شائعات وأخبار زائفة تربك الرأي العام السوداني

أشهرها مقتل حميدتي وكباشي... ومحاولة انتحال اسم «لجان المقاومة» المدنية

حرائق جراء الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
حرائق جراء الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

شائعات وأخبار زائفة تربك الرأي العام السوداني

حرائق جراء الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
حرائق جراء الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)

بعد اندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وسيطرة قوات «الدعم السريع» على مبنيَي التلفزيون والإذاعة الحكوميَين، وخروج الوكالة الرسمية «سونا» من الخدمة، وتوقف الصحف المستقلة عن الصدور، أصبح الحصول على المعلومات حكراً على الفضائيات الدولية والإقليمية ووسائط التواصل الاجتماعي، وخلا المسرح للأخبار المفبركة والشائعات، وأصبحت الدعاية الحربية والحرب النفسية سائدتَين، الأمر الذي تسبب بعملية «تضليل» واسعة النطاق، جعلت كل معلومة يتم تداولها، خصوصاً من طرفَي القتال أو مناصريهما، عرضة للتشكيك في أنها مجرد دعاية حربية.

في ظل هذه الأجواء، سادت الأخبار الزائفة، وسيطرت على أحاديث المجالس ووجّهت الرأي العام، وأشهر هذه الشائعات كانت مقتل قائد قوات «الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بـ«حميدتي».

وجاء في تلك الشائعة التي روج لها سياسيون كبار، من بينهم مبارك الفاضل، أن سيارة حميدتي استُهدفت وأُصيب إصابة بالغة لقي حتفه إثرها. لكن الشائعة تداعت سريعاً بعد صدور بيان قمة دول «إيقاد» في جيبوتي في 12 من الشهر الحالي، والتي أوصت بعقد لقاء «وجهاً لوجه» بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وحميدتي، وهو ما اعتُبر نفياً رسمياً أكدته الخارجية السعودية بإعلانها إجراء اتصال من قبل الوزير السعودي بكل من الرجلين.

محمد حمدان دقلو (أ.ف.ب)

شمس الدين كباشي

ومثلما راجت شائعة مقتل حميدتي، راجت شائعة مناوئة عن مقتل نائب القائد العام للجيش، الفريق شمس الدين كباشي، أثناء مواجهات بين الجيش و«الدعم السريع»، لكن الرجل أطل بعد يومين مخاطباً القوات في الميدان، فأثبت أن رواية مقتله شائعة حربية.

وتداولت مجالس الخرطوم في اليومين الماضيين بياناً باسم «لجان المقاومة»، يدعو المواطنين للخروج في «موكب غضب»، رداً على تداول مقطع فيديو لاغتصاب فتاة اتّهمت به عناصر من «الدعم السريع». لكن «لجان المقاومة» تبرأت، في بيان رسمي، من الدعوة واعتبرتها محاولة لانتحال اسمها لتحقيق أهداف سياسية. وقالت في بيانها إن خروج المواطنين في هذا التوقيت يمثل خطراً على حياتهم، ودعتهم لعدم الخروج.

ويدور جدل مستمر في وسائط التواصل الاجتماعي بأن قوات «الدعم السريع» متقدمة جداً في مجال الحرب الدعائية والنفسية، على عكس الجيش الذي بدت حربه النفسية وتوجيهه المعنوي «متخلفاً» عن خصمه (الدعم السريع). ورصدت مجموعات التحقق من المعلومات أكثر من معلومة نشرها الجيش كانت غير دقيقة، إن لم تكن كاذبة، وظل خطابه معتمداً على الترويج لانتصارات شكك كثير من المواطنين بها، واعتُبر خطابه فاشلاً في تسويق وضعه الأمني والعسكري.

بيد أن خبراء عسكريين أشاروا إلى أن للجيش إدارة متخصصة تسمى «إدارة الحرب النفسية»، متخصصة في مقاومة الشائعات، بل وتستخدم الشائعة لضرب مكامن قوة العدو وتكسير معنوياته. وقال هؤلاء إن الطرفين المتحاربين يهتمان كثيراً بالحرب الدعائية، ويمتلك كل منهما غرفاً متخصصة، وهي بحسب هؤلاء الخبراء لا تقل أهمية عن السلاح. وتابعوا أن قوى سياسية ارتبطت بالخارج طوّرت من قدراتها مع جهات أخرى في الحرب الدعائية.

