت الحال مع مجموعة ما يُعرف بـ«D8»، والتي كانت تضم 8 دول إسلامية صناعية، بينها مصر وإيران وتركيا وباكستان، لكن التعاون بين تلك الدول توقف جراء التوترات السياسية.

وكانت مصر وإيران، ضمن 6 دول، دعاها قادة «بريكس»، خلال قمتهم السنوية الأخيرة في جنوب أفريقيا، خلال أغسطس (آب) الماضي، للانضمام إلى تجمع الاقتصادات الناشئة، العام المقبل، وتضم قائمة الدول كذلك: السعودية، والإمارات، وإثيوبيا، والأرجنتين.


مقالات ذات صلة

«الحوار الوطني» المصري يناقش إعادة هيكلة الدعم الحكومي

شمال افريقيا الخبز أحد أهم السلع المدعومة في مصر (وزارة التموين)

«الحوار الوطني» المصري يناقش إعادة هيكلة الدعم الحكومي

يعتزم «الحوار الوطني» المصري، خلال الأيام المقبلة، مناقشة قضية الدعم الحكومي المقدم للمواطنين، في ضوء قرار الحكومة بإعادة هيكلته.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا يوسف بطرس غالي (أرشيفية)

ساويرس يجدد الجدل حول تعيين بطرس غالي بمنصب اقتصادي في مصر

جدد رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، الجدل حول تعيين وزير المالية الأسبق، يوسف بطرس غالي، عضواً في «المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية».

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا بنايات على النيل في أسوان (محافظة أسوان)

مصر: اتهامات لـ«الإخوان» بترويج «شائعة» تلوث مياه الشرب

لاحقت اتهامات في مصر جماعة «الإخوان» التي تحظرها سلطات البلاد، وذلك عقب ترويج عناصرها «شائعة» تلوث مياه الشرب.

وليد عبد الرحمن (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان المصري محمود حميدة (صفحته على «فيسبوك»)

«الجونة السينمائي» يكرّم محمود حميدة بجائزة الإنجاز الإبداعي

أعلن مهرجان «الجونة السينمائي» في مصر عن تكريم الفنان محمود حميدة بمنحه جائزة الإنجاز الإبداعي في الدورة السابعة من المهرجان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري يشارك في اجتماع وزاري حول السودان على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بـ«إنهاء سريع» للقتال الدامي في السودان

طالبت مصر بالعمل سريعاً على إنهاء «القتال الدامي» في السودان، مع السماح بمرور المساعدات الإنسانية للمدنيين الأبرياء، مؤكدةً «ضرورة الحفاظ على كل مؤسسات الدولة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة
TT

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

عاش سكان العاصمة السوداني الخرطوم شللاً مفاجئاً، فيما قال شهود ومصادر عسكرية إن الجيش السوداني شن قصفاً مدفعياً وجوياً في العاصمة السودانية الخرطوم يوم الخميس، في أكبر عملية لاستعادة العاصمة منذ بداية الحرب المستمرة لنحو17 شهراً بينه وبين «قوات الدعم السريع». وتركز الصراع، يوم الخميس، على ثلاثة جسور استراتيجية في العاصمة المثلثة، وهي «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا». وجاء هجوم الجيش، الذي فقد السيطرة على معظم أنحاء العاصمة في بداية الصراع، قبل كلمة من المقرر أن يلقيها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

ومنذ اندلاع الحرب في البلاد أبريل (نيسان) 2023 تسيطر «قوات الدعم السريع» بالكامل على مدينة الخرطوم، بما في ذلك المواقع العسكرية والسيادية، وتحاصر مقر القيادة العامة للجيش الواقع شرق المدينة. وذكر شهود أن قصفاً عنيفاً واشتباكات اندلعت عندما حاولت قوات من الجيش عبور جسور فوق نهر النيل تربط المدن الثلاث المتجاورة التي تشكل منطقة العاصمة الكبرى، وهي الخرطوم وأم درمان وبحري. والجسور الثلاثة التي تركز حولها القصف هي «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا».

أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين «قوات الدعم السريع» والجيش في الخرطوم يوم 26 سبتمبر (رويترز)

تحليق الطيران

وقال سكان إن الجيش يقوم بقصف مدفعي عنيف وقصف جوي على منطقتَي الحلفايا وشمبات، في حين يحلق الطيران بكثافة، خاصة في مناطق المزارع المحيطة بجسر الحلفايا من جهة بحري. كما أظهرت مقاطع فيديو دخاناً أسود اللون يتصاعد في سماء العاصمة، وسط دوي أصوات المعارك في الخلفية. وقالت مصادر عسكرية لوكالة «رويترز» إن قوات الجيش عبرت جسوراً في الخرطوم وبحري، في حين قالت «قوات الدعم السريع» إنها أحبطت محاولة الجيش عبور جسرين إلى الخرطوم.

وتأتي الاشتباكات المتجددة في وقت يحتل ملف النزاع المتواصل في السودان مرتبة متقدمة على جدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية وأزمة اللاجئين.

