وديان درنة... مخاوف محمولة على «أمواج الموت»

مسؤول محلي يرى أن سد «الوادي» أصبح هاجساً مخيفاً للمدينة

مدخل مدينة درنة الليبية (صورة متداولة على حسابات ليبية موثوق بها)
مدخل مدينة درنة الليبية (صورة متداولة على حسابات ليبية موثوق بها)
TT

وديان درنة... مخاوف محمولة على «أمواج الموت»

مدخل مدينة درنة الليبية (صورة متداولة على حسابات ليبية موثوق بها)
مدخل مدينة درنة الليبية (صورة متداولة على حسابات ليبية موثوق بها)

حمّل ليبيون كثيرون ما جرى من «كارثة» في درنة، لـ«المسؤولين الذين تقاعسوا في أداء مهامهم» بحماية المدينة من السيول، لكن أعينهم تظل مُعلقة بالوديان التي تسبب انهيار سدين من سدودها بتدمير أجزاء واسعة من البلد، الذي يسمى بـ«درنة الزاهرة» و«بلد الصحابة».

وأمام ما خلّفته السيول التي ضربت درنة من دمار وموت، أصبح الجميع يعد السدود التي يشق أحدها المدينة نصفين، مصدراً محتملاً للقتل، لا سيما بعد ما كشفت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عقب «الفاجعة» بأن عقود صيانة سدي «وادي درنة» و«أبو منصور» توقفت منذ عام 2011.

جانب من مخاوف السكان هناك، بلوره رئيس المجلس البلدي لمدينة درنة أحمد أمدرود، الذي اقترح أن تتعاقد السلطات في البلاد مع شركات استشارية مختصة لمعرفة مدى جدوى وادي درنة من عدمه، مؤكداً أنه «أصبح هاجساً للمدينة».

وسدود درنة التي شُيّد اثنان منها قبل 50 عاماً، بات الجميع يلتفت إليها، ويعرف أسماءها بالنظر إلى حجم الكارثة التي حلّت بالبلاد، بل إن مكتباً لتنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، أبدى مخاوفه بشأن سدَّي «وادي جازا» و«وادي القطارة» الواقعين قرب مدينة بنغازي.

مخاوف الأمم المتحدة أرجعتها إلى أن السدين يتحملان كميات هائلة من ضغط المياه بعد الفيضانات التي شهدتها درنة، لكن جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق بغرب البلاد، طمأن المواطنين، وقال إن الفريق الميداني التابع له في بنغازي، تفقد سد «وادي القطارة» ومجرى عبوره حتى تقاطع طريق الهواري، وأكد التقرير الفني الذي قدمه أنه «بحالة جيدة، ويحتاج فقط إلى الصيانة الدورية الاعتيادية».

أحد المعنيين بجهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق يعاين سد وادي القطارة بدرنة (الجهاز)

والخلل في صيانة السدود الذي كشفته السيول هو محل تحقيق من المستشار الصديق الصور النائب العام الليبي راهناً، بعدما طالب محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة»، النيابة العامة بفتح تحقيق شامل في تداعيات الإعصار، ومحاسبة المسؤولين عن «انهيار سدي مدينة درنة».

وكان الدبيبة قد نقل عن وزارة التخطيط التابعة لحكومته «وجود تشققات وهبوط أرضي ومشكلات إنشائية بالسدين المنهارين، وعدم إخضاعهما للصيانة منذ عام 2011».

وقال مصدر بالنيابة العامة الليبية لـ«الشرق الأوسط» إن النائب العام بدأ التحقيقات في القضية منتصف الشهر الحالي، لمعرفة الأسباب التي أدت لانهيار السدين، مشيراً إلى أن «المساءلة ستشمل مسؤولين من السلطات التي تعاقبت على حكم البلاد خلال العقد الماضي».

وسبق أن استدعى النائب العام مسؤولين من وزارة الموارد المائية، والهيئة المختصة بصيانة السدود «للاستماع لأقوالهم، بالنظر إلى وجود تحذيرات مسبقة من كارثة قد تتعرض لها درنة، حال تعرضها لأي فيضان، إذا لم تبدأ السلطات بصيانة السدود».

وكان الليبي عبد الونيس عاشور، الباحث بكلية الهندسة في «جامعة عمر المختار» بالبيضاء، قد حذر في دراسة أكاديمية العام الماضي، من وجود أضرار لحقت ببعض سدود درنة تتطلب إخضاعها للصيانة، ودعا عقب زيارته إلى المدينة بحماية المواطنين الذين تقع مساكنهم في مجرى وادي درنة.

ووفق المصادر المطلعة، فإنه مع بداية السبعينات شيّدت شركة يوغسلافية سدين ركاميين (القلب من الطين المدموك، والجوانب من الحجارة والصخور) هما «أبو منصور» و«وادي درنة».

