درنة الليبية تبكي قتلاها... وتبحث عن مفقوديها بعد كارثة «دانيال»

ترقب لإخلاء المدينة... والأمم المتحدة تؤكد أن حجم الكارثة «لا يزال مجهولاً»

ليبي من مدينة درنة يترحم على عدد من أقاربه الذين ماتوا بسبب الإعصار «دانيال» الذي ضرب المدينة (أ.ب)
ليبي من مدينة درنة يترحم على عدد من أقاربه الذين ماتوا بسبب الإعصار «دانيال» الذي ضرب المدينة (أ.ب)
TT

درنة الليبية تبكي قتلاها... وتبحث عن مفقوديها بعد كارثة «دانيال»

ليبي من مدينة درنة يترحم على عدد من أقاربه الذين ماتوا بسبب الإعصار «دانيال» الذي ضرب المدينة (أ.ب)
ليبي من مدينة درنة يترحم على عدد من أقاربه الذين ماتوا بسبب الإعصار «دانيال» الذي ضرب المدينة (أ.ب)

وسط بكاء الأمهات والآباء، واصل المسعفون والمتطوعون، الجمعة، العمل بحثاً عن آلاف المفقودين في درنة، بعد الفيضانات الهائلة التي اجتاحت المدينة إثر إعصار «دانيال» القاتل، في وقت لا يزال فيه الليبيون يترقبون قراراً «محتملاً» بإخلاء درنة، بقصد تسهيل مهمة فرق الإنقاذ العربية والدولية العاملة راهناً في البحث عن ناجين، وانتشال جثث الضحايا من تحت الركام. وأمام الأرقام المتضاربة بشأن أعداد ضحايا الكارثة والمفقودين، قالت المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، الجمعة، إنه تبين وفقاً لمصادرها، تسجيل 3922 حالة وفاة لدى المستشفيات، فيما تحدث مكتب المنظمة الدولية في ليبيا، وفقاً لتقارير عن آخر الأوضاع الإنسانية، لافتاً إلى نزوح أكثر من 38.640 شخصاً في أكثر المناطق تضرراً من شمال شرقي ليبيا.

في سياق ذلك، أعلن جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق (مكتب الجبل الأخضر)، في تقرير أولي، الجمعة، أن عدد المنازل المتضررة نتيجة السيول والانجرافات في المناطق المنكوبة قدّر بنحو 5000 منزل، إلى جانب تضرر 35 كيلومتراً من الطرق، باتت تحتاج إلى صيانة عاجلة وإعادة تأهيل، بالإضافة إلى 20 كيلومتراً من الخطوط الرئيسية لتصريف مياه الأمطار. كما نوه الجهاز إلى انهيار شبكات المياه نتيجة ردم الآبار الجوفية، ما ترتب عنه انقطاع لمياه الشرب عن مناطق عدة من البلديات المنكوبة.

جانب من الدمار الذي لحق بالجسور والطرق في درنة (مصلحة الطرق والجسور بالحكومة المؤقتة)

ولم يصدر قرار رسمي حتى الآن، بشأن عملية إخلاء درنة المنكوبة من سكانها، في ظل وجود تقارير تشير إلى أن وجود سكان المدينة، وتوافد آلاف الليبيين على درنة، بدا معرقلاً لجهود الفرق العسكرية والفنية الأجنبية، بحسب متابعين ليبيين.

جانب من المساعدات التي قدمتها الأمم المتحدة للمناطق المكنوبة بشرق ليبيا (البعثة الأممية)

في المقابل، أفادت تقارير حكومية بارتفاع أعداد الناجين الذين تم إنقاذهم من تحت الركام إلى 512 شخصاً، في وقت قال فيه تامر رمضان، المسؤول عن عمليات المساعدة لليبيا في الصليب الأحمر، الجمعة، إنه «لا يزال هناك أمل بالعثور على أحياء».

ولا توجد حتى الآن إحصائية موحدة أو نهائية عن الضحايا أو المفقودين، بالنظر إلى الانقسام السياسي في البلاد بين حكومتين متنازعتين على السلطة، باستثناء تصريحات مسؤولين غالبيتهم يتبعون حكومة شرق ليبيا، بأن العدد الإجمالي للضحايا 3065، بالإضافة إلى وجود 4226 بلاغاً عن مفقودين بحسب البلاغات التي تلقتها وزارة داخليتها.

