ما حقيقة إجبار حفتر 20 ألف ليبي على إخلاء منازلهم ببنغازي؟

«الأمم المتحدة» تتحدث عن «هدم مُتعمد»... ومؤيدوه يعتبرونه ضرورة لـ«إعادة الإعمار»

من بنغازي القديمة (الصندوق العالمي للآثار والتراث)
من بنغازي القديمة (الصندوق العالمي للآثار والتراث)
TT

ما حقيقة إجبار حفتر 20 ألف ليبي على إخلاء منازلهم ببنغازي؟

من بنغازي القديمة (الصندوق العالمي للآثار والتراث)
من بنغازي القديمة (الصندوق العالمي للآثار والتراث)

حضت الأمم المتحدة، «الجيش الوطني» الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، على التوقف «فوراً» عن «الإخلاء القسري» لآلاف السكان وهدم منازلهم في وسط مدينة بنغازي (شرقي البلاد).

وكانت السلطات المحلية في بنغازي، شرعت في مارس (آذار) الماضي، في إزالة مبانٍ بعضها تاريخي متضرر جراء الحرب، وسط حالة من الجدل والاستياء بين كثير من الاختصاصيين، بالنظر إلى أن عمليات الهدم «طالت منازل العديد من المواطنين».

جانب من مدينة بنغازي القديمة المتضررة من الحرب ضد الجماعات المسلحة (الصندوق العالمي للآثار والتراث)

وجاء التقرير الصادر عن لجنة خبراء بالأمم المتحدة، مساء الاثنين، ليتحدث عن «حقيقة إجبار كتيبتين بالجيش، لآلاف الليبيين على إخلاء منازلهم، من دون سابق إنذار، أو حتى تعويضهم»، الأمر الذي تحفظ عليه موالون للجيش، مؤكدين أن «إخلاء بعض البنايات جاء بهدف المصلحة العامة في إطار عملية ضرورية لإعادة الإعمار الجارية في بنغازي».

ورأى الخبراء المستقلون أنه منذ شهر مارس من العام الحالي، «أُجبر أكثر من 20 ألف شخص من سكان بنغازي على إخلاء منازلهم خلال وقت قصير للغاية على يد أفراد كتيبة (طارق بن زياد)، والكتيبة (20/20)، كما أجبروا على التخلي عن ممتلكاتهم أو وثائق الملكية الخاصة بهم».

وكتيبة «طارق بن زياد» يقودها صدام، نجل المشير حفتر، أما (20/20) فيترأسها علي المشاي، وهما من قادة القوات العسكرية المهمة في «الجيش الوطني». غير أنه مع بدء عمليات الإزالة لبعض البنايات تصاعدت ردود الفعل الرافضة في بنغازي، وطالبت 30 منظمة أهلية وسياسية «بالوقف الفوري لعمليات الهدم التي شرعت فيها لجنة إعادة إعمار مدينة بنغازي».

وذكر الخبراء أن «عمليات الهدم المتعمدة، بما في ذلك الأحياء التاريخية والمواقع التراثية المحمية، والعديد من الوحدات السكنية، تسببت بضرر لا يمكن إصلاحه للبناء المعماري الحضري والتراث الحي للمدينة، وأثرت على أسلوب حياة السكان».

ودعت لجنة الخبراء الجيش الليبي إلى إنهاء ما أسمته بـ«الأعمال الانتقامية والعنف ضد المتظاهرين الذين يحتجون على عمليات الإخلاء هذه».

ووفقاً للأمم المتحدة، «لا توجد أي خطة للتعويض، ولم تقدم السلطات للسكان الذين تم إجلاؤهم أي مساعدة لتأمين مساكن جديدة بذات القيمة». وبدلاً من ذلك، قال الخبراء: «تم الضغط على السكان الذين عارضوا خطط الإخلاء أو احتجوا عليها، للامتثال أو الصمت، بما في ذلك من خلال قطع التيار الكهربائي والمضايقات والعنف».

وشدد الخبراء على «القلق الشديد الذي يعترينا إزاء المعاناة التي يتعرض لها أولئك الذين تم إجلاؤهم قسراً، والذين عاد بعضهم مؤخراً وقاموا بتجديد منازلهم، بعد أن نزحوا إلى مناطق أخرى. هذا أمر بالغ القسوة».

كما أعرب الخبراء عن «القلق العميق إزاء ما أفيد عن منع المظاهرات وتفريقها، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين لبعض المدافعين عن حقوق الإنسان، والسكان الذين أعربوا عن معارضتهم لخطط الإخلاء».

