خيبة أمل سودانية من كلام البرهان... ومبادرة «حميدتي»

أعادا الأوضاع إلى المربع الأول

البرهان رئيس «السيادة» قائد الجيش (أ.ف.ب) - حميدتي قائد قوات «الدعم السريع» (رويترز)
البرهان رئيس «السيادة» قائد الجيش (أ.ف.ب) - حميدتي قائد قوات «الدعم السريع» (رويترز)
TT

خيبة أمل سودانية من كلام البرهان... ومبادرة «حميدتي»

البرهان رئيس «السيادة» قائد الجيش (أ.ف.ب) - حميدتي قائد قوات «الدعم السريع» (رويترز)
البرهان رئيس «السيادة» قائد الجيش (أ.ف.ب) - حميدتي قائد قوات «الدعم السريع» (رويترز)

تراجع «حلم» السودانيين وأملهم في وقف الحرب، بين عشية وضحاها، إثر تصريحات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، التي أعقبت خروجه من القيادة العامة، «بتنسيق إقليمي ومحلي» على ما رددت أوساط عدّة، بهدف إتاحة الفرص له بـ«وقف الحرب»، بيد أنه فاجأ الجميع برفضه أي اتفاق مع أي جهة «خانت الشعب السوداني»، وفي الوقت ذاته، قوبلت مبادرة «غريمه» قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) بقبول متحفظ من البعض، ورفض قاطع من آخرين، بينما استقبلتها وسائط التواصل الاجتماعي بـ«سخرية مريرة».

استطاع البرهان «الخروج» وفك الحصار الذي كان مفروضاً عليه طوال 4 أشهر ونصف الشهر، وفاجأ الناس بتجوله بين قواته في الخرطوم وأمدرمان وعدد من مدن البلاد، وتداولت قنوات التلفزة والصحف ووسائط التواصل تحليلات عديدة لكيفية خروجه ومغزاه. فالبعض قطع بأن خروجه تم بـ«توافق» مع قوات «الدعم السريع»، وعلى رأسهم رئيس «حزب الأمة القومي» فضل الله برمة، والصحافية المصرية أماني الطويل، التي رجحت أن «يكون التوافق أتى ليتخلص الرجل من سيطرة حلفائه الإسلاميين، ويتخذ قراراً شجاعاً بوقف الحرب».

زيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لقاعدة فلامنغو البحرية (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)

لكن الرجل فاجأ الجميع في آخر جولاته بقاعدة «فلامنغو» على شاطئ البحر الأحمر، بعيد وصوله إلى مدينة بورتسودان التي تحولت لـ«عاصمة الأمر الواقع».

وقال في تصريحات وسط تهليل وتكبير جنوده، إنه خرج من القيادة العامة بـ«ترتيب من الجيش وليس بصفقة»، ووصف من يزعمون بالصفقة بأنهم «واهمون»، وفي الوقت ذاته، أكد استمرار الحرب، واصفاً قوات «الدعم السريع» بأنها «الميليشيا المتمردة التي روعت المواطنين وانتهكت حرماتهم ونهبت أموالهم وممتلكاتهم»، قاطعاً بعدم عقد أي اتفاق معها، بوصفها «جهة خانت الشعب السوداني».

وفسر محللون كثر مواقف البرهان بمثابة رد على مبادرة قائد قوات «الدعم السريع»، ونصت على وقف الحرب وتأسيس جمهورية «فيدرالية» حقيقية، يتشارك فيها السودانيون السلطة، وبناء نظام ديمقراطي حقيقي، وتكوين جيش سوداني جديد، وبناء مؤسسة عسكرية قومية ومهنية تنأى عن السياسة.

وفهمت تصريحات البرهان في «فلامنغو» على نطاق واسع، بأنها تأييد للتيار المطالب باستمرار الحرب، والممثل بشكل أساسي في أنصار النظام السابق من الإسلاميين وحزب «المؤتمر الوطني»، سواء كانوا في الجيش، أو ضمن الميليشيات التابعة له، وعلى رأسها «كتيبة البراء».

وجاء نفي البرهان لوجود إسلاميين في الجيش بما يشبه «التأكيد»، إذ أعلن، مشيراً إلى الجنود المصطفين حوله، عدم وجود إسلاميين بينهم، وأنهم «جيش يقاتل وحده بلا ظهير»، بيد أنه أشاد بمن سمّاهم «الذين يقاتلون معنا»، مؤكداً أن جهوده بعد الخروج «ستتوجه لحسم المعركة مع العدو».

قائد قوات «الدعم السريع» حميدتي (أ.ب)

وقبل يوم من تصريحات البرهان في القاعدة البحرية، أطلق خصمه «حميدتي» مبادرة شاملة لحل سياسي، عدّت أن «الحرب هي بين الباحثين عن دولة المواطنة والتعددية والديمقراطية، والساعين للعودة إلى الحكم الشمولي الديكتاتوري»، في إشارة إلى جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمين السابقين.