نائب قائد الجيش الفريق شمس الدين كباشي (أ.ف.ب)

عوائق تقنية

ويرى محللون أن «السوشيال ميديا» وحدها غير قادرة على السيطرة على الرأي العام أثناء الحرب؛ لأن المعلومة والمعلومة المضادة «متاحتان» للطرفين. وتقول وجهة النظر هذه باستحالة «سيطرة جهة على المعلومات». بيد أن هناك أدوات معروفة لتوجيه الرأي العام، مثل تقارير الوكالات الإعلامية العالمية، التي يتم تداولها بشكل كبير وسط المواطنين.

وقال الخبير الإعلامي محمد عبد السيد لـ«الشرق الأوسط»، إن «السوشيال ميديا» لم تؤثر في الرأي العام السوداني خلال الحرب، لوجود إشكاليات تقنية تتعلق بها. وأضاف: «وجدت الحرب اهتماماً كبيراً من الشعب السوداني، وتم تداول معلوماتها، صورةً وصوتاً».

وأرجع عبد السيد حالة عدم الثقة بأجهزة الإعلام إلى انقلاب 25 مايو (أيار) 1969، بقيادة الرئيس الأسبق جعفر النميري. ففي عهده تم تأميم الصحف ونقل ملكيتها للحكومة، بعد أن كانت «خاصة»، وصارت بوقاً لإعلام الحكومة. لكن المعارضة لم تتوقف، إذ استخدمت لإيصال رسالتها المنشورات والبيانات، بل وأشرطة «الكاسيت» التي تهرب من خارج السودان، وكانت تجد رواجاً جعل منها مصدراً مهماً للمعلومات.

وتابع عبد السيد: «في عهد نظام (الرئيس السابق عمر) البشير، سادت صحافة الرأي، وانقسم الكتاب بين مؤيدين للنظام ومعارضين له، ولعبوا دوراً مهماً في تشكيل الرأي العام، قبل أن تصبح وسائط التواصل الاجتماعي أداة للصراع».

معلومات حربية

معروف أيضاً أن الشائعات تنمو وتزداد في ظل غياب المعلومات، وأثناء الحروب تصبح المعلومات عن الأوضاع العسكرية من أسرار الميدان، لكن في بعض الأحيان قد تقتضي مصلحة الطرفين الحديث عن انتصار عسكري، وقد تبث معلومات مجتزأة عن ذلك، بحيث يتحقق لها ولجنودها حافز معنوي، وفي الوقت ذاته توفير معلومات للمواطن تساعده على مواجهة وفهم الأوضاع دون تفاصيل قد تضر به.

ويقول خبير حقوق الإنسان، رفعت ميرغني لـ«الشرق الأوسط»، إن الشائعات تكون أحياناً ممنهجة من قبل طرفي النزاع، ومن قبل أجهزة الإعلام الداعمة لكل منهما.

وأضاف: «إنها جزء من أدوات الحرب التي يستخدمها طرف ضد الآخر لإضعافه معنوياً. ضعف التواصل الرسمي مع الجمهور من شأنه أن يهيئ بيئة مواتية لانتشار الشائعات». ويستطرد ميرغني قائلاً: «ما حدث في الحرب بين الجيش و(الدعم السريع) ليس أمراً جيداً. فبسبب غياب المعلومات الصحيحة فقد كثير من الأشخاص حياتهم، وتعرض أمنهم للخطر».

مرضى فشل كلوي في مستشفى سوبا جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)

خطر حقيقي

وبطبيعتها، فإن الشائعات فعالة لحظياً على الرغم من أن عمرها قصير، وقد يحدث رد فعل عكسي بعد اكتشاف أنها شائعة، ما يفقد مصدرها مصداقيته. لكنها تظل مهمة في الحروب الخاطفة، إذ تساعد في تحقيق أهداف عسكرية بسرعة، ويمكن معالجة آثارها بوجه عام. ويرى مراقبون أن الحرب الدعائية تؤثر مباشرة في المجتمعات والقوات، بل وعلى الرأي العام الدولي أحياناً، ويمكن أن تلعب دوراً مهماً في التغطية على جرائم ترتكبها القوات المتقاتلة.