المشير حفتر يتفقد جانباً من بناء مجموعة من الجسور في بنغازي (القيادة العامة)

وعلى هامش عمليات إعادة الإعمار في بنغازي، يجري الشروع في بناء مجموعة من الجسور تقوم عليها شركة «وادي النيل» المصرية، التي يرأس مجلس إدارتها المصري هاني ضاحي، وزير النقل والمواصلات الأسبق.

وكان المشير حفتر تفقد بعض تلك المشاريع، برفقة أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، وحاتم العريبي رئيس لجنة إعادة الإعمار والاستقرار، الذي أطلع حفتر على آخر ما وصلت إليه الشركات المُنفذة للمرحلة ما قبل الأخيرة للمشروع.

وأشاد حفتر بالجهود المبذولة من قبل الشركات، مؤكداً «ضرورة العمل وفقاً للشروط الهندسية والفنية، والالتزام بمعايير الجودة، لتكون بنغازي عاصمةً للاقتصاد والثقافة والحضارة».

غير أن خبراء الأمم المتحدة قالوا إنه «حتى يومنا هذا، لم يتم إجراء أي تحقيقات من جانب السلطات القضائية رغم تقديم عشرات الشكاوى إلى النائب العام منذ شهر مارس 2023»، مشيرين إلى أنهم أجروا اتصالات مع «الجيش الوطني» الليبي ومجلس النواب والحكومة الليبية، بشأن هذه القضايا.

من آثار الحرب ضد الجماعات المسلحة (الصندوق العالمي للآثار والتراث)

ورأى الخبراء أن «الدمار ينتشر بطريقة مثيرة للقلق الشديد، وقد حرم بالفعل السكان وجميع الليبيين وكذلك الإنسانية، والعالم أجمع من المواقع والمباني الأثرية والدينية المهمة الشاهدة على التاريخ الطويل والمستمر للوجود البشري في هذه المدينة».

وحذر التقرير من «انعدام الشفافية والمساءلة بشأن عمليات الهدم المستمرة». ونشرت الأمم المتحدة قائمة بالخبراء المستقلين، من بينهم ألكساندرا زانثاكي المقررة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية، وكليمنت نياليتسوسي فوليه المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وبالاكريشنان راجاغوبال المقرر الخاص المعني بالسكن اللائق بوصفه عنصراً من عناصر الحق في مستوى معيشي لائق، وكذلك الحق في عدم التمييز في هذا السياق، وماري لولر المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، وبولا غافيريا المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان للأشخاص النازحين.


مقالات ذات صلة

الدبيبة: لن نسمح بأن تكون ليبيا ساحة لتصفية الحسابات

شمال افريقيا جانب من أشغال مؤتمر «قادة دول الاستخبارات العسكرية لدول الجوار» في طرابلس (الوحدة)

الدبيبة: لن نسمح بأن تكون ليبيا ساحة لتصفية الحسابات

الدبيبة يؤكد أن بلاده «لن تكون ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية، ولن تستخدم ورقة ضغط في الصراعات الدولية والإقليمية».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» في روما الخميس (البعثة الأوروبية)

ليبيا: خوري تسارع لتفعيل مبادرتها وسط صراع على ديوان المحاسبة

تسعى المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا ستيفاني خوري إلى جمع الأفرقاء السياسيين على «المبادرة» التي أطلقتها أمام مجلس الأمن الدولي منتصف الأسبوع الماضي.

جمال جوهر (القاهرة)
تحليل إخباري بلقاسم حفتر ملتقياً القائم بالأعمال الأميركي (السفارة الأميركية)

تحليل إخباري لماذا تَكثّفَ الحراك الدبلوماسي الأميركي في بنغازي؟

تتخذ مباحثات المبعوث الأميركي الخاص السفير ريتشارد نورلاند، والقائم بالأعمال برنت جيرمي، طابعاً دورياً مع الأفرقاء الليبيين، إلا أن هذه المرة لها وقع مختلف.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي (وسط) مع المدعي العام لدى المحكمة العليا الإيطالية (مكتب الصور)

قصة 5 ليبيين حُكم عليهم بالسجن 30 عاماً بإيطاليا

كانت محكمة إيطالية قضت عام 2015 بالسجن 30 عاماً على خمسة لاعبين ليبيين بتهمة «الاتجار بالبشر»، ومنذ ذاك التاريخ وهم قيد الحبس إلى أن تحركت السلطات الليبية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع أعضاء مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في مدينة بوزنيقة المغربية (رويترز)

«إزاحة» المنفي والدبيبة... محاولة ليبية على وقع انقسام سياسي

تجاهلت سلطات العاصمة الليبية التعليق على اتفاق بين ممثلين لمجلسي النواب و«الدولة» في المغرب يقضي بإزاحتها من الحكم، وسط ترحيب من جبهة شرق البلاد.

