أزمة دبلوماسية حادة بين الخرطوم و«الاتحاد الأفريقي»

«الخارجية» السودانية اتهمت رئيس المفوضية بـ«ازدواجية المعايير»

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ب)
رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ب)
TT

أزمة دبلوماسية حادة بين الخرطوم و«الاتحاد الأفريقي»

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ب)
رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ب)

تفجرت أزمة دبلوماسية حادة بين «الخارجية» السودانية و«الاتحاد الأفريقي»، على خلفية حرب بيانات و«مخاشنات» كلامية دارت، خلال الأيام الماضية، على أثر لقاء أجراه رئيس المفوضية الأفريقية مع مسؤول من قوات «الدعم السريع»، اعتبرته الخرطوم سابقة سيئة، متهمة رئيس المفوضية بازدواجية المعايير.

وتعود فصول القصة عندما أعلن مستشار قائد «الدعم السريع» يوسف عزت، يوم الأحد، على موقع «إكس» (تويتر سابقاً) أنه التقى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، في أديس أبابا، بحضور مدير مكتبه محمد الحسن ولد لبات.

واستنكرت «الخارجية» السودانية، في بيان، يوم الاثنين، اللقاء ووصفته بأنه «سابقة خطيرة» في عمل الاتحاد... وبمثابة منح الحركات المتمردة المسلَّحة والميليشيات شرعية لا تستحقها»، مضيفة أن ذلك يمثل «تهديداً مباشراً لسيادة الدول الأعضاء والأمن والاستقرار بالقارة بأسرها». وقالت أيضاً: «إن استقبال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي لممثل ميليشيا متمردة بمثابة منحها شرعية لا تستحقها».

وأبدت استغرابها من تمادي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي، في التعامل مع ميليشيا متمردة تمارس أسوأ الممارسات الإرهابية وأبشع الفظائع ضد المدنيين، وفق ما جاء في البيان.

رد أفريقي حاد

وردّ الاتحاد الأفريقي بلهجة حادة، يوم الجمعة، واصفاً بيان الخارجية السودانية بـ«غير المسؤول». وقال البيان الصادر باسم ودلبات، إن «الاتحاد الأفريقي لن يثنيه أي شكل من إشكال القذف أو الاستهجان في السعي مع الأشقاء العرب والأفارقة والشركاء الدوليين لبلورة مسار سياسي للأزمة في السودان».

رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي (أرشيفية)

وأضاف: «نشرت بعض وسائط التواصل الاجتماعي أخيراً خطاباً منحطاً يندد بمقابلة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، بمستشار الفريق محمد حمدان دقلو، قائد قوات (الدعم السريع)، وتم توزيع المنشور من طرف سفارة دولة السودان في أديس أبابا».

وقال ودلبات إن الاتحاد الأفريقي يجرى مقاربات بلقاء كافة الأطراف المدنية والعسكرية والاجتماعية، بمن في ذلك بعض عناصر النظام السوداني المعزول، على الرغم من الاعتراضات الشديدة لبعض القوى التي أطاحت بذلك النظام. وأفاد بأن هدف الاتصالات والتشاور، إيقاف القتال المدمر، والانخراط في مباحثات سياسية عبر حوار وطني جامع دون إقصاء، مشيراً إلى أن جميع الأطراف الدولية مثل «منبر جدة» تطور بعض المقاربات لحل الأزمة السودان بذات النهج دون أن تثير تحفظ معلن لأي طرف من أطراف النزاع. وذكّر ولد لبات في البيان بقرارات مجلس السلم والأمن الذي طلب من رئيس المفوضية تكثيف الجهود مع كافة الأطراف بلا استثناء.

محمد الحسن ولد لبات المتحدث باسم الاتحاد الأفريقي (أ.ف.ب)

وعادت الخارجية السودانية لترد على بيان ولد لبات، قائلة إنه استخدم عبارات غير لائقة وبغيضة. و«تطاول على دولة مؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي». وأضافت أن بعض قرارات مكتب رئيس المفوضية تتسم بازدواج المعايير وعدم الاتساق، وتخدم أجندة لا تمثل مصالح القارة وهي غريبة عليه.

أزمة مع ايقاد أيضاً

وكانت الخارجية السودانية هددت في بيان، الخميس، بالنظر في استمرار عضوية السودان في منظمة التنمية الحكومية (إيقاد)، احتجاجاً على بيان صادر عن رؤساء الدول المنضوية في المنظمة، تمسك برئاسة كينيا للجنة الرباعية لحل الأزمة السودانية.