ونصت على أن تشمل المبادرة القوى التي تصدت لـ«جبروت نظام البشير» وأسقطته، واستثناء حزب «المؤتمر الوطني» وعناصر النظام السابق «الذين يعملون سراً وعلناً ضد التغيير منذ سقوط عمر البشير».

وبينما وجدت مبادرة «حميدتي» ترحيباً من سياسيين ومواطنين أرهقتهم الحرب، ليس لأنها «جديدة»، بل لأنها تفتح «باب أمل» لوقف القتال، قوبلت من جهة أخرى، بسخرية مريرة في منصات التواصل الاجتماعي.

وعدّها محللون «محاولة فاشلة من القوات المتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما فيها القتل والاغتصاب والنهب واستخدام المدنيين دروعاً بشرية»، وقال الدكتور أحمد عثمان عمر، في ورقة لمناقشة تلك المبادرة، إنها محاولة لدخول «ميليشيا الجنجويد للساحة السياسية، وهي تنظيم مسلح ذو أهداف سياسية واضحة، تتعارض مع مشروعات الحركة الإسلامية، (لكنها) محاولة فاشلة لتجميل وجهها الذي يستعصي على التجميل».

من الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في مايو الماضي (أرشيفية - رويترز)

ولا يعرف ما إذا كانت تصريحات البرهان ومبادرة «حميدتي»، جاءتا ضمن سياق «متفق عليه»، تراجع عنه أحدهما، أو أن البرهان يريد أن يعيد لجيشه تماسكه بمواجهة عدوه، بتصريحاته ذات الطابع الحماسي، أم أنها رسالة للداخل، تمهيداً لما يمكن أن يفعله الرجل «المراوغ» في مقبل الأيام، وهل يتجه ليوقع اتفاقاً يتردد أنه قطع شوطاً كبيراً باعتراف الجيش نفسه، أم يتجه للقاهرة لتبني مبادرة «دول الجوار»، أم يتجه لجيبوتي مباركاً لمبادرة الهيئة الحكومية للتنمية «إيقاد»؟... لا أجوبة حاسمة عن هذه الأسئلة وغيرها، لكن الأيام القليلة المقبلة قد تكون كفيلة بتوضيح الصورة.

والواضح، رغم الغموض والتصعيد، أن الجميع مقتنع بأن الحرب الجارية لن تنتهي بمنتصر، بل بتفاوض وعملية سياسية يشارك فيها المدنيون؛ لكن متى؟ يقول مراقبون في الخرطوم إن «ما ينتظره السودانيون عودة أمنهم وسلامهم وديمقراطيتهم وحكمهم المدني، وإنهاء سيطرة العسكر على السياسة المستمرة منذ أكثر من نصف قرن، ووقف الحروب المستمرة في البلاد وإلى الأبد».


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

المفوضية العليا للانتخابات حسمت الجدل حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)
المفوضية العليا للانتخابات حسمت الجدل حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)
TT

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

المفوضية العليا للانتخابات حسمت الجدل حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)
المفوضية العليا للانتخابات حسمت الجدل حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)

حسمت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، السبت، الجدل حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية، في ردٍّ ضمني على اتهامات لها بإعادة فرز أصوات الانتخابات مجدداً في مدينة مصراتة (غرب)، وتأخير إعلان نتائجها الرسمية.

وحددت «المفوضية» في بيان مقتضب، غداً، موعداً لإعلان النتائج الأولية لهذه الانتخابات، عبر مؤتمر صحافي بمركزها الإعلامي في العاصمة طرابلس.

بلغت نسبة المشاركين في الانتخابات البلدية 74 % وجرت في 58 بلدية (أ.ف.ب)

وكان رئيس المفوضية، عماد السائح، قد أعلن في بيان، مساء الجمعة، أن الأحد سيكون موعد نشر نتائج المرحلة الأولى لانتخابات المجالس البلدية. وجاء هذا التأكيد بعد ساعات من إعلان عدد من ناخبي مصراتة، مساء الجمعة، أنهم فوجئوا بوقف عملية فرز الأصوات للانتخابات البلدية، وطالبوا مفوضية الانتخابات، في وقفة أمام مقرها في مصراته، بتسلم صناديق الاقتراع، وفرزها بدقة وشفافية وإعلان النتائج، التي أكدوا «قبول نتائجها عندما تكون نزيهة وواضحة». مطالبين المجتمع الدولي، ممثلاً في البعثة الأممية والبعثات الدبلوماسية الأخرى، بـ«حماية العملية الديمقراطية» مما وصفوه بـ«التدليس والتزوير».