جمال جوهر (القاهرة)

الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات «الثانوية»

من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)
من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)
TT

الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات «الثانوية»

من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)
من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة السودانية، التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقراً مؤقتاً لها، عن عزمها عقد امتحانات الشهادة الثانوية، في 28 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لأول مرة منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) 2023. ويجلس للامتحانات أكثر من 343 ألف طالب وطالبة، في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني (الولايات الشمالية والشرقية) ومصر، يمثلون 67 في المائة من الطلاب عموماً.

وكانت «قوات الدعم السريع» التي تسيطر على مناطق واسعة في ولايات دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة ومناطق أخرى، رفضت عقد الامتحانات، ووصفت الخطوة بأنها تأتي ضمن سياسات مدروسة تهدف إلى تقسيم البلاد، وحرمان عشرات الآلاف من الطلاب في مناطق القتال. كما رفضت تشاد إقامة الامتحانات على أراضيها باعتبارهم لاجئين.

اكتمال الترتيبات

وأعلن وزير التعليم المكلف، أحمد خليفة، في مؤتمر صحافي بمدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، اكتمال الترتيبات كافة، مشيراً إلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها تغيير المواقيت الزمنية للامتحانات، إذ تقرر عقد الجلسات في الساعة الثانية والنصف ظهراً بتوقيت البلاد، بدلاً من الثامنة صباحاً، تقديراً لظروف الطلاب الذين يجلسون في مصر وعددهم أكثر من 27 ألف طالب وطالبة في 25 مركزاً، من جملة 49 ألف طالب وطالبة يجلسون للامتحانات من خارج السودان. وقال إن الحكومة المصرية ذكرت أنها لا تستطيع عقد الامتحانات في الفترة الصباحية.

اليوم الأول للدراسة في إحدى مدارس بورتسودان 16 سبتمبر (أ.ف.ب)

وأشار الوزير إلى أنه تم تجهيز مركزين للطوارئ في مدينتي عطبرة والدامر (شمال البلاد)، يمكن أن يلتحق بهما الطلاب قبل 24 ساعة من بداية الامتحانات. وأكد أن جميع الترتيبات الأمنية مطمئنة لعقد الامتحانات، وأضاف: «لدينا خطط بديلة في حال حدث أمر طارئ... لكن المخاوف والتهديدات قليلة».

وأوضح أيضاً أن الامتحانات ستقام في 12 ولاية نزح إليها 120724 طالباً وطالبة من الولايات غير الآمنة، رافضاً الاتهامات الموجهة لهم بأن تنظيم الامتحانات في ظل هذه الظروف يحرم آلاف الطلاب في مناطق القتال من فرصة الجلوس للامتحانات.

تشاد ترفض

وقال الوزير: «لم نظلم الطلاب في إقليم دارفور أو غيره... هناك 35 في المائة من الطلاب الممتحنين وافدون. وزاد عدد الطلاب النازحين بنسبة 100 في المائة في ولايتي القضارف ونهر النيل». وأضاف: «استطعنا تلبية رغبة 67 في المائة من الطلاب الذين سجلوا للامتحانات قبل الحرب».

وقال خليفة إن الحكومة التشادية لا تزال متمسكة بعدم إقامة امتحانات الشهادة السودانية على أراضيها، بحجة أنهم لاجئون وعليهم دراسة المنهج التشادي، ما يحرم 13 ألف طالب وطالبة، مؤكداً جاهزية الوزارة لإرسال الامتحانات حال وافقت دولة تشاد.

وكشف وزير التربية والتعليم في السودان عن إكمال الأجهزة الأمنية لكل الترتيبات الأمنية اللازمة لعقد الامتحانات، موضحاً أن هناك لجاناً أمنية على مستوى عالٍ من الخبرة والدراية أنجزت عملها بأفضل ما يكون.

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً في مخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وذكر أن أوراق الامتحانات تمت طباعتها داخل السودان بجودة عالية وبأجهزة حديثة ومتقدمة في وقت وجيز لم يتجاوز 15 يوماً.

وفقاً للجنة المعلمين السودانيين (نقابة مستقلة)، فإن أكثر من 60 في المائة من الطلاب المؤهلين للجلوس للامتحانات سيحرمون منها، وعلى وجه الخصوص في دارفور وكردفان الكبرى، وأجزاء من العاصمة الخرطوم والجزيرة ومناطق أخرى تعاني من انعدام الأمن.

وتشير إحصائيات منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) إلى أن استمرار الحرب منع 12 مليوناً من الطلاب السودانيين في مراحل دراسية مختلفة من مواصلة التعليم.