وجددت اتهامها لدولة كينيا بانحيازها واستضافتها لقيادات قوات «الدعم السريع» «المتمردة». وعبرت عن أسفها لخلو البيان من أي إشارة لحكومة السودان، وضرورة التشاور معها والحصول على موافقتها في الخطوات التي تنوي «إيقاد» اتخاذها بخصوص الأزمة. وعدت الخطوة انتقاصاً من سيادة السودان. وقالت إن البيان منح الاتحاد الأفريقي و«إيقاد» تفويضاً لوضع أسس عملية سياسية يمتلكها السودانيون، وتحديد الأجندة والمشاركين ومكان الانعقاد. وأشارت إلى أن بيان الرباعية تجاهل أي إشارة للفظائع المريعة التي ترتكبها قوات «الدعم السريع» «المتمردة» والتي لم تجد إدانة من «إيقاد» والاتحاد الأفريقي. واعترضت الخارجية السودانية على اعتبار الجيش الوطني الذي يدافع عن البلاد وشعبها ضد التقتيل والتطهير العرقي والاغتصاب مجرد طرف يوازي قوات «الدعم السريع» التي تمارس كل تلك الفظائع. وأوضحت: «إنه إذا لم تستجب (إيقاد) لطلب تغيير رئاسة اللجنة فستعيد حكومة السودان النظر في جدوى استمرارها في المنظمة التي تأسست بمبادرة منها».

رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد ورئيس كينيا ويليام روتو خلال اجتماع سابق لـ«إيغاد» (وكالة الأنباء الإثيوبية)

وعقد رؤساء دول وحكومات المجموعة الرباعية التابعة لـ«إيقاد»، الأربعاء، في العاصمة الكينية نيروبي، على هامش قمة المناخ الأفريقية لعام 2023، الاجتماع الثاني لتقييم تنفيذ خارطة طريق «إيقاد» بالتنمية بالسلام في السودان. وترأس الاجتماع رئيس كينيا، ورئيس اللجنة الرباعية لـ«إيقاد»، ويليام ساموي روتو، رئيس جمهورية كينيا، بحضور رئيس جيبوتي، إسماعيل عمر قيلي، ورئيس حكومة جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، ووزير الدفاع الإثيوبي أبراهام بيلاي، ممثلاً لرئيس الوزراء آبي أحمد.

وأدان الاجتماع بشدة الحرب الدائرة، داعياً الأطراف المتحاربة إلى الوقف الفوري لجميع الأعمال العدائية. وأكد المجتمعون أنه لا يوجد حل عسكري للصراع في السودان، وجددوا التزام رؤساء دول وحكومات المجموعة الرباعية بعقد اجتماع مباشر بين الأطراف المتحاربة. وأشار الاجتماع إلى أن أصحاب المصلحة يقترحون توحيد المبادرات لمعالجة الصراع بشكل شامل. وكلف الاجتماع الاتحاد الأفريقي و«إيقاد» بتسريع المشاورات لتحديد جدول أعمال والمشاركين فيه، لدعم حوار سياسي يقوده السودانيون بأنفسهم.


مقالات ذات صلة

حديث «حميدتي» عن «ضرب مصر» قواته في السودان يثير تفاعلاً

شمال افريقيا مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)

حديث «حميدتي» عن «ضرب مصر» قواته في السودان يثير تفاعلاً

أثارت اتهامات قائد «قوات الدعم السريع» في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لمصر بمشاركتها في غارات جوية ضد قواته، تفاعلاً واسعاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا آثار الدمار في العاصمة السودانية من جراء الصراع المسلّح (د.ب.أ)

«محاولة لتبرير تراجعاته»... رفض مصري لاتهامات حميدتي

في تطور لافت، رفضت مصر اتهامات قائد قوات «الدعم السريع» في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي) بمشاركتها في غارات جوية ضد قواته.

أحمد إمبابي (القاهرة )
خاص القوني دقلو شقيق قائد «قوات الدعم السريع» خلال مشاركته في مؤتمر بجنوب أفريقيا (إكس) play-circle 01:52

خاص ماذا نعرف عن شقيق حميدتي الذي عاقبته واشنطن؟

أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على السوداني القوني حمدان دقلو، وهو الشقيق الأصغر لقائد «قوات الدعم السريع»، محمد دقلو، الشهير بـ(حميدتي).

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا أسرة سودانية فرت من الحرب إلى مصر (منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف)

مصر: تصاريح الإقامة وصعوبات التعليم تدفعان سودانيين للمغادرة

دفعت تصاريح الإقامة وصعوبات التعليم سودانيين إلى مغادرة مصر و«العودة طوعية» إلى بلادهم مرة أخرى.

أحمد إمبابي (القاهرة )
خاص ميكي بيرغمان مع الرئيس عمر البشير في الخرطوم (كتاب «في الظلال»)

خاص الضابط إسرائيلي... فما علاقته بعمر البشير وجواد ظريف؟

الضابط إسرائيلي. ميكي بيرغمان. ولكن ما علاقته بالرئيس السوداني عمر البشير أو بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف؟ «في الظلال» يروي القصة. هذا عرض له.