وبلغت نسبة المشاركين في الانتخابات البلدية 74 في المائة، وجرت في 58 بلدية، عبر 352 مركز اقتراع في 77 محطة انتخابية، من بينها 419 محطة للرجال، و358 محطة للنساء.

مفوضية الانتخابات خصصت 352 مركز اقتراع في 77 محطة انتخابية (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، أكد رئيس حكومة «الوحدة المؤقتة»، عبد الحميد الدبيبة، خلال حضوره مساء الجمعة، فعاليات «ملتقى شباب ليبيا الجامع» بمدينة مصراتة، الأهمية البالغة لدور الشباب في تحقيق التنمية، وبناء ليبيا الحديثة، وشدد على التزام حكومته بدعمهم في كل المناطق، واصفاً إياهم بالركيزة الأساسية لمستقبل مشرق، وموضحاً أن الحكومة تعمل على تنفيذ مبادرات لتعزيز قدراتهم، وتمكينهم من المشاركة بفاعلية في مختلف القطاعات.

الدبيبة خلال مشاركته في مؤتمر شبابي بمصراتة (حكومة الوحدة)

وقال الدبيبة إن هذا الدعم «تجسّد عبر خطوات، مثل تشكيل مجالس شبابية في البلديات، وإنشاء برلمان للشباب لإشراكهم في صنع القرار، وتطوير السياسات التي تخدم مصالحهم». داعياً الشباب إلى استثمار هذه اللقاءات لتطوير مهاراتهم وأفكارهم، وتعزيز الوحدة الوطنية، والإسهام في بناء دولة قوية ومستقرة.

إلى ذلك، قالت حكومة «الوحدة» إن وزيرها المكلف بالنفط والغاز، خليفة عبد الصادق، استعرض خلال حضوره فعاليات «منتدى إسطنبول الأول للطاقة»، الذي عرف بمشاركة دولية واسعة، رؤية ليبيا لتعزيز الشراكات الدولية في قطاع الطاقة، خصوصاً في مجالي النفط والغاز، وأهمية التعاون الإقليمي لتحقيق الاستدامة وتأمين مصادر الطاقة.

من جهة أخرى، أعلنت مديرية أمن طرابلس، مساء الجمعة، أن قسمها لشؤون المراكز فعَّل دور الشرطة النسائية لدعم رجال الأمن في التوقيفات الليلية بالعاصمة طرابلس، مشيرة إلى أن مهامها تتمثل في تحرير المخالفات المرورية، وضبط الشارع العام، مع التركيز على التعامل مع العنصر النسائي، في إطار ما وصفته بـ«تعزيز الوجود الأمني، وضمان خدمة المجتمع بكفاءة».

تفعيل الشرطة النسائية في العاصمة طرابلس (وزارة الداخلية بـ«الوحدة»)

إلى ذلك، أكد شهود عيان استمرار التوتر الأمني في مدينة الزاوية، التي تقع على بُعد 45 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس، وسماع أصوات رماية بالأسلحة، تزامناً مع استمرار إغلاق الطريق الساحلي عند بوابة الصمود، وذلك على خلفية مقتل اثنين من الوافدين الأفارقة بالمدينة، التي تشهد تحشيدات لميليشيات مسلحة، بعد اغتيال أحد عناصرها على يد مسلحين مجهولين.

وانتقدت وسائل إعلام محلية استمرار صمت حكومة «الوحدة» لليوم الثالث على التوالي على انفلات الوضع الأمني في المدينة، وإغلاق الطريق الساحلي بسواتر ترابية، وإشعال الإطارات في بعض التقاطعات.

جلسة مساءلة وزير خارجية «الاستقرار» (مجلس النواب)

في سياق آخر، أعلن مجلس النواب الليبي أن رئيس لجنته للشؤون الخارجية، يوسف العقوري، عقد السبت، ما سمَّاه جلسة مساءلة لوزير الخارجية المفوض بحكومة «الاستقرار»، عبد الهادي الحويج، بشأن واقعة انتحال شخص صفة المستشار الخاص لرئيس غينيا بيساو، ولقائه شخصيات رفيعة المستوى خلال زيارته شرق البلاد.

ووفقاً لبيان الناطق باسم المجلس، عبد الله بليحق، فقد ادّعى الحويج أن وزارته تتعرض لهجمة إعلامية من «جهات مشبوهة»، لم يحددها، في حين عدّ العقوري مساءلة الحويج «احتراماً لقيم الديمقراطية، ودور المجلس بصفته سلطة منتخبة، تُمثل الشعب الليبي»، كما أكد «مواصلة المساءلة، وحرصه على متابعة جلساتها، نظراً لأثرها على الأمن القومي، وسيادة الدولة وصورة ليبيا بالخارج».