كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف ليلاً، عندما عدت إلى شقتي بمدينة المحمدية مع ابنتي سارة. ذهبت سارة إلى بلكونة الشقة لتستمتع بمنظر البحر والأمواج، وهرباً من الحرارة المفرطة في غرفتها. فجأة ومن دون مقدمات، بدأت جنبات الحمام تهتز بقوة، وسقطت المرآة المعلقة وسطه، وقبل أن أستفيقَ من هول الصدمة سمعت صراخ ابنتي ينبعث قوياً من الشرفة. ركضت إليها لأهدئ من روعها، لكن في هذه اللحظة خاصة سمعنا صوت ارتطام قوي داخل الشقة. دخلنا بحذر إلى الصالون لنكتشف أن منبعَ الصوت القوي هو سقوط السقف وارتطامه بالأرضية والأثاث. حمدنا الله كثيراً على نجاتنا من موت محقق.
خرج جميع السكان إلى الحديقة بملابس النوم، بعضهم كانوا حفاةً من دون أحذية، يحملون صغارهم الذين كانوا يغطون في نوم عميق، فيما كانت النسوة يشعرن بحرج كبير، لأنَّهن وجدن أنفسهن لأول مرة مرغمات على الخروج إلى الشارع ببيجامات النوم. ترك الجميع كل شيء ثمين خلف ظهورهم. عندما يقترب الموت، تصبح الأشياء مجرد تفاصيل.
قضينا الليلة من دون نوم في ساحة قريبة من منزل العائلة مع مئات الأشخاص الذين رفضوا العودة إلى منازلهم، وفي الصباح الباكر بدأت تتضح الصورة القاتمة للزلزال، وكم كان مدمراً وقاتلاً وفوق كل التوقعات. بنايات مُسحت من الأرض بكاملها، عشرات الجثث مطمورة تحت الركام والأنقاض، أطفال صغار فقدوا كل أفراد عائلاتهم ينتظرون وصول قريب لمواساتهم، والوقوف معهم في محنتهم، مصابون يبكون من شدة الألم، ولا يملكون أدوية أو مسكنات للتخفيف من معاناتهم. كانوا يتألمون بصمت لأنَّهم يعرفون أنَّ فرق النجدة والإسعاف لن تصل في وقت قريب، بعد أن دُمرت الطرق الجبلية الوعرة، وكستها أطنان من الحجارة الثقيلة.