هل دخلت «الحركة الشعبية» في حلف مع «الدعم السريع» ضد الجيش؟

خبراء: استغلت «وهن الدولة» ورفعت سقف طموحاتها

قادة «الحركة الشعبية ـ الشمال»: عبد العزيز الحلو (من اليسار) ومالك عقار وياسر عرمان في أغسطس 2017 (غيتي)
قادة «الحركة الشعبية ـ الشمال»: عبد العزيز الحلو (من اليسار) ومالك عقار وياسر عرمان في أغسطس 2017 (غيتي)
TT

هل دخلت «الحركة الشعبية» في حلف مع «الدعم السريع» ضد الجيش؟

قادة «الحركة الشعبية ـ الشمال»: عبد العزيز الحلو (من اليسار) ومالك عقار وياسر عرمان في أغسطس 2017 (غيتي)
قادة «الحركة الشعبية ـ الشمال»: عبد العزيز الحلو (من اليسار) ومالك عقار وياسر عرمان في أغسطس 2017 (غيتي)

فاجأ الهجوم الذي شنته «الحركة الشعبية لتحرير السودان» على مدينة كادوقلي، في ولاية جنوب كردفان، المراقبين والمحللين السياسيين، واعتبره البعض خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينها وبين الحكومة السودانية، واستغلالاً للأوضاع المترتبة على الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، ودعماً «مباشراً» لهذه القوات التي تقاتل الجيش، وذلك عبر إشغاله بمعركة غير معركته مع «الدعم السريع».

وكان الجيش السوداني قد قال، الثلاثاء، إن اللواء 54 مشاة التابع له في منطقة كادوقلي، تعرض لهجوم «غادر» من «الحركة الشعبية»، برغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي يجدد سنوياً مع حكومة السودان. وأضاف الجيش أن قواته تصدت للهجوم «ببسالة وردت المتمردين وكبدتهم خسائر كبيرة، واحتسبت عدداً من الشهداء والجرحى».

ولم يصدر من «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، أي بيان بشأن الهجوم المذكور، وهي تسيطر على منطقة «كاودا» الحصينة في إقليم جنوب كردفان، ولم توقع اتفاقية سلام مع الحكومة السودانية، وتشترط إعلان دولة علمانية وحكم فيدرالي كامل للدخول في أي مفاوضات مع الحكومة.

ما الحركة الشعبية؟

تتكون «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بقيادة الحلو، من شماليين انحازوا لجنوب السودان في الحرب الأهلية التي انتهت باتفاقية «نيفاشا». وبُعيد انفصال جنوب السودان، بقيت الفرقتان التاسعة والعاشرة التابعتان لـ«الجيش الشعبي لتحرير السودان»، وتسمتا بـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان - جناح الشمال»، ثم تعرضت هذه الحركة نفسها لانشقاق بين رئيسها مالك عقار ونائبه، آنذاك، ياسر عرمان، اللذين وقعا اتفاقاً مع الخرطوم. ويشغل الأول منصب نائب رئيس مجلس السيادة الحالي، وتوجد القوات التابعة له في إقليم النيل الأزرق، ولاحقاً انشق عنه نائبه ياسر سعيد عرمان وكون «الحركة الشعبية لتحرير السودان - التيار الثوري الديمقراطي»، التي تعارض القيادة العسكرية الحالية.

وتعد «الحركة الشعبية لتحرير السودان - جناح الحلو» تقليدياً «العدو اللدود» لقوات «الدعم السريع»، وقد أفلحت في التصدي لهجمات «الدعم السريع» عليها عندما حاول نظام الرئيس المعزول عمر البشير إنهاء وجودها عسكرياً، مثلما فعلت هذه القوات بالحركات الدارفورية المتمردة ملحقة بها هزائم كبيرة.

مخزن طبي مدمَّر في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور بسبب القتال في السودان (أ.ف.ب)

ويتساءل المراقبون عن مقاصد «الحركة الشعبية» من الدخول في معركة مع الجيش في الوقت الذي يخوض فيه هذا الأخير معركة ضد عدوها التقليدي «الدعم السريع»، وما إذا كان هذا الهجوم دعماً غير مباشر لـ«الدعم السريع» في معركته ضد الجيش.