كميل الطويل

بعد خطاب «حميدتي»... هل بدأت الموجة الثانية من الحرب السودانية؟

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
TT

بعد خطاب «حميدتي»... هل بدأت الموجة الثانية من الحرب السودانية؟

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

رأى محللون سياسيون في خطاب قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ليل الأربعاء - الخميس، الذي دعا فيه قواته إلى تنظيم وترتيب صفوفها استعداداً لمعارك قد تستمر لسنوات، بمثابة إعلان عن موجة جديدة من الحرب ستكون أكثر «شراسة وعنفاً»، يسعى من خلالها إلى نقل القتال إلى ولايات شمال البلاد.

وأمر «حميدتي» في تسجيل مصور جميع قواته من الضباط وضباط الصف والجنود في الاحتياط و«الأذونات» بالتبليغ فوراً إلى وحداتهم العسكرية، مشدداً على منع التصوير خلال المعارك. وتعهد بحشد مليون جندي لـ«تحقيق الانتصار» على الجيش السوداني. وبارك انتصارات قواته في مناطق شمال دارفور (غرب البلاد)، داعياً إياها إلى القضاء على «مرتزقة الحركات المسلحة» التي تقاتل في صفوف الجيش.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (مواقع التواصل)

وأشار إلى أن الجيش السوداني والمجموعات الإسلامية التي تقاتل في صفوفه انتقلوا إلى الخطة «ج»، مؤكداً أنه انتقل إلى الخطة «ب».

وقال المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ لـ«الشرق الأوسط»، إن العنوان الأبرز لخطاب قائد «قوات الدعم السريع»، هو «الانتقال للحرب الشاملة، على عكس ما ذهب البعض لتفسيره بأنه إقرار بالهزيمة».

وأضاف: «الجزء المهم من تصريحاته هو أنه يحاول ممارسة أقصى ضغوط على الأطراف السياسية المدنية، واستمالتها إلى جانبه في المعركة التي يخوضها ضد (النظام الإسلاموي) المعزول الذي أشعل الحرب في البلاد للعودة إلى السلطة مرة أخرى».

وذكر أن «(حميدتي) سعى من خلال إرسال اتهامات مباشرة إلى بعض الدول في الإقليم بالتدخل في الحرب إلى جانب الجيش السوداني، إلى تحجيم دورها، وتنبيه المجتمع الدولي إلى أن هذه التدخلات قد تحول السودان إلى ساحة صراع إقليمي ودولي».

وقال أبو الجوخ: «يبدو واضحاً أن (حميدتي) يمضي في اتجاه استنفار وحشد المكونات الاجتماعية التي تتحدر منها الغالبية العظمى من مقاتلي (الدعم السريع) في غرب البلاد، لخوض موجة جديدة من القتال قد تكون الأكثر شراسة».

وأضاف: «يبدو أن الطرفين قررا المضي نحو حرب عنيفة، وبلا سقوفات؛ الكل ضد الكل، والخطورة فيها أن يسعى كل طرف إلى إيقاع أكبر ضرر بالآخر بغض النظر عن الأضرار الكبيرة التي سترتب على المدنيين».

قائدا الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) و«الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) عام 2019 (أ.ف.ب)

ورأى أبو الجوخ أن «الموجة الثانية من الحرب مع تصاعد الخطاب الإثني والجهوي، قد تؤدي إلى حرب أهلية طاحنة، وتعزز من سيناريو تقسيم البلاد».

وتذهب التوقعات إلى أن قائد «الدعم السريع» ألمح بشكل واضح، إلى أنه سيتجه إلى نقل الحرب إلى ولايات شمال البلاد، بدعوى أنها «تمثل الحواضن الاجتماعية لمركز ثقل الجيش السوداني وحلفائه من المجموعات الإسلامية».

بدوره، قال المتحدث باسم «تحالف القوى المدنية بشرق السودان»، صالح عمار، إن «خروج (حميدتي) للحديث في هذا التوقيت كان متوقعاً بعد الهجوم العسكري الذي شنه الجيش السوداني في عدة محاور».

وأضاف أن «مجمل الخطاب مؤشر نحو تصعيد الحرب واشتداد أوارها من جديد، خصوصاً انتهاء موسم الخريف الذي حد من قدرات (قوات الدعم السريع) على التوغل إلى بعض المناطق».

أرشيفية لـ«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)

وأشار إلى أن «التصعيد ضربة بداية لموجة جديدة للحرب؛ إذ حاول قائد (الدعم السريع) تقديم مبررات للشعب السوداني والعالم، بأن قادة الإسلاميين المتحالفين مع الجيش هم وراء إشعال وإطالة أمد الحرب، وأن قواته تدافع عن نفسها».

وذكر عمار أن «البلاد في حاجة قصوى إلى وقف لإطلاق النار وعملية سياسية، وليس تصعيداً جديداً يتضرر منه ملايين السودانيين، وهو ما حتم على السودانيين جميعاً التوحد ضد الحرب، في مقابل أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل وسريع لوقف الموجة الجديدة من القتال التي قد تؤدي إلى المزيد من الانتهاكات وتفاقم الأوضاع الإنسانية خلال المرحلة المقبلة».