لكن الهلال الأحمر الليبي أفاد بأن عدد الوفيات وصل إلى 5200 شخص، و7 آلاف مصاب، ومثلهم عالقون، بالإضافة إلى 11 ألف مفقود. في حين نزح نحو 30 ألف شخص إلى مناطق أخرى.

ووحّدت كارثة السيول التي ضربت شرق البلاد بين لواءين عسكريين، هما «طارق بين زياد»، الذي يتبع «الجيش الوطني» ويترأسه صدام، نجل المشير خليفة حفتر، والآخر هو «لواء 444 قتال» برئاسة محمود حمزة، ويتبع الجيش بغرب ليبيا، الذي وصل إلى درنة (الخميس) مصحوباً بمستشفيين ميدانيين، بالإضافة إلى قوات خاصة.

من جانبها، رأت البعثة الأممية لدى ليبيا أن كارثة الإعصار، التي حلت بدرنة لا يمكن أن تواجهها البلاد بمفردها»، وفيما أثنى عبد الله باتيلي، رئيس البعثة الأممية إلى ليبيا، على الدول «التي أرسلت فرق إنقاذ ومعدات ومعونات منقذة للحياة لمساندة ليبيا في هذا الوقت العصيب»، قال إن الشعب الليبي يضرب أعظم الأمثلة في الوحدة والتعاطف، والصمود في مواجهة هذه المأساة المدمرة».

آثار انهيار طيني

وأضاف باتيلي، بحسب بيان أصدرته البعثة، مساء الخميس: «أرى أمامي ليبيا واحدة موحدة، لا شرق ولا غرب ولا جنوب. وأنا أحث جميع السلطات والمؤسسات الليبية على مواصلة وتنسيق جهود الاستجابة لهذه الكارثة». مشيداً «بفريق الأمم المتحدة وشركائها لعملهم في تقديم الإغاثة المنقذة للحياة، وتنفيذ الإجراءات الوقائية لتجنب تفشي الأمراض وانتقال العدوى»، ومؤكداً أن «حجم الخسائر والأضرار يفوق ما يمكننا تخيله».

وفيما أطلق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، التابع للأمم المتحدة، نداء لجمع 71 مليون دولار من أجل تأمين مساعدة فورية لنحو 250 ألف شخص في ليبيا، تتجه حكومة «الوحدة» لتخصص مخزن للطوارئ في شرق ليبيا. وفي هذا السياق، أكد رئيس الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي، مصطفى الجعيبي، التابع للحكومة، تشكيل لجنة طوارئ مركزية في الإدارة العامة، ولجان فرعية في فروع المناطق المتضررة، وتجهيز مخزن للطوارئ في المنطقة الشرقية وتزويده بكل الإمكانات، ليكون مخزناً استراتيجياً في المنطقة.

بدورها، رصدت مصلحة الطرق والجسور بالحكومة المؤقتة الانهيارات التي وقعت للجسور، ووثق الفريق التابع لمصلحة الطرق الانهيارات الحاصلة في العبارات والطرق بجنوب درنة والقبة. فيما أعلن مدير مركز طب الطوارئ والدعم فرع طرابلس العاصمة، محمد كبلان، تمكن المركز من تجهيز مستشفى الوحدة بدرنة، وتوفير القدرات اللازمة لتشغيله، إلى جانب إنشاء غرفة ميدانية في مدينة شحات لتوفير الدعم اللوجيستي لكل الفرق العاملة في المنطقة الشرقية.

في غضون ذلك، قال شاهد لوكالة «أنباء العالم العربي»، الجمعة، إن قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر وصل إلى درنة لمتابعة جهود الإغاثة والإنقاذ بعد كارثة الفيضانات.


مقالات ذات صلة

مفوّض شؤون اللاجئين يزور بيروت ويندد بأزمة «مروّعة» يواجهها لبنان

المشرق العربي عائلات لبنانية وسورية تعبر الحدود إلى سوريا على أقدامها بعدما استهدفت غارة إسرائيلية معبر المصنع (أ.ب)

مفوّض شؤون اللاجئين يزور بيروت ويندد بأزمة «مروّعة» يواجهها لبنان

ندّد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، لدى وصوله إلى بيروت، السبت، بما يواجهه لبنان من «أزمة مروعة»، بعد فرار مئات الآلاف من منازلهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد جانب من زيارة وزير السياحة والآثار المصري والوفد المرافق له لمقر مكتب الأمم المتحدة للسياحة في السعودية (الشرق الأوسط)

وزير السياحة المصري: اتفقنا على مبادرات مع السعودية سنطورها لاحقاً

كشف وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، لـ«الشرق الأوسط» عن أبرز مضامين لقائه الأخير مع وزير السياحة السعودي، أحمد الخطيب.