التكتيك أم الاستراتيجية؟

يقول محللون لـ«الشرق الأوسط»، إن خطوة «الحركة الشعبية» تعد نموذجاً لتفكير الحركات المسلحة بالسودان في «كيفية تغليب التكتيك على الاستراتيجية». وتابع: «الحركة حسبت أن كل أجهزة الدولة، بما فيها القوات المسلحة، مشغولة بالمعارك في الخرطوم، واعتبرت أن هناك فرصة سانحة للتقدم في هذه المناطق وكسب مساحات جديدة تضاف للمناطق التي تسيطر عليها».

ويوضح أحد المحللين أن «الحركة لم تحسب حسابات تأثير الخطوة على صورتها وعلى ما تنادي به من أفكار، فبدت كأنها تنسق مع قوات الدعم السريع لتفتح جبهة جديدة، بحيث تتوزع قدرات الجيش السوداني في أكثر من جبهة، بما يتيح لقوات الدعم السريع، التي يفترض أنها خصم استراتيجي وعدو رئيسي للحركة الشعبية، أن تتحرك بشكل أفضل وتحقق انتصاراً على الجيش السوداني».

طموحات الحركة

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة بحري، البروفسور صلاح الدومة، فيرى أن «طموحات الحركة الشعبية زادت بعدما وهن المركز»، وأن الأخطاء الغبية للانقلابين؛ الأول (25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) والثاني (انقلاب 15 أبريل/ نيسان) ويقصد حرب الجيش و«الدعم السريع»، والإدارة السيئة للدولة والأزمة، زادت وهن الدولة الواهنة أصلاً، ما شجع «الحركة الشعبية» على رفع سقف طموحاتها لتتمدد في إقليم جنوب كردفان.

سكان يغادرون منازلهم في جنوب العاصمة السودانية (أ.ف.ب)

ويعد الدومة أن هجوم «الحركة الشعبية» على قوات الجيش يشكل دعماً مباشراً لقوات «الدعم السريع»، العدو التقليدي لها، ويفسر ذلك قائلاً: «في العلاقات الدولية، هناك عدة مبادئ على رأسها مبدأ مصالح الصراع، وهو مبدأ يقلب العلاقات رأساً على عقب، ويتحول بموجبه أعداء الأمس إلى أصدقاء، وأصدقاء الأمس إلى أعداء». وتابع: «تعد الحكومة المركزية لسودان 1956 العدو اللدود للحركة الشعبية والدعم السريع، وعدو العدو صديق، فمتى توافقت المصالح يمكن أن يصبح الأعداء أصدقاء».

ويستشهد البروفسور الدومة لدعم فكرته بدفاع الولايات المتحدة الأميركية عن الثورة السودانية ومساندتها لها، ويقول: «من يسهر على مصالح الشعب السوداني والثورة السودانية؛ الولايات المتحدة الأميركية، وهذا يمثل التقاء مصالح من كانوا أعداء في يوم من الأيام».

ويضيف: «الشعب السوداني يصف الولايات المتحدة بأنها دولة إمبريالية، وأنها لا تزال دولة إمبريالية، لكن لأن مصالحها في السودان لن تتحقق إلا في ظل حكومة ديمقراطية ليبرالية تشيع الحرية والعدالة والمساواة وتطبق القانون، فهذا من مصلحة الشعب السوداني».

وأشار الدومة إلى دعم الحكومة الأميركية للسودان منذ 19 ديسمبر (كانون الأول)؛ تاريخ انطلاق الثورة السودانية، وقال إنها دفعت نحو 3 مليارات دولار في شكل قروض ومساعدات لدعم الثورة، «ليس حباً بالشعب السوداني، لكن من أجل تحقيق الديمقراطية الليبرالية التي تتحقق بموجبها المصالح الأميركية».
وتابع: «هذه هي علاقات مصالح الصراع التي قد تجعل من الحركة الشعبية والدعم السريع اللذين يواجهان معاً عدواً مشتركاً، هو السلطة المركزية وممثلها الجيش، حليفين مرحليين».


مقالات ذات صلة

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.