وتحت ضغط الأمطار الغزيرة انهار السد الأول، وهو بسعة 22.5 مليون متر مكعب والواقع على مسافة 13 كيلومتراً من المدينة، فتدفقت منه كميات كبيرة من المياه، واجتاحت السد الثاني الذي يسع 1.5 مليون متر مكعب، ويقع على مسافة كيلومتر واحد فقط من المدينة الساحلية.

ومع قدرة السدين على حماية المدينة من الفيضانات إلى حد كبير خلال العقود الخمسة الماضية، اطمأن المواطنون إلى ذلك وفق الدراسة الأكاديمية، فزحفوا بتشييد البنايات على ضفاف الوادي، ومع تدفق سقوط كميات ضخمة من المياه على السدين تعرضا للانهيار فجرفت «أمواج الموت» ما كان في طريقها من بنايات، وأوقعت آلاف القتلى والجرحى.

ورُصد في عام 1998 أول التشققات في السدّين اللذين انهارا في درنة، ولم يجرِ إصلاحها، وفقاً لتقارير ودراسات كثيرة، وهو ما أكدته حكومة الدبيبة، وشكّل صدمة للكثير من الليبيين الذين تمسكوا بضرورة إعلان التحقيقات للرأي العام.

وقبل بناء السدين، شهدت درنة فيضانات كبرى عدة ناجمة عن فيضان الوادي، لا سيما في أعوام 1941 و1959 و1968.

وأكد النائب العام أن إدارة السدود في ليبيا أُبلغت في عام 1998 بظهور أول التشققات في المنشأتين. وبعد ذلك بعامين، كلفت السلطات شركة استشارية إيطالية تقييم الأضرار فأكدت وجود تشققات، وأوصت حتى ببناء سد ثالث لحماية المدينة، وفق النائب العام الليبي.

أحد المعنيين بجهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق يعاين سد وادي القطارة بدرنة (الجهاز)

وفي عام 2007، عهد النظام السابق بأعمال الإصلاح إلى شركة تركية. وبسبب عدم توفير الأموال بدأت الشركة أعمالها في أكتوبر (تشرين الأول) 2010، قبل أن تتوقف بعد أقل من 5 أشهر، في أعقاب ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل معمر القذافي.

وللتخفيف على مواطني درنة، وتسهيل عمل فرق الإغاثة المحلية والدولية، بدأ جهاز تنفيذ وإدارة «مشروع النهر الصناعي»، و«شركة النهر لتصنيع الأنابيب»، في تنفيذ جسر مؤقت في درنة بعرض 21 متراً بواسطة أنابيب خرسانية لربط شرق مدينة درنة بغربها وتصريف المياه.


مقالات ذات صلة

تباين ليبي بشأن تفعيل مخرجات «اجتماع بوزنيقة»

شمال افريقيا جانب من اجتماع أعضاء بمجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» في بوزنيقة بالمغرب (المتحدث باسم مجلس النواب)

تباين ليبي بشأن تفعيل مخرجات «اجتماع بوزنيقة»

أعلن ممثلون عن مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا، نهاية الأسبوع الماضي، توصلهم إلى اتفاق يستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من أشغال مؤتمر «قادة دول الاستخبارات العسكرية لدول الجوار» في طرابلس (الوحدة)

الدبيبة: لن نسمح بأن تكون ليبيا ساحة لتصفية الحسابات

الدبيبة يؤكد أن بلاده «لن تكون ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية، ولن تستخدم ورقة ضغط في الصراعات الدولية والإقليمية».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» في روما الخميس (البعثة الأوروبية)

ليبيا: خوري تسارع لتفعيل مبادرتها وسط صراع على ديوان المحاسبة

تسعى المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا ستيفاني خوري إلى جمع الأفرقاء السياسيين على «المبادرة» التي أطلقتها أمام مجلس الأمن الدولي منتصف الأسبوع الماضي.

جمال جوهر (القاهرة)
تحليل إخباري بلقاسم حفتر ملتقياً القائم بالأعمال الأميركي (السفارة الأميركية)

تحليل إخباري لماذا تَكثّفَ الحراك الدبلوماسي الأميركي في بنغازي؟

تتخذ مباحثات المبعوث الأميركي الخاص السفير ريتشارد نورلاند، والقائم بالأعمال برنت جيرمي، طابعاً دورياً مع الأفرقاء الليبيين، إلا أن هذه المرة لها وقع مختلف.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي (وسط) مع المدعي العام لدى المحكمة العليا الإيطالية (مكتب الصور)

قصة 5 ليبيين حُكم عليهم بالسجن 30 عاماً بإيطاليا

كانت محكمة إيطالية قضت عام 2015 بالسجن 30 عاماً على خمسة لاعبين ليبيين بتهمة «الاتجار بالبشر»، ومنذ ذاك التاريخ وهم قيد الحبس إلى أن تحركت السلطات الليبية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)
البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)
TT

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)
البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

تشهد العاصمة السودانية المؤقتة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال ووقف الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، وتوحيد الاتفاقات الدولية ومبادرات السلام.