ويصف سياسيون غياب الإعلام الحكومي الرسمي طوال أيام الحرب، وتوقف الصحف والبثّيَن التلفزيوني والإذاعي الرسمييَن، بأنه كان كارثياً؛ لأن العالم يعتمد بصورة أساسية على ما تبثه وتنشره وسائل الإعلام هذه، ما أتاح للأشخاص العاديين نشر معلومات وشائعات تتناسب مع آرائهم ومواقفهم واصطفافهم في المعركة، واستُخدمت في ذلك مواقع إلكترونية مجهولة لا تملك سياسة تحرير أو مقاراً واضحة، ولا تلتزم بضوابط الخدمة الإعلامية والصحافية.

ويقول القيادي في «حزب الأمة القومي»، عروة الصادق، إن أولوية القائمين على هذه المواقع تتمثل في جذب مزيد من المتابعين، والتفاعلات، وجني بعض الأموال، مقابل أموال أو عمولات من طرفي الصراع، فيسارعون إلى نشر «شائعات تخدم هذا الطرف أو ذاك». ويضيف: «يعمد متابعو الشائعات إلى توسيع دائرة نشرها؛ بسبب جهل بعضهم، ظناً منهم أن قادة العمليات يعتمدون على هذه المعلومات الخاطئة في اتخاذ القرارات التي قد ترجح كفة أحد الطرفين».

نزوح متزايد من الخرطوم إلى مدينة ود مدني جنوب العاصمة (أ.ف.ب)

إغلاق مواقع

لكن الصادق يرى أن مثل هذه المعلومات أسهمت بشكل كبير في تفاقم ظواهر معقدة، تضمنت تشويه صورة أشخاص أو جماعات، والعبث بوثائق ومظهر الحكومة الرسمية.

يشار إلى أن عدداً كبيراً من المواقع الإلكترونية جرى إغلاقه في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وكان معظمها يبث من خارج البلاد، تحت إشراف قادة النظام السابق، وكان الهدف منها عرقلة الفترة الانتقالية عن طريق نشر الشائعات وإرباك الرأي العام الداعم للتحول المدني الديمقراطي، ما أفقدها مصداقيتها، بسبب نشرها شائعات كانت تسري بين الناس مثل النار في الهشيم.


مقالات ذات صلة

السودان: 15 قتيلاً في هجوم بمسيّرة «تابعة للجيش» في أم درمان السبت

شمال افريقيا أشخاص يتجمعون بالقرب من مركبة مدمرة بعد قصف سابق لـ«قوات الدعم السريع» على أم درمان (أرشيفية - رويترز)

السودان: 15 قتيلاً في هجوم بمسيّرة «تابعة للجيش» في أم درمان السبت

قالت جمعية «محامو الطوارئ» إن هجوماً شنته مسيّرة تابعة للجيش السوداني على عربة في غرب أم درمان الواقعة ضمن الخرطوم الكبرى أسفر عن مقتل 15 مدنياً السبت.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا رمطان لعمامرة (أ.ف.ب)

ترتيب أممي لمحادثات غير مباشرة بين الجيش السوداني و«الدعم السريع» في جنيف

«قوات الدعم السريع» وافقت على استئناف المحادثات، فيما أبدى الجيش «موافقة شبه مبدئية على المشاركة، دون تأكيد رسمي حتى الآن».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا جانب من عملية إطلاق سابقة لمسيّرات إيرانية الصنع (أرشيفية - إكس)

السودان: تهديدات الطائرات دون طيار تتمدد إلى مناطق آمنة جديدة

يسعى الطرفان لتحديث أسلحتهما من المسيّرات القتالية، وراج أخيراً أن الجيش حصل على مسيّرات تركية من طراز «بيرقدار» الشهيرة، ومسيّرات إيرانية من طراز «مهاجر 6».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا قصف مدفعي يدمر منازل بمخيم زمزم (متداولة)

الجيش السوداني يعلن مقتل قائد لـ«الدعم السريع» في الفاشر

أعلن الجيش السوداني، السبت، مقتل القائد العسكري في «قوات الدعم السريع» العميد جمعة إدريس، خلال قصف بالمدفعية الثقيلة استهدف تحركات قواته.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)

مقتل 9 بعد هجوم لـ«الدعم السريع» على المستشفى الرئيسي في الفاشر

قالت مصادر سودانية إن قوات «الدعم السريع» هاجمت المستشفى الرئيسي الذي ما زال يعمل في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، الجمعة، مما أسفر عن مقتل 9 وإصابة 20.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سلطات غرب ليبيا تحتاط من منخفض جوي