بندر مسلم (الرياض)
المشرق العربي قوة مشتركة من اليونيفيل والجيش اللبناني في الناقورة قرب الحدود الإسرائيلية (أرشيفية - أ.ف.ب)

اليونيفيل تُبقي قواتها بمواقعها في جنوب لبنان رغم طلب اسرائيل نقل بعضها

أكدت قوة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان (يونيفيل) أن قواتها لا تزال في مواقعها رغم تلقيها قبل نحو أسبوع طلبا من اسرائيل لإعادة نقل بعضها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون ينزحون من لبنان إلى سوريا وسط التصعيد في الصراع (إ.ب.أ)

الأمم المتحدة تثير أزمة العاملات المنزليات المهاجرات «المحتجزات» في لبنان

كشفت الأمم المتحدة، اليوم (الجمعة)، أن بعض العاملات المنزليات المهاجرات في لبنان محتجزات داخل منازل أرباب عملهن الذين فروا من الغارات الجوية الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي مساعدات وأدوية ومستلزمات طبية مقدمة من منظمة الصحة العالمية تصل إلى مطار بيروت (إ.ب.أ)

الأولى منذ بداية التصعيد الأخير... لبنان يتسلّم شحنة مساعدات طبية من الأمم المتحدة

تسلّم لبنان، اليوم (الجمعة)، شحنة مساعدات طبية من الأمم المتحدة، وصلت جواً إلى مطار بيروت، هي الأولى منذ بداية التصعيد الأخير بين «حزب الله» وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

جدل في ليبيا بعد تشكيل الدبيبة إدارة جديدة لـ«الدعوة الإسلامية»

اللجنة التسييرية لـ«جمعية الدعوة الإسلامية العالمية» في طرابلس (المكتب الإعلامي للجمعية)
اللجنة التسييرية لـ«جمعية الدعوة الإسلامية العالمية» في طرابلس (المكتب الإعلامي للجمعية)
TT

جدل في ليبيا بعد تشكيل الدبيبة إدارة جديدة لـ«الدعوة الإسلامية»

اللجنة التسييرية لـ«جمعية الدعوة الإسلامية العالمية» في طرابلس (المكتب الإعلامي للجمعية)
اللجنة التسييرية لـ«جمعية الدعوة الإسلامية العالمية» في طرابلس (المكتب الإعلامي للجمعية)

أقدم رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، على تفعيل قرار كان قد اتخذه بتشكيل مجلس إدارة جديد لـ«جمعية الدعوة الإسلامية العالمية»، وسط حالة من الرفض والجدل للقرار الذي رأى كثيرون أنه «يخالف التشريعات القائمة» في البلاد.

ولم تتخلص ليبيا بعدُ من التأثير السلبي لأزمة الصراع على المصرف المركزي، حتى اندلع خلاف جديد، الأحد، يتمحور حول صراع الفرقاء على «الصلاحيات القانونية»، بينما يرى متابعون أن هذا الخلاف يزيد من تفتيت الجهود الرامية إلى تحريك العملية السياسية.

وقالت «جمعية الدعوة الإسلامية العالمية» عبر بيان أصدرته في ساعة مبكرة من صباح الأحد، إنها «فوجئت بقرار من حكومة «الوحدة» بشأن تشكيل مجلس إدارة جديد لها، مشيرة إلى أن القرار «سواء كان عن خطأ أو عن عمد فإنه لا يستند إلى أساس قانوني؛ بوصفها تابعة للجهة التشريعية في الدولة حسب القانون الليبي».

وأوضحت الجمعية أنه «فور علمها بالقرار من (الميديا) الليبية والإقدام على تنفيذه اتجهت لتحرك دعوى قضائية بالطعن فيه؛ كما أقدم مجلسا النواب و(الرئاسي) على الخطوة نفسها، لكن مجلس الإدارة الجديد المشكَّل من الحكومة يصر على عدم الاعتراف بالإجراءات القضائية».

