كيف تؤثر مصالح مؤسسي «بريكس» على انضمام دول أفريقية للتجمع؟

وسط تباين في أولوياتها وطبيعة علاقاتها مع المرشحين للعضوية

رئيس جنوب أفريقيا خلال استقباله مساء الاثنين نظيره الصيني لحضور قمة «بريكس» (رويترز)
رئيس جنوب أفريقيا خلال استقباله مساء الاثنين نظيره الصيني لحضور قمة «بريكس» (رويترز)
TT

كيف تؤثر مصالح مؤسسي «بريكس» على انضمام دول أفريقية للتجمع؟

رئيس جنوب أفريقيا خلال استقباله مساء الاثنين نظيره الصيني لحضور قمة «بريكس» (رويترز)
رئيس جنوب أفريقيا خلال استقباله مساء الاثنين نظيره الصيني لحضور قمة «بريكس» (رويترز)

يحظى توسيع عضوية تجمع «بريكس»، الذي يأتي ضمن أجندة القمة الـ15 للتكتل، التي انطلقت (الثلاثاء) في مدينة جوهانسبورغ الجنوب أفريقية، باهتمام إقليمي ودولي لافت، إذ من المتوقع -بحسب كثير من المراقبين- أن تعكس المعايير التي سيتم بناء عليها المفاضلة بين نحو 40 دولة أبدت رغبتها في الانضمام، السياسات المستقبلية للتكتل الذي يسعى إلى توسيع نفوذه عالمياً.

وتُعقد قمة «بريكس» هذا العام تحت عنوان «بريكس وأفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة»، ومن المنتظر أن يناقش زعماء دول التكتل، خلال قمتهم التي تستمر حتى الخميس، توسيع نطاق الأعضاء وسط تباين في وجهات النظر في هذا الشأن.

وبحسب متخصصين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» فإن معايير اختيار الدول التي ستنضم إلى كل من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا «لم تتحدد بعد»، وأن هناك «تبايناً في رؤى الدول المؤسسة للتجمع بشأن تلك المعايير، وكذلك في طبيعة الأدوار المستقبلية للتجمع»، وهو ما قد ينعكس بدوره على القرار بشأن انضمام دول أفريقية إلى التجمع.

مركز المؤتمرات حيث ستنعقد قمة «بريكس» في جوهانسبورغ (أ.ف.ب)

وخلال الآونة الأخيرة برز دعم الصين وروسيا لتوسيع العضوية، وأبدت جنوب أفريقيا موقفاً متفهماً لهذا التوجه على لسان رئيسها سيريل رامافوزا، الذي أكد خلال استقباله نظيره الصيني شي جينبينغ (الاثنين)، أن البلدين لديهما «وجهات نظر متشابهة فيما يتعلق بالتوسع».

في المقابل أبدت الهند موقفا «أكثر تحفظاً»، إذ جدد وزير الخارجية الهندي، فيناي كواترا، (الاثنين)، التحذير من «التوسع السريع» لكنه أكد أن الهند «لديها نيات إيجابية وعقل منفتح».

وبحسب تصريحات سابقة لمسؤولين من جنوب أفريقيا فإن أكثر من 40 دولة أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى «بريكس» بينها عدة دول أفريقية بارزة كالجزائر ومصر ونيجيريا والسنغال وإثيوبيا.

ويعتقد الباحث الاقتصادي الناميبي، جوزيف شيهاما، المتخصص في الشؤون الأفريقية، أن الرغبة الصينية المدعومة روسياً بشأن توسيع «بريكس» قد تكون لها الغلبة، مشيراً في هذا الصدد إلى أن التجمع «يخطو خطوات أبعد من كونه مجرد تكتل اقتصادي».

ويرى شيهاما، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المعايير التي سيتم على أساسها اختيار الدول المنضمة للتكتل «قد تكون محل نقاش خلال القمة، وسيكون معظمها اقتصاديا بالأساس»، مضيفاً أن تباينات المصالح بين الدول الأعضاء في بريكس «لن تؤثر على انضمام دول جديدة خاصة من أفريقيا».

ويعرب الباحث الاقتصادي الناميبي عن اعتقاده أن الصين وروسيا ترغبان في توسيع نفوذهما بالقارة، فضلاً عما يمكن أن تقدمه أفريقيا من إضافة للتجمع، خاصة أن القارة في طريقها لأن تصبح «أكبر سوق موحدة في العالم» من خلال تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأفريقية، وهو ما قد يمثل أيضاً مصلحة اقتصادية بالنسبة لكل أعضاء «بريكس».

برز في الفترة الأخيرة دعم الصين وروسيا لتوسيع عضوية «بريكس» (رويترز)

وتعد الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا، إذ تجاوز إجمالي صادراتها لدول القارة العام الماضي 164 مليار دولار، بينما بلغت وارداتها 117.5 مليار، وبلغت قيمة التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا ذروتها عام 2022، بحسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ زاد التبادل التجاري بين الجانبين بنسبة 35 في المائة، مسجلاً نحو 18 مليار دولار.

من جانبه، يرى الدكتور أيمن السيد عبد الوهاب، نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، خبير الشؤون الأفريقية، أن ثمة اعتبارات سيضعها أعضاء «بريكس» عند النظر في انضمام أعضاء جدد، خاصة من القارة الأفريقية، في مقدمة تلك الاعتبارات مدى تكامل أفكار الدول الراغبة في الانضمام مع منظومة «بريكس» الفكرية والاقتصادية والسياسية «حتى لا تتحول مستقبلاً إلى أداة لإثارة التوتر».

ويضيف عبد الوهاب، لـ«الشرق الأوسط»، أن تناغم الطبيعة الاقتصادية والسياسية ومدى ما يمكن أن تقدمه تلك الدول من ثقل للتكتل سيكونان أيضاً ضمن معايير الاختيار، إضافة إلى «مدى قدرة تلك الدول على تحمل الضغوط الغربية المتوقعة» وتوافر الإرادة السياسية في مواكبة سياسات «بريكس» الذي يسعى إلى طرح نفسه كقوة اقتصادية عالمية.

ويتوقع نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» ألا تكون هناك مسارعة بضم عدد كبير من الدول بقدر ما سيعمد أعضاء «بريكس» إلى التريث في الاختيار، وعند تساوي انطباق المعايير على دولة أو أكثر، يمكن أن تكون العلاقات الثنائية لدول محورية في التكتل «عنصر ترجيح»، وعلى هذا الأساس قد تكون لدول أفريقية ذات علاقات أكثر عمقاً واتساعاً مع الصين وروسيا حظوظ أكبر من غيرها في الانضمام إلى التكتل.

ويضم تجمع «بريكس» حاليا ما يزيد على 40 في المائة من سكان ومساحة العالم، حيث يضم أهم خمسة اقتصادات ناشئة في العالم، وهي في الوقت ذاته من أكبر دول العالم مساحة وأكثرها كثافة سكانية، كما تنتج دول التجمع أكثر من 30 في المائة من السلع والخدمات عالميا.

وفي المقابل تحظى دولتان فقط من أعضائه (الصين وروسيا) بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي، ويمتلك أعضاء التكتل أقل من 15 في المائة من حقوق التصويت في البنك وصندوق النقد الدوليين، وفقاً لمعهد الدراسات الأمنية في بريتوريا.


مقالات ذات صلة

بعد إلغاء نظام «سويفت»... إيران تعلن استخدام العملات الوطنية مع أعضاء «بريكس»

الاقتصاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان خلال قمة «بريكس» في 23 أكتوبر 2024 (رويترز)

بعد إلغاء نظام «سويفت»... إيران تعلن استخدام العملات الوطنية مع أعضاء «بريكس»

أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني، إلغاء استخدام نظام «سويفت» في التبادلات التجارية الإيرانية واستخدام العملات الوطنية في تسوية المعاملات مع دول «بريكس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ مجموعة «بريكس بلس» تحظى بدعم واسع في العالم متعدد الأقطاب الناشئ اليوم (أ.ف.ب)

ما خيارات واشنطن في ظل تصاعد نظام متعدد الأقطاب؟

مع ازدياد التحديات العالمية وتعقيداتها، من التغير المناخي إلى الأزمات الجيوسياسية، تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة واقع جديد يتسم بتعدد الأقطاب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ممثل السياسة الخارجية والأمنية جوزيب بوريل ومفوض شؤون التوسعة أوليفر فارهيلي في مؤتمر صحافي في بروكسل (من حساب الأخير في «إكس»)

الاتحاد الأوروبي قلق لتراجع تركيا ديمقراطياً

عبّر الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه بشأن تراجع المعايير الديمقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء والحقوق الأساسية في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا غوتيريش يصافح بوتين

«بريكس» تختتم قمتها بفتح أبواب التوسع

أنهت قمة مجموعة «بريكس» أعمالها، في قازان بجنوب روسيا، أمس (الخميس)، بفتح أبواب التوسع، وسط مداخلات هيمنت عليها الدعوات للسلام وإصلاح النظام الدولي.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث في قمة «بريكس» (د.ب.أ)

بوتين: مستقبل العلاقة مع واشنطن رهن بموقفها بعد الانتخابات

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، إنّ مستقبل العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة رهن بما ستكون عليه مواقف واشنطن بعد انتخابات البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط»

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
TT

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

بينما أعلنت الحكومة الفرنسية، رسمياً، أنها ستقدم «حمايتها» للكاتب الشهير بوعلام صنصال الذي يحتجزه الأمن الجزائري منذ الـ16 من الشهر الحالي، سيبحث البرلمان الأوروبي غداً لائحة فرنسية المنشأ، تتعلق بإطلاق سراحه.

وصرّح وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الثلاثاء، لدى نزوله ضيفاً على إذاعة «فرانس إنفو»، بأن الرئيس إيمانويل ماكرون «مهتم بالأمر، إنه كاتب عظيم، وهو أيضاً فرنسي. لقد تم منحه الجنسية الفرنسية، ومن واجب فرنسا حمايته بالطبع. أنا أثق برئيس الجمهورية في بذل كل الجهود الممكنة من أجل إطلاق سراحه». في إشارة، ضمناً، إلى أن ماكرون قد يتدخل لدى السلطات الجزائرية لطلب إطلاق سراح الروائي السبعيني، الذي يحمل الجنسيتين.

قضية صلصال زادت حدة التباعد بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

ورفض الوزير روتايو الإدلاء بمزيد من التفاصيل حول هذه القضية، التي تثير جدلاً حاداً حالياً في البلدين، موضحاً أن «الفاعلية تقتضي التحفظ». وعندما سئل إن كان «هذا التحفظ» هو سبب «صمت» الحكومة الفرنسية على توقيفه في الأيام الأخيرة، أجاب موضحاً: «بالطبع، بما في ذلك صمتي أنا. ما هو مهم ليس الصياح، بل تحقيق النتائج». مؤكداً أنه يعرف الكاتب شخصياً، وأنه عزيز عليه، «وقد تبادلت الحديث معه قبل بضعة أيام من اعتقاله».

واعتقل الأمن الجزائري صاحب الرواية الشهيرة «قرية الألماني»، في محيط مطار الجزائر العاصمة، بينما كان عائداً من باريس. ولم يعرف خبر توقيفه إلا بعد مرور أسبوع تقريباً، حينما أثار سياسيون وأدباء في فرنسا القضية.

وزير الداخلية الفرنسية برونو روتايو (رويترز)

ووفق محامين جزائريين اهتموا بـ«أزمة الكاتب صنصال»، فإن تصريحات مصورة عُدَّت «خطيرة ومستفزة»، أدلى بها لمنصة «فرونتيير» (حدود) الفرنسية ذات التوجه اليميني، قبل أيام قليلة من اعتقاله، هي ما جلبت له المشاكل. وفي نظر صنصال، قد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، وأشار إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، التي تقع في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

بل أكثر من هذا، قال الكاتب إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». وفي تقديره «لم تمارس فرنسا استعماراً استيطانياً في المغرب لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، وفُهم من كلامه أنه يقصد الجزائر، الأمر الذي أثار سخطاً كبيراً محلياً، خصوصاً في ظل الحساسية الحادة التي تمر بها العلاقات بين الجزائر وفرنسا، زيادة على التوتر الكبير مع الرباط على خلفية نزاع الصحراء.

البرلمانية الأوروبية سارة خنافو (متداولة)

وفي حين لم يصدر أي رد فعل رسمي من السلطات، هاجمت «وكالة الأنباء الجزائرية» بحدة الكاتب، وقالت عن اعتقاله إنه «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور، رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه ضد المهاجرين في فرنسا عموماً، والجزائريين خصوصاً.

يشار إلى أنه لم يُعلن رسمياً عن إحالة صنصال إلى النيابة، بينما يمنح القانون الجهاز الأمني صلاحية تجديد وضعه في الحجز تحت النظر 4 مرات لتصل المدة إلى 12 يوماً. كما يُشار إلى أن المهاجرين السريين في فرنسا باتوا هدفاً لروتايو منذ توليه وزارة الداخلية ضمن الحكومة الجديدة في سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويرجّح متتبعون لهذه القضية أن تشهد مزيداً من التعقيد والتوتر، بعد أن وصلت إلى البرلمان الأوروبي؛ حيث سيصوت، مساء الأربعاء، على لائحة تقدمت بها النائبة الفرنسية عن حزب زمور، سارة كنافو. علماً بأن لهذه السياسية «سوابق» مع الجزائر؛ إذ شنت مطلع الشهر الماضي حملة كبيرة لإلغاء مساعدات فرنسية للجزائر، قُدرت بـ800 مليون يورو حسبها، وهو ما نفته الحكومة الجزائرية بشدة، وأودعت ضدها شكوى في القضاء الفرنسي الذي رفض تسلمها.