ووصل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، إلى المدينة لعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين السودانيين، وفي الوقت نفسه اجتمع نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، الذي وصل البلاد في زيارة قصيرة استغرقت عدة ساعات.

لعمامرة الذي تمتد زيارته إلى يومين ينتظر أن يلتقي خلالها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، وعضو المجلس إبراهيم جابر، وتختتم بلقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.

وتأتي الزيارة عقب الاجتماع التشاوري الذي عُقد في العاصمة الموريتانية نواكشوط، الأربعاء الماضي، وشارك فيه ممثلون عن الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، وجيبوتي (الرئيس الحالي للهيئة الحكومية المعنية بالتنمية «إيغاد»)، والأمم المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والبحرين والولايات المتحدة الأميركية.

البرهان مستقبلاً المبعوث الأممي إلى السودان رمطان لعمامرة في يناير الماضي (وكالة السودان للأنباء)

وتُعد زيارة لعمامرة إلى بورتسودان الثانية له لبورتسودان منذ اتخاذها عاصمة مؤقتة للحكومة السودانية، ويُنتظر أن تتناول مباحثاته هناك تطور الأوضاع واستمرار الحرب والحركات الدولية الهادفة لوقفها، وذلك عقب اجتماع نواكشوط التشاوري بشأن السودان، تحت اسم «المنظمات متعددة الأطراف الراعية لمبادرات السلام في السودان»، وهدفه توحيد مبادرات السلام الإقليمية والدولية.

ويُنتظر أن يبحث لعمامرة مجدداً محاولة «إحياء» استئناف المفاوضات المباشرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، على أن يقودها «شخصياً»، والوصول في الحد الأدنى لاتفاق لحماية المدنيين، ما يفتح الباب أمام مباحثات لوقف الأعمال العدائية، وإنهاء الحرب سلمياً.

حرص سعودي على السودان

وفي السياق ذاته، قال إعلام مجلس السيادة الانتقالي إن البرهان التقى ببورتسودان، السبت، نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي الذي وصل البلاد في زيارة قصيرة، لبحث العلاقات السودانية - السعودية وتعزيزها وترقيتها، والتعاون المشترك بين البلدين. ونقل الإعلام السيادي عن الخريجي قوله إن المملكة العربية السعودية حريصة على استتباب الأمن والاستقرار في السودان.

البرهان لدى لقائه الوفد السعودي برئاسة نائب وزير الخارجية وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

ولم تكشف بورتسودان عما دار في الاجتماع، بيد أن المسؤول السعودي كان قد ذكر إبان مشاركته في اجتماع نواكشوط التشاوري الأسبوع الماضي، وفقاً لما نقلته «الشرق الأوسط»، أن بلاده تبذل جهوداً حثيثة لحل الأزمة السودانية، مشيراً إلى «مباحثات جدة 1» التي تمخضت عن «إعلان جدة الإنساني» و«مباحثات جدة 2» التي استهدفت إيجاد حل سياسي مستدام، يضمن أمن واستقرار السودان وتماسك الدولة ومؤسساتها، ومواصلة التنسيق بين الدول العربية والإسلامية والصديقة من أجل وقف القتال في السودان، ورفع المعاناة عن شعب السودان.الخريجي: وقف القتال أولوية

وأكد الخريجي أن حل الأزمة السودانية يبدأ بوقف القتال وتعزيز الاستجابة الإنسانية، والتمهيد لمستقبل سياسي يضمن أمن واستقرار البلاد ووحدتها وسيادتها ووقف التدخلات الخارجية.

وكان اجتماع نواكشوط قد دعا للتنسيق الإقليمي والدولي، وعقد اجتماعات تشاورية، تتناول الأوضاع في السودان والجهود والمساعي والمبادرات من أجل وضع حد للاقتتال في السودان، وفي الوقت نفسه كانت مجموعة «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام في السودان»، المعروفة اختصاراً بـ«ALPS» في سويسرا، منتصف الشهر الحالي، قد أجرت مشاورات مع فاعلين في المجتمع المدني والنساء والشباب لبحث تصوراتها بشأن خطط من أجل استئناف المباحثات بين الجيش و«قوات الدعم السريع».

وتأتي الجهود الدبلوماسية التي يقودها مبعوث غوتيريش في بورتسودان، في ظل تصاعد العمليات القتالية بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في عدة محاور بما في ذلك الخرطوم والجزيرة ودارفور.

ولا توجد إحصائيات رسمية عن أعداد الضحايا المدنيين بسبب الحرب التي توشك على إكمال عامها الثاني، وتقدرها منظمات دولية بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى، بينما يقدر عدد النازحين داخل البلاد بأكثر من 11 مليوناً، وعدد الذين لجأوا لبلدان الجوار بنحو 3 ملايين، من جملة سكان البلاد البالغ عددهم 45 مليوناً، ويعاني نحو 25 مليوناً منهم كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ حسب الأمم المتحدة.