فرض الأمر الواقع

وتحدثت الجمعية عن أن المجلس الجديد «مستمر في محاولاته» التي وصفتها بـ«اليائسة» في «ممارسة سياسة فرض الأمر الواقع ومحاولة السيطرة على إدارة الجمعية؛ بالمخالفة لقانونها التأسيسي رقم 58 لسنة 1972، وقانون رقم 9 لسنة 2023» القاضيين باختصاص وتبعية الجمعية لجمعيتها العمومية، وهيئة رئاسة مجلس النواب دون غيرهما.

وسبق أن اتخذ الدبيبة قراراً في 12 سبتمبر (أيلول) الماضي بتشكيل مجلس إدارة جديد لـ«جمعية الدعوة الإسلامية العالمية» ومقرها العاصمة طرابلس، ويتكون من رئيس و6 أعضاء.

وعلى خلفية التجاذبات التي تشهدها ليبيا منذ أكثر من عقد، دافع المجلس الحالي للجمعية عن نفسه، وقال إنه «حافظ على ابتعاده عن كل الصراعات السياسية، كما حافظنا طوال السنوات الماضية على أموال الجمعية التي هي في الأساس أموال الليبيين».

وبشأن أرصدة الجمعية، نوهت بأن هذه الأموال «مخصَّصة للدعوة ومساعدة المسلمين في مختلف أرجاء العالم؛ بكل أمانة وإخلاص بعيداً عن عبث العابثين»، مجددة رفضها ما سمته «محاولات جرِّ هذه المؤسسة العريقة إلى أتون الصراع والنزاع والسيطرة على أموالها بطرق غير مشروعة بشكل يضر سمعتها العالمية، خصوصاً مع وجود مساهمات من دول عدة في هذه المؤسسة العريقة».

المنفي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي الليبي)

مخالفة للقانون

ومع تصاعُد ردة الفعل، رأى أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أن القرار الذي اتخذته «الوحدة» يشكِّل «مخالفة للقانونين اللذين ينظمان عمل الجمعية؛ ويؤكدان تبعيتها لمجلس النواب».

ويحذِّر سياسيون ليبيون «من أي محاولة للمساس بأموال الجمعية»، ويطالبون الأجهزة الرقابية في غرب البلاد «بالاضطلاع بدورها في حمايتها»، لكن حكومة الدبيبة تتمسك بأحقيتها في تغيير مجلس إدارتها، «بعيداً عن أي مساس يتعلق بمدخراتها»، كما نوهت في بيانات سابقة.

بجانب ذلك، أبدت استغرابها من «رفع هيئة الرقابة الإدارية، وديوان المحاسبة، الرقابة المصاحبة على مصروفات وحسابات جمعية الدعوة في المصارف الداخلية والخارجية بشكل مفاجئ، ودون اتخاذ أي تدابير وقائية».

ورأت الجمعية أنه «بهذه الطريقة يسهل تحويل أي أموال من أرصدتها، وتكون عرضة للنهب والسرقة، ما يهدد المؤسسة بالإفلاس»، منوهة بأن ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة كانا يدققان قبل ذلك كل ما يخص مصروفات وحسابات الجمعية؛ و«هذا عمل نُشيد به، ونستغرب فعل عكسه بعد تشكيل مجلس إدارة جديد للجمعية بالمخالفة للقانون».

وتحدثت الجمعية عن «عملية اقتحام سابقة لمقرها الرئيسي في طرابلس بشكل غير قانوني»، ورأت أن بعد هذا الفعل المسيء ساد ارتباك وخوف داخل المؤسسة من قِبل الموظفين أثناء التلاعب بأرصدة الجمعية في غياب الرقابة المصاحبة من الأجهزة الرقابية».

وانتقد المجلس الرئاسي الليبي، قرار حكومة «الوحدة»، وعدَّه أيضاً «مخالفاً للقانون»، وقال: «كان يجب أن تتم عملية تغيير مجلس إدارتها من قبل الجهة المخولة بذلك، الأمر الذي ثمَّنته الجمعية، داعيةً حكومة (الوحدة) إلى مراجعة قرارها، والمساهمة في الحفاظ على أموال الجمعية، وعدم تعريض سمعتها للخطر».

وانتهت «جمعية الدعوة الإسلامية العالمية» مذكِّرة بأنها مؤسسة خاصة مستقلة بنص قانون إنشائها، ولها ارتباطات بمنظمات دولية وإقليمية، ويشارك في عضوية مؤتمرها العام (جمعيتها العمومية) ممثلون لأكثر من 50 دولة إسلامية، وبها أقليات إسلامية، ولها تمثيل دبلوماسي بأكثر من 20 دولة.