محيط مستشفى ترهونة العام بعدما أغرقته الأمطار 5 ديسمبر (مؤسسة رؤية لعلوم الفضاء)
محيط مستشفى ترهونة العام بعدما أغرقته الأمطار 5 ديسمبر (مؤسسة رؤية لعلوم الفضاء)
TT

سلطات غرب ليبيا تحتاط من منخفض جوي

محيط مستشفى ترهونة العام بعدما أغرقته الأمطار 5 ديسمبر (مؤسسة رؤية لعلوم الفضاء)
محيط مستشفى ترهونة العام بعدما أغرقته الأمطار 5 ديسمبر (مؤسسة رؤية لعلوم الفضاء)

اتخذت السلطات في غرب ليبيا إجراءات احترازية تحسباً لمنخفض جوي حذر منه «المركز الوطني للأرصاد الجوية»، قد يؤدي إلى سقوط أمطار غزيرة على بعض المناطق يتبعها جريان للأودية، معلنة حالة الطوارئ بجميع مديريات الأمن بالمنطقة تحوطاً من تكرار ما شهدته في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري.

سيول جارفة ضربت مناطق عدة في شمال غربي ليبيا نهاية أغسطس (مديرية أمن طرابلس)

وقالت وزارة الداخلية بالحكومة، إنه بناء على توقعات «المركز الوطني للأرصاد»، فإن مناطق شمال غربي وجنوب ليبيا ستتأثر بسقوط أمطار متوسطة الشدة على فترات اعتباراً من الاثنين وحتى الثلاثاء، داعية المواطنين إلى توخي الحذر والابتعاد عن مجاري الأودية والمناطق التي تتجمع فيها المياه.

ويأتي هذا التحذير على خلفية «فيضانات» تعرضت لها مناطق بغرب البلاد، وأدت إلى أضرار جسيمة بمدينة ترهونة، ولا سيما المستشفى العام الذي غمرت المياه طابقه الأول.

وأعلنت بلدية ترهونة الاثنين حالة الطوارئ، بعد التقارير الصادرة عن «المركز الوطني للأرصاد» المتضمنة دخول بعض المناطق الغربية منها تحت تأثير حالة عدم الاستقرار الجوي.

وقالت وزارة الداخلية، إنها أعلنت حالة الطوارئ في كافة مديريات الأمن بالتنسيق مع هيئة السلامة الوطنية والأجهزة الأمنية والبلديات والشركات الخدمية بالمناطق لضمان تقديم الدعم اللازم للمواطنين.

وجاء ذلك فيما يشتكي سكان منطقة «أولا أبو عائشة» بغرب البلاد من ازدياد الانجرافات والانهيارات الناتجة عن سريان الأودية وهطول الأمطار، مطالبين السلطات بالتحرك.

وتحدث خبير المياه الهيدروجيولوجي الليبي محمد فضل عن هذه الظاهرة، وقال إن اللجنة الاستشارية للمياه والهيدرولوجيا بالهيئة الليبية للبحث العلمي زاروا هذه المنطقة للمرة الثانية يوم الجمعة الماضي، بعد أن تعرضت المنطقة لهطول أمطار غزيرة خلال الأيام الماضية تسببت في جريان وادي الهيرة وفروعه في هذه المنطقة.

وأشار إلى أنه تم الوقوف خلال الزيارة على أن «هذه الظاهرة بدأت منذ أكثر من سنة. ولوحظ حدوث تطورات وتغيرات خطيرة بعد سقوط كميات كبيرة من الأمطار على المنطقة»، متحدثاً عما أسماه بـ«التطور الكبير والمخيف» لعدد وحجم ونوعية التشققات و«التي تنذر بعواقب خطيرة في المنطقة».

ونوهت اللجنة إلى أن «الوضع سيتفاقم ويزداد سوءاً، خصوصاً في حالة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة، وهو ما سيكون مصدر تهديد وقلق لحياة بعض الأسر وممتلكاتهم وكذلك الطرق في المنطقة». و«كي لا تزداد الأوضاع سوءاً وتصبح كارثية» دعت اللجنة الجهات المحلية والسياسية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المواطنين وممتلكاتهم في المنطقة المتضررة.