واستعاد الجيش بعض الأراضي في أم درمان في وقت سابق من هذا العام، لكنه يعتمد في الغالب على المدفعية والغارات الجوية، ولم يتمكن من طرد «قوات الدعم السريع» التي هي أكثر كفاءة على الأرض، من مناطق أخرى من العاصمة.

مستشفى الفاشر من الخارج (صفحة حاكم إقليم دارفور في «فيسبوك»)

مخاوف في دارفور

في غضون ذلك، واصلت «قوات الدعم السريع» إحراز تقدم في أجزاء أخرى من السودان في الأشهر القليلة الماضية في صراع تسبب في أزمة إنسانية واسعة النطاق، ونزوح أكثر من 10 ملايين شخص، ودفع مناطق من البلاد إلى الجوع الشديد أو المجاعة. وتعثرت جهود دبلوماسية تبذلها الولايات المتحدة وقوى أخرى، ورفض الجيش حضور محادثات كانت مقررة الشهر الماضي في سويسرا.

واشتدت المعركة هذا الشهر للسيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان. وتحاول «قوات الدعم السريع» التقدم من مواقع تحيط بالمدينة لمواجهة الجيش وجماعات متمردة سابقاً متحالفة معه. والفاشر هي آخر معاقل الجيش في دارفور حيث تقول الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إن الوضع الإنساني حرج جداً، وهي واحدة من 5 عواصم ولايات في إقليم دارفور والوحيدة التي لم تسقط في أيدي «قوات الدعم السريع». وطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للمنظمة أيضاً بإنهاء حصار الفاشر، حيث يعيش أكثر من 1.8 مليون من السكان والنازحين. وفي سبتمبر (أيلول) أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد القتلى لا يقل عن 20 ألف شخص منذ بداية الصراع، لكن بعض التقديرات تصل إلى 150 ألف ضحية، وفقاً للمبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو. كما نزح أكثر من 10 ملايين شخص؛ أي نحو 20 في المائة من السكان، بسبب القتال، أو أُجبروا على اللجوء إلى دول مجاورة. وتسبّب النزاع في أزمة إنسانية هي من الأسوأ في التاريخ الحديث، بحسب الأمم المتحدة.

الدخان يتصاعد قرب جسر الحلفايا في العاصمة السودانية (أرشيفية -رويترز)

جسور العاصمة المثلثة

يقسّم نهر النيل ورافداه؛ النيل الأزرق والنيل الأبيض، العاصمة السودانية الخرطوم إلى ثلاث مدن؛ الخرطوم وتقع إلى الجنوب بين نهرَي النيل الأزرق والنيل الأبيض، وملتقى النهرين عند منطقة المقرن، ليكونا بداية نهر النيل، وهي العاصمة الإدارية ومقر الحكومة والمركز التجاري والاستثماري، بينما تنحصر مدينة أم درمان بين نهر النيل والنيل الأبيض من جهتَي الشرق والغرب، وتمثل العاصمة الوطنية القديمة، أما مدينة الخرطوم بحري فتنحصر بين نهر النيل ونهر النيل الأزرق من جهتي الجنوب والخرطوم، وهي المدينة الصناعية. وترتبط مدن الخرطوم الثلاث بعشرة جسور، تَعبر الأنهر الثلاثة وتشكل وسائط التواصل؛ ليس بين مدن العاصمة فحسب، بل ببقية أنحاء السودان.

ومنذ بدأت الحرب تَقاسم كل من الجيش وقوات «الدعم السريع» السيطرة على الجسور والتحكم فيها، كلياً أو جزئياً. وفقَدَ الجيش السيطرة من الجهتين على كل جسور المدينة، ما عدا جسر النيل الأزرق، الذي يربط بين الخرطوم والخرطوم بحري، بينما سيطرت قوات «الدعم السريع» على جسور سوبا، والمنشية، والمك نمر، وخزان جبل أولياء، وتوتي.

ويتقاسم الطرفان السيطرة على جسور الفتيحاب والنيل الأبيض، الجيش من جهة أم درمان، وقوات «الدعم السريع» من جهة الخرطوم. وأيضاً جسر الحلفايا، الجيش من جهة أم درمان، وقوات «الدعم السريع» من جهة الخرطوم بحري. أما جسر شمبات فقد خرج من الخدمة على أثر تفجيره في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وكان وقتها تحت سيطرة قوات «الدعم السريع»، وتبادل الطرفان الاتهامات بتفجيره.

كذلك جسر خزان جبل أولياء، الذي قصفه طيران الجيش، لكن قوات «الدعم السريع» أفلحت في إعادته للخدمة مجدداً، وهو الجسر الوحيد الذي يربط بين قواتها من أم درمان حتى دارفور، وهو بطبيعته جسراً على السد، فإن تدميره كلياً قد يتطلب تدمير السد الذي يُنظم جريان المياه لصالح السد العالي في مصر.