ليبيا: انتقادات حقوقية لاحتجاز مهاجرين سودانيين عبروا الحدود

ضبط 60 شخصاً شرق البلاد... ودعوات لإمدادهم بالطعام والشراب

ليبيا: انتقادات حقوقية لاحتجاز مهاجرين سودانيين عبروا الحدود
TT

ليبيا: انتقادات حقوقية لاحتجاز مهاجرين سودانيين عبروا الحدود

ليبيا: انتقادات حقوقية لاحتجاز مهاجرين سودانيين عبروا الحدود

وجهت منظمات حقوقية ليبية انتقادات للسلطات المعنية بمكافحة الهجرة غير النظامية بشرق البلاد، على خلفية احتجازها 60 مهاجراً سودانياً بعدما تسللوا عبر الدروب الصحراوية إلى داخل ليبيا.

وقالت «مؤسسة العابرين لمساعدة المهاجرين والخدمات الإنسانية»، مساء (السبت)، إن أغلب المهاجرين السودانيين الذين أوقفتهم السلطات المحلية يحملون بطاقات تسجيل خاصة بطلب اللجوء لدى فرع المنظمة السامية للأمم المتحدة في مصر، مشيرة إلى أن بينهم نساءً وأطفالاً، وأوضاعهم الإنسانية «حرجة جداً».

وبينما كشفت المؤسسة عن أن هؤلاء المهاجرين، الذين يوجدون حالياً داخل مركز إيواء «باب الزيتون»، في حاجة ماسة إلى الإغاثة، ناشدت سكان طبرق (شرق ليبيا) التبرع لهم بالماء والطعام.

مهاجرات سودانيات يخضعن للتوقيف من قبل سلطات شرق ليبيا (مؤسسة العابرين لمساعدة المهاجرين)

ووسط تدفق مئات المهاجرين غير النظاميين على ليبيا، نقل طارق لملوم الحقوقي الليبي، رئيس «مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان»، اليوم (الأحد)، عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن ما يزيد على 69 ألف مهاجر وصلوا إلى إيطاليا بين يناير (كانون الثاني) وبداية يوليو (تموز) عام 2023 عبر البحر المتوسط، بينهم 37.720 من تونس، و28.558 من ليبيا، والبقية من تركيا والجزائر.

ودخل خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، على خط أزمة تزايد أعداد المهاجرين، وقال مغرداً عبر حسابه على «تويتر»، إن «الحل الحقيقي والجذري والإنساني لمشكلة المهاجرين غير النظاميين يكمن في تنمية دولهم الأصلية الغنية بالثروات الطبيعية المنهوبة حتى الآن من دول الاستعمار السابق، واستقرارها، أما غير ذلك فهي (حلول تلفيقية) ومؤقتة وغير إنسانية».

وانتقدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، عملية ضبط المهاجرين السودانيين وتوقيفهم، من قبل سلطات شرق البلاد، مجددة مطالبتها السلطات المحلية بعدم احتجاز النازحين والمهجرين واللاجئين القادمين من السودان الشقيق جراء حالة النزاع المسلح الذي تشهده بلادهم.

مهاجرون سودانيون تحتجزهم سلطات شرق ليبيا (مؤسسة العابرين لمساعدة المهاجرين)

وقالت اللجنة في تصريح صحافي اليوم (الأحد)، إنه «التزاماً بمبدأ الحماية الإنسانية المنصوص عليها بالقانون الدولي الإنساني، يستوجب على السلطات الليبية عدم الإعادة القسرية التعسفية، أو احتجاز اللاجئين أو النازحين والمهجرين القادمين من بلدان تشهد حالات نزاع مسلح أو حروب، وذلك تقديراً للظروف الإنسانية الاستثنائية التي تمر بها بلادهم».

كما تدعو اللجنــة، السلطات الليبية للعمل على الاستجابة الإنسانية العاجلة بتقديم المساعدات الإنسانية والطبية الطارئة لهؤلاء اللاجئين والنازحين والمهجرين من جمهورية السودان الشقيقة، وتيسير وصول المنظمات الدولية والأممية المختصة لتقديم المساعدات الإنسانية والطبية الطارئة لهم.

دوريات استطلاع مكثفة تابعة لقوات «الوحدة» تراقب شواطئ البحر لمواجهة التهريب (رئاسة أركان «الوحدة»)

وفي الأثناء، أعلنت رئاسة أركان قوات حكومة «الوحدة الوطنية»، أن دوريات استطلاع مكثفة تابعة لـ«اللواء 53 مشاة مستقل» تطوف المناطق الممتدة جنوب مدينة مصراتة وزليتن، إلى المناطق المجاورة لمدينة ترهونة والخُمس ومسلاتة ووادي كعام، وأماكن أخرى في الأودية والجبال، لمراقبة شواطئ البحر، والتصدي لعمليات التهريب.

ووسط تخوف سياسيين ليبيين من إمكانية توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا، في إطار ما وُصف بـ«وجود صفقة» بين عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة»، والسلطات الإيطالية، قال منصور الحصادي، عضو المجلس الأعلى للدولة، إن «أي محاولة توطينية للمهاجرين يجب التصدي لها ورفضها»، لافتاً إلى أنه «يجب التفريق بين حقوق المهاجرين الإنسانية والتوطين».

ووجّه الحصادي حديثه إلى الجانب الإيطالي، قائلاً: «على الحكومة الإيطالية مساعدة تعليم المهاجرين في دولهم، دول المصدر، وليس في ليبيا»، متابعاً: «لن تكون ليبيا حارساً لأوروبا، ولا موطناً للمهاجرين، وعليها تحمل مسؤوليتها تجاه المهاجرين الذين يقصدونها».



تسريبات «قديمة» لتعذيب سجناء تعيد مطالب فتح ملف المعتقلات الليبية

النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
TT

تسريبات «قديمة» لتعذيب سجناء تعيد مطالب فتح ملف المعتقلات الليبية

النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)

عبرّت قطاعات ليبية كثيرة عن «انزعاجها الشديد» بعد تسريبات «مزعومة» تظهر تعذيب مواطنين وأجانب في سجن على ما يبدو بشرق ليبيا، مطالبين بالتحقيق فيها، وكشف وضيعة جميع السجون الليبية.

خالد مسعود وزير العدل بحكومة شرق ليبيا (المكتب الإعلامي للوزارة)

وتداول حقوقيون ونشطاء ليبيون على نطاق واسع، مقاطع فيديو، غير معلوم تاريخها، قالوا إنها من داخل سجن «قرنادة» بمدينة شحّات بشرق البلاد، تظهر الاعتداءات على سجناء شبه مجردين من ملابسهم بالضرب العنيف المتواصل، وهم يتقافزون من شدة التعذيب والألم، فيما يتوسل بعضهم بلكنات غير ليبية.

ولم تعلق السلطات الأمنية في شرق ليبيا على هذه التسريبات، التي دفعت عدداً من الليبيين، إلى استدعاء سيرة سجن «صيدنايا» السوري سيئة السمعة، لكن الحقوقي الليبي طارق لملوم قال لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا صور ووقائع سابقة تثبت أنه سجن (قرنادة) بالفعل»، وأضاف: «تم التعرف على بعض السجّانين الذي مارسوا عمليات التعذيب؛ فضلاً عن أن لهجتهم التي نفهمها جيداً دلّت على أنهم من سكان شحّات».

ويشار إلى سجن «قرنادة» من واقع التقارير الأممية السابقة، بأنه «سيئ السمعة»، بالإضافة إلى سجون كثيرة بشرق ليبيا وغربها وجنوبها، من بينها «معيتيقة»، و«الهضبة»، و«صرمان».

وجُل ما يحدث في ليبيا يتأثر بالانقسام السياسي والحكومي، لكن تردي ملف حقوق الإنسان، وأوضاع السجون، هما محل انتقاد من منظمات دولية ومحلية، لكثرة وقائع التوقيف والخطف والاعتقال لمدد طويلة من دون محاكمات، وفق حقوقيين.

والفيديو الذي نقل عمليات تعذيب كثيرة، لم يكشف متى وقعت هذه الاعتداءات، وهو ما أكده لملوم الذي أرجعه للفترة التي كانت سلطات شرق ليبيا على غير وفاق مع تركيا، وقال: «في أحد الفيديوهات كان أحد السجّانين يعتدي على مواطن سوري، ويقول له: كم يدفع لكم إردوغان بالدولار؟ في إشارة إلى أنه مرتزقة».

وأمام قسوة ما أظهرته عمليات تعذيب السجناء في «قرنادة»، شبّه بعض الليبيين ما حدث بسجن «صيدنايا». وقال أحمد عبد الحكيم حمزة رئيس «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» بليبيا: «الأجدر بنا أن نسمه صيدنايا الليبي»، وأضاف: «هذه الفظائع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يجب أن يُحاسب مرتكبوها ويُقدموا للعدالة الوطنية والدولية».

لقطة من الداخل لسجن مدينة زليتن شرق طرابلس (غيتي)

وتحدث حقوقيون ونشطاء كثيرون أن ما احتوته هذه التسريبات هو جزء مماثل لما يُرتكب في غالبية السجون الليبية بجميع الأنحاء، مطالبين النائب العام بفتح هذا الملف، وهو ما أشار إليه لملوم، وحمزة، والناشط السياسي حسام القماطي الذي قال: «ما يحدث في قرنادة يحصل كل يوم في سجون طرابلس».

ولمزيد من التأكيد على أن عمليات التعذيب غير مقتصرة على «قرنادة» فقط، قال لملوم: «قبل أن يباشر سجن قرنادة في الاحتجاز والتنكيل والتعذيب في شرق ليبيا، كانت هناك سجون تسبقه في غرب البلاد تمارس التعذيب والسحل والاغتصاب والتجويع، وهي مستمرة حتى اليوم».

ويعتقد لملوم أن «جميع السجون الليبية تلجأ لسياسة التعذيب خلال عمليات استجواب المحتجزين... والخوف ليس من أثر التعذيب بل مصير المئات من المحتجزين الليبيين والأجانب بعد التعذيب»، متحدثاً عن «وجود أدلة تؤكد وجود تصفيات وربما الدفن في مقابر، أو الرمي بمحيط تلك المعتقلات التي تشرف عليها جهات حكومية».

وكيل وزارة الداخلية العميد فرج قعيم (وزارة العدل)

وطالب ليبيون كثر السلطات في ليبيا بكشف حقيقة هذه الفيديوهات «حتى وإن كانت وقائع قديمة». كما تطالب «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» النائب العام ومكتب المدعي العام العسكري، بفتح تحقيق شامل في ملابسات هذه الواقعة، مشدّدة على ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المتهمين بارتكاب هذه الجرائم، وإنزال العقوبات عليهم، بما يكفل إنهاء الإفلات من العقاب.

وفي تقريرها الأخير عن حقوق الإنسان في ليبيا، عدّت «هيومن رايتس ووتش» أن عام 2024 كان مضطرباً، وقمعت فيه السلطتان المتنافستان في الشرق والغرب المنظمات غير الحكومية، كما تمادت الجماعات المسلحة والميليشيات في شرق ليبيا وغربها بارتكاب انتهاكات ضد الليبيين والمهاجرين بلا رادع. وهو التصريح الذي ترفضه السلطتان.

الناشط السياسي الليبي سراج دغمان (حسابات موثوقة على مواقع التواصل الاجتماعي)

غير أن تسريبات «قرنادة» أعادت أيضاً إلى أذهان الليبيين أيضاً، ذكرى مقتل مدير «مكتب ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية» فرع بنغازي سراج دغمان، الذي أعلن عن وفاته بأحد المقار الأمنية في المدينة، منتصف أبريل (نيسان) 2024.

وكان جهاز الأمن الداخلي بشرق ليبيا اعتقل دغمان (35 عاماً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مع أربعة نشطاء آخرين، وأُعلن عن وفاته في ظروف يراها مقرّبون منه «غامضة وغير طبيعية» مما دفع بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا للمطالبة بفتح تحقيق «شامل وشفاف ومستقل» في أسباب وفاته.

والوضع في غرب ليبيا ليس أفضل حالاً من شرقها لجهة الانتقادات الموجهة للمعتقلات. السجون في غرب ليبيا أنواع، لكل منها اسم رسمي وآخر غير رسمي، ويعد أشدها قسوة سجن «عين زارة» (الرويمي) بجناحيه، أو سجن «عين زارة السياسي» (البركة) للإصلاح والتأهيل، ويقع في جنوب شرقي طرابلس.

وترصد منظمات حقوقية، أنه منذ إسقاط نظام حكم معمر القذافي في عام 2011، يشهد هذا السجن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وتديره وتسيره الميليشيات المسلحة كيفما تشاء، رغم تبعيته اسمياً لوزارة العدل بحكومة غرب ليبيا.

ويقول الدكتور عقيلة دلهوم، رئيس "اللجنة الحقوقية والإعلامية لهانيبال القذافي" إنه "عندما تتحوّل السجون والأقبية داخل ليبيا إلى ساحات للتعذيب والإذلال، نقف أمام مأساة وطنية وإنسانية تفوق كل وصف".

ويضيف دلهوم في تصريح صحافي أنه "بعد مرور 13 عاما مؤلمة منذ عام 2011؛ لا نزال نشاهد مناظر مروّعة تتوالى من تلك الأقبية الكئيبة لسجناء ومختطفين ليبيين في شرق ليبيا وغربها؛ حيث تُمارس أبشع أنواع القهر والانتهاكات ضد شباب ليبيين. وما خفي